أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-9-2016
330
التاريخ: 18-9-2016
458
التاريخ: 2024-07-27
284
التاريخ: 18-9-2016
348
|
[ والكلام في القاعدة يكون فيما يأتي ] :
- مدركها من الكتاب العزيز .
- مدركها من السنة وسيرة النبي (صلى الله عليه واله) .
- ما المراد بالجب؟ ومن أي شيء يجب الإسلام؟
- المستثنيات من هذه القاعدة .
- بناء العقلاء في هذه المسألة .
قاعدة الجب من القواعد المعروفة بين الأصحاب قاعدة الجب، وموردها ما إذا أسلم إنسان فكان عليه ذنوب أو حقوق من قبل، فالإسلام يجب عما قبله إجمالا، وليس مؤاخذا بها، ولكن الكلام في شرائط القاعدة وفروعها، وسعة دائرتها وشمولها لجميع الاحكام أو اختصاصها بدائرة خاصة.
ونتكلم فيها: أولا في مدرك القاعدة، وثانيا في مفادها، وثالثا في شرائطها وخصوصياتها وما يتفرع عليها من الفروع فنقول ومن اللّه التوفيق.
1- مدرك قاعدة الجب :
يمكن الاستدلال عليها ببعض آيات الكتاب العزيز وما ورد في السنة، وما علم من سيرة النبي صلّى اللّه عليه وآله والأئمة من بعده.
الأول : من الكتاب العزيز :
قوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38].
فإنها ظاهرة في ان الانتهاء من الكفر يوجب غفران ما سلف، وعمومية «ما» الموصولة دليل على غفران جميع ما سلف في حال الكفر.
واستدل به في «كنز العرفان» في كتاب الصلاة عند البحث عن وجوب القضاء على المرتد، انها تنتفي وجوب القضاء عن الكافر الأصلي، للعموم المستفاد من قوله «مٰا قَدْ سَلَفَ» ولكن استشكل في شمولها للمرتد، لعدم دخوله تحت عنوان «لِلَّذِينَ كَفَرُوا» الظاهر في الكافر الأصلي، ثمَّ نقل استدلال بعض بعموم «الإسلام يجب ما قبله» وأورد عليه ما أورد بما هو خارج عن مهمتنا «1».
وقال في «الجواهر» في كتاب الصوم: « (و الكافر) الأصلي (و ان وجب عليه) الصوم لأنه مكلف بالفروع (لكن لا يجب) عليه (القضاء) إجماعا بقسميه (الا ما أدرك فجره مسلما) لأن الإسلام يجب ما قبله، بناء على منافاة القضاء وان كان بفرض جديد لجب السابق باعتبار كون المراد منه قطع ما تقدم، وتنزيله منزلة ما لم يقع، كالمراد من قوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ)» «2».
واستدل أيضا في كتاب الزكاة في باب سقوط الزكاة بالإسلام وان كان النصاب موجودا، ان الإسلام يجب ما قبله، ثمَّ قال المنجبر سندا ودلالة بعمل الأصحاب، الموافق لقوله تعالى «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ» «3».
وبالجملة دلالة الآية ظاهرة على المقصود، انما الكلام في مقدار عمومها وظاهرها شمولها جميع حقوق اللّه الذي تحتاج الى غفرانه، أعم من المعاصي والواجبات التي تحتاج الى القضاء أو شبه ذلك.
اللهم الا ان يقال: الآية ناظرة إلى المعاصي، والمخالفة العملية والاعتقادية للفروع والأصول، واما ما يتعلق بالقضاء والتدارك وغيرها فهي منصرفة عنها، ولعله لذلك لم يستدل كثير منهم بالاية لقاعدة الجب، ولكن لا ينبغي الشك في شمولها للحدود الإلهية الجارية على من ارتكب الزنا وشرب الخمر وغيرهما من أشباههما، فإنها مشمولة للغفران.
وممن استدل بالاية من المفسرين، لقاعدة الجب، بعض مفسري المتأخرين من العامة حيث ذكر في تفسير الآية رواية «مسلم» من حديث «عمرو بن العاص» قال: فلما جعل اللّه الإسلام في قلبي أتيت النبي صلّى اللّه عليه وآله فقلت ابسط يدك أبايعك، فبسط يمينه فقبضت يدي، قال مالك؟ قلت أردت ان اشترط، قال تشترط بما ذا؟ قلت ان يغفر لي، قال اما علمت يا عمرو ان الإسلام يهدم ما قبله، وان الهجرة تهدم ما قبلها، وان الحج يهدم ما قبله؟! «4» وفي تفسير العياشي عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام انه استدل بهذه الآية في جواب علي بن دراج الأسدي حيث قال: اني كنت عاملا لبني أمية فأصبت مالا كثيرا فظننت ان ذلك لا يحل لي، قال عليه السّلام: فسألت عن ذلك غيري؟ قال قلت قد سألت، فقيل لي ان أهلك ومالك وكل شيء حرام، قال: ليس كما قالوا لك، قلت: جعلت فداك فلي توبة قال نعم، توبتك في كتاب اللّه «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ» «5» ولكن فيها كلام لعله سيمر عليك.
