المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
مرحلـة خلـق الرغبـة علـى الشـراء فـي سلـوك المـستهـلك 2
2024-11-22
مراحل سلوك المستهلك كمحدد لقرار الشراء (مرحلة خلق الرغبة على الشراء1)
2024-11-22
عمليات خدمة الثوم بعد الزراعة
2024-11-22
زراعة الثوم
2024-11-22
تكاثر وطرق زراعة الثوم
2024-11-22
تخزين الثوم
2024-11-22

هل واليت لي وليا
24-3-2020
حالات حبس المدين يتطلب فيها القانون إثبات اقتار المدين.
30-11-2016
نشر ابن زياد الإرهاب في الكوفة
29-3-2016
تجفيف البامياء
18-1-2022
Data Analyst
10-1-2016
الشماتة
20-4-2022


قاعدة « عدم ضمان الأمين » (*)  
  
475   11:05 صباحاً   التاريخ: 16-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2 ص9 - 23.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / الائتمان - عدم ضمان الامين - ليس على الامين الا اليمين /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-9-2016 466
التاريخ: 16-9-2016 455
التاريخ: 2024-08-12 374
التاريخ: 16-9-2016 476

ومن جملة القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة « عدم ضمان الأمين إلاّ مع التعدّي والتفريط ».

وفيها جهات من البحث :

[ الجهة ] الأولى

 في مداركها‌ :

وهي أمور :

الأوّل : عدم وجود السبب لضمانه ، وذلك من جهة أنّ سبب الضمان الواقعي ـ أي المثل أو القيمة في غير الضمان المعاوضي والعقدي ـ أمور كلّها ليس فيما إذا تلف مال الغير في يد الأمين بدون تعدّ ولا تفريط ، لأنّ أحد أسباب الضمان الواقعي هو الإتلاف لقاعدة « من أتلف مال الغير فهو له ضامن » والمفروض في المقام هو التلف لا الإتلاف.

الثاني : هو اليد ، وقد بيّنّا في الجزء الأوّل من هذا الكتاب في شرح قاعدة اليد (1) أن اليد التي تكون موجبة للضمان إمّا هي اليد المعنونة بعنوان العادية كما قيل ، ومعلوم أنّ يد الأمين ـ سواء كانت الأمانة مالكيّة كعين المستأجرة ، أو المرهونة عند الملتقط المرتهن ، أو العارية عند المستعير وأمثال ذلك ، أو كانت أمانة شرعيّة كاللقطة عند أيام التعريف ، أو المال المجهول المالك ، أو أموال الغيّب والقصر عند الحاكم الشرعي ، أو المأذون ، أو المنصوب من قبله لأجل ذلك وغير ذلك ممّا هو مثلها ـ ليست يدا عادية.

وإما هي يد غير المأذونة من قبل المالك أو من قبل الله تعالى كما هو الصحيح.

وأيضا معلوم أن يد الأمين إمّا مأذونة من قبل المالك ـ سواء كان الاستئمان لنفع المالك كما في أنحاء الإجارات ، أو لنفع الأمين كما في باب العارية ـ وإمّا مأذونة من قبل الله تعالى.

الثالث : التغرير ، كما ذكرنا وجهه في قاعدة الغرور في الجزء الأول من هذا الكتاب (2).

ولا شك في أنّه لا تغرير من طرف الأمين للمالك بالنسبة إلى المال الذي في يده ، ولو كان فهو ضامن ولا يضرّ بعموم هذه القاعدة ، لأنّ المراد بها أنّ صرف تلف مال الغير عنده وفي يده لا يكون موجبا للضمان بدون التعدي والتفريط ، أما لو وجد سبب آخر فأجنبي عن المقام.

الثاني : من وجوه عدم الضمان هو الأخبار.

منها : ما في المستدرك عن أمير المؤمنين عليه السلام « ليس على المؤتمن ضمان » (3).

