أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-27
208
التاريخ: 16-10-2014
2326
التاريخ: 11-3-2016
2231
التاريخ: 5-5-2017
3428
|
فتح علماء التفسير باباً باسم ( معرفة شروط المفسِّر وآدابه ) وذكروا كلّ ما يحتاج إليه المفسّر في تفسير كلام اللّه العزيز فمنهم مَن اختصر كالراغب الأصفهاني في ( مقدمة جامع التفاسير ) ، ومنهم مَن أسهب كالزركشي في كتابه ( البرهان في علوم القرآن ) والسيوطي في ( الإتقان ) ، ونحن نسلك طريقاً وسطاً في هذا المضمار ، وبما أنّ ما ذكره الراغب أساس لكل مَن جاء بعده ، نأتي هنا بملخّص ما ذكره ، ثمّ ندخل في صلب الموضوع ، فنقول : ذكر الراغب الأصفهاني في ( مقدّمة جامع التفاسير ) الشروط التالية :
الأوّل : معرفة الألفاظ ، وهو علم اللغة .
الثاني : مناسبة بعض الألفاظ إلى بعض ، وهو الاشتقاق .
الثالث : معرفة أحكام ما يعرض للألفاظ من الأبنية والتعاريف والإعراب ، وهو النحو .
الرابع : ما يتعلّق بذات التنزيل ، وهو معرفة القراءات .
الخامس : ما يتعلّق بالأسباب التي نزلت عندها الآيات ، وشرح الأقاصيص التي تنطوي عليها السور من ذكر الأنبياء ( عليهم السَّلام ) والقرون الماضية ، وهو علم الآثار والأخبار .
السادس : ذكر السُنن المنقولة عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وعمّن شهد الوحي ، ممّن اتّفقوا عليه وما اختلفوا فيه ممّا هو بيان لمجمل أو تفسير لمبهم ، المنبَأ عنه بقوله تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [النحل : 44] وبقوله تعالى : {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام : 90] ، وذلك علم السُنن .
السابع : معرفة الناسخ والمنسوخ ، والعموم والخصوص ، والإجماع والاختلاف ، والمجمل والمفصّل ، والقياسات الشرعية ، والمواضع التي يصحّ فيها القياس والتي لا يصحّ ، وهو علم أُصول الفقه .
الثامن : أحكام الدين وآدابه ، وآداب السياسات الثلاث التي هي سياسة النفس والأقارب والرعية مع التمسك بالعدالة فيها ، وهو علم الفقه والزهد .
التاسع : معرفة الأدلّة العقلية والبراهين الحقيقية والتقسيم والتحديد ، والفرق بين المعقولات والمظنونات ، وغير ذلك ، وهو علم الكلام .
العاشر : علم الموهبة ، وذلك علم يورّثه اللّه مَنْ عَمِلَ بما علم ، وقال أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : ( قالت الحكمة : مَن أرادني فليعمل بأحسن ما علم ) ثمّ تلا : {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر : 18].
وما روي عنه حين سُئل : هل عندك علم عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لم يقع إلى غيرك ؟ قال : لا ، إلاّ كتاب اللّه و ما في صحيفتي (1) ، وفهم يؤتيه اللّه مَن يشاء وهذا هو التذكّر الذي رجّانا تعالى إدراكه بفعل الصالحات ، حيث قال : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل : 90] إلى قوله : ( لعلّكُمْ تَذَكَّرُون ) ، وهو الهداية المزيدة للمهتدي في قوله : {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد : 17] وهو الطيب من القول المذكور في قوله : {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج : 24] .
فجملة العلوم التي هي كالآلة للمفسّر ، ولا تتمّ صناعة إلاّ بها ، هي هذه العشرة : علم اللغة ، والاشتقاق ، والنحو ، والقراءات ، والسير، والحديث ، وأُصول الفقه ، وعلم الأحكام ، وعلم الكلام ، وعلم الموهبة . فمَن تكاملت فيه هذه العشرة واستعملها خرج عن كونه مفسّراً للقرآن برأيه (2) .
هذا نصّ كلام الراغب الأصفهاني ، وقد ذكر أُمّهات الشرائط التي ينبغي على المفسّر التحلّـي بها ، وبيت القصيد في كلامه هو ما ذكره في الشرط العاشر وهو علم الموهبة .
والحقّ أنّ تفسير القرآن الكريم يحتاج إلى ذوق خاص على حدّ يخالط القرآن روحه وقلبه ، ويتجرد في تفسيره عن كلّ نزعة وتحيز ، وهو عزيز المنال والوجود بين المفسرين .
ولكن الذي يُؤخذ على الراغب الأصفهاني هو أنّ بعض ما عدّه من شروط التفسير يعدّ من كمال علم التفسير ، كالعلم بأُصول الفقه وعلم الكلام ، فإنّ تفسير الكتاب العزيز لا يتوقف على ذينك العِلمين على ما فيها من المباحث التي لا تمتُّ إلى الكتاب بصلة ، نعم معرفة الناسخ والمنسوخ ، والمطلق والمقيد وكيفية العلاج ، أو معرفة العموم والخصوص وكيفية التخصيص ، والإجماع والاختلاف وأُسلوب الجمع بينهما ، والمجمل والمبيّن ، التي هي من مباحث علم الأُصول ممّا يتوقف عليه تفسير الكتاب ، كما أنّ الآيات التي تتضمن المعارف الغيبية كالاستدلال على توحيد ذاته وفعله وعبادته لا تُفسر إلاّ من خلال الوقوف على ما فيها من المباحث العقلية التي حقّقها علماء الكلام والعقائد ، وهذا واضح لمَن له أدنى إلمام بالقرآن .
