المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8091 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



قاعدة « البينة واليمين - البينة على المدعى واليمين على من أنكر»  
  
1214   12:46 مساءاً   التاريخ: 16-9-2016
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2 ص 334 – 351 .
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / البينة واليمين - البينة على المدعي واليمين على من انكر /

[ والكلام في القاعدة يكون فيما يأتي ] :  

- مدارك القاعدة من عموم السنة وخصوصها‌ .

- معيار معرفة «المدعى» من «المنكر»‌ .

- ما استثنى من القاعدة من مسألة الدماء‌ .

- شرائط سماع الدعوى من المدعى‌ .

- عدم اشتراط الخلطة‌ .

- هل المدار في معرفة المدعى والمنكر على مصب الدعوى أو نتيجتها ؟

قاعدة البينة واليمين ومن القواعد المشهورة بين جميع علماء الإسلام قديما وحديثا قاعدة «البينة على المدعى واليمين على من أنكر» التي استدلوا بها في أبواب القضاء كلها بل هي الأصل الوحيد قبل كل شي‌ء في القضاء الشرعي الإسلامي، وهي التي استقر عليه عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في حياته والأئمة المعصومين عليهم السّلام بعد وفاته صلّى اللّه عليه وآله وقضاة الشرع في اجواء العالم الإسلامي طي القرون والأعصار في كل مكان.

وهذه العبارة (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) وان ترد بعينها في لسان الأدلة إلا قليلا ولكن معناها ورد في روايات كثيرة نبوية، وغيرها، والعمدة بهذه العبارة «البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه».

واللازم التكلم هنا في مقامات :

1- في مدرك هذه القاعدة.

2- في معنى المدعي والمنكر وملاكهما.

3- في ما يتفرع عليها ويستثنى منها أحيانا.

الأول: في مدرك هذه القاعدة :

هذه القاعدة وان كان مجمعا عليه بين الخاصة والعامة بل هي كالضروريات في الفقه الإسلامي، ولكن العمدة في مدركها هي الروايات العامة التي تدل بعمومها‌ على هذه القاعدة، والأحاديث الخاصة الواردة في أبواب معينة التي يمكن اصطياد العموم من ملاحظة مجموعها.

اما الأول فهي عدة روايات وردت من طرقنا وطرق المخالفين.

ومما وردت من طرقنا هي عدة روايات :

1- ما رواه جميل وهشام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله:

«البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه» «1».

2- ما رواه بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن القسامة فقال:

«الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه الا في الدم خاصة» «2».

و سيأتي الكلام ان شاء اللّه في استثناء حكم الدماء عن هذه القاعدة وشرائطه.

3- ما أرسله الصدوق قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، والصلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا» «3».

4- ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان اللّه حكم في دمائكم بغير ما حكم فيه في أموالكم، حكم في أموالكم ان البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، وحكم في دمائكم ان البينة على من ادعى عليه واليمين على من ادعى لئلا يبطل دم امرئ مسلم» «4».

5- ما رواه منصور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث تعارض البينتين في شاة في يد رجل، قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «حقها للمدعي ولا اقبل من الذي في يده بينة، لان اللّه عز وجل إنما أمر ان تطلب البينة من المدعي فان كانت له بينة والا‌ فيمن الذي هو في يده هكذا أمر اللّه عز وجل» «5».

6- وما رواه محمد بن سنان عن الرضا عليه السّلام فيما كتب اليه من جواب مسائله في العلل: «و العلة في أن البينة في جميع الحقوق على المدعي واليمين على المدعى عليه ما خلا الدم، لان المدعى عليه جاحد ولا يمكنه إقامة البينة على الجحود لأنه مجهول (الحديث) «6».

7- ويشهد له ما دل على ان النبي صلّى اللّه عليه وآله كان يطلب البينة من المدعي في أول الأمر، فان لم يكن له بينة طلب اليمين من المدعى عليه، مثل ما رواه علي بن عدي عن أبيه قال اختصم امرئ القيس، ورجل من حضرموت الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في أرض فقال أ لك بينة؟ قال لا، قال: فيمنه، قال اذن واللّه يذهب بأرضي قال ان ذهب بيمينه كان ممن لا ينظر اللّه اليه يوم القيمة، ولا يزكيه، وله عذاب اليم، قال ففزع الرجل وردها اليه «7».