الثاني : السنة :
1- منها الرواية المعروفة التي نقلها العامة والخاصة بعبارات مختلفة في كتب الحديث والفقه والتفسير واللغة.
فممن نقله القمي في تفسير قوله تعالى «وَقٰالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً» الآية، ان أم سلمة شفع لأخيها عند النبي صلّى اللّه عليه وآله في قبول إسلامه وقالت له: الم تقل ان الإسلام يجب عما قبله؟ قال صلّى اللّه عليه وآله نعم، ثمَّ قبل إسلامه «6» ورواها الطريحي في مجمع البحرين هكذا: «الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها، من الكفر والمعاصي والذنوب» «7».
واستدلال فقهائنا في كتب الفقه من كتاب الزكاة، والصلاة، والحج، وغيرها، معروف بينهم، وقد استدلوا بالرواية، وادعوا انجبار ضعف سندها من جهة الإرسال بالشهرة.
وممن نقله من العامة المحدث المعروف مسلم ابن الحجاج في باب كون الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الهجرة، والحج، عن عمرو بن العاص انه قال بعد كلام طويل: لما جعل اللّه الإسلام في قلبي أتيت النبي صلّى اللّه عليه وآله وقلت ابسط يمينك لأبايعك فبسط يمينه، قال فقبضت يدي، قال مالك يا عمرو؟ قال قلت: أردت ان اشترط، قال تشترط بما ذا؟ قلت: ان يغفر لي، قال اما علمت ان الإسلام يهدم ما قبله وان الهجرة تهدم ما قبلها، وان الحج يهدم ما كان قبله «8».
وفي السيرة الحلبية: ان «عثمان» شفع في أخيه «ابن أبي سرح» قال صلّى اللّه عليه وآله اما بايعته وآمنته، قال بلى، ولكن يذكر ما جرى منه معك من القبيح، ويستحيي قال صلّى اللّه عليه وآله: «الإسلام يجب ما قبله» «9».
وفي تاريخ «الخميس» و«السيرة الحلبية» و«الإصابة» لابن حجر في الإسلام «هبار» قال: يا هبار! الإسلام يجب ما كان قبله، ونحوه في الجامع الصغير للسيوطي في حرف الالف.
وقد رواه جمع آخرون في كتبهم مما يطول البحث بذكرها اجمع.
وروى العلامة المجلسي (قدس سره) في «بحار الأنوار» عند ذكر قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام عن ابي عثمان النهدي جاء رجل الى عمر فقال اني طلقت امرأتي في الشرك تطليقة، وفي الإسلام تطليقتين، فما ترى؟ فسكت عمر، فقال له الرجل ما تقول؟ قال كما أنت حتى يجيء علي بن ابي طالب فجاء علي عليه السّلام فقال قص عليه قصّتك فقص عليه القصة فقال علي عليه السّلام: هدم الإسلام ما كان قبله، هي عندك على واحدة «10».
وروي من طرق العامة أيضا في حكاية إسلام «مغيرة بن شعبة» أنه وفد مع جماعة من «بني مالك» على «مقوقيس» ملك مصر فلما رجعوا قتلهما المغيرة في الطريق وفر إلى المدينة مسلما، وعرض خمس أموالهم على النبي صلّى اللّه عليه وآله فلم يقبله، وقال لا خير في غدر، فخاف المغيرة على نفسه، وصار يحتمل ما قرب وما بعد، فقال صلّى اللّه عليه وآله:
الإسلام يجب ما قبله.
ونقله ابن سعد أيضا في طبقاته.
والعمدة أنها حديث مشهور في كتب الفريقين واعتمد عليها فقهائهم في المباحث المختلفة، وكفى بذلك في جبر ضعف سندها، ولذا قال المحقق الهمداني (رضوان اللّه عليه) في مصباح الفقيه في كتاب الزكاة بعد ذكر الحديث ونقل تضعيفه من صاحب المدارك، ما نصه: المناقشة في سند هذه الرواية المتسالم على العمل بها بين الأصحاب فمما لا ينبغي الالتفات إليها وكذا في دلالتها «11».
2- مفاد الحديث الفعل الصادر من الكافر حال كفره أو الترك كذلك لا يخلو من وجوه :
1- ما كان معصية للّه كنفس الكفر، والظلم، والفساد في الأرض، وقطع الرحم.
2- ما كان له قضاء كالعبادات المتروكة مثل الصلاة والصيام.
3- ما ليس له قضاء بل وجوبه دائم ولكنه زالت شرائطه كالحج إذا صار فقيرا بعد الاستطاعة ثمَّ أسلم.
4- ما تعلق به حق شرعي، ثمَّ انعدم موضوعه، ثمَّ أسلم، كالأموال الزكوية التي لم يؤد حقها.
5- ما تعلق به حق شرعي وموضوعه باق كالنصاب الموجود من الزكاة بعد حلول الحول، ولكن أسلم بعد زمان تعلق الوجوب.
