أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2019
2906
التاريخ: 29-8-2019
2137
التاريخ: 4-2-2020
1521
التاريخ: 6-10-2016
2139
|
هي المعنى الراتب في القلب ، الباعث على الإقدام على الأمور بأول خاطر ، من دون توقف واستبطاء في اتباعها و العمل بها.
وقد عرفت أنه من لوازم ضعف النفس و صغرها ، و هو من الأبواب العظيمة للشيطان ، قد أهلك به كثيرا من الناس ، قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) -: « العجلة من الشيطان , و التأني من اللّه».
وقد خاطب اللّه تعالى نبيه ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) بقوله : {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه : 114] ، وقد روي : «أنه لما ولد عيسى (عليه السلام) أتت الشياطين إبليس ، فقالت : أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها .
فقال : هذا حادث قد حدث ، مكانكم , فطار حتى جاء خافقي الأرض ، فلم يجد شيئا ، ثم وجد عيسى (عليه السلام) قد ولد ، وإذا الملائكة قد حفت حوله ، فرجع إليهم ، فقال : إن نبيا قد ولد البارحة ، ما حملت أنثى قط و لا وضعت إلا و أنا بحضرتها ، إلا هذا ، فايأسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ، و لكن ائتوا بني آدم من قبل العجلة و الخفة».
والظواهر في ذم العجلة أكثر من أن تحصى ، و لذلك أفتى بعض علماء العامة بالمنع من التعجيل لمن خاف فوت صلاة الجمعة , و السر في شدة ذمها : أن الأعمال ينبغي أن تكون بعد المعرفة و البصيرة ، و هما موقوفان على التأمل و المهلة ، و العجلة تمنع من ذلك ، فمن يستعجل في أمر يلقى الشيطان شره عليه من حيث لا يدرى.
والتجربة شاهدة بأن كل أمر يصدر على العجلة يوجب الندامة و الخسران ، و كل ما يصدر على التأني و التثبت لا تعرض بعده ندامة ، بل يكون مرضيا ، و بأن كل خفيف عجول ساقط عن العيون ، و لا وقع له عند القلوب.
والمتأمل في الأمور يعلم أن العجلة هو السبب الأعظم لتبديل نعيم الآخرة و ملك الأبد بخسائس الدنيا و مزخرفاتها.
و بيان ذلك : أنه لا ريب في أن أحب اللذات و ألذها للنفس هو الغلبة و الاستيلاء ، لأنها من صفات الربوبية التي هي مطلوبة بالطبع للنفوس المجردة.
والسر فيه : أن كل معلول من سنخ علته ، و يناسبها في صفاتها و آثارها ، و غاية ابتهاجه أن يتصف بمثل كمالاتها ، و لذا قيل : « كل ما يصدر عن شيء لا يمكن أن يكون من جميع الجهات هو هو ، و لا أن يكون من جميع الجهات ليس هو بل من جهة هو هو و من جهة ليس هو».
و هذا معنى كلام قدماء الحكمة : (الممكن زوج تركيبي).
ولا ريب في أن جميع الموجودات معلومة للواجب سبحانه ، صادرة عن محض وجوده و مترشحة عن فيضه و وجوده ، فهو غاية الكل و الكل طالبة نحو كمالاته ، إلا أن ما هو في سلسلة الصدور إليه أقرب و الواسطة بينهما أقل ، تكون مناسبة له أتم و شوقه إلى الاتصاف بكماله أشد و لا ريب في أن الذوات المجردة النورية التي هي من عالم الأمر مقتبسة من مشكاة نوره ، فلها غاية القرب إليه في سلسلة الصدور، فتكون شديدة الشوق إلى الاتصاف بنحو كماله. والنفس الإنسانية لكونها منها و من عالم الأمر كما قال اللّه تعالى -: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء : 85] , تكون مثلها في القرب إليه تعالى أو في المناسبة له ، فلها غاية الشوق في الاتصاف بصفاته و كمالاته التي من جملتها الغلبة و الاستعلاء و ليس ذلك مذموما ، إذ ينبغي لكل عبد أن يطلب ملكا عظيما لا آخر له ، و سعادة دائميه لا نفاد لها ، و بقاء لا فناء فيه ، و عز لا ذل معه ، و أمنا لا خوف فيه ، و غنى لا فقر معه ، و كمالا لا نقصان فيه , و هذه كلها من أوصاف الربوبية ، و طالبها طالب للعلو و العز و الكمال لا محالة.
فالمذموم من الرئاسة و الاستيلاء إنما هو الغلظ الذي وقع للنفس بسبب تغرير اللعين المبعد عن عالم الأمر، إذ حسدها على كونها من عالم الأمر ، فأضلها و أغواها من طريق العجلة ، فزين في نظره الملك الفاني المشوب بأنواع الآلام ، لكونه عاجلا ، و صده عن الملك المخلد الدائم الذي لا يشوبه كدر و لا يقطعه قاطع ، لكونه آجلا.
والمسكين المخذول ابن آدم لما خلق عجولا راغبا في العاجلة ، لما جاءه المطرود من عالم الأمر، و توسل إليه بواسطة العجلة التي في طبعه ، و استغواه بالعاجلة ، و أمال قلبه إلى عدم الاعتناء بالآجلة ، و زين له الحاضرة ، و وعده بالغرور و بالتمني على اللّه في باب الآخرة فانخدع بغروره و اشتغل بطلب ملك الدنيا و مزخرفاتها مع فنائها ، و ترك سلطنة الآخرة مع بقائها ، و لم يتأمل المسكين في أن ملك الدنيا و رئاستها ليس كمالا و لا علوا و استيلاء في الحقيقة ، بل هو صفة نقص يصده عن الكمال الحقيقي و الرئاسة المعنوية.
مثال ذلك : أنه لا ريب في أن الحب و العشق صفة كمال ، و لكن إذا وقع في موقعه ، و ذلك إذا كان المحبوب شريفا كاملا في ذاته و صفاته ، فحب اللّه سبحانه أشرف الصفات الكمالية ، و حب الجمادات و خسائس الحيوانات أخس الرذائل النفسية ، فكل من كان جاهلا بحقائق الأمور ينخدع بغروره ، و يختار الملك العاجل الفاني على السلطنة الآجلة الباقية ، و أما العالم الموفق فلا يتدلى بحبل غروره ، إذ علم مداخل مكره ، فأعرض عن العاجلة و اختيار الآجلة.
ولما استطار مكر اللعين في كافة الخلق ، أرسل اللّه إليهم الأنبياء ، و اشتغلوا بدعوتهم من الملك المجازي الذي لا أصل له و لا دوام ان سلم إلى الملك الحقيقي الذي لا زوال له أصلا ، فنادوا فيهم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ } [التوبة : 38] , و ذموا من اختار العاجلة الفانية على الآخرة الباقية كما قال سبحانه : { إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان : 27] , و قال : { كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ } [القيامة : 20، 21] , فالغرض من بعثه الرسل ليس إلا دعوة الخلق إلى الملك المخلد ليكونوا ملوكا في الآخرة بسبب القرب من اللّه تعالى ، و درك بقاء لا فناء فيه ، و عز لا ذل معه ، و قرة عين أخفيت لا يعلمها أحد.
والشيطان يدعوهم من طريق العجلة إلى ملك الدنيا الفاني ، لعلمه بأن ما سمى ملك الدنيا ، مع أنه لا يسلم ولا يخلو عن المنازعات والمكدرات وطول الهموم في التدبيرات ، يفوت به ملك الآخرة ، إذ الدنيا و الآخرة ضرتان.
بل يفوت به الملك الحاضر الذي هو الزهد في الدنيا ، إذ معناه أن يملك العبد شهوته و غضبه فينقادان لباعث الدين و إشارة الإيمان.
وهذا ملك بالاستحقاق ، إذ به يصير صاحبه حرا و باستيلاء الشهوة يصير عبد لبطنه و فرجه و سائر أعضائه ، فيكون مسخرا مثل البهيمة ، مملوكا يسخره زمام الشهوة ، أخذ المخنقة إلى حيث يريد و يهوى فما أعظم اغترار الإنسان ، إذ ظن أنه ينال الملك بأن يصير مملوكا ، و ينال الربوبية بأن يصير عبدا.
ومثل هذا هل يكون إلا معكوسا في الدنيا منكوسا في الآخرة ؟.
فقد ظهر أن منشأ الخسران في الدنيا و الآخرة هو العجلة.
و الطريق في علاجها : أن يتذكر فسادها ، و سوء عاقبتها ، و إيجابها للخفة و المهانة عند الناس ، و تأديتها إلى الندامة و الخسران.
ثم يتذكر شرافة الوقار الذي هو ضده ، و كونه صفة الأنبياء و الأخيار، فيوطن نفسه على ألا يرتكب فعلا إلا بعد التأمل و المهلكة ، و لا يترك الطمأنينة و السكون باطنا و ظاهرا في جميع أفعاله و سكناته ، فإذا فعل ذلك مدة ، و لو بالتكلف و العمل ، يصير ذلك عادة له ، فتزول عنه هذه الصفة ، و تحدث صفة الوقار و السكينة .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|