8- ما رواه عثمان بن عيسى، وحماد بن عثمان، جميعا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث فدك ان أمير المؤمنين عليه السّلام قال لأبي بكر: «أ تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين؟ قال: لا، قال فان كان في يد المسلمين شي‌ء يملكونه ادعيت انا فيه، من تسئل البينة؟! قال إياك كنت اسئل البينة، على ما تدعيه على المسلمين، قال فاذا كان في يدي شي‌ء فادعى فيه المسلمون تسئلني البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وبعده؟ ولم تسئل المؤمنين البينة على ما ادعوا علي كما سئلتني البينة على ما ادعيت عليهم؟- الى أن قال - وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» «8».

9- ما رواه في دعائم الإسلام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال : «البينة في الأموال على المدعي واليمين على المدعى عليه» قال أمير المؤمنين عليه السّلام : «و البينة في الدماء على من أنكر برأيه مما ادعى عليه واليمين على من ادعى» «9».

وهي وان كانت مختصة بالأموال ولكن الظاهر ان المراد منها مطلق الحقوق ما عدا الدم الذي له حكم خاص في مسألة القضاء سيأتي الإشارة اليه ان شاء اللّه عن قريب.

10- وما رواه في الغوالي عن النبي صلّى اللّه عليه وآله انه قال: البينة على المدعي واليمين على من أنكر «10».

الى غير ذلك مما يعثر عليه المتتبع.

واما من طرق العامة فهي أيضا عدة روايات :

1- ما رواه أحمد في مسنده عن ابن عباس ان رجلين اختصما الى النبي صلّى اللّه عليه وآله فسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله المدعي البينة، فلم يكن له بينة فاستحلف المطلوب (الحديث) «11».

2- ما رواه ابن ماجه في سننه عن الأشعث بن قيس قال كان بيني وبين رجل من اليهود ارض فجحدني فقدمته إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله هل لك بينة؟ قلت: لا، قال لليهودي: احلف (الحديث) «12».

3- ما رواه البخاري في صحيحه عن الأشعث بن قيس قال لفي واللّه أنزلت «قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77].كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله:

شاهدك أو يمينه- الحديث- «13».

دل على ان المعتبر في القضاء، الشاهد ولو لم يكن فيمين المدعى عليه.

4- ما رواه البخاري مرسلا في باب «اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود» قال: قال النبي صلّى اللّه عليه وآله: شاهداك أو يمينه «14».

5- ما رواه في التاج عن الترمذي عن عبد اللّه بن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال:

البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه «15».

6- ما رواه البيهقي عن ابن عباس قال ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم، ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب «16».

7- ما رواه البيهقي عن ابن عباس ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودمائهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر «17».

وفي معناه رواية أخرى عنه في نفس الباب.

8- وما رواه أحمد أيضا عن وائل بن حجر قال كنت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فأتاه رجلان يختصمان في أرض فقال أحدهما ان هذا انتزى على ارضي يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله‌ في الجاهلية، وهو امرؤ القيس ابن عابس الكندي، وخصمه ربيعة بن عبدان، فقال له: بيّنتك؟ قال: ليس لي بينة، قال: يمينه «18».

الى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع.

أضف الى ذلك كله الروايات الخاصة الكثيرة الواردة في موارد معينة يمكن اصطياد العموم من مجموعها :

مثل ما رود في أبواب الرهن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام- الى ان قال- البينة على الذي عنده الرهن انه بكذا وكذا، فان لم تكن له بينة، فعلى الذي له الرهن اليمين «19».

وفي معناه روايات كثيرة أخرى مروية في ذاك الباب بعينه أو ما يليه من الباب (17) و(20).

ويؤيد جميع ذلك ما روي بالطرق المتعددة عن ابي عبد اللّه عن كتاب علي عليهما السّلام ان نبيا من الأنبياء شكى الى ربه فقال يا رب كيف اقضي فيما لم أر ولم اشهد؟ قال فأوحى اللّه إليه: احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي فحلفهم به، وقال هذا لمن لم تقم له بينة «20».

وفي معناه غيره، بل الظاهر ان قوله «هذا لمن لم تقم له بينة» من كلام أمير المؤمنين علي أو الصادق عليهما السّلام فيكون دليلا على المطلوب.