6- ماله حد شرعي كشرب الخمور والزنا وحد المحارب.
7- ماله قصاص في الشرع وليس له فيما بين العرف والعقلاء قصاص.
8- ماله قصاص في كل دين وطريقة كقتل النفوس الابرياء.
9- ماله اثر وضعي في الشرع كالتطليقات الثلاث.
10- ماله اثر وضعي باق موضوعه كالجنابة والرضاع.
11- الأموال المحرمة شرعا التي اكتسبها حال الكفر من طرق فاسدة في الشرع.
12- عقوده وإيقاعاته المتداولة.
13- ما أوجبه على نفسه بالنذر وغيره مما هو صحيح في اعتقاده، وفي الشرع.
14- ديونه التي على عهدته، ومهر زوجته، وبدل إتلافه.
لا شك في ان قاعدة الجب لا تشمل جميع ذلك فلا ترتفع عقوده السابقة وكذا ولا ترتفع ديونه بالإسلام، ولا مهر زوجته ولا غير ذلك من أشباهه بل يجب عليه الوفاء بجميعها.
وكأنه توهم بعضهم منه العموم لجميع هذه الأصناف فتوهم ورود تخصيصات كثيرة على القاعدة أو انه من قبيل تخصيص الأكثر، فزعم وهن عموم الحديث وعموم القاعدة كما توهم مثل ذلك في قاعدتي «لا ضرر» و«القرعة» فاعتقدوا شمول لا ضرر للخمس والزكاة وجميع الواجبات المالية، والحج، والنذر والديات والضمانات وقالوا ان الأخذ بعمومها مشكل لورود تخصيص الأكثر عليه بهذه الأمور الضررية وأشباهها.
وكذلك بالنسبة إلى «القرعة» فزعموا شمولها لجميع ما يشك فيه مما يكون مجرى للأصول الأربعة أو الأمارات أيضا.
وقد ذكرنا في محله ان هذه كلها توهمات وتصورات غير صحيحة ناشئة عن عدم الوصول الى مغزى القاعدتين، ومن هنا ظهر الاشكال، واما لو وضعناهما مواضعهما، لا يرد عليهما تخصيص أبدا، أو يكون التخصيص قليلا جدا، فراجع قاعدتي القرعة ولا ضرر في هذا الكتاب.
واما بالنسبة إلى حديث «الجب» فالدقة في فحواه ومحتواه تدل على عدم ورود تخصيص عليه أيضا ولو ورد عليه تخصيص لم يكن الا قليلا.
فنقول: الظاهر اللائح من الحديث لا سيما بحكم كونه في مقام الامتنان على جميع من يدخل في الإسلام، وكونه في مقام إعطاء الأمن لمن يخاف لأجل اعماله السابقة بعد دخوله في الإسلام، ان الاعمال والتروك التي ارتكبها حال كفره لو كان له في الإسلام مجازاة أو كفارة أو عذاب إلهي أو شبه ذلك فبعد ما أسلم يرتقع عنه جميع ذلك، والإسلام يجب عما قبله من هذه الأمور.
وهذا حكم الهي سياسي حضاري يوجب شوقا للنفوس الى قبول الإسلام، وعدم التنفر عنه، وكذا إذا ارتكب ذنبا في مقابل النبي صلّى اللّه عليه وآله والمؤمنين.
توضيحه ان كثيرا من الكفار كانوا ينتبهون من نومتهم وتميل نفوسهم إلى الإسلام بعد ما ارتكبوا جرائم كثيرة، ولكن قد يمنعهم خوف المجازاة من قبول الإسلام، وكان هذا سبب ترديدهم في قبول هذا الدين، ولكن الشارع المقدس الإسلامي وسّع عليهم بالحكمة الإلهية، وقال الإسلام يهدم ما قبله، أو يجب ما قبله «12».
أضف الى ذلك انه لو كان كل إنسان إذا أسلم أخذ منه زكاة أمواله طول عمره، والزم بقضاء صلواته وصيامه كذلك، وأخذ بالحدود الشرعية وأنواع التعزيرات لتنفر الطباع عن قبول هذا الدين ولم يكن الإسلام دينا سمحا سهلا.
هذا هو معنى الحديث، وحينئذ لا يبقى مجال لتوهم شمولها لعقوده وإيقاعاته أو ديونه أو بدل إتلافاته، أو القصاص الذي ثبت عليه بحكم العقلاء، أو غير ذلك من أشباهه، فإن هذه أمور لا ترتبط بالإسلام والكفر، حتى يجب الإسلام عنها، وليس في الجب عنها امتنان، ولو كان منة على واحد كان خلاف المنة على آخرين ومع ذلك لا يبقى مجال لتوهم ورود تخصيصات كثيرة عليها.
هذا خلاصة الكلام في معنى الحديث فلنرجع الى تفاصيله.
