المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

أدنى الأرض
17-09-2014
البلوغ الجنسي ودورة الشياع في الابقار
18-5-2016
التاريخ يعيد نفسه
7-6-2017
حرمة مال المسلم
27-3-2018
أنماط الأدوار - الأدوار العالمية - الدولة القائدة
24-1-2021
حساب ثابت استقرارية المعقدات Estimation of Stability Constants of the Complexes
2024-03-21


التشريع الإسلامي قاصر عن مواكبة التطور  
  
1266   10:02 صباحاً   التاريخ: 18-11-2016
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم
الجزء والصفحة : ص556-564
القسم : العقائد الاسلامية / شبهات و ردود / الاسلام والمسلمين /

[نص الشبهة] :

كلما تكاملت جوانب الحضارة وتشابكت، وتعددت ألوانها، واجه المجتمع أوضاعا وأحداثا جديدة وطرحت عليه مشاكل طارئة لا عهد للأزمنة السابقة بها، إذن فحاجة المجتمع إلى قوانين وتشريعات جديدة لا تزال تتزايد كل يوم تبعا لذلك ، وما جاء به محمد بن عبد الله لا يجاوز قوانين محدودة ، فكيف تفي النصوص المحدودة بالحوادث الطارئة غير المتناهية  .

الجواب : إن خلود التشريع وبقاءه في جميع الأجيال ومسايرته للحضارات الإنسانية، واستغناءه عن كل تشريع سواه ، يتوقف على وجود أمرين فيه :

الأول : أن يكون التشريع ذا مادة حيوية خلاقة للتفاصيل بحيث يقدر معها علماء الأمة والأخصائيون منهم على استنباط كل حكم يحتاج إليه المجتمع البشري في كل عصر من الأعصار .

الثاني : أن ينظر إلى الكون والمجتمع بسعة وانطلاق ، مع مرونة خاصة تماشي جميع الأزمنة والأجيال ، وتساير الحضارات الإنسانية المتعاقبة ، وقد أحرز التشريع الإسلامي كلا الأمرين ، أما الأول فقد أحرزه بتنفيذ أمور :

ألف - الاعتراف بحجية العقل في مجالات خاصة : إن من سمات التشريع الإسلامي التي يمتاز بها عن سائر التشريعات هي إدخال العقل في دائرة التشريع ، والاعتراف بحجيته في الموارد التي يصلح له التدخل والقضاء فيها ، فالعقل أحد الحجج الشرعية ، وفي مصاف المصادر الأخرى للتشريع ، وقد فتح هذا الاعتراف للتشريع الإسلامي سعة وانطلاقا وشمولا لما يتجدد من الأحداث ، ولما يطرأ من الأوضاع الاجتماعية الجديدة .

إن الملازمة بين حكمي العقل والشرع ( إنه كلما حكم به العقل حكم به الشرع ) ترفع كثيرا من المشاكل التي لم يرد فيها نص، فللعقل دور كبير في استنباط كثير من الأحداث التي يصلح للعقل القضاء فيها ، ويقدر على إدراك حكم الشرع من حكم نفس العقل ، وذلك في الموارد التالية :

1 - القول بالملازمة بين وجوب المقدمة وذيها .

2 - القول بالملازمة بين حرمة الشيء ومقدمته .

3 - الحكم بالبراءة عند عدم النص .

4 - الحكم بالامتثال القطعي عند العلم الإجمالي .

5 - الحكم بالملازمة بين الحرمة وفساد العبادة .

6 - الحكم بالملازمة بين تعلق النهي بنفس المعاملة وفسادها .

7 - الحكم بالإجزاء عند الامتثال وفق الأمر الاضطراري .

8 - الحكم بالإجزاء عند الامتثال وفق الأمر الظاهري .

9 - استكشاف الأمر الشرعي بالأهم عند التزاحم .

10 - استكشاف بطلان الصلاة عند اجتماع الأمر والنهي بتقديمه على الآمر .

إلى غير ذلك من الأحكام التي تعد من ثمرات القول بالتحسين والتقبيح العقليين ، فمن عزل العقل عن الحكم في ذلك المجال ، فقد قصرت فكرته عن تقديم أي حل لهذه الأحكام وما ذكرناه نماذج لما للعقل من دور ، وإلا فالأحكام المستنبطة من العقل في مجالات مختلفة أكثر من ذلك .