والانصاف ان هذه الروايات المروية بأسانيد مختلفة في أصول الشيعة والسنة ربما تكون متواترة ويثبت بها المطلوب بدون اي شك.

 (2) من المدعى ومن المنكر؟

قد عرفت ان هذه القاعدة حاكمة على جميع أبواب المنازعات لا تختص بباب دون باب ولكن الكلام بعد في المراد من «المدعي» و«المنكر» (كما في قليل من النصوص) أو «المدعي» و«المدعى عليه» (كما في أكثرها) وهو المهم في هذا الباب ويتفرع عليه فروع كثيرة.

واختلف الأصحاب في تفسيرهما وقد ذكروا في تعريف المدعي، الذي يستفاد منه مقابله، أمورا:

1- ما هو المحكي عن المشهور ان المدعي هو الذي يترك لو ترك الخصومة- ذكره المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد وغيرهما.

2- «المدعي» هو الذي يدعي خلاف الظاهر، فمن ادعى ان المال الذي في يد الأخر ماله لا بد عليه من اقامة البينة، لأن قوله مخالف لظاهر اليد، وكذلك من يدعي إرادة المجاز من لفظ عقد أو وصية أو غيرهما، ويطلب بذلك شيئا، فعليه إقامة البينة.

ذكر هذا التعريف في القواعد، وظاهر كلامه انه موافق للتعريف الأول في المعنى والنتيجة.

3- المدعي من يكون قوله مخالفا للأصل، كمن يدعي اشتغال ذمة شخص بشي‌ء، مع ان الأصل براءته- ذكره ذلك أيضا في القواعد والشرائع.

4- المدعي هو الذي يدعي أمرا خفيا وهذا أخص من كثير من التعاريف السابقة- ذكر هذا التعريف أيضا في الشرائع- أو أمرا خفيا يخالف الظاهر- كما هو المحكي عن الجمهور.

5- وعن الدروس المدعي هو الذي يخلّى وسكوته، أو يخالف الأصل، أو الظاهر.

والظاهر كما ذكره جمع من المحققين انه ليس لهذا اللفظ حقيقة شرعية، بل ليس فيه مظنة ذلك، فاللازم ان يحمل على معناه اللغوي والعرفي ، وإيكال امره الى العرف ، ولعل التعاريف السابقة أيضا ناظرة إلى تنقيح معناه العرفي، ولذا قد يرى في بعض كلماتهم الجمع بين تعريفين أو تعاريف متعددة كما في الشرائع والقواعد مع ان بينها فرقا ربما تتفاوت سعة وضيقا.

نعم ظاهر كلام المحقق في تعريفه ان المدعي هو الذي يترك لو ترك الخصومة وقيل هو الذي يدعي خلاف الأصل أو أمرا خفيا، اختلاف الأقوال في المسألة، وقد يقال ان المنشأ في اختلاف القولين اختلاف قول الشافعي كما حكى عن الروضة للرافعي:

«في معرفة المدعي والمدعى عليه قولان مستنبطان من اختلاف قول الشافعي في مسألة إسلام الزوجين، أظهرهما عند الجمهور ان المدعي من يدعي أمرا خفيا يخالف الظاهر والثاني من لو سكت خلي وسكوته ولم يطالب بشي‌ء. الى ان قال:

ولا يختلف موجبهما غالبا، وقد يختلف كما إذا أسلم زوجان قبل الدخول، فقال الزوج أسلمنا معا فالنكاح باق، وقالت بل على التعاقب ولا نكاح، فان قلنا ان المدعي من لو سكت ترك فالمرأة مدعية فيحلف ويستمر النكاح (اي يحلف الرجل) وان قلنا بالأظهر فالزوج مدع لان ما يزعمه خلاف الظاهر (اي تقارن الإسلامين) وهي مدعى عليها فتحلف (المرأة) ويرتفع النكاح- انتهى-» «21».

ولكن مع ذلك نرى الجمع بين التعاريف الثلاث في بعض كلمات العلامة حيث قال: المدعي هو الذي يترك لو ترك الخصومة، أو الذي يدعي خلاف الظاهر، أو خلاف الأصل «22».

وظاهر هذه العبارة عدم الاختلاف بين مفاد هذه التعاريف.

والانصاف رجوع الجميع الى معنى واحد في الغالب كما ذكره السبزواري في الكفاية «23» والمحقق القمي في جامع الشتات «24».

