المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8120 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



حجية خبر الواحد من الكتاب الكريم  
  
1196   08:07 صباحاً   التاريخ: 6-9-2016
المؤلف : الشيخ ضياء الدين العراقي
الكتاب أو المصدر : مقالات الاصول
الجزء والصفحة : ج2 ص 87.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / مباحث الحجة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-9-2016 1032
التاريخ: 18-8-2016 1146
التاريخ: 5-9-2016 2391
التاريخ: 23-7-2020 2695

..من الكتاب آية النبأ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]المعروفة.

وتقريب الدليل تارة بمفهوم الشرط، واخرى بمفهوم الوصف، وثالثة لخصوصية في المقام من حيث إن مقتضي التبين ليس في ذات الخبر، كي يجري في خبر العادل أيضا، بل إنما هو قائم بوصفه من [إضافته] إلى الفاسق. كيف؟ والذات مقدم على الوصف رتبة، فينبغي أن ينتسب التبين إلى الذات [دون] الوصف. أقول: مرجع هذا التقريب إن كان إلى كون الذات - ولو في ضمن [خبر] الفاسق - [مقتضية] للحجية، وأن [اضافتها] إلى الفاسق [مانعة] عن الحجية، بحيث يسند مقتضي التبين إلى العرض دون الذات، [فلا] شبهة في أن لازم ذلك كون [الحجية] ثابتة لكل ذات لم [تتصف بانها صادرة] من الفاسق، وحينئذ، يصير خبر المجهول حجة عند كل من يجري الأصل في مثله من الأعدام الأزلية، ولا أظن أحدا - حتى من العاملين بهذا الأصل - أن يلتزم بذلك. وإن كان وجه اقتضاء العرضي للتبين عدم اقتضاء الحجية فيه، فلا شبهة في أن لازمه سراية عدم الاقتضاء إلى ذاته أيضا. كيف؟ ومع اقتضاء الذات لها لا يزاحمه عدم اقتضاء العرضي لها. وعليه [فكانت] الذات المحفوظة في ضمن خبر الفاسق مقتضية للتبين أيضا، وحينئذ لا يبقى مجال حصر اقتضاء التبين في العرض بالإضافة إلى الذات على الإطلاق، بل لابد وأن يكون الحصر المزبور ناظرا إلى عرضي آخر، من إضافة الذات إلى العدالة، وهو لا يكون مقدما على وصف الفسق، كي يتم التقريب السابق، بل لا يكون إلا من باب كلية مفهوم الأوصاف، بلا خصوصية له في المقام كما لا يخفى. ثم إن المشهور بنوا - على كلا [التقريبين] لمفهوم الآية - على ضم مقدمة الأسوئية. واورد عليهم: بأن ذلك بناء على كون الوجوب نفسيا، وإلا - فعلى الشرطية - فيتم الاستدلال بلا احتياج إلى هذه المقدمة. أقول: إن المراد من التبين إن كان علميا - كما يشعر به بعض كلمات شيخنا العلامة (1) - فلا شبهة في أن وجوبه ليس إلا للإرشاد إلى طرح خبر الفاسق، وتحصيل العلم بالمرام، لمحض الاستطراق به إلى الأحكام، لا لقيام غرض قائم به، ولا لحجية الخبر بشرط العلم، إذ مع وجود العلم تمام الحجة والطريق هو لا غيره.