ومنها : ما في الوسائل عن أبان بن عثمان ، عمن حدّثه ، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال : وسألته عن الذي يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ فال عليه السلام « ليس عليه غرم بعد ان يكون الرجل أمينا » (4).

 

وأيضا في الوسائل عن المقنع قال : سئل الصادق عليه السلام عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال : « نعم ولا يمين عليه » (5).

ومنها : أيضا في الوسائل عن قرب الإسناد : عبد الله بن جعفر ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن ابي عبد الله عليه السلام قال : « ليس لك ان تأتمن من خانك ، ولا تتهم من ائتمنت ) (6).

وأيضا عنه ، عن مسعدة بن زياد ، عن جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه واله  قال : « ليس لك ان تتهم من قد ائتمنته » (7).

ومنها : الخبر المعروف بينهم : « ليس على الأمين إلا اليمين ».

وفي عدم ضمان الأمين أخبار أخر في كتب الحديث ، في كتاب الوديعة العموم من هذا التعليق لكل أمين ، سواء كان أمينا من طرف المالك ، أو من قبل الشرع.

واما رواية مقنع فتدل على نفي الضمان بطريق أولى ، لأنها تنفي حتى اليمين ، ويحكم عليه السلام بقبول قوله.

وكذلك روايتا قرب الاسناد كلتاهما مفادهما النهي عن اتهام الأمين.

واما الخبر المعروف ، الجاري على الألسنة ـ إذا ثبت وجوده ـ فدلالته واضحة ، لأن المراد من نفي غير اليمين هو الضمان.

الثالث : الإجماع ، فإن الفقهاء ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ يستندون لعدم الضمان في موارد عديدة بأنه أمين ، ويرسلونه إرسال المسلمات ، من غير إنكار لأحد.

فكأن هذه كبرى مسلمة عند الكل ، وهي ان الأمين لا يضمن.

ونحن استشكلنا على أمثال هذه الإجماعات في هذا الكتاب ، فلا نعيد.

الرابع : ان الأمين المأذون من قبل المالك أو من قبل الشارع لنفع المالك محسن إليه ، وقال تعالى { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } [التوبة: 91] وحيث ان كلمة « سبيل » في الآية الشريفة نكرة واقعة في سياق النفي يفيد العموم ، فكل سبيل منفي بالنسبة إلى المحسنين. ولا شك ان كون الضمان على عهدة الأمين سبيل ، فبعد الفراغ عن كونه محسنا يكون الضمان منفيا عنه.

ويمكن تقريب هذا الوجه بشكل يكون من الأحكام العقلية ، بأن يقال :

بعد ما ثبت ان الأمين ـ بالبيان المتقدم ـ محسن إلى المالك ، ولم يكن من طرفه تعد ولا تفريط ، والمال هلك بسبب سماوي ، مع كمال التوجه في حفظه من طرف الأمين ، فالعقل في هذه الصورة يستقبح تغريم الأمين. فعدم غرم الأمين وكذلك عدم ضمانه حكم عقلي.

وقوله تعالى { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ }  تقرير وتثبيت لذلك الحكم العقلي.

ولكن هذا الوجه لا يجري في جميع الأمناء والمأذونين ، ففي مثل العارية وإن كان المستعير مأذونا من قبل المالك ولكن لا يعد محسنا إلى المالك ، بل تصرفه في مال المالك لأجل مصلحة نفسه لا المالك.

الجهة الثانية

في شرح المراد من هذه القاعدة‌ :

فنقول : اما المراد من « الضمان » هو الضمان الواقعي أي المثل في المثليات ، والقيمة في‌ القيميات.