فنقول:
اما بالنسبة إلى «العقاب الأخروي والدنيوي» فهو مما لا شك في شمول الجب له، بل هذا هو القدر المتيقن من الحديث، والآية، فإذا أسلم الكافر رفع عنه العقاب من ناحية اعماله في حال كفره، وكذا الحدود والتعزيرات كلها، بل الظاهر ان الآية 38 من سورة الأنفال «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ» مختصة به، وكذلك قياسه على التوبة والحج والهجرة في بعض الروايات، أيضا من هذا الباب، ولكن سيأتي ان للقاعدة معنى أوسع من التوبة وأشباهها الموجبة للغفران فقط.
فعلى هذا يرتفع آثار الفسق عن الكفار بعد إيمانه، ولا يضرب حدا ولا تعزيرا.
وأما بالنسبة إلى العبادات التي لها «قضاء» كالصلاة والصوم فهذه وان لم تكن عقوبة بل تداركا لما فات، ولكن الإنصاف ان عموم حديث الجب يشملها أيضا، ولذا صرح غير واحد من الأصحاب بارتفاع القضاء عنه بعد الإسلام استنادا الى حديث الجب.
قال في الجواهر بعد كلام المحقق في الشرائع «انه لا يجب على الكافر القضاء الا ما أدرك فجره مسلما» ما نصه: لأن الإسلام يجب ما قبله، بناء على منافاة القضاء وان كان بفرض جديد لجب السابق، باعتبار كون المراد منه قطع ما تقدم وتنزيله منزلة ما لم يقع «13».
وذكر في موضع آخر منه: ويسقط القضاء بالكفر الأصلي بلا خلاف أجده فيه، بل في المنتهى وغيره الإجماع، بل في المفاتيح نسبته إلى ضروري الدين للنبوي «الإسلام يجب ما قبله» وبذلك يخص عموم من فاتته «14».
وفي «العناوين»: الظاهر ان الإسلام يجبّها (اي حقوق اللّه المختصة به) مطلقا للخبر، ولظاهر الإجماع فلا يجب عليه قضاء العبادات البدنية.
ومما يدل عليه دلالة ظاهرة السيرة المستمرة من لدن زمن النبي صلّى اللّه عليه وآله الى زماننا هذا انه لا يلزم من أسلم بقضاء عباداته بالنسبة إلى السنين السابقة، ولو كان لبان وظهر أشد الظهور.
واما بالنسبة إلى الحقوق المالية الإلهية كالخمس والزكاة فالظاهر انها أيضا كذلك لعمومها، وعدم المانع عنها كما صرح به الأصحاب في فتاويهم، واستندوا الى الحديث في بعض كلماتهم، ولذا قال في الجواهر «و منه يستفاد ما صرح به جماعة من سقوطها بالإسلام وان كان النصاب موجودا، لأن «الإسلام يجب ما قبله» المنجبر سندا ودلالة بعمل الأصحاب. بل يمكن القطع به بملاحظة معلومية عدم أمر النبي صلّى اللّه عليه وآله لأحد ممن تجدد إسلامه من أهل البادية وغيرهم بزكاة إبلهم في السنين الماضية بل ربما كان ذلك منفّرا لهم عن الإسلام، كما انه لو كان شيء منه لصاع وشاع، كيف والشائع عند الخواص فضلا عن العوام خلافه،- ثمَّ قال- فمن الغريب ما في المدارك من التوقف في هذا الحكم لضعف الخبر المزبور سندا ومتنا وللصحاح المتضمنة لحكم المخالف إذا استبصر» «15».
ويظهر من كلامه، ومما ذكرناه آنفا، ان السيرة المستمرة بين المسلمين من لدن زمن النبي صلّى اللّه عليه وآله على عدم أخذ الزكوات والأخماس عمن دخل في الإسلام من أقوى الأدلة على ذلك.
واما ما ذكره في المدارك فلا يخفى ضعفه مما ذكرنا، فان الحديث لا ضعف له من ناحية المتن، ولا يرد عليه تخصيصات كثيرة، كما بيناه آنفا، واما سنده مجبور بعمل الفريقين وشهرته بينهم. وقياس الكافر على المستبصر قياس مع الفارق.
ومن هنا يظهر انه لا فرق بين السنين الماضية وبين سنته إذا أسلم بعد زمن تعلق الزكاة لعين ما مر من الأدلة.
وقال بعض الفضلاء في محاضراته: قد استدل على سقوط الجانب الوضعي عن الزكاة عن الكافر بإسلامه بما روي عن النبي صلّى اللّه عليه وآله «الإسلام يجب ما قبله» فكما ان الكافر الذي أسلم لا يكلف بقضاء الصلاة والصيام الفائتين منه حال كفره كذلك لا يكلف بإعطاء الزكاة عن السنين الماضية حال كفره. هذا ما عليه المشهور بل لم ينقل عن أحد غير صاحبي المدارك والذخيرة التوقف فيه، حيث طعنا كما انه يمكن المناقشة في الدلالة بان الجب هو القطع، على ما ذكره الطريحي في مجمع البحرين ومعنى الحديث على ما ذكره: ان التوبة تجب ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب والإسلام يجب ما قبله.