ب - إن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد عند العدلية : إن من أمعن في الكتاب والسنة يقف على أن التشريع الإسلامي تابع لملاكات ، فلا واجب إلا لمصلحة في فعله ولا حرام إلا لمفسدة في اقترافه ، ويشهد بذلك كتاب الله في موارد : يقول سبحانه : {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] فالآية تعلل حرمة الخبيثين باستتباعهما العداوة والبغضاء وصدهما عن ذكر الله ، يقول سبحانه : {...وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ...} [العنكبوت: 45] .

إلى غير ذلك من الآيات التي تصرح بملاكات الأحكام .

وقد تضافرت النصوص عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) على أن الأحكام الشرعية تخضع لملاكات ، قال الإمام الطاهر علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) : " إن الله تبارك وتعالى لم يبح أكلا ولا شربا إلا لما فيه المنفعة والصلاح ، ولم يحرم إلا ما فيه الضرر والتلف والفساد " (1) .

وقال ( عليه السلام ) في الدم : " إنه يسئ الخلق ، ويورث القسوة للقلب ، وقلة الرأفة والرحمة، ولا يؤمن أن يقتل ولده ووالده" (2) .

وهذا باقر العلوم وإمامها ( عليه السلام ) يقول : " إن مدمن الخمر كعابد وثن ، ويورثه الارتعاش ، ويهدم مروته ، ويحمله إلى التجسر على المحارم من سفك الدماء ، وركوب الزنا " (3) .

وغيرها من النصوص المتضافرة عن أئمة الدين (4) .

فإذا كانت الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد في الموضوع ، فالغاية المتوخاة من تشريعها إنما هي الوصول إليها ، أو التحرز عنها ، وبما أن المصالح والمفاسد ليست على وزان واحد ، بل رب واجب يسوغ في طريق إحرازه اقتراف بعض المحارم ، لاشتماله على مصلحة كبيرة لا يجوز تركها أصلا ، ورب حرام ذي مفسدة كبيرة ، لا يجوز اقترافه ، وإن استلزم ترك الواجب أو الواجبات .

ولأجل ذلك فقد عقد الفقهاء بابا خاصا لتزاحم الأحكام وتصادمها في بعض الموارد ، فيقدمون الأهم على المهم والأكثر مصلحة على الأقل منها ، والأعظم مفسدة على الأحقر منها ، وهكذا . . . ويتوصلون في تمييز الأهم عن المهم ، بالطرق والأمارات التي تورث الاطمئنان ، وباب التزاحم في علم الأصول غير التعارض فيه ، ولكل أحكام .

وقد أعان فتح هذا الباب على حل كثير من المشاكل الاجتماعية التي ربما يتوهم الجاهل أنها تعرقل خطى المسلمين في معترك الحياة ، وأنها من المعضلات التي لا تنحل أبدا ، ولنأتي على ذلك بمثال وهو : إنه قد أصبح تشريح بدن الإنسان في المختبرات من الضروريات الحيوية التي يتوقف عليه نظام الطب الحديث ، فلا يتسنى تعلم الطب إلا بالتشريح والاطلاع على خفايا الأمراض والأدوية . غير أن هذه المصلحة ، تصادمها مسألة احترام الإنسان حيا وميتا ، إلى حد أوجب الشارع الإسراع في تغسيله وتكفينه وتجهيزه للدفن ، ولا يجوز نبش قبره إذا دفن ، ولا يجوز التمثيل به وتقطيع أعضائه ، بل هو من المحرمات الكبيرة التي لم يجوزها الشارع حتى بالنسبة إلى الكلب العقور ، غير أن عناية الشارع بالصحة العامة وتقدم العلوم جعلته يسوغ اقتراف هذا العمل لتلك الغاية ، مقدما بدن الكافر على المسلم والمسلم غير المعروف على المعروف منه ، وهكذا. . .

ج - التشريع الإسلامي ذو مادة حيوية : إن التشريع الإسلامي في مختلف الأبواب مشتمل على أصول وقواعد عامة تفي باستنباط آلاف من الفروع التي يحتاج إليها المجتمع البشري على امتداد القرون والأجيال .

أخرج الكليني عن عمر بن قيس ، عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : "إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله ، وجعل لكل شيء حدا ، وجعل عليه دليلا يدل عليه ، وجعل على من تعدى ذلك الحد حدا " .

روى الكليني عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : " ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة " (5) .

وقال الإمام الطاهر موسى الكاظم ( عليه السلام ) عندما سأله عن وجود كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه قال مجيبا : " بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه " (6) .

نعم تتجلى حيوية مادة التشريع إذا أخذنا بسنة رسول الله المروية عن طريق أئمة أهل البيت ، فقد حفظوا سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عندما كانت كتابة الحديث أمرا معرضا عنه ، ولذلك صارت أدلة الفقه الإسلامي متوسعة كافلة لاستنباط الأحكام ، وبذلك أغنوا الأمة الإسلامية عن مقاييس ظنية كالقياس والاستقراء ، وما لا دليل عليه من الكتاب والسنة على وجه القطع واليقين .

إن الاكتفاء بما ورد عن النبي عن طريق الصحابة وعدم الرجوع إلى ما رواه أئمة أهل البيت عن جدهم متسلسلا كابر عن كابر لخسارة عظمى ، فعلى المشغوف بتجديد حياة الإسلام وإغنائه عن أي تشريع غربي وشرقي وتجسيد الخاتمية في مجال التشريع أن يجتاز الحدود التي ضربها الأمويون ومن لف لفهم بين الناس وأئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) فعند ذلك ستنفتح آفاق من حديث الرسول مما يحتار اللب به ، ويثير الحسرة لما فات الأمة من التنور بنورهم في القرون الماضية .

د - تشريع الاجتهاد وعدم غلق بابه : ومما أضفى على التشريع الإسلامي خلودا وغضاضة وشمولية وإغناء عن موائد الأجانب ، فتح باب الاجتهاد فيما تحتاج إليه الأمة في حياتها الفردية والاجتماعية ، ومن أقفله في الأدوار السابقة قطع الأمة الإسلامية عن مواكبة التطور والحضارة، ومن ثم جعل التشريع الإسلامي ناقصا غير كامل لما تحتاج إليه الأمة ، وأما لزوم فتحه فهو أن الأمة الإسلامية في زمن تتوالى فيه الاختراعات والصناعات ، وتتجدد الأحداث التي لم يكن لها مثيل في عصر النبي ولا بعده ، فهم أمام أحد أمور :

1 - بذل الوسع في استنباط أحكام الموضوعات الحديثة من الأصول والقواعد الإسلامية .

2 - اتباع المبادئ الغربية من غير نظر إلى مقاصد الشريعة .

3 - الوقوف من غير إعطاء حكم .

ومن المعلوم بطلان الثاني والثالث فيتعين الأول .

نعم ، لم يزل هذا الباب مفتوحا عند الشيعة بعد رحيل صاحب الرسالة إلى يومنا هذا ، وبذلك أنقذوا الشريعة من الانطماس وأغنوا الأمة الإسلامية عن التطلع إلى موائد الغربيين . وبما أن الاجتهاد الحر ، والخروج عن قيد المذاهب صار واضح اللزوم نقتصر على هذا المقدار .

ه‍ - حقوق الحاكم الإسلامي أو ولاية الفقيه : من الأسباب الباعثة على بقاء الدين وكونه مادة حيوية صالحة لحل المشاكل والمعضلات الطارئة ، كون الحاكم الإسلامي بعد النبي والأئمة ممثلا لقيادتهم الحكيمة في أمور الدين والدنيا ، التي من شأنها أن توجه المجتمع البشري إلى أرقى المستويات الحضارية ، فقد فتحت لمثل هذا الحاكم الصلاحيات المؤدية إلى حق التصرف في كل ما يراه ذا مصلحة للأمة في إطار القوانين العامة ، لأنه يتمتع بمثل ما يتمتع به النبي والإمام من النفوذ المطلق إلا ما كان من خصائص النبي والأئمة . وبما أن المحققين أسهبوا الكلام في معنى ولاية الفقيه اقتصرنا على هذا المقدار .

مرونة التشريع الإسلامي :

لقد سبق الحديث عن أن استغناء التشريع الإسلامي عن كل تشريع سواه رهن أمرين :

الأول : إنه ذو مادة حيوية خلاقة للتفاصيل بحيث يقدر على الإجابة ببيان حكم جميع الأحداث التالية والطارئة .

الثاني : النظر إلى الكون والمجتمع بسعة وانطلاق مع مرونة خاصة تماشي جميع الأزمنة والأجيال ...

إن الذي فتح للتشريع الإسلامي خلودا وغناء عن سائر التشريعات هو مرونة أحكامه التي تماشي جميع الأزمنة والحضارات، وقد تمثلت هذه المرونة بأمور :

الأول : كونه جامعا بين الدعوة إلى المادة والروح إذا غالت المسيحية في التوجه إلى الناحية الروحية ، فدعت إلى الرهبانية والتعزب ، وغالت اليهودية في الدعوة إلى ملاذ الحياة والانكباب على المادة حتى نسيت كل قيمة روحية ، فالإسلام دعا إلى المادية والمعنوية على وجه يطابق الفطرة الإنسانية ، وجعل الفطرة مقياسا للحلال والحرام ، وشرع للإنسان ما يسعده في الدنيا والآخرة على ما هو مفصل في محله .

الثاني : النظر إلى المعاني لا إلى الظواهر : الإسلام ينظر إلى المعاني والحقائق لا الظواهر والقشور ، فيأمر بالأخذ باللب لا بالقشر ، وهذا هو السر في خاتمية الدين الإسلامي وتمشيه مع تطور الحياة ، ولا يتوهم من ذلك جواز التدخل في التشريع بحجة الأخذ باللب دون القشر ، فإن الكبريات الواردة في الكتاب والسنة كلها لب ، وأما القشر فإنما يرجع إلى التخطيط والتجسيد .

...[ومن المعلوم] أن الإسلام دعا الإنسان إلى الملبس والمسكن وإشاعة العلم والتربية ، وهذا هو اللب ، وأما الأشكال والأنماط لهذا التشريع فمتروك إلى مقتضيات العصور .

إن الذي يهتم به التشريع كون البيت مقاما على أرض غير مغصوبة ومن مال حلال بحيث يتمكن المسلم من إقامة فرائضه فيه وحفظ كيانه ، وقد أناط شكل البيت وهندسته إلى مقتضيات الظروف والمصالح ، وكذا الملابس ووسائل التعليم ابتداء من الحفر على الصخر والجدران والكتابة على الجلود والقراطيس ، إلى

ابتكار وسائل ألكترونية متطورة لإنجاز الغرض ، فمن أراد الحفاظ على الصور ، فقد عرقل الأمة الإسلامية عن التقدم وأثار مشاكل في تطبيق الشريعة في الأزمنة الحاضرة .

الثالث : الأحكام التي لها دور التحديد من الأسباب الموجبة لمرونة هذا الدين وانطباقه على جميع الحضارات الإنسانية تشريعه القوانين الخاصة التي لها دور التحديد والرقابة بالنسبة إلى عامة تشريعاته وقد اصطلح عليها الفقهاء بالأدلة الحاكمة ، لأجل حكومتها وتقدمها على كل حكم ثبت لموضوع بما هو هو ، فهذه القوانين الحاكمة ، تعطي لهذا الدين مرونة يماشي لبها كل حضارة إنسانية ، مثلا قوله سبحانه : {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ... } [الحج: 78] حاكم على كل تشريع استلزم العمل به حرجا ، لا يتحمل عادة للمكلف فهو مرفوع في الظروف الحرجة ، ومثله قوله ( صلى الله عليه وآله ) : " لا ضرر ولا ضرار " فكل حكم استتبع العمل به ضررا شديدا ، فهو مرفوع في تلك الشرائط ، وقس عليهما غيرهما من القوانين الحاكمة .

نعم تشخيص الحاكم عن المحكوم ، وما يرجع إلى العمل بالحاكم من الشرائط ، يحتاج إلى الدقة والإمعان والتفقه والاجتهاد ، ورأينا أن الموضوع يحتاج إلى التبسط أكثر من هذا ، فإلى مجال آخر أيها القارئ الكريم .

________________

(1) النوري ، مستدرك الوسائل 3 : 71 .

(2) المجلسي ، بحار الأنوار 62 : 165 / 3 .

(3) المجلسي ، بحار الأنوار 62 : 164 / 2 .

(4) راجع علل الشرائع للشيخ الصدوق فقد أورد فيه ما أثر عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) في بيان علل التشريع .

(5) الكليني 1 : 59 - 62 باب الرد إلى الكتاب والسنة .

(6) نفس المصدر السابق .

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.