وإن شئت قلت : إن في موارد اليد غير المأذونة ـ لا من قبل المالك ولا من قبل الشارع ـ كل مال وقع تحت اليد اعتبره الشارع في ذمة ذي اليد وفي عهدته. وهذا الأمر الاعتباري ثابت في ذمته وعهدته ، لا يرتفع إلا بأداء نفس المال الذي أخذه ما دام نفس المال موجودا ، وبعد تلفه أيضا ذلك الأمر الاعتباري ثابت وباق في عالم الاعتبار التشريعي ، ولا يرتفع إلا بأداء مثله في المثليات ، وقيمته في القيميات.

واما وجه هذه الأمور : فذكرنا جملة منها في بعض مباحث قاعدة اليد ، (8) وتفصيله مذكور في الفقه في كتاب الغصب ، وفي مسألة المقبوض بالعقد الفاسد في كتاب البيع.

واما المراد من « الأمين » هو ان يكون مال الغير في يده بإذن من المالك أو من الله ، من غير خيانة له بالنسبة إلى ذلك المال من فعل أو ترك يوجب تلفه أو نقصا فيه.

فبهذا المعنى إن صدر منه تعد أو تفريط بالنسبة إلى ذلك المال يخرج عن كونه أمينا ، فعدم التعدي والتفريط مأخوذان في حقيقة الأمين ، والاستثناء في القاعدة مستدرك ، لأنه إذا صدر عنه التعدي أو التفريط فهو خائن وليس بأمين ، فإنهما ضدان.

فالائتمان عبارة عن تسليم ماله أو شي‌ء آخر إليه ، واثقا منه بعدم خيانته في حفظه ، اي يثق به انه لا يفعل فعلا يضر بذلك المال أو ذلك الشي‌ء ، ومثل هذا الفعل هو التعدي. وأيضا يثق به انه لا يترك امرا وفعلا يكون ترك ذلك الفعل أو ذلك الأمر موجبا لضياعه وتلفه ، أو لورود نقص عليه ، وهذا هو التفريط.

وبناء على هذا يكون الائتمان مقابل الاتهام ، اي الظن بأنه يخون أو خان فعلا.

ويشير إلى هذا المعنى روايتا قرب الإسناد المقدم ذكرهما : « ليس لك ان تتهم من قد ائتمنته ».

و« ليس لك ان تأتمن من خانك ، ولا تتهم من ائتمنت ».

فالأمين هو الموثوق به عرفا في إعطاء ماله له ، بحيث يكون عنده محفوظا إلى ان يرده الى صاحبه.

وهذا الإعطاء قد يكون لمصلحة المالك ، وقد يكون لمصلحة الآخذ. فالأول كالوديعة وما يشبهها.

فالوديعة عبارة عن إيداع ماله أو شي‌ء آخر عند شخص لوثوقه به ، لكي يسترده فيما بعد.

فالأمين هو الذي يثق المودع به في إيداع ماله عنده ، ولذلك كانوا في الجاهلية يخاطبون نبينا صلى الله عليه واله بـ « الأمين » قبل بعثته صلى الله عليه واله ويودعون عنده الودائع لوثوق جميع الناس به.

واما تصرفات الأمين في المال الذي عنده الغير المأذون في تلك التصرفات فتكون موجبة للضمان ، ولو لم تكن موجبة لتلف المال ، بل كانت موجبة لازدياد قيمته بل وعينه ، من جهة خروج اليد عن كونها مأذونة ، فتكون من قبيل الغصب ، وتدخل تحت قاعدة المعروفة « وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه » ، وذلك لأن الخارج عنها هي اليد المأذونة.

واما المراد من « التعدي » و « التفريط » اللذان يوجبان الضمان ، ثمَّ استثنائهما عن قاعدة عدم ضمان الأمين : فلم يرد دليل شرعي لهذين العنوانين كي نتكلم في مفهوم التعدي والتفريط من حيث موضوعيتهما للحكم الشرعي.