والمستفاد من ذلك انه كما تلغى التوبة كل تبعة كانت على العاصي والمذنب كذلك الإسلام يلغي كل تبعة على الكافر أيام كفره، فلا يعاقب على ذلك وهذا لا ربط له بالتكليف، ثمَّ ان الحديث لو تمَّ سنده فإنه يتضمن الامتنان نظير الامتنان في حديث الرفع أو نفي العسر والحرج أو نفي الضرر، وهو انما يتم إذا لم يعارض بالامتنان في مورد آخر وفي المقام يكون الامتنان على الكافر بإسقاط الزكاة عنه معارضا لحق الأصناف الثمانية في الزكاة!.
هذا مضافا الى إشكال عقلي وهو ان البعث سبب الى العمل المبعوث اليه، فاذا كان العمل المبعوث اليه مقيدا بالإسلام وكان الإسلام مسقطا للتكليف يلزم من علية الشيء لعدم نفسه وهو مستحيل! هذا والانصاف ان شيئا مما ذكره لا يمكن المساعدة عليه ويرد عليه:
أولا- ان سند الحديث منجبر بعمل الأصحاب بل علماء الإسلام من الأصحاب وغيرهم.
ثانيا- ان عطفه على التوبة لا يوجب تضييق مفهومها بعد إطلاقها.
ثالثا- ان الامتنان على من تجدد إسلامه أقوى بمراتب من الامتنان على مستحقي الزكاة، بل لا دليل على انحصارها بموارد الامتنان.
ورابعا- أعجب من الكل الاستدلال بعدم جواز علية الشيء لعدمه فان مقتضى الحديث ان الإسلام يكون علة لإثبات التكاليف عليه في المستقبل فقط لا بالنسبة الى الماضي.
واما بالنسبة إلى الواجبات البدنية التي انعدم شرائطها فعلا كالحج بعد زوال الاستطاعة، والظاهر انها أيضا مشمولة لحديث الجب، ويوافقه السيرة المستمرة، فمن كان مستطيعا في الأزمنة البعيدة ثمَّ أسلم بعد سنين حال كونه غير مستطيع لا يلزم بالحج.
هذا كله مما لا ينبغي الإشكال في دخولها تحت القاعدة.
وكذا لا ينبغي الإشكال في خروج بعض ما ثبت فيه القصاص الشرعي، أو الديات الثابتة في الشرع مما لم تكن ثابتة عند العقلاء والأديان السابقة فالظاهر انها أيضا مرفوعة بحكم القاعدة لما عرفت عند تفصيلها.
واما قصاص النفس وشبهه مما اشترك فيه الإسلام والكفر وجميع الأديان الإلهية وغيرها، فالإنصاف انها خارجة عن القاعدة ولا وجه لرفعها بالإسلام، فإنها ليست أحكاما إسلامية فقط حتى ترتفع عمن لم يؤمن بها، وان هو الا كالديون المالية الثابتة في جميع الشرائع بل وعند من لا يؤمن بأي دين.
فلو قتل إنسان إنسانا آخر ثمَّ أسلم، فالقصاص ثابت وكذا الدية عند اجتماع شرائطها.
نعم المعروف من سيرة النبي صلّى اللّه عليه وآله انه لم يعتن بدماء الجاهلية ولم يؤاخذ أحدا بها، وقد اشتهرت منه صلّى اللّه عليه وآله هذا الحديث «الا وان كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين ودماء الجاهلية موضوعة» «16».
ولكن الظاهر ان إلغاء دماء الجاهلية كان بدليل خاص، وناشيا من علة أخرى وهو انه صلّى اللّه عليه وآله لو أراد الأخذ بدماء الجاهلية والقصاص عنها لظهر فساد كبير ولم يستقر حجر على حجر لابتلاء كثير منهم بدماء الجاهلية فكان مأمورا من عند اللّه بترك التعرض لها.
وكذا الكلام بالنسبة إلى الدماء التي اراقوها في الغزوات الإسلامية عند محاربة الإسلام مع الكفر، فلو ان كافرا حضر في بدر واحد، وقتل من المسلمين ما قتل، ثمَّ أسلم فلم يكن يقتص منه، ولم نسمع ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله اقتص من احد منهم، بل المعروف من قصة وحشي وانه عفا عنه بعد إسلامه، ان الظاهر ان قاعدة الجب يشمل جميع هذه.
اما لو لم يكن القتل جاهليا ولا دينيا بل كان في قضية خاصة بين كافر وغيره ثمَّ أسلم فحينئذ يشكل إسقاط القصاص أو الدية منه بالإسلام إذا كان هذا ثابتا في مذهبه السابق.
وأظهر من هذا الأحكام المتعلقة بالعقود والإيقاعات والعقود والنذور والديون المالية، والإتلافات، بل وجميع الضمانات، فلا ترتفع بالإسلام قطعا، فلو ان كافرا غصب مال أحد ثمَّ أسلم، أو عقد على امرأة ثمَّ أسلما، أو ابتاع شيئا من غيره ثمَّ غصب مال أحد ثمَّ أسلم، أو عقد على امرأة ثمَّ أسلما، أو ابتاع شيئا من غيره ثمَّ أسلم، أو استدان دينا كذلك، فلا إشكال في بقاء هذه الأمور على حالها، والإسلام لا يجبه ولا يقطعه مما سبق بالنسبة الى هذه الأمور.