انما الكلام في موارد تظهر النتيجة بين هذه الأقوال كما ذكروه في مسألة إسلام الزوجين قبل الدخول ودعوى الزوج التقارن في الإسلام يبقي الزوجية، والزوجة التعاقب لينفسخ، فالتقارن موافق للأصل، والتعاقب مخالف له، لأن أصالة تأخر الحادث تقتضي ذلك لكن التعاقب هو الظاهر لندرة وقوع التقارن فيختلف مورد التعريفين.

والانصاف انه لا يهمنا وجود القولين في المسألة كما يظهر من بعضهم أو ثلاثة أقوال كما يظهر من بعض آخر أو رجوع الأقوال إلى واحد كما عرفت من بعضهم بعد عدم ورود دليل تعبدي في المسألة، ولزوم حمل الروايات المتضافرة أو المتواترة الواردة في لزوم البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، على ما يستفاد من معنى هاتين اللفظتين عرفا.

والحاصل ان المدعى هو الذي يدعى شيئا من الأخر ويطلب منه، ويلزمه إقامة حجة على مدعاه، بحيث إذا لم يقم حجة لا يقبل قوله، فهذا هو الذي يستفاد من محتوى هذا اللفظ في العرف واللغة، ولعل التفاوت بين التعاريف كان أول الأمر من قبيل اختلاف التعبير، ثمَّ حسبوا لزوم الجمود على هذه التعابير ومن هنا نشأ القولان أو ثلاثة أقوال أو أكثر. ولكن الأمر بحمد اللّه ظاهر لا سترة عليه.

وعلى كل حال المنكر أو المدعى عليه هو مقابل هذا وهو الذي لا يطلب منه حجة ولا يؤخذ منه شي‌ء بدون إقامة البينة، نعم اليمين حق المدعى عليه إذا لم يكن بينة.

تنبيهات :

الأول - ما استثنى عن هذه القاعدة :

هناك موارد مستثناة من «قاعدة البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه» لا يطالب فيها البينة من المدعي بل قد تطلب من المنكر، ويكفي اليمين من المدعي وعمدته مسألة الدماء فان المشهور بين الأصحاب، بل حكى الإجماع عليه، انه إذا كان هناك لوث في الدم (أي قرائن توجب الظن بارتكاب القتل من ناحية شخص أو أشخاص وفي هذا المقام تطلب من المدعى عليه إقامة البينة على عدم القتل فان لم يقمها فعلى المدعي الإتيان بقسامة خمسين رجلا لإثبات مقصوده، وان لم يفعل ذلك طولب المدعى عليه القسامة كذلك، فان اتى بها سقطت الدعوى عنه، والا لزمه الدم.

وهذه المسألة على إجمالها مقبولة عند الأصحاب، وان كان في بعض خصوصياتها اختلاف وكلام والعمدة في ذلك الروايات المتضافرة الدالة على ان الحكم في الدماء على خلاف الحكم في الأموال احتياطا على دماء الناس.

1- مثل ما رواه بريد بن معاوية، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن القسامة فقال الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، الا في الدم خاصة، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بينما هو يخبر إذ فقدت الأنصار رجلا منهم وجدوه قتيلا فقالت الأنصار ان فلان اليهودي قتل صاحبنا.

الى ان قال- قال صلّى اللّه عليه وآله: انما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر فرصة حجزه مخافة القسامة أن يقتل به، فكف عن قتله والا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلا ما قتلناه، ولا علمنا قاتلا (الحديث) «25».

2- ما رواه أبو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان اللّه حكم في دمائكم بغير‌ ما حكم به في أموالكم، حكم في أموالكم ان البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، وحكم في دمائكم «ان البينة على المدعى عليه واليمين على من ادعى» لئلا يبطل دم امرئ مسلم «26».

3- ما رواه زرارة إنما جعلت القسامة احتياطا للناس، لكيما إذا أراد الفاسق ان يقتل رجلا أو يغتال رجلا حيث لا يراه احد، خاف ذلك فامتنع من القتل «27».

الى غير ذلك مما ورد في هذا الباب، وهو مستفيض، فيها روايات معتبرة معمول بها بين الأصحاب كما عرفت.

والظاهر ان هذا الحكم ليس معمولا بين العقلاء من أهل العرف، فلا يحكمون للمدعي بمجرد القسامة وشبهها، وانما المدار عندهم على البينات والشهود، والطرق القطعية أو الظنية المعتبرة عندهم، والسر في ذلك ان الشارع المقدس له عناية خاصة بحفظ دماء المسلمين، وليس عنده أمر أهم- بعد الإسلام- من حفظ النفوس والدماء- وقد مر عليك انه لو لزمت البينة حتى في الدماء ولم تقبل قسامة تبطل دماء كثيرة، ولا يبقى مجال للقصاص عمن قتل غيلة، فيكثر القتل اغتيالا، لأنه ليس هناك مشاهد وبينة تدل على جناية القاتل، فيجترئ الفساق دماء الابرياء، كما يرى مصاديقه في العصر الحاضر.

ومن هنا حكم الشارع المقدس بان المتهم بالقتل إذا كان هناك لوث أي أمارات على اتهامه مثل ما إذا كان القتيل على باب داره وكان بينهما خصومة، وشهد صبي مثلا على ارتكابه ذلك، أو ما أشبهه من أمارات التهمة، فعليه إقامة البينة على براءته، وان لم يكن له بينة تقبل القسامة خمسون رجلا يقسمون على وقوع القتل منه، ومن المعلوم ان قيام القسامة على القتل أيضا مشكل، ولكن بابه مفتوح وكفى بذلك تحذيرا للفاسق الفاجر عن قتل الابرياء غيلة.

هذا وللحكم بما ذكرنا شرائط كثيرة مذكورة في أبواب القصاص من الفقه فيما يثبت به القتل، وعلى كل حال هذا تعبدي يقتصر على القدر المتيقن من مورده ولا يتجاوز منه على غيره.

نعم هناك اشكال جدير بالذكر وهو انه ان كانت القسامة خمسون رجلا يقسمون على أمر معلوم عندهم، فهذا يعود إلى الشهادة، وفي الشهادة يكفي اثنان من دون حاجة الى أكثر منهما، فهل يفرض الكلام فيما إذا كانوا جميعا من الفساق ؟

وهذا أمر بعيد جدا لا سيما مع ملاحظة روايات الباب، وانه ليس من هذا فيها عين ولا اثر، وقع ما يتراءى من كون العدالة أمرا سهلا في أحكام الشرع تثبت بحسن الظاهر.

والذي اخترناه لحل هذه المشكلة في «مباحث اللوث والقسامة» ان الحلف فيها وان كان اللازم ان يكون عن علم، ولا يكفي مجرد الظن، الا ان منشأ القطع فيه يمكن ان يكون مبادي حدسية التي لا تكفي في الشهادة فلذا أوجب الشارع فيها خمسين نفرا.

والدقة في اخبار القسامة أيضا يؤيد هذا النظر، وانها في مورد لم يكن هناك شهود برأى العين وكان القتل غيلة، وشبهها، فعلى هذا تنحل العويصة، ولا تضاد أحكام القسامة احكام الشهادة.

هذا مجمل الكلام في المسألة وتمامه في محله.

2- شرائط سماع الدعوى عن المدعى.

قد ذكروا السماع الدعوى عن المدعي شرائط كثيرة، انحاها بعضهم إلى‌ عشرة أو أكثر: منها كونه واجدا لشرائط التكليف مثل البلوغ والعقل.

ومنها اعتبار الرشد فيه على اشكال.

ومنها ان يكون ما يدعيه على خصمه لنفسه أو لموكله أو لمن له الولاية عليه بأحد أنواع الولاية أو يكون حاكما في الحسبيات.

ومنها ان يكون ما يدعيه امرا ممكنا عقلا وعادة وجائزا شرعا.

ومنها ان يكون مورد الدعوى غير مجهول ولا مبهم بل معلوما بالنوع والوصف والقدر.

ومنها ان تكون الدعوى صريحة في استحقاق المدعي شيئا.

ومنها ان يكون في مقابله خصم ينكر ما يدعيه.

ومنها ان يكون دعواه عن بت وجزم.

ومنها انه لا بد من تعيين المدعى عليه بشخصه. الى غير ذلك مما ذكروه.