بل الذي يستفاد من الأدلة ، والموارد التي حكم الشارع فيها بالضمان كمورد صحيحة أبي ولاد (9) وغيرها ، هو إما خروج ذي اليد عن كونه مأذونا في ذلك الفعل‌ أو الترك الذي يصدر عنه بالنسبة إلى ذلك المال ، فإذا كان كذلك فمقتضى قاعدة على اليد هو الضمان ، لأن الخارج عنها هي اليد المأذونة ، والمفروض انها غير مأذونة. وإما صدور فعل أو ترك من ذي اليد على مال الغير بحيث يوجب إتلاف ذلك المال ، فإن الإتلاف سبب مستقل للضمان ، ولا ربط له بقاعدة على اليد.

فإذا كان التعدي والتفريط سببا لخروج اليد عن كونها مأذونه ، أو كانا سببين لإتلاف المال ، فيكونان موجبين للضمان لما ذكرنا.

وما ذكرنا مناسب للمعنى العرفي لهذين اللفظين وذلك لأن المتفاهم العرفي من التعدي هو التجاوز ، ولا شك ان المؤتمن إذا تجاوز عما اذن له في فعل بالنسبة إلى ذلك المال أو ترك فيخرج عن كونه مأذونا ، فلو تلف ذلك المال يكون ضامنا.

وهذا الأمر صريح صحيحة أبي ولاد ، لأنه اكترى البغل إلى مكان معين ، فتجاوز عما اذن له إلى مكان آخر ، ولذا حكم ـ عليه السلام ـ بضمانه لو تلف البغل.

والمتفاهم العرفي من التفريط هو التضييع ، ولا شك في ان تضييع مال الغير عبارة أخرى عن إتلافه ، أو إيجاد نقص أو عيب فيه ، وكل ذلك من أسباب الضمان. فالإفراط مثل التعدي عبارة عن التجاوز ، والتفريط عبارة عن التضييع.

ولعل هذا المعنى هو المراد من قوله عليه السلام : « الجاهل إما مفرط أو مفرط » (10). أي إما متجاوز عن الحد أو مضيع.

ثمَّ إن الأمانة بالمعنى الذي تقدم ، وهو ان يكون المال عنده بإذن صاحبه ، أو من يكون إذنه معتبرا كإذن صاحبه ، من كونه وكيلا عنه ، أو وليا عليه.

فهذا الإذن قد يكون من قبل المالك فيسمى بـ « الأمانة المالكية ».

والإذن من قبل‌ المالك قد يكون من قبل نفسه ، وقد يكون من قبل وكيله.

فمورد الأمانة المالكية جميع المعاملات التي تصدر من المالك أو وكيله الواقعة على ماله ، بدون نقل عين ماله إلى من يعطي ماله بيده ، سواء كان من جهة تمليك منفعته له ويعطى العين له لاستيفاء تلك المنفعة كباب الإجارات ، أو تمليك الانتفاع مجانا كباب العارية ، أو يعطيه للحفظ بدون تمليك منفعته أو الانتفاع به كباب الوديعة ، أو يعطيه لأن يعامل معه بحصة من الربح كباب المضاربة ، أو لأن يزرع فيه بحصة من الحاصل كباب المزارعة ، أو لأن يسقيه بحصة من الثمرة كباب المساقاة ، أو يعطي ماله لأن يحمل من مكان إلى مكان بأجرة كالحمالين والمكارين.

ففي جميع هذه الموارد سواء صدرت المعاملة من نفسه أو من وكيله يكون المال عند ذي اليد أمانة مالكية ، ولا يوجب تلفه الضمان إلا مع التعدي والتفريط.

وقد يكون الإذن من قبل الشارع ، وإن كان بدون التفات من قبل المالك إلى ان ماله بيد فلان ، وهذه « أمانة شرعية » كالمعاملات التي تقع على أموال للغيب والقصر ، بدون ان يكون فيها نقل العين.

وذلك كجميع ما ذكرنا في الأمانة المالكية من الموارد ، غاية الأمر ان الفرق هو ان في الأمانة المالكية كان الإذن من المالك أو من وكيله ، وفي الأمانة الشرعية من قبل الله جل شأنه.