قال بعض المحققين: «ان الحقوق المالية القابلة للتأمل أو المنع عن كونها مشمولة للنص انما هي الحقوق الثابتة عليه لا بشرع الإسلام، كرد الأمانات والديون المستقرة في ذمته، والا فقد أشرنا ان الخمس والزكاة والكفارات ونظائرها من الحقوق المالية الناشئة من التكاليف المقررة في دين الإسلام، من أظهر موارد الحديث» «17».
بل لا نجد وجها بينا لتأمله (قدس سره) في ثبوت الحقوق المالية والديون وانها ثابتة لا ترتفع.
أما بالنسبة إلى مثل حدث الجنابة والحدث الأصغر وشبههما فأحكامها باقية بعد الإسلام، ويجب على الكافر بعد إسلامه الطهارة عنها لصلواته، ولكن هل كان ذلك معمولا في صدر الإسلام في زمن النبي صلّى اللّه عليه وآله وانه كان يدعو من يدخل في الإسلام إلى الطهارة من الجنابة التي كانت به وكذا الحدث الأصغر.
الظاهر نعم بالنسبة إلى الحدث الأصغر، فان جديد الإسلام كان يتوضأ كما يتوضأ المسلمون لصلاتهم واما الاغتسال عن الجنابة السابقة ولو كان قبل سنين فقد يقال انه أيضا لازم وليس ببعيد وان كان لا يخلو عن اشكال.
قال في مفتاح الكرامة في كتاب الصلاة عند الكلام في سقوط قضائها عن الكافر: «و استثنى المحقق الثاني في حاشيتة حكم الحدث كالجنابة وحقوق الادميين قال والمعلوم ان الذي يسقط ما خرج وقته، وكذلك الشهيد الثاني وفي الذخيرة ان ذلك محل وفاق وكذا مجمع البرهان قال ان حقوق الادميين مستثنى بالإجماع» «18».
بل يظهر من بعضهم في بحث مطهرية الإسلام لبدن الكافر ورطوباته المتصلة به من بصاقه وعرقه ونخامته والوسخ الكائن على بدنه، من الاستدلال بحديث الجب له، وأورد عليه في المستمسك بأنه «يختص بالآثار المستندة إلى السبب السابق على الإسلام وبقاء النجاسة ونحوها ليس مستندا الى ذلك» «19».
ولكن هل كان ذلك معهودا في صدر الإسلام والأزمنة المتأخرة عنه ؟ وهل أمروا الكفار بتطهير أبدانهم وثيابهم والاغتسال من الجنابة، مع ان الكافر إذا دخل الإسلام يبقى على حالته السابقة بالنسبة الى هذه الأمور الا ان يؤمر بخلافه؟ لا يخلو عن اشكال.
وقال الشهيد الثاني في المسالك في باب غسل الجنابة انه يمكن أن يقال على هذا يحكم عند الإسلام بسقوط وجوب الغسل عنه ان كان في غير عبادة مشروطة به، لان الوجوب من باب خطاب وضع الشرع، ثمَّ إذا دخل وقتها أو كان حاصلا وقت الإسلام حكم عليه بوجوب الغسل اعمالا للسبب المتقدم كما لو أجنب الصبي بالجماع فإنه يجب عليه الغسل بعد البلوغ في وقت العبادة «20».
ويظهر من الخلاف أيضا وجوب الغسل عليه بعد إسلامه، قال في المسألة «70» من كتاب الطهارة ما لفظه: «الكافر إذا تطهر أو اغتسل على جنابة ثمَّ أسلم لم يعتد بهما، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة انه يعتد بهما، دليلنا ما بيّناه من ان هاتين الطهارتين تحتاجان إلى نية القربة والكافر لا يصح منه نية القربة في حال كفره لأنه غير عارف باللّه تعالى فوجب ان لا يجزيه» «21».
وكلامه وان كان ناظرا الى غير المقام ولكن يستفاد منه المقصود بطريق أولى.
وقال الفقيه الماهر قدس سره في الجواهر في كتاب الطهارة: فإذا أسلم وجب عليه الغسل عندنا بلا خلاف أجده، ويصح منه لموافقته للشرائط جميعها، إذا الظاهر ان المراد بكونه يجب ما قبله انما هو بالنسبة إلى الخطابات التكليفية البحتة، لا فيما كان الخطاب فيه وضعيا كما فيما نحن فيه، فان كونه جنبا يحصل بأسبابه فيلحقه الوصف وان أسلم «22».