ولكن الإنصاف ان جل هذه الأمور ليست من قبيل الشرائط الزائدة على ماهية الدعوى وصيرورة المدعي مدعيا، بل أمور مستفادة من هذا المفهوم وتحليل مغزاه بعينه، فمثل صراحة الدعوى (أو ظهوره) وكذلك كونه عن بت وجزم، لا عن احتمال وظن، معتبر في مفهوم الدعوى، فإنها بدونه لا يعد دعوى، وكذلك إذا كان ما يدعيه امرا غير ممكن عقلا فلا يعد عند العقلاء دعوى وكذا إذا لم يكن في مقابله خصم.

وهكذا إذا لم يكن الدعوى لنفسه أو لمن إليه أمره، بل كان غير مرتبط به فان هذا أيضا لا يعد دعوى عند العقلاء، وهكذا غيره من أشباهه. فإذا ادعى رجل حق رجل مظلوم واقام الدعوى له يقال له هذا أمر لا يعنيك حتى تدعي، واعانة المظلوم وان كان حقا ولكن في مسألة اقامة الدعوى لا بد ان يكون من ناحية صاحبه أو وكيله أو الولي الفقيه أو القاضي المنصوب عموما أو خصوصا من قبله، نعم إذا‌ لم يكن هناك الحاكم الشرعي فيتصدى لذلك عدول المؤمنين.

هذا ولكن بعضها يمكن اعتبارها شرطا كالبلوغ، فيقال ان غير البالغ لا تجوز له اقامة الدعوى بل المتصدي له وليه، وكذا الرشد في الأمور المالية إذا كان مورد الدعوى امرا ماليا على القول باعتباره بعض الشرائط الأخر مما يكون امره ظاهرا ودليله واضحا لا يحتاج الى مزيد تفصيل.

3- هل تشترط الخلطة أم لا ؟

قد عرفت ان مدلول الأدلة لزوم البينة على المدعي أي شخص كان، واليمين على من ادعي عليه كذلك، ولم يرد في شي‌ء من الأدلة اعتبار وجود الخلطة بينهما حتى تحتاج في إقامة الدعوى الى استفسار حالهما وانه هل يكون بينهما خلطة أم لا؟

وخالف في ذلك بعض فقهاء المالكية، وهو شاذ ضعيف، يرده إجماع أهل العلم وتضافر الروايات على عدم هذا القيد بحكم الإطلاق فيها.

ولنعم ما قال الشهيد (قدس اللّه سره) في القواعد والفوائد حيث قال: «كل من ادعي على غيره سمعت دعواه وطولب باليمين مع عدم البينة، سواء علم بينهما خلطة أم لا، لعموم قوله عليه السّلام «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وقوله عليه السّلام «شاهداك أو يمينه» ولإمكان ثبوت الحقوق بدون الخلطة، فاشتراطها يرد الى ضياعها، لأنها واقعة تعم بها البلوى فلو كانت الخلطة شرطا لعلمت ونقلت (انتهى) «28».

واحتج مشترط الخلطة «29» بأدلة ضعيفة جدا.

منها إيراد الحديث المعروف هكذا «البينة على المدعي واليمين على من‌ أنكر إذا كان بينهما خلطة»! وفيه ان هذا حديث شاذ، مخالف لما رواه المحدثون من الخاصة والعامة في كتبهم، وقد عرفت إيراد الحديث بطرق متواترة أو كالمتواترة ليس في شي‌ء منها هذا القيد، ولو كان لبان، وظهر ظهورا تاما لكثرة الابتلاء به.

واستدلوا أيضا بأنه لو لا هذا الشرط لاجترأ السفهاء على ذوي المروات فادعوا عليهم بدعاوي فاضحات فإن أجابوا افتضحوا، وان صالحوا على مال ذهب مالهم.

وهذا أضعف من سابقة فإنه معارض بأنه لو اشترط الخلطة لضاعت حقوق كثيرة لأنه كثيرا ما تكون الحقوق في غير ذوي الخلطة.

هذا، مضافا الى ما نرى في الخارج من العمل بالروايات المعروفة مع عدم وجود ما ذكره من المحذور، ولو فرض وقوع ذلك نادرا لا يكون مانعا عن الأخذ بالقواعد الكلية، فكم من قاعدة كلية يرد عليها في مثل هذه النقوض في موارد جزئية.

وبالجملة هذا الشرط ضعيف في الغاية. ولذا التجأ بعضهم بالاستثناء من اعتبار الخلطة مواضع مثل الصانع والمتهم بالسرقة، والوديعة، والعارية، وغير ذلك.

