أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-11-2014
3160
التاريخ: 19-09-2014
2363
التاريخ: 5-11-2014
2760
التاريخ: 2-12-2015
4061
|
قد أكثر القرآن من أنواع الاستعارة وأجاد في فنونها (1) وكان لابدّ منه وهو آخذ في توسّع المعاني توسّع الآفاق ، في حين تضايق الألفاظ عن الإيفاء بمقاصد القرآن ، لو قُيّدت بمعانيها الموضوعة لها المحدودة النطاق .
جاء القرآن بمعانٍ جديدة على العرب ، لم تكن تعهدها ، ولا وُضعت ألفاظها إلاّ لمعانٍ قريبة ، حسب حاجاتها في الحياة البسيطة البدائية القصيرة المدى ، أمّا التعرّض لشؤون الحياة العليا المترامية الأبعاد فكان غريباً على العرب الأوائل المتوغّلة في الجاهلية الأُولى .
ومِن ثَمّ لجأ القرآن في إفادة معانيه والإشادة بمبانيه إلى أحضان الاستعارة والكناية والمجاز ، ذوات النطاق الواسع ، حسب إبداع المتكلّم في تصرّفه بها ، وقدرته على الإحاطة عليها في تصريف المباني والإفادة بما يرومه من المعاني ، وقد أبدع القرآن في الاستفادة بها وتصريفها حيثما شاء من المقاصد والأهداف ، ولم يُعهد له نظير في مثل هذه القدرة على مثل هذا التصرّف الواسع الأكناف ، الأمر الذي أبهر وأعجب وأتى بالإعجاز .
وإليك إلمامة بجوانب من هذه الظاهرة القرآنية :
تعريف الاستعارة :
قال عبد القاهر : الاستعارة أن يكون لفظ الأصل في الوضع اللغوي معروفاً ، وتدلّ الشواهد على اختصاصه به ، فيكون استعماله في غيره نقلاً إليه نقلاً غير لازم ، فيشبه أن تكون عارية (2) .
وقال السكاكي : هو أن تنوي التشبيه ، ولا تُصرّح به ، فتذكر أحد طرفي التشبيه وتريد به الآخر ، مدّعياً دخول المشبّه في جنس المشبّه به ، بدلالة ما تذكر له من خصائص المشبّه به ، فلو قلت : في الدار أسد ، وأنت تريد به إنساناً شجاعاً ، كأنّك ادّعيت أنّه من جنس الأُسود فأثبتّ له خاصّية من خصائص الأسد وهي الشجاعة ، وهذا فيما ذكر المشبّه به وأُريد المشبّه ، وأمّا العكس فكقولك : أنشبت المنيّة أظفارها بفلان ، وأنت تريد بالمنيّة السبع ، فقد شبّهتها به وأفردتها بالذكر ، وادّعيت لها السبُعية وإنكار أن تكون شيئاً غير السبع ؛ ومِن ثَمّ أثبتّ لها الأظفار وهي من خصائص السبع (3) .
وعليه فالاستعارة ـ بأنواعها الكثيرة ـ مبتنية على التشبيه ، لكنّه مضمر في النفس غير مصرّح به ، سوى أنّك تذكر أحد طرفي التشبيه مقتصراً عليه ، وإنّما تردفه بخصوصية من خصوصيات طرفه الآخر المطوي ذكره ، دليلاً على التشبيه .
فالاستعارة نوع من المجاز كانت علاقتها المجوّزة هي المشابهة ، وتفوق عليه بما فيها من المبالغة وكونها الحقيقة الادّعائية ، على ما فرضه السكاكي ، وكذلك يفوق التشبيه في جعل المشبّه من جنس المشبّه به ، وذلك بترك التصريح بالتشبيه ، فيُوهم كونه أحد أفراده ومتساوياً معه في كمال الصفة ، دون التشبيه المستدعي كون المشبّه به أتمّ وأكمل .