وحينئذ لا معنى لوجوب التبين نفسيا ولا شرطيا. وعليه فمرجع الاحتياج إلى المقدمة المزبورة إلى أن الفاسق إذا أخبر يحتمل صدقه وكذبه، فيجب العلم بحاله مقدمة لامتثال الأحكام، وأما العادل إذا أخبر فلا يجب تحصيل العلم بحاله وإن كان ذلك للعلم بكذبه، فيرد خبره بلا تبين فهو مستلزم لأسوئية حال العادل. فلا محيص حينئذ من حمل عدم وجوب تحصيل العلم بحال العادل من جهة حجتيه، لا من جهة وجوب رده للعلم بكذبه. نعم لو كان التبين ظنيا وثوقيا كان لوجوبه الشرطي مجال. نعم لا معنى لوجوبه نفسيا - أيضا - إذ المقصود من التبين إنما هو الاستطراق به إلى الأحكام، لا لغرض قائم بنفسه. كما لا وجه لوجوبه ارشادا لعدم حكم العقل بحجيته في غير فرض مقدمات الانسداد، كما لا يخفى. فلا محيص حينئذ من حمل وجوبه على شرطية التبين للعمل [بخبر الفاسق]. ثم معنى وجوبه الشرطي وجوبه الغيري مقدمة للعمل بخبر الفاسق الواجب بوجوب طريقي، لا نفس الشرطية، إذ إرادة الشرطية من [هيئة] الأمر في غاية البعد. وحينئذ نقول: إن المفهوم عدم وجوب التبين غيريا، وذلك تارة لعدم وجوب ذيها، واخرى لعدم شرطية التبين فيه. وحينئذ لا يرفع هذه الغائلة إلا برهان الأسوئية، كما لا يخفى. وحينئذ، ظهر بما ذكرنا: أن المشهور من الاحتياج إلى مقدمة الأسوئية - خصوصا على الاحتمال الاخير - هو المتصور، والله العالم بمواقع الامور. ثم إنه بعدما اتضح ما ذكرنا يبقى الكلام في بيان التقريبات السابقة في الاستدلال بالآية المزبورة، فنقول: أما التقريب الاخير فعلى فرض تماميته، لا بأس باستفادة المفهوم منه، وذلك لا من جهة أن سوق القضية لتعليق سنخ الحكم على [العرض]، كما هو شأن المفهوم المصطلح. كيف؟ ولو كان سوقه لتعليق الشخص أيضا [لكان] يوجب سلب الحكم عن خبر العادل، لأنه لا يتصور اقتضاء الذات للتبين بالإضافة إلى شخص حكم دون شخص، كيف؟ ومناط تقدم الذات رتبة على العرض جار في كل حكم. وحينئذ، فانتفاء شخص الحكم في المورد بمنزلة انتفاء السنخ في سائر المقامات، وحينئذ لا قصور في هذا التقريب لإثبات سلب وجوب التبين عن خبر العادل. ولكن عمدة الكلام في تمامية هذا التقريب في نفسه، على ما شرحناه. وأما تقريب مفهوم الوصف المصطلح فهو مبني على القول به في كلية الأوصاف، ولقد تقدم (2) الكلام فيه في طي باب المفاهيم من مباحث الألفاظ، فراجع. وأما تقريب مفهوم الشرط فمع البناء على المفهوم في الشروط كلية استشكل في خصوص المقام بوجهين: أحدهما: أن القضية سيقت لبيان وجود الموضوع، نظير: إن وجد زيد فأطعمه وهكذا في كل مورد يكون الحكم عقلا منوطا بوجود الشرط، إذ العقل حينئذ مستقل بالحكم بانتفاء الحكم بانتفاء الشرط الذي هو موضوع حكمه، ومثل ذا خارج عن مصب المفهوم المصطلح، الذي هو محسوب من الدلالات اللفظية. [ثانيهما]: أن القضية الشرطية في المقام [معللة] بعلة جارية في المفهوم أيضا، والأمر يدور بين رفع اليد عن عموم العلة بالمفهوم أو العكس، ولا شبهة في أولوية [الثاني]، لأظهرية لسان العلة في [عمومها] عن دلالة اللفظ على المفهوم، خصوصا إذا كان بالإطلاق في كلام واحد، كما لا يخفى، هذا.

أقول: أما الإشكال الأول فنقول: إن ما افيد إنما يتم في فرض ملازمة الحكم في القضية مع وجود الشرط عقلا كالمثال المذكور، إذ حكم الموضوع في الخارج لا ينفك عن وجوده الذي هو شرطه، ففي مثله لا محيص من سوق القضية لبيان وجود الموضوع. ونظيره أيضا: إن ركب الامير فخذ ركابه . وأما لو لم يكن الحكم في القضية ملازما عقلا مع وجود الشرط، كما قيل: إن وجد زيد يوم الخميس أو إن ركب الأمير حضور بكر مثلا، [فكون] القضية في مثله لبيان وجود الموضوع فرع أخذ الخصوصية الطارئة على الموضوع من ناحية الشرط في المنطوق في طرف المفهوم أيضا. وعليه يلزم سلب المفهوم في كلية القضايا الشرطية، إذ لازم ذلك صيرورة القضية في طرف السلب من باب السالبة بانتفاء الموضوع، المستلزم لانتفاء الحكم بانتفائه عقلا، وهو غير مرتبط بالمفهوم المصطلح الراجع إلى السالبة بانتفاء المحمول. مثلا في مثل: إن جاءك زيد فأكرمه لو اخذت خصوصية المجئ - الذي هو مأخوذ في موضوع المنطوق بهذه الخصوصية - في طرف المفهوم يصير المعنى: إن لم يجئك [زيد] لا يجب إكرام زيد الجائي فيكون السلب موضوعيا لا محموليا، وذلك أقوى شاهد على تجريد الموضوع عن الخصوصية المأخوذة فيه في المنطوق في ناحية المفهوم، كي يصير المفهوم: عدم وجوب إكرام زيد، فيصير سالبة بانتفاء المحمول. وحيث اتضح ذلك فنقول: بعد فرض عدم ملازمة الحكم مع الشرط عقلا بحيث أمكن وجود هذا الحكم في موضوعه مع انتفاء شرطه، [فلا] قصور في أخذ المفهوم فيه بعد تجريد الموضوع في طرف المفهوم عن الخصوصية الطارئة عليه في المنطوق. وحينئذ ففي ما نحن فيه يقال: إن الحكم لم يكن معلقا على وجود النبأ مطلقا، كوجود زيد كذلك، كي يلازم الحكم عقلا لوجود شرطه، وإنما علق الحكم على وجوده الخاص من كون وجوده صادرا من الفاسق، وحينئذ فبعد تجريد الموضوع في المفهوم عن هذه الخصوصية فلا يكون الموضوع في المفهوم إلا ذات النبأ القابل للوجود بدون الخصوصية في الشرط عقلا، فيصير السلب فيه بانتفاء المحمول. ولا نعني من المفهوم المصطلح إلا هذا. وعليك بجعل المقياس لأخذ المفهوم وعدمه ملاحظة هذا التجريد وحفظ وجود الموضