أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-3-2016
![]()
التاريخ: 5-5-2017
![]()
التاريخ: 16-10-2014
![]()
التاريخ: 14-11-2014
![]() |
لعل اوسع ما اثر عن ابن عباس في هذا الباب هي مسائل نافع بن الازرق الخارجي (1) ، جاء لـيـسـال حبر الامة تعنتا لا تفهما وكان متقنا للعربية وامير قومه وفقيههم ، فحاول افحام مثل ابن عباس استظهارا لمذهبه .
والقصة كما رواها السيوطي في الاتقان ، فيها شيء من الغرابة ، ولعل فيها زيادة وتحريفا ، غير انها على كل حال تحدد من اتجاه ابن عباس اللغوي في التفسير ، واضطلاعه بالأدب الرفيع .
قـال جلال الدين السيوطي : قد روينا عن ابن عباس كثيرا من استشهاده بالشعر لحل غريب القرآن ، واوعـب مـارويناه عنه مسائل ابن الازرق ـ وساقها تماما حسب استخراجه من كتاب الوقف لابن الانباري ، والمعجم الكبير للطبراني ـ (2) ولنذكر منها طرفا : قال بينا عبد اللّه بن عباس جالس بفنا الكعبة ، قد اكتنفه الناس يسالونه عن تفسير القرآن ، واذا بنافع بـن الازرق قال لنجدة بن عويمر (3) : قم بنا الى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا عـلـم له به ، فأتياه وقالا : نريد ان نسالك عن اشياء من كتاب اللّه ، فتفسرها لنا ، وتأتينا بمصادقة من كلام العرب ، فان اللّه انما انزل القرآن بلسان عربي مبين قال ابن عباس : سلاني عما بدا لكما.
فـسـالـه نـافع عن قوله تعالى : {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} [المعارج : 37] ؟ قال : العزون : الحلق الرقاق قال نافع : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، اما سمعت عبيد بن الابرص وهو يقول :
فجاؤوا يهرعون اليه حتى ـــــ يكونوا حول منبره عزينا.
قال الراغب : عزون ، واحدته عزة ، واصله من : عزوته فاعتزى ، اي نسبته فانتسب .
وقـال الـطـبـرسي : عزون ، جماعات في تفرقة ، واحدتهم عزة وانما جمع بالواو والنون ، لانه عوض ، مثل سنة وسنون واصل عزة عزوة من : عزاه يعزوه ، اذا اضافه الى غيره فكل جماعة من هذه الجماعات مضافة الى الاخرى (4) .
وساله عن قوله : {إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} [الأنعام : 99] ؟ قال : نضجه وبلاغه واستشهد بقول الشاعر :
اذا مشت وسط النسا تأودت ـــــ كما اهتز غصن ناعم النبت يانع (5) .
وسـالـه عـن {الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } [الشعراء : 119] ؟ قال : السفينة الموقرة الممتلئة واستشهد بقول ابن الابرص :
شحنا ارضهم بالخيل حتى ـــــ تركناهم اذل من الصراط (6) .
وساله عن {زَنِيمٍ } [القلم : 13] ؟ قال : ولد زنى واستشهد بقول الخطيم التميمي :
زنيم تداعته الرجال زيادة ـــــ كما زيد في عرض الاديم الاكارع (7) .
قال الراغب : الزنيم : الزائد في القوم وليس منهم وهو المنتسب الى قوم هو معلق بهم لا منهم .
وساله عن {جَدُّ رَبِّنَا } [الجن : 3] ؟ قال : عظمة ربنا واستشهد بقول امية بن ابي الصلت :
لك الحمد والنعماء والملك ربنا ـــــ فلا شيء اعلا منك جدا وامجدا.
وكان يبحث عن لغات القبائل ويترصد اخبارهم ، استطلاعا للغريب من الفاظهم الواقعة في القرآن ، وكـان اذا اشكل عليه فهم كلمة ارجاها حتى يتسمع قول الاعراب ليعثر على معناها ، طريقة متبعة لدى اهل التحقيق .
اخرج الطبري باسناده الى ابن ابي يزيد قال : سمعت ابن عباس ، وهو يسال عن قوله تعالى : {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج : 78] ، قال : ما هاهنا من هذيل (8) احد؟ فقال رجل : نعم ، قال : ما تعدون الحرجة فيكم ؟ قال : الشي الضيق قال ابن عباس : فهو كذلك (9) .
واخـرج مـن طـريـق قـتـادة عـن ابـن عـبـاس ، قـال : لـم اكن ادري ما {افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ } [الأعراف : 89] حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول لزوجها : تعال افاتحك ، تعني اقاضيك (10) .
واخـرج ابـو عـبـيـد فـي الـفضائل من طريق مجاهد عن ابن عباس ، قال : كنت لا ادرى ما {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر : 1] حـتـى اتـانـي اعرابيان يختصمان في بئر ، فقال احدهما : انا فطرتها ، يقول : انا ابتدأتها (11) .
وفـي تفسير الزمخشري ـ عند قوله تعالى : {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ } [الانشقاق : 14] ـ : وعن ابن عباس : ما كنت ادري ما معنى (يحور) حتى سمعت اعرابية تقول لبنية لها : حوري ، اي ارجعي . واستشهد الزمخشري بقول لبيد :
وما المر الا كالشهاب وضوئه ـــــ يحور رمادا بعد اذ هو ساطع (12) .
وقد جاء نفس الاستشهاد في مسائل ابن الازرق ايضا (13) .
وهكذا استطاع بثقافته اللغوية ان يحيط بلغات القبائل ، ويميز عن بعضها البعض . روي عـنـه في قوله تعالى : {وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح : 12] انه قال : البور ، في لغة اذرعات الفاسد ، فأما عند العرب فانه لا شيء (14) .
وقال في قوله تعالى : {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم : 61] السمود : الفنا ، وهي يمانية . وفي قوله تعالى : {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [الصافات : 125] قال : ربا ، بلغة اهل اليمن . وفي قوله : {كَلَّا لَا وَزَرَ} [القيامة : 11] قال : الوزر : ولد الولد ، بلغة هذيل . وفـي قـولـه : {فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الإسراء : 58] قال : مكتوبا ، وهي لغة حميرية ، يسمون الكتاب اسطورا (15) .
بـل نـراه لـم يـقـتصر على الاحاطة بلغات القبائل ، حتى ضم اليها التعرف الى الكلمات الوافدة الى الـعـربـية من لغات الامم المجاورة قال في قوله تعالى : (ان ناشئة الليل هي اشد وطئا واقوم قيلا) بلسان الحبشة ، اذا قام الرجل من الليل قالوا : نشأ (16) .
وقال في قوله تعالى : (فرت من قسورة ) هو بالعربية الاسد ، وبالفارسية شار (شير) ، وبالقبطية اريا ، وبالحبشية قسورة (17) .
هـذا ، مـضـافا الى معرفته بداب سائر الامم ورسومهم ، كان يقول في قوله تعالى : (يود احدهم لو يعمر الف سنة ) هو قول الاعاجم : (زه ، نوروز ، مهرجان حر) (18) .
وعـن تلميذه سعيد بن جبير : هو قول بعضهم لبعض اذا عطس : زه هزار سال ، وفي رواية عن ابن عـبـاس : هـو قـول احـدهـم : زه هزار سال ، يقول : عش الف سنة (19) (زه ) و(زى ) بالفارسية بمعنى الدعاء بطول العمر ، من (زيستن ) بمعنى الحياة .
اضف الى ذلك معرفته بالتاريخ والجغرافية ، وما جرت على جزيرة العرب من حوادث وايام ، وقد اتـاح لـه حـظا وافرا من هذه الثقافة ، تنقله في البلاد ، بين مكة والمدينة ، ثم ولايته على البصرة واشـتراكه في غزوة افريقية ، بل وتنقله بين انحاء الجزيرة في طلب العلم ، اذ كان يهتم الاهتمام كله بـتـعرف قصة كل اسم او موطن او موضع جرى له ذكر في القرآن ، ان مبهما او صريحا يقول : ( الاحقاف ، المذكور في الكتاب العزيز : واد بين عمان وارض مهرة ) وارض مهرة هي حضرموت كما جاء في كلام ابن اسحاق وقال قتادة : الاحقاف : رمال مشرفة على البحر بالشحر من ارض اليمن قال ياقوت : هذه ثلاثة اقوال غير مختلفة في المعنى (20) .
وقال ـ في البحرين ـ : روي عن ابن عباس : البحرين من اعمال العراق ، وحده من عمان ناحية جر فار ، واليمامة على جبالها (21) .
وقال ـ في عرفة ـ : وقال ابن عباس : حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة الى جبالها الى قصر آل مالك ووادي عرفة (22) .
وقـال ـ فـي تـحـديد جزيرة العرب ـ : واحسن ما قيل في تحديدها ما ذكره ابو المنذر هشام بن مـحمد بن السائب الكلبي مسندا الى ابن عباس ، قال : اقتسمت العرب جزيرتها على خمسة اقسام قال : وانـمـا سـمـيت بلاد العرب جزيرة ، لإحاطة الانهار والبحار بها من جميع اقطارها واطرافها ، فصاروا منها في مثل الجزيرة من جزائر البحر (23) . الـى غـيرها من موارد تدلك على سعة معرفة ابن عباس بالأوضاع والاحوال التي تكتنفه ، شان اي عالم ومحقق خبير.
وبعد فان احاطته باللغة وبالشعر القديم ، لتدلك على قوة ثقافته البالغة حدا لم يصل اليه غيره ، ممن كان في طرازه ذلك العهد ، الامر الذي جعله بحق زعيم هذا الجانب من تفسير القرآن ، حتى لقد قيل فـي شـانـه : هو الذي ابدع الطريقة اللغوية في التفسير (24) فضلا عن كونه ابا للتفسير في جميع جوانبه ومجالاته .
وبـذلـك كان قد كشف النقاب عن وجه كثير من آيات احاطت بها هالة من الابهام ، لولا معرفة سبب النزول . مـثـلا نـتـسال : ما هي العلاقة بين (ذكر اللّه وذكر الاباء) في قوله تعالى : {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة : 200] والسياق وارد بشان احكام الحج ومناسكه ؟.
وهـنا يأتي ابن عباس ليوضح من موضع هذه العلاقة قال : (ان العرب كانوا عند الفراغ من حجتهم بـعـد ايـام الـتـشريق ، يقفون بين مسجد منى وبين الجبل ، ويذكر كل واحد منهم فضائل آبائه في الـسـماحة والحماسة وصلة الرحم ، ويتناشدون فيها الاشعار ، ويتكلمون بالمنثور من الكلام ، ويـريـد كـل واحـد مـنـهم من ذلك الفعل ، حصول الشهرة والترفع بمثر سلفه فلما انعم اللّه عليهم بالإسلام امرهم ان يكون ذكرهم لربهم كذكرهم لابائهم او اشد ذكرا) (25) .
وهـكـذا لـما تسال بعضهم : ما وجه قوله تعالى : {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة : 158] اي لا حـرج عـلـيـه ولا مأثم في السعي بين الصفا والمروة وظاهره نفي الباس ، اي عدم المنع ، وهو لا يـقـتـضـي الـوجوب ، مع ان قوله تعالى ـ في صدر الاية ـ : (ان الصفا والمروة من شعائر اللّه ) يستدعي الوجوب ، لانه خبر في معنى الامر؟
وقـد كـان ذلك موضع تساؤل منذ او ل يومه اخرج الطبري باسناده الى عمرو ابن حبيش قال : قلت لـعـبـد اللّه بن عمر : (ان الصفا والمروة من شعائر اللّه ، فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما) ، قال : انطلق الى ابن عباس فأساله فانه اعلم من بقي بما انزل على محمد(صلى الله عليه واله ).
قـال : فأتيت ابن عباس فسالته ، فقال : انه كان عندهما اصنام ، فلما اسلموا امسكوا عن الطواف بينهما حتى انزلت {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة : 158] (26) .
كـان الـمـشـركون قد وضعوا على الصفا صنما يقال له : (اساف ) ، وعلى المروة (نائلة )فلما اعتمر رسول اللّه (صلى الله عليه واله)عمرة القضاء تحرج المسلمون عن السعي بينهما ، زعما منهم ان السعي بينهما شيء كـان صـنـعـه الـمـشركون تزلفا الى الصنمين ، فانزل اللّه ان لا حرج ولا موضع لما وهمه اناس (27) .
__________________________________
1- نـافـع بـن الازرق الـحـنـفي الحروري ، راس الازارقة من الخوارج واليه نسبتهم هلك سنة (65ه).
2- راجع الاتقان ، ج2 ، ص 56 ـ 88.
3- نـجـدة بـن عـامـر الـحـنـفي الحروري ، راس الفرقة النجدية كان من اصحاب الثورات ذلك العهد هلك سنة ( 69) ه.
4- مجمع البيان ، ج10 ، ص 357.
5- اود وتأود : اعوج وانحنى .
6- شحن المدينة بالخيل : ملاها.
7- تداعوا الشي : ادعوه تداعى القوم : دعا بعضهم بعضا والاديم : وجه الارض واكارع الارض : اطرافها القاصية .
8- تروى الاخبار ان هذيلا كانت احسن القبائل ثقافة واوسعها في اللغة ، ومن ثم تمنى عثمان ـ عـنـد مـا رفع اليه المصحف ورأي فيه شيئا من اللحن ـ قال : لو كان المملئ من هذيل ، و الكاتب من ثقيف ، لم يقع فيه هذا (مصاحف السجستاني ، ص 32 ـ 33). ويـروى ان عمر قرا على المنبر : (او يأخذهم على تخوف )النحل / 47 ، ولم يدر ما معنى التخوف هـنا هل تعرف العرب ذلك ؟ قال الشيخ : نعم ، يقول الشاعر : تخوف الرحل منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن . والسفن : الحديدة التي يبرد بها خشب القوس والقرد : الكثير القردان والتامك : العظيم السنام يقول : ان الرحل تنقص سنام الناقة كما تأكل الحديدة خشب القوس . (فـجـر الاسلام لأحمد امين ، ص 196 عن الموافقات ، ج2 ، ص 57 و58 والذهبي ، ج1 ، ص 74 ، عنه ج1 ، ص 88).
9- تفسير الطبري ، ج17 ، ص 143.
10- الـطـبـري ، ج9 ، ص 3 وفـي روايـة : انـطـلـق افاتحك ، تعني اخاصمك وراجع : الاتقان ، ج2 ، ص 5و جـات الـقـصـة فـي تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ، ج1 ، ص 48 محرفة وراجع : ايضا مناهج التفسير للصاوي ، ص 34.
11- الاتقان ، ج2 ، ص 4.
12- الكشاف ، ج4 ، ص 727.
13- الاتقان ، ج4 ، ص 64.
14- رواه ابـن قتيبة مسندا له الى ابن عباس (تأويل مشكل القرآن ، ج2 ، ص 133) وفيه شيء من التصحيف ، صححناه على تفسير الطبري (ج26 ، ص 49) من غير ان ينسبه الى ابن عباس .
15- الاتقان ، ج2 ، ص 89 ـ 91.
16- تفسير الطبري ، ج1 ، ص 6 ، المزمل / 6.
17- المصدر نفسه ، المدثر/ 51.
18- الطبري ، ج1 ، ص 340 ، البقرة / 96.
19- الطبري ، ج1 ، ص 340 والدر المنثور ، ج1 ، ص 89.
20- معجم البلدان ، ج1 ، ص 115.
21- المصدر نفسه ، ج1 ، ص 347.
22- معجم البلدان ، ج4 ، ص 104.
23- معجم البلدان ، ج2 ، ص 137.
24- التفسير والمفسرون ، ج1 ، ص 75 عن مذاهب التفسير الاسلامي لجولد تسيهر ، ص 89.
25- الفخر الرازي ، ج5 ، ص 183.
26- تفسير الطبري ، ج2 ، ص 28 ، الدر المنثور ، ج1 ، ص 159 ، البقرة / 158.
27- مجمع البيان للطبرسي ، ج1 ، ص 240.
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|