وقال المحقق الهمداني في مصباحه: «لا ينبغي الاحتياط في وجوب الغسل عليه بعد ان أسلم وان لم نقل بكونه مكلفا به حال كفره، إذ غايته أن يكون كالنائم والمغمى عليه وغيرهما، ممن لا يكون مكلفا حين حدوث سبب الجنابة، ولكنه يندرج في موضوع الخطاب بعد استماع شرائط التكليف فيعمه قوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } [المائدة: 6] وقوله عليه السّلام: «إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور» ولا ينافي ذلك ما ورد من ان الإسلام يجب ما قبله لان وجوب الغسل لصلاته بعد ان أسلم من الأمور اللاحقة فلا يجبّه الإسلام، وحدوث سببه قبله لا يجدي لأن الإسلام يجعل الافعال والتروك الصادرة منه في زمان كفره في معصية اللّه تعالى كأن لم تكن، لا ان الأشياء الصادرة منه حال كفره يرتفع آثارها الوضعية خصوصا إذا لم يكن صدورها على وجه غير محرم، كما لو بال أو احتلم فإنه كما لا ترتفع نجاسة ثوبه وبدنه المتلوث بهما بسبب الإسلام كذلك لا ترتفع الحالة المانعة من الصلاة الحادثة بسببهما وكيف كان فلا مجال لتوهم ارتفاع الحدث بالإسلام كما لا يتوهم ذلك بالنسبة إلى التوبة التي روى فيها أيضا أنها تجب ما قبلها «23».
ولكن العمدة ما عرفت من سيرة النبي صلّى اللّه عليه وآله وانه هل كان يأمر من دخل الإسلام بالاغتسال عن الجنابة «24» مع ان كلهم أو جلّهم كانوا مبتلين بأسبابها، لم نر ما يدل على ذلك، إلا روايات رواها البيهقي في سننه تدل على أمر النبي صلّى اللّه عليه وآله لمن أسلم أو أراد الإسلام بالاغتسال في بعض الروايات، وبالاغتسال بالماء والسدر كما في روايات اخرى، من غير تصريح فيها بعنوان غسل الجنابة، فإن قلنا بكفاية ذلك عن جميع ما كان عليه من الأغسال، حتى غسل الحيض والنفاس بالنسبة الى النساء اللاتي دخلن في الإسلام، وتمَّ اسناد هذه الأحاديث كان الأمر واضحا، والا بقي الاشكال، وعلى كل حال لا شك انه لا ينبغي ترك الاحتياط بالاغتسال لعدم ظهور شمول قاعدة الجب له وعدم الاطمئنان بوجود السيرة على خلافه.
اما الأحكام الوضعية كالرضاع والمحرمات السببية كدمومة الزوجة التي حصلت بينها وبين غيرها قبل إسلامها فلا ينبغي الشك في إجراء أحكامها عليها لأنه يصدق عليه بعد الإسلام الأخ الرضاعي، أو صهر البنت، أو أم الزوجة أو غير ذلك من هذه العناوين، فلا مساس للقاعدة بهذه الأمور التي موضوعاتها باقية وليست من العقوبات وشبهها، لما عرفت في معنى الحديث.
أما مثل «التطليقات الثلاث» التي تحقق جميعها أو بعضها قبل الإسلام ثمَّ أسلم فالظاهر انه كذلك، لان الفراق اثر وضعي اعتباري للتطليقات، ولا دخل للإسلام والكفر فيه، وليس من العقوبات وشبهها حتى يجب الإسلام عنه، اللهم الا أن يقال ان مثل هذا الحكم لم يثبت من قبل، بل هو حكم إسلامي في هذا الدين، فالإسلام يرفعه، وعليه يحمل ما رواه في البحار عن أبي عثمان النهدي قال: جاء رجل الى عمر فقال اني طلقت امرأتي في الشرك تطليقة وفي الإسلام تطليقتين فما ترى؟ فسكت عمر، فقال له الرجل ما تقول؟ قال كما أنت حتى يجيء علي بن أبي طالب عليه السّلام فجاء علي عليه السّلام فقال قص عليه قصتك، فقص عليه القصة فقال علي عليه السّلام هدم الإسلام ما كان قبله، هي عندك على واحدة «1».
وقد عرفت روايته من طرق أهل السنة أيضا.
ولازمه سقوط ما وقع من الطلاق في حال الكفر فيقتصر على ما وقع في حال الإسلام فيعتبر من تطليقاته الثلاث تطليقتان وتتوقف الحرمة على تطليقة واحدة أخرى والظاهر ان هذا هو معنى قوله «هي عندك على واحدة».
ولكن سند الرواية ضعيف، والعمل على وفقها لا سيما مع عموم الدليل وهو قوله «هدم الإسلام ما كان قبله» يوجب العمل بهذا في سائر الأسباب والشرائط الشرعية ولا تظن أحدا يلتزم به، فالأولى أن يقال ان العمومات تقتضي القول باعتبار طلاقه قبل الإسلام، وحصول التطليقات الثلاث في مفروض المسألة فتحرم عليه المرأة، وأما الحديث لا جابر له فاللازم إيكال أمرها إلى أهلها.
ويؤيد ما ذكرنا ما ورد في عدة النصرانية إذا أسلم، فقد روى زرارة في رواية صحيحة عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن نصرانية- الى أن قال- إذا أسلمت بعد ما طلقها، فان عدتها عدة المسلمة (الحديث) «26».
