أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-7-2021
3243
التاريخ: 4-1-2022
2163
التاريخ: 20-4-2022
1995
التاريخ: 29-11-2021
2088
|
الغاية في تهذيب النفس عن الرذائل و تكميلها بالفضائل هو الوصول إلى الخير و السعادة.
والسلف من الحكماء قالوا : إن (الخير) على قسمين مطلق و مضاف ، و المطلق هو المقصود من إيجاد الكل ، إذ الكل يتشوقه و هو غاية الغايات ، و المضاف ما يتوصل به إلى المطلق.
و(السعادة) هو وصول كل شخص بحركته الإرادية النفسانية إلى كماله الكامن في جبلته و على هذا فالفرق بين الخير و السعادة أن الخير لا يختلف بالنسبة إلى الأشخاص ، و السعادة تختلف بالقياس إليهم.
ثم الظاهر من كلام أرسطاطاليس أن الخير المطلق هو الكمالات النفسية و المضاف ما يكون معدا لتحصيلها كالتعلم و الصحة ، أو نافعا فيه كالمكنة و الثروة.
وأما السعادة فعند الأقدمين من الحكماء راجعة إلى النفوس فقط ، و قالوا ليس للبدن فيها حظ فحصروها في الأخلاق الفاضلة ، و احتجوا على ذلك بأن حقيقة الإنسان هي النفس الناطقة و البدن آلة لها ، فلا يكون ما يعد كمالا له سعادة للإنسان .
وعند المتأخرين منهم كأرسطو و من تابعه راجعة إلى الشخص حيث التركيب ، سواء تعلقت بنفسه أو بدنه ، لأن كل ما يلائم جزءا من شخص معين فهو سعادة جزئية بالنسبة إليه ، مع أنه يتعسر صدور الأفعال الجميلة بدون اليسار، و كثرة الأعوان و الأنصار، و البخت المسعود ، و غير ذلك مما لا يرجع إلى النفس ، و لذا قسموا السعادة إلى ما يتعلق بالبدن من حيث هو كالصحة و اعتدال المزاج و إلى ما يتوصل به إلى إفشاء العوارف و مثله مما يوجب استحقاق المدح كالمال و كثرة الأعوان ، و إلى ما يوجب حسن الحديث و شيوع المحمدة ، و إلى ما يتعلق بإنجاح المقاصد و الأغراض على مقتضى الأمل ، و إلى ما يرجع إلى النفس من الحكمة والأخلاق المرضية.
وقالوا كمال السعادة لا يحصل بدون هذه الخمسة ، و بقدر النقصان فيها تنقص.
قالوا و فوق ذلك سعادة محضة لا تدانيها سعادة ، و هو ما يفيض اللّه سبحانه على بعض عباده من المواهب ، و الإشراقات العلمية ، و الابتهاجات العقلية بدون سبب ظاهر.
ثم الأقدمون لذهابهم إلى نفي السعادة للبدن صرحوا بأن السعادة العظمى لا تحصل للنفس ما دامت متعلقة بالبدن ، و ملوثة بالكدورات الطبيعية ، و الشواغل المادية ، بل حصولها موقوف عنها ، لأن السعادة الطلقة لا تحصل لها ما لم تصر مشرقة بالإشراقات العقلية ، و مضيئة بالأنوار الإلهية ، بحيث يطلق عليها اسم التام ، و ذلك موقوف على تخليصها التام عن الظلمة الهيولانية ، و القصورات المادية.
وأما المعلم الأول و اتباعه فقالوا إن السعادة العظمى تحصل للنفس مع تعلقها بالبدن أيضا لبداهة حصولها لمن استجمع الفضائل بأسرها ، و اشتغل بتكميل غيره.