4- هل المدار في المدعي والمنكر مصب الدعوى أو نتيجتها وغايتها ؟

وقلما وقع البحث عنه في كلماتهم مع انه من الأمور المبتلى بها في القضاء، وله أمثلة كثيرة منها ما إذا تنازعا في ان العقد الواقع منهما كان بيعا أو هبة، فالمالك للمثمن يدعي كونه هبة، وغرضه إمكان الرجوع فيه، لأن الهبة جائزة، والأخذ يدعي كونه بيعا حتى يكون لازما.

فان كان الملاك هو مصب الدعوى فلا شك انه من قبيل التداعي لأن كل واحد منهما يدعي أمرا مخالفا للأصل فكل منهما مدع لأمر ومنكر لما يدعيه الأخر‌ فرجع الأمر إلى التحالف وشبهه، من أحكام التداعي، واما ان كان بالنظر الى النتيجة والغرض، فالمدعي للزوم العقد قوله موافق للأصل لأن الأصل في العقود اللزوم، فيكون في الواقع منكرا، واما المدعي لكونه هبة فهو مدع لان قوله مخالف للأصل.

هذا إذا لم يكن نزاع في العوض، واما لو كان المدعي للهبة ناظرا الى نفي الثمن عن ذمته فقوله موافق لأصالة براءة ذمته فيكون منكرا واما مدعي البيع فهو يدعي شيئا في ذمة الطرف فهو مدع.

الى غير ذلك من الأمثلة.

والحق ان يقال ان المدار على مصب الدعوى لما عرفت من ان المعيار صدق عنوان المدعي والمنكر، أو المدعي والمدعى عليه، ومن المعلوم انه في المثال كل واحد منهما مدع، ولا يعتنى الى مئال هذه الدعوى ونتيجتها، أو غرض طرفي الدعوى فليس على القاضي إلا ملاحظة الصدق العرفي بما عرفت من معنى المدعي والمنكر بحسب ظاهر اللفظ وظاهر الحال وما يفهمه العرف من لفظهما، واما الأغراض فهي أمور خارجة لا دخل لهما بهذا الأمر (و اللّه العالم بحقائق الأمور).

________________

(1) الوسائل ج 18 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 3 الحديث 1.

(2) الوسائل ج 18 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 3 الحديث 2.

(3) الوسائل ج 18 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 3 الحديث 5.

(4) الوسائل ج 18 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 3 الحديث 3.

(5) الوسائل ج 18 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 3 الحديث 4.

(6) الوسائل ج 18 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 3 الحديث 6.

(7) الوسائل ج 18 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 3 الحديث 7.

(8) الوسائل ج 18 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 25 الحديث 3.

(9) مستدرك الوسائل ج 3 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 3 الحديث 1.

(10) مستدرك الوسائل ج 3 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 3 الحديث 4.

(11) مسند احمد ج 2 ص 70 (طبعة دار صادر).

(12) السنن لابن ماجه ج 2 ص 778 (باب البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه).

(13) صحيح البخاري ج 3 ص 188 (باب في اختلاف الراهن والمرتهن).

(14) صحيح البخاري ج 3 ص 232.

(15) التاج الجامع للأصول ج 3 ص 61.

(16) السنن للبيهقي ج 10 ص 252 كتاب الدعوى والبينات.

(17) السنن للبيهقي ج 10 ص 252 كتاب الدعوى والبينات.

(18) مسند احمد ج 4 ص 317 (في أحاديث وائل بن حجر).

(19) الوسائل ج 13 كتاب الرهن الباب 16 الحديث 1.

(20) الوسائل ج 18 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 1 الحديث 1.

(21) الجواهر ج 40 ص 374.

(22) مفتاح الكرامة كتاب القضاء ص 61.

(23) كفاية الأحكام للسبزواري ص 274.

(24) جامع الشتات ج 2 ص 683 كتاب القضاء.

(25) الوسائل ج 19 كتاب القصاص أبواب دعوى القتل الباب 9 الحديث 3.

(26) الوسائل ج 19 كتاب القصاص أبواب دعوى القتل الباب 9 الحديث 4.

(27) الوسائل ج 19 كتاب القصاص أبواب دعوى القتل الباب 9 الحديث 11.

(28) القواعد والفوائد ج 2 ص 194 (القاعدة 218).

(29) وهو «سحنون عبد السلام بن سعيد» الفقيه المالكي وغيره.

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.