فلو آجر الحاكم الشرعي ، أو من يكون وكيلا أو مأذونا من قبله أموال الغيب والقصر ، أو أودع عند أمين ، أو أعار فيما إذا كان فيها مصلحة الغيب أو القصر أو اعطى أموالهم للحمالين أو المكارين ، أو سائر التصرفات التي يطول المقام بذكرها ، فتلف ذلك المال في يد المأذون من قبلهم ، فلا يكون من وقع في يده التلف ضامنا ، لأنه أمين ومأذون ، غاية الأمر ان الأمانة شرعية لا مالكية.

وكذلك الأمر في اللقطة ، فإن الواجد والملتقط ليس ضامنا لو تلف ما وجده في يده‌ ما دام مشغولا بالتعريف ، لأنّه مأذون في أن يكون هذا المال الذي وجده عنده إلى أن يتمّ التعريف سنة كاملة ، أو يحصل له اليأس من معرفة صاحبه ، فيتصدّق به عن قبل صاحبه.

والحاصل : أنّ الأمين أي المأذون من قبل المالك أو الشارع في كون مال تحت يده لا يكون ضامنا لذلك المال لو تلف في يده إلاّ مع التعدّي والتفريط بالمعنى المتقدّم ، لما تقدّم.

واستشكل في عموم هذه القاعدة بموارد :‌

منها : حكمهم بالضمان في المقبوض بالسوم ، مع أنّ قبضه ووقوعه تحت يده بإذن المالك.

وفيه : أولا : أنّ هذه المسألة خلافيّة ، وقد ذهب جميع إلى عدم الضمان ، معللا بأنه أمانة مالكية.

وثانيا : على تقدير القول بالضمان يمكن أن يقال بأنه ليس القبض هناك بعنوان الأمانة ، بل بعنوان أن يكون عند اختيار القابض للاشتراء ، مضمونا عليه بالعوض المسمى.

وبعبارة أخرى : أخذه وقبضه يكون بعنوان المقدمية للشراء والضمان بالعوض المسمى ، فهو خارج عن باب الأمانات بكلا قسميه مالكية وشرعية بالتخصص لا بالتخصيص ، فلا تنخرم القاعدة به ، لأنه خارج عن موضوع الأمانة ، لأن موضوعها أما الأمانة المالكية أو الأمانة الشرعية بالمعنى الذي تقدم ، وكلاهما ليسا في المقام.

ومنها : حكمهم بالضمان في المقبوض بالعقد الفاسد ، فإنهم أجروه مجرى الغصب إلا في الإثم إن كان جاهلا بالفساد ، مع أن القابض مأذون من قبل المالك ، سواء كان المقبوض الثمن بالنسبة إلى البائع ، أو المثمن بالنسبة إلى المشتري.

وفيه : أن الإذن في القبض في المقبوض بالعقد الفاسد ليس باعتبار الإذن في قبض مال المقبوض منه ، بل باعتبار قبض نفس مال القابض وأنه ملك بالعقد ، فهو خارج عن موضوع الأمانات ، لأن الأمانة المالكية هو أن يأذن المالك للقابض في قبض مال المالك الآذن ، لا ما هو مال نفس القابض.

إن قلت : إن ما نحن فيه أي باب المقبوض بالعقد الفاسد أيضا كذلك ، فإن المال واقعا ليس للقابض ، بل صرف تخيل منه أو منهما إذا كان القابض أو كانا جاهلين بالفساد. ولذا لو كان المالك عالما بالفساد فأذن في القبض فقد أذن في قبض ماله ، فيكون ماله عند القابض أمانة مالكية.