وما أقبح أن يقال مثله ناقص و إذا مات يصير تاما ، فالسعادة لها مراتب ، و يحصل للنفس الترقي في مدارجها بالمجاهدة إلى أن تصل إلى أقصاها و حينئذ يحصل تمامها و إن كان قبل المفارقة ، و تكون باقية بعدها أيضا ، ثم المتأخرون عن الطائفتين من حكماء الإسلام قالوا إن السعادة في الأحياء لا تتم إلا باجتماع ما يتعلق بالروح و البدن ، و أدناها أن تغلب السعادة البدنية على النفسية بالفعل ، إلا أن الشوق إلى الثانية ، و الحرص على اكتسابها يكون أغلب و أقصاها أن تكون الفعلية و الشوق كلاهما في الثانية أكثر، إلا أنه قد يقع الالتفات إلى هذا العالم و تنظيم أموره بالعرض.
و أما في الأموات فيختص بما يتعلق بالنفس فقط لاستغنائهم عن الأمور البدنية ، فتختص السعادة فيهم بالملكات الفاضلة ، و العلوم الحقة اليقينية ، و الوصول إلى مشاهدة جمال الأبد ، و معاينة جلال السرمد.
وقالوا إن الأولى لشوبها بالزخارف الحسية ، و الكدورات الطبيعية ناقصة كدرة ، وأما الثانية فلخلوها عنها تامة صافية ، لأن المتصف بها يكون أبدا مستنيرا بالأنوار الإلهية ، مستضيئا بالأضواء العقلية ، مستهترا بذكر اللّه و أنسه مستغرقا في بحر عظمته و قدسه ، و ليس له التفات إلى ما سوى ذلك ، و لا يتصور له تحسر على فقد لذة أو محبوب ، و لا شوق إلى طلب شيء مرغوب ، و لا رغبة إلى أمر من الأمور، و لا رهبة من وقوع محذور، بل يكون منصرفا بجزئه العقلي مقصورا همه على الأمور الإلهية من دون التفات إلى غيرها.
وهذا القول ترجيح لطريقة المعلم الأول من حيث إثبات سعادة للبدن و لطريقة الأقدمين من حيث نفي حصول السعادة العظمى للنفس ما دامت متعلقة بالبدن.
وهو (الحق المختار) عندنا ، إذ لا ريب في كون ما هو وصلة إلى السعادة المطلقة سعادة إضافية.
ومعلوم أن غرض القائل بكون متعلقات الأبدان كالصحة و المال و الأعوان سعادة أنها سعادة إذا جعلت آلة لتحصيل السعادة الحقيقية لا مطلقا ، إذ لا يقول عاقل إن الصحة الجسمية و الحطام الدنيوي سعادة ، و لو جعلت وسيلة إلى اكتساب سخط اللّه و عقابه و حاجبة عن الوصول إلى دار كرامته و ثوابه.
و كذا لا ريب في أن النفس ما دامت متعلقة بالبدن مقيدة في سجن الطبيعة لا يحصل لها العقل الفعلي ، و لا تنكشف لها الحقائق كما هي عليه انكشافا تاما ، و لا تصل إلى حقيقة ما يترتب على العلم و العمل من الابتهاجات العقلية و اللذات الحقيقية.
و لو حصلت لبعض المتجردين عن جلباب البدن يكون في آن واحد و يمرّ كالبرق الخاطف.
هذا وقد ظهر من كلمات الجميع أن حقيقة الخير و السعادة ليست إلا المعارف الحقة ، و الأخلاق الطيبة ، و الأمر و إن كان كذلك من حيث إن حقيقتهما ما يكون مطلوبا لذاته ، و باقيا مع النفس أبدا و هما كذلك ، إلا أنه لا ريب في أن ما يترتب عليهما من حب اللّه و أنسه ، و الابتهاجات العقلانية ، و اللذات الروحانية مغاير لهما من حيث الاعتبار، و إن لم ينفك عنهما و مطلوبيته لذاته أشد و أقوى ، فهو باسم الخير و السعادة أولى و أخرى و إن كان الجميع خيرا و سعادة.
وبذلك يحصل الجمع بين أقوال أرباب النظر و الاستدلال ، و أصحاب الكشف و الحال ، و اخوان الظاهر من أهل المقال ، حيث ذهبت (الفرقة الأولى) إلى أن حقيقة السعادة هو العقل و العلم ، و (الثانية) إلى أنها العشق ، و (الثالثة) إلى أنها الزهد ، و ترك الدنيا .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|