وما ربّما يقال من أنّ السلف الصالح من الصحابة والتابعين كانوا مفسّرين للقرآن على الرغم من عدم اطّلاعهم على أغلب هذه المباحث ، غير تام ; فانّ المعلم الأَوّل ـ بعد النبيّ ـ للتفسير و المصدر الأوّل للعلوم الإسلامية هو الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، وقد رُوي عنه في علم الكلام ما جعله مرجعاً في ذينك العِلمين حتّى فيما يرجع إلى أُصول الفقه من معرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص ، قال ( عليه السَّلام ) :
( إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعاماً وخاصاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، ولقد كُذب على رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) على عهده حتى قام خطيباً وقال : مَن كذب عليَّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار ) .
إلى أن قال بعد تقسيم الناس إلى أربعة أقسام :
( وآخر رابع لم يكذب على اللّه ، ولا على رسوله ، مبغض للكذب خوفاً من اللّه ، وتعظيماً لرسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لم يهم ، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به على ما سمعه ، لم يزد فيه ولم يُنقص منه ، فهو حفظ الناسخ فعمل به ، وحفظ المنسوخ فجنَّب عنه ، وعرف الخاص والعام ، والمحكم والمتشابه ، فوضع كلّ شيء موضعه ) (3) .
هذا بعض كلامه ( عليه السَّلام ) حول ما يمت إلى أُصول الفقه ، وأمّا كلامه فيما له صلة بالعقائد والمباحث الكلامية فحدّث عنه ولا حرج ، فهذه خُطَبه ( عليه السَّلام ) فيها وقد أخذ عنه علماء الكلام ما أخذوا (4) .
وأمّا مَن لا خُبرة له بهذين العِلمين من الأقدمين فقد اقتصروا بالتفسير بالمأثور وتركوا البحث فيما لم يرد فيه نص ، ولذا عاد تفسيرهم تفسيراً نقلياً محضاً ، وسيوافيك البحث في هذا النوع من التفسير .
إلى هنا تمّ ما أردنا نقله من كلام الراغب ، وبما أنّ لجلال الدين السيوطي كلاماً في شروط التفسير نذكره ؛ لِما فيه من اللطافة وإن كان ذيله لا يخلو من الشذوذ ، قال :
قال العلماء : مَن أراد تفسير الكتاب العزيز ، طلبه أوّلاً من القرآن ، فما أُجملَ منه في مكان ، فقد فُسّر في موضع آخر ، وما اختصر في مكان ، فقد بُسط في موضع آخر منه .
وقد ألّف ابن الجوزي كتاباً فيما أُجمل في القرآن في موضع وفُسّر في موضع آخر منه ، وأشرت إلى أمثلة منه في نوع المجمل .
فإن أعياه ذلك طلبه من السنّة ، فإنّها شارحة للقرآن وموضحة له ، وقد قال الشافعي : كلّ ما حكم به رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فهو ممّا فهمه من القرآن ، قال تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ } [النساء : 105] في آيات أُخر وقال ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : ( أَلا إنّي أُوتيت القرآن ومِثله معه ) ، يعني السنّة .
فإن لم يجده في السنّة رجع إلى أقوال الصحابة ، فإنّهم أدرى بذلك ؛ لِما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله ، ولِما اختصوا به من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح (5) .
فما ألطف كلامه في المقطعين الأوّلين دون المقطع الثالث فقد بخس فيه حقوق أئمّة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ، فإنّ السنّة النبوية ليست منحصرةً بما رواها الصحابة والتابعون ، فإنّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) عيبة علم النبي ووعاة سُننه ، فقد رووا عن آبائهم عن علي أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) روايات في تفسير القرآن الكريم ، كيف وهم أحد الثقلين اللّذين تركهما رسول اللّه وقال : ( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه ، وعترتي ) .
ولعمر اللّه إنّ الإعراض عن أحاديث أئمّة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) لخسارةً فادحة على الإسلام والمسلمين .
ثمّ إنّ الرجوع إلى أقوال الصحابة لا ينجع ما لم تُرفع أقوالهم إلى النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، فمجرد أنّهم شاهدوا الوحي والتنزيل لا يُثبت حجّية أقوالهم ما لم يُسند إلى النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، والقول بحجّية قول الصحابي بمجرّد نقله وإن لم يسند قوله إلى النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قول فارغ عن الدليل ، فإنّه سبحانه لم يبعث إلاّ نبيّاً واحداً لا أنبياء حسب عدد الصحابة إلاّ أن يرجع قولهم إلى قول النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) .
إذا عرفت كلام هذين العَلَمين فلنذكر شروط التفسير حسب ما نراها .
______________________________
1 ـ الثابت عندنا غير هذا ، وكتاب علي ( عليه السَّلام ) بإملاء الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) المخزون عند الأئمة الطاهرة ( عليهم السَّلام ) ، لا يلائمه .
2 ـ مقدمة جامع التفاسير : 94 ـ 96 ، نشر دار الدعوة .
3 ـ نهج البلاغة ، الخطبة : 210 .
4 ـ لاحظ كتاب بحوث في الملل والنحل : 3 / 187 ـ 192 .
5 ـ الإتقان في علوم القرآن : 2 / 1197 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
في مستشفى الكفيل.. نجاح عملية رفع الانزلاقات الغضروفية لمريض أربعيني
|
|
|