قلنا : نعم الأمر كما قلت ، فاذن المالك تعلق واقعا بمال نفس المالك لا القابض ، ولكن حيث أنه جاهل بالفساد يأذن بعنوان أخذ مال نفسه أي نفس القابض ، ومثل هذا الإذن لا تتحقق به الأمانة قطعا ، ولا تدخل يد القابض بمثل هذا الإذن تحت عنوان يد المأذونة.

ولذلك لو قدم ماله إليه باعتقاد أنه ماله أي مال القابض فأتلفه القابض يكون ضامنا ، لإتلافه مال الغير ، أي المعطي. ولا يكون مثل هذا الإذن مانعا عن تحقق الضمان.

وكذلك لو قال لزيد : يا صديقي خذ هذا المال فهو لك حلال ، أو قال : يا صديقي ادخل داري ، كل ذلك باعتقاد أنه صديقه وفي الواقع هو عدوه ، فليس له أن يأخذ ذلك المال ، أو يدخل داره باعتبار ذلك الإذن الذي منشأه الاشتباه وتخيل أنه صديقه.

وإن قيل في هذا المقام : لو خاطب الشخص مثلا وقال : يا زيد ادخل داري ، باعتقاد أنه صديقه ، يجوز له أن يدخل داره وإن لم يكن صديقه ، وكان صاحب الدار مشتبها في أنه صديقه ، لأن الإذن صدر منه وإن كان مشتبها في جهة الصدور.

وأما إن قال : يا صديقي أدخل ، ففيما لم يكن صديقا له في الواقع ليس له أن يدخل ، لأن الإذن تعلق بعنوان « الصديق » وهو ليس مصداقا لهذا العنوان على الفرض.

وعلى كل حال ، في المقبوض بالعقد الفاسد ليست يد القابض يد أمانة مع جهل المعطي بالفساد ، فتدخل تحت قاعدة « وعلى اليد ما أخذت ».

وليس حكمهم بالضمان هناك تخصيص لهذه القاعدة ، أي قاعدة « عدم ضمان الأمين إلا مع التعدي أو التفريط ».

هذا كله ، مضافا إلى أن إذن المعطي في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد ليس بأن يكون في يده بلا عوض ، بل الإذن مقيد بكونه في يده مع العوض ، غاية الأمر العوض المسمى ، لا الضمان الواقعي.

وحيث إن الشارع لم يمض العوض المسمى فيكون عليه العوض الواقعي ، لأنه لم يقدم على الإعطاء مجانا ، ولم يهتك احترام ماله. وقلنا : إن إذنه بكونه في يده مقيد بكونه في يده مضمونا عليه لا مجانا ، فهو أجنبي عن مسألة عدم الضمان على الأمين بكلا قسميه ، أي الأمانة المالكية ، والأمانة الشرعية.

ومنها : حكمهم بضمان المبيع إن تلف في يد البائع قبل أن يقبض المشتري بعد تحقق المعاملة ووقوعها بجميع شرائطها وأركانها ، وإن كان بقاؤه في يد البائع بإذن المالك ، أي المشتري.

وفيه : أن هذا ليس من باب ضمان الأمين ، بل من جهة حكم الشارع بانفساخ العقد آنا ما قبل التلف ، لكي يقع التلف في ملك البائع ، فليس من باب الضمانات وتلف ملك الغير في يده ، وإلا لو كان كذلك فكان مقتضاه الضمان الواقعي ، أي المثل أو القيمة كل واحد منهما في محله.

والدليل على انفساخ العقد ورجوع كل واحد من العوضين إلى ملك مالكه الأول هي الأخبار الواردة في هذا الباب ، وقد ذكرناها مع سائر ما قيل أو يمكن أن يقال في كونها دليلا على هذا الحكم في شرح قاعدة « كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من‌ مال بائعه » .

ومنها : أن المالك إذا رضي أن يكون مال المغصوب باقيا في يد الغاصب ، وأذن له في ذلك أي في كونه أمانة فمع ذلك يكون الغاصب ضامنا لو تلف في يده.