ثمّ إن ذُكر المشبّه وتُرك المشبّه به فهو من الاستعارة التخييلية ، وهو من أبدع أنواعها ، وإن كان العكس فهي المتعارفة ، وتنقسم إلى تجريدية وترشيحية ، على ما يأتي من ذكر الأقسام .
وليُعلم أنّ الاستعارة ـ على ما ذهب إليه السكاكي وهو المختار ـ من المجاز العقلي ، وليس مجازاً في الكلمة ؛ وذلك لأنّه تصرّف في أمر عقلي ، على ما سبق في تعريفه لها ، أنّه من التوسّع في مفهوم المشبّه به وزعم دخول المشبّه في جنسه ، فليس من استعمال لفظة في غير موضعها (4) فهي حقيقة ادّعائية ، وهو من لطيف التصرّف في معاني الكلام ، ويؤيّده قولهم : في الاستعارة مبالغة ليست في غيرها من أنواع التشبيه .
وفرة الاستعارة في القرآن :
تقدّم أنّ التوفّر من الاستعارة في القرآن كان أمراً لابدّ منه ، بعد تضايق الألفاظ الموضوعة عن إمكان الإيفاء بمقاصده العلية ، والإفادة بجُلّ مطالبه الرفيعة ، لكن رأي ابن الأثير في ذلك يختلف عن رأي ابن رشيق ، بينما الأَوّل يرى قلّة الاستعارة في القرآن ، بل وفي سائر الكلام من فصيح الخطب والأشعار ؛ نظراً منه إلى أنّ طيّ المستعار له لا يتيسّر في كل كلام ، على خلاف التشبيه الذي هو كثير وسهل ... (5) إذا بابن رشيق يُعاكسه في الرأي ، ويرى أنّ الاستعارة في القرآن كثيرة ومتوفّرة وممّا يزيد في جماله وبهائه .
والسبب في هذا الاختلاف يرجع إلى ما زعمه ابن الأثير ، من كون ( التوسّع في الكلام ) ـ الذي هو نوع من الاستعارة ـ مجازاً مرسلاً وليس استعارة ! والتوسّع ، اصطلاح منه ، يُطلقه على ما يُسمّونه ( الترشيح ) وهو نوع من الاستعارة المبتنية على تناسي التشبيه ، وهو من أبلغ أنواعها ، واعترف هو بأنّه كثير في القرآن .
منها قوله تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [فصلت : 11] ، زعم أنّه توسّع في الكلام مجازاً مرسلاً ؛ لأنّه نَسب القول إلى السماء والأرض (2) في حين أنّه تشبيه مطويّ ، شَبّه السماء والأرض بمَن يعقل وينطق ؛ فلذلك نسب إليهما القول ، وهو من سِمات ( العاقل الناطق ) المشبّه به .
قال الزمخشري : وهو من المجاز الذي يُسمّى التمثيل ، ويجوز أن يكون تخييلاً ، ويُبنى الأمر فيه على أنّه تعالى كلّم السماء والأرض ، والغرض تصوير أثر قدرته تعالى في المقدورات لا غير (6) .
والتمثيل ضربٌ من الاستعارة المصرّح بها ، وهو من تشبيه مركّب بمركّب ، مطويّ ذِكر المشبّه ، والتخييل من الاستعارة ، المكنّى عنها الملازمة للترشيح ... .
__________________________
(1) وقد كان الفصل السابق معرضاً خصباً لأنواع الاستعارة وفنونها ، حيث الكلام عن فنون التشبيه وأنواعه ، والاستعارة بأشكالها نوع من التشبيه ومتوقفة عليه .
(2) أسرار البلاغة : ص22 .
(3) مفتاح العلوم : ص174 .
(4) التفتازاني في المطوّل : باب الحقيقة والمجاز ص 354 .
(5) المَثل السائر : ج2 ص97 .
(6) الكشّاف : ج4 ص189 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|