أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2022
1507
التاريخ: 5-10-2016
2961
التاريخ: 2024-02-24
846
التاريخ: 6-4-2022
1838
|
شبه بعض الحكماء حال الإنسان و اغتراره بالدنيا ، و غفلته عن الموت و ما بعده من الأهوال وانهماكه في اللذات العاجلة الفانية الممتزجة بالكدورات : بشخص مدلى في بئر، مشدود وسطه بحبل ، وفي أسفل ذلك البئر ثعبان عظيم متوجه إليه ، منتظر سقوطه ، فاتح فاه لالتقامه ، وفي أعلى ذلك البئر جرذان أبيض و أسود ، لا يزالان يقرضان ذلك الحبل شيئا فشيئا ، ولا يفتران عن قرضه آنا من الآنات ، و ذلك الشخص ، مع أنه يرى ذلك الثعبان و يشاهد انقراض الحبل آنا فآنا ، قد أقبل على قليل عسل قد لطخ به جدار ذلك البئر و امتزج بترابه و اجتمعت عليه زنابير كثيرة ، و هو مشغول بلطعه منهمك فيه ، ملتذ بما أصاب منه ، مخاصم لتلك الزنابير عليه ، قد صرف باله بأجمعه إلى ذلك ، غير ملتفت إلى ما فوقه و إلى ما تحته , فالبئر هو الدنيا ، و الحبل هو العمر، و الثعبان الفاتح فاه هو الموت ، و الجرذان الليل و النهار القارضان للعمر، و العسل المختلطة بالتراب هو لذات الدنيا الممتزجة بالكدورات و الآلام ، و الزنابير هم أبناء الدنيا المتزاحمون عليها.
وشبه بعض العرفاء الدنيا و أهلها ، في اشتغالهم بنعيمها و غفلتهم عن الآخرة ، و حسراتهم العظيمة بعد الموت ، من فقدهم نعيم الجنة بسبب انغمارهم في خسائس الدنيا : بقوم ركبوا السفينة ، فانتهت بها إلى جزيرة فأمرهم الملاح بالخروج لقضاء الحاجة ، و حذرهم المقام فيها و مرور السفينة و استعجالها ، فتفرقوا في نواحي الجزيرة ، فقضى بعضهم حاجته ، و بادر إلى السفينة ، فصادف المقام خاليا ، فأخذ أوسع الأماكن و أوفقها بمراده , و بعضهم توقف في الجزيرة ، و اشتغل بالنظر إلى أزهارها و أنوارها و أشجارها و أحجارها و نغمات طيورها ثم تنبه لخطر فوات السفينة فرجع إليها ، فلم يصادف إلا مكانا ضيقا ، فاستقر فيه , و بعضهم ، بعد التنبه لخطر مرور السفينة ، لما تعلق قلبه ببعض أحجار الجزيرة و أزهارها و ثمارها ، لم تسمح نفسه بأهمالها ، فاستصحت منها جملة و رجع إلى السفينة فلم يجد فيها إلا مكانا ضيقا لا يسعه إلا بالتكلف و المشقة ، و ليس فيه مكان لوضع ما حمله ، فصار ذلك ثقلا عليه وبالا فندم على أخذها ، ولم يقدر على رميها ، فحملها في السفينة على عنقه متأسفا على أخذها , و بعضهم اشتغل بمشاهدة الجزيرة ، بحيث لم يتنبه أولا من خطر مرور السفينة و من نداء الملاح حتى امتلأت السفينة ، فتنبه أخيرا و رجع إليها ، مثقلا بما حمله من أحجار الجزيرة و حشائشها ولما وصل إلى شاطئ البحر سارت السفينة ، أو لم يجد فيها موضعا أصلا ، فبقى على شاطئ البحر , و بعضهم لكثرة الاشتغال بمشاهدة الجزيرة و ما فيها نسوا المركب بالمرة ولم يبلغهم النداء أصلا ، لكثرة انغمارهم في أكل الثمار و شرب المياه و التنسم بالأنوار و الأزهار و التفرج بين الأشجار، فسارت السفينة و بقوا في الجزيرة من دون تنبههم بخطر مرورها فتفرقوا فيها ، فبعضهم نهشته العقارب و الحيات و بعضهم افترسته السباع ، و بعضهم مات في الأوحال ، و بعضهم هلك من الندامة و الحسرة و الغصة ، و أما من بقي على شاطئ البحر فمات جوعا ، و أما من وصل إلى المركب مثقلا بما أخذه ، فشغله الحزن بحفظها والخوف من فوتها ، و قد ضيق عليه مكانه ، فلم يلبث إن ذبلت ما أخذه من الأزهار، وعفنت الثمار، و كمدت ألوان الأحجار، فظهر نتن رائحتها ، فتأذى من نتن رائحتها ولم يقدر على إلقائها في البحر لصيرورتها جزءا من بدنه ، و قد أثر فيه ما أكل منها ، و لم ينته إلى الوطن إلا بعد إحاطة الأمراض و الأسقام عليه لأجل ما لم ينفك عنه من النتن ، فبلغ إليه سقيما مدنفا فبقى على سقمه أبدا ، أو مات بعد مدة ، و أما من رجع إلى المركب بعد تضيق المكان ، فما فاته إلا سعة المحل ، فتأذى بضيق المكان مدة ، و لكن لما وصل إلى الوطن استراح ، و من رجع إليه أولا و وجد المكان الأوسع فلم يتأذ من شيء أصلا و وصل إلى الوطن سالما , فهذا مثال أصناف أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة ، و نسيانهم وطنهم الحقيقي ، وغفلتهم عن عاقبة أمرهم , وما أقبح بالعاقل البصير أن تغره بأحجار الأرض و هشيم النبت ، مع مفارقته عند الموت وصيرورته كلا و وبالا عليه.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|