وفيه : أنه لو كان الأمر كذلك ، وكان بهذه الصورة أي قال إنه أمانة عندك والغاصب أراد الرد وهو لم يقبل وجعله أمانة عنده.

فالحق أنه لا ضمان في هذه الصورة ، وإلا فبصرف الرضا بالبقاء لا تخرج يده عن كونها يد الغاصب.

ومنها : أنهم قالوا في باب اللقطة ومجهول المالك : إن له أن يتصدق به عن طرف مالكه ، ويده أمانة شرعية ، فمأذون من قبل الشارع ، ومع ذلك قالوا بالضمان إن وجد صاحبه.

وفيه : أنه فرق بين أن يكون في يده أمانة ويحفظه ، وأن يكون له أن يتصدق عن قبل مالكه.

ففي الصورة الاولى لو تلف لا ضمان عليه ، لأجل هذه القاعدة ، وبل لقاعدة الإحسان ، لقوله تعالى { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } [التوبة: 91] .

وأما في الصورة الثانية فالإذن في التصدق عن قبل صاحبه مشروط بأن يكون ضامنا له إن وجد.

وبعبارة أخرى : جعل الشارع له هذا الحكم مقيد بأن يكون عليه الضمان على تقدير ظهور صاحبه. هذا إن قلنا بالضمان ، وإلا فلا إشكال كي يجاب.

ومنها : الأكل في المخمصة ، فإنهم قالوا بأنها مأذون في هذا التصرف ، ومع ذلك‌ .

قالوا بالضمان.

وفيه : أنه لا دخل لهذه المسألة بباب الأمانة ، وأما الإذن من قبل الشارع بالنسبة إلى مثل هذا التصرف وإن كان مسلما ، لكنه من أول الأمر مقيد بالإتلاف بعوض ، لا مجانا.

فهذه المسألة أجنبية عن مسألتنا.

وأما الصانع والحمال والمكاري والأجير وأمثالهم من الذين مأذونون من طرف المالك ، أو من كان بمنزلته كوكيله أو وليه أو الذين هم مأذونون من طرف الشارع بأن يكون المال في يده فليس تلفه موجبا لضمانهم ، لأجل هذه القاعدة التي أثبتناها بالأدلة المتقدمة. وأما إتلافهم لذلك المال فموضوع آخر غير التلف ، والضمان يكون لإتلافه لو قلنا به في بعض المقامات.

فتلخص من مجموع ما ذكرنا من أول القاعدة إلى هاهنا أن قاعدة عدم ضمان الأمين لو تلف ما في يده بدون تعد وتفريط قاعدة فقهية ، ثابتة بالأدلة. والنقوض التي أوردوها لا يرد شي‌ء منها عليها ، وأن باب ضمان الإتلاف خارج عن مورد هذه القاعدة ، فإن موردها التلف وضمان اليد كما عرفت.

الجهة الثالثة

في موارد تطبيق هذه القاعدة‌ :

وموارد تطبيقها وإن ظهرت مما ذكرناه وهو أن كل مورد يكون مال الغير بيد شخص هو مأذون من قبل مالكه ، أو من قبل الشرع في أن يكون ذلك المال بيده ، بغير تضمينه من قبل المالك ، أو بغير اشتراط الإذن من قبل الشارع بكونه ضامنا عند التلف.

وبعبارة أخرى : يكون أمينا من قبل مالكه ، أو من قبل الشارع : ففي مثل هذا المورد ، لو تلف ذلك المال في يده بدون تعد ولا تفريط فلا ضمان عليه من ناحية يده.

فالموارد التي لا ضمان عليه من جهة إذن المالك في كونه بيده : ككونه وكيله في أنواع المعاملات من بيع ، أو صلح ، أو إجارة ، أو الأخذ بالشفعة ، أو رهن أو أداء دين ، أو إعطاء قرض ، أو مضاربة ، أو مزارعة ، أو مساقاة ، أو في شراء حاجة من أمور معاشه ، أو في شراء ملك أو دار أو بستان ، أو يعطي ماله للحمالين أو المكارين لحمله ونقله ، وكثير من الموارد الآخر التي تركناها ، لوضوحها بعد معرفة الضابط فيها ، ولان لا تطول المقام.

والموارد التي لا ضمان عليه من جهة إذن الشارع : كاللقطة مدة التعريف ، ومجهول المالك إلى أن يحصل اليأس من معرفة صاحبه ، وأن يتصدق به عن طرف صاحبه بعد حصول شرائط التصدق من وجود الفقير ومعرفته وتحصيل الإذن من الحاكم الشرعي إن لم يكن هو بنفسه متصفا بهذه الصفة.

وكيد الحاكم الشرعي ، أو وكيله ، أو المأذون من قبله على أموال القصر والغيب.

وكيد الأب أو الجد على أموال صغارهما ، أو كيد الوصي أو القيم من قبلهما عليهم.

وكيد صاحب المال الذي تعلق به الخمس أو الزكاة إلى حصول المستحق ووجدان الفقير وإمكان الإيصال بهم عرفا ، أو المال الذي أنقذه من الغرق أو الحرق ، أو أخذه من يد السارق بدون اطلاع المالك في الموارد الثلاثة.

ففي هذه الموارد ، وكثير من الموارد الآخر من أمثالها لو تلف المال في يد الأمين بلا تعد ولا تفريط فلا ضمان عليه من ناحية يده.

نعم لو تحقق أحد أسباب الضمان الآخر غير اليد فهو يكون على مقتضاه.

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

________________

(*) « القواعد والفوائد » ج 1 ، ص 342 ، « الحق المبين » ص 89 ، « مجموعه رسائل » ش 18 ، ص 48 ، « عناوين الأصول » عنوان 65 ، « خزائن الأحكام » ش 31 ، « دلائل السداد در قواعد فقه واجتهاد » ص 68 ، « مجموعه قواعد فقه » ص 168 ، « قواعد فقه » ص 95 ، « أصول الاستنباط بين الكتاب والسنة » ص 107 ، « القواعد » ص 17 ، « قواعد فقهي » ص 61 ، « القواعد الفقهية » ( فاضل اللنكراني ) ج 1 ، ص 28 ، « القواعد الفقهية » ( مكارم الشيرازي ) ج 4 ، ص 251 ، « المبادي العامة للفقه الجعفري » ص 284.

(1) « القواعد الفقهية ». ج 1 ، ص 177.

(2) « القواعد الفقهية » ج 1 ، ص 270.

(3) « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 16 ، أبواب كتاب الوديعة ، باب 4 ، ح 15978.

(4) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 228 ، أبواب كتاب الوديعة ، باب 4 ، ح 5 ، وج 13 ، ص 237 ، أبواب كتاب الوديعة ، باب 1 ، ح 8.

(5) المصدر ، ص 228 ، أبواب كتاب الوديعة ، باب 4 ، ح 7.

(6) المصدر ، ص 229 ، أبواب كتاب الوديعة ، باب 4 ، ح 9.

(7) المصدر ، ح 10.

(8) « القواعد الفقهية » ج 1 ، ص 177.

(9) « الكافي » ج 5 ، ص 290 ، باب الرجل يكتري الدابة فيجاوز الحد ... ، ح 6 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 215 ، ح 943 ، باب الإجارات ، ح 25 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 134 ، ح 483 ، باب من اكترى دابة إلى موضع فجاز ذلك الموضع ... ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ، ج 13 ، ص 255 ، أبواب الأحكام الإجارة ، باب 17 ، ح 1 ، وج 17 ، ص 313 ، أبواب الغصب ، باب 7 ، ح 1.

(10) « نهج البلاغة » ص 479 ، الحكمة 70 : « لا ترى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا ».




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.