فإنها صريحة في صحة طلاقها من زوجها، ويبقى عليها العدة، وحيث انها أسلمت يجب عليها الاعتداد بعدة المسلمة.
هذا تمام الكلام في مفهوم الروايات ومحتواها، وسعة دائرتها، ومقدار شمولها وبيان ما هو خارج عنها أو داخل فيها وتحصل من جميع ذلك أن القاعدة لا ترد عليه تخصيصات كثيرة ولو ثبت تخصيص في بعض الموارد فاللازم الأخذ به ويبقى الباقي تحتها.
3- بناء العقلاء هنا :
ومما يدل على قاعدة الجب أو يؤكدها تأكيدا تاما ما أسلفناه عند الكلام في السنة وانها بشكل آخر دارجة بين العقلاء وأهل العرف، ولعل الشارع أمضاها، وهو ان القوانين عندهم لا تعطف على ما سبق، ومرادهم من ذلك ان القوانين المجعولة عندهم لا تشمل المصاديق التي كانت سابقة على جعلها، لا سيما إذا كان من العقوبات والداخل في دين جديد في الواقع يكون كمن سبق قانونا فلا يشمله ذلك.
وحكمة هذا الأصل بينهم ان شمول القوانين لما سبق من المصاديق كثيرا ما يوجب الهرج والمرج واختلال النظام، ومفاسد أخرى لا تخفى على أحد.
وهذا لو لم يعد دليلا على القاعدة ولكن يمكن أن يكون سببا لانصراف العمومات والإطلاقات الواردة في العقوبات وشبهها مما صدر في حال الكفر.
أضف الى ذلك لزوم العسر والحرج الشديد من عدم جب الإسلام عما قبله وهذا وان لم يكن دليلا عاما شاملا لجميع مصاديقه، ولكن يشمل كثيرا منها وكيف لا يجب الإسلام عما قبله وقد قال اللّه تعالى {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .
وقوله صلّى اللّه عليه وآله: «بعثت الى الشريعة السمحة السهلة» «27» وأي حرج أعظم من ان يؤخذ بعد إسلامه بما فعله في حال الكفر؟ وأي سهولة وسماحة في دين يؤاخذ من دخل فيه بما صدر منه قبل ذلك ولو بسنين كثيرة؟
نعم هذا الدليل كما قلنا لا يجري في جميع موارد قاعدة الجب ولكن كثير من مصاديقها داخلة فيه فهو مؤيد لما سبق أيضا.
الى هنا تمَّ الكلام في قاعدة الجب بعون اللّه تعالى ..
_________________
(1) كنز العرفان ج 1 ص 166.
(2) الجواهر ج 17 ص 210.
(3) الجواهر ج 15 ص 62.
(4) المنار ج 9 ص 664 (ذيل آية 38 من الأنفال).
(5) نور الثقلين ج 2 ص 154.
(6) تفسير القمي ذيل الآية 90 من سورة بني إسرائيل.
(7) مجمع البحرين مادة «جب».
(8) صحيح المسلم ج 1 ص 192 (طبعة دار احياء التراث العربي).
(9) السيرة الحلبية ج 3 ص 105.
(10) بحار الأنوار ج 40 ص 230 (نقلا من مناقب آل أبى طالب).
(11) المصباح الفقيه كتاب الزكاة ص 17.
(12) ويوافقه معنى «الجب» في اللغة، فإنه بمعنى القطع، ولذا يطلق المجبوب على الخصى، فكان الإسلام يقطع ما بعده من عمر الإنسان مما قبله، فلا يبقى عليه التبعات وهو موافق لمعنى الهدم، الوارد في رواية أخرى.
(13) الجواهر ج 17 ص 10.
(14) الجواهر ج 13 ص 56.
(15) الجواهر ج 15 كتاب الزكاة ص 62.
(16) رواه ابن ماجه في السنن في المجلد الثاني ص 1023 الباب 84 من كتاب المناسك (باب حجة رسول اللّه «ص») ورواه أيضا غيره من المحدثين وأرباب السير.
(17) مصباح الفقيه للمحقق الهمداني كتاب الزكاة ص 17.
(18) مفتاح الكرامة ج 3 ص 381.
(19) المستمسك في الثامن من المطهرات.
(20) المسالك ج 1 ص 8.
(21) الخلاف ج 1 ص 25 (الطبعة الجديدة).
(22) الجواهر ج 3 ص 40.
(23) المصباح للهمدانى كتاب الطهارة مبحث الغسل.
(24) السنن الكبرى للبيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 171 (باب الكافر يسلم فيغتسل).
(25) بحار الأنوار ج 40 ص 230.
(26) الوسائل ج 15 كتاب الطلاق أبواب العدد الباب 45 الحديث 1.
(27) رواه في صحيح البخاري في المجلد الأول ص 16 باب الدين يسر، عنه (صلى الله عليه واله) ولكن متن الحديث هكذا: أحب الدين الى اللّه الحنفية السمحة وعن مسند احمد ج 6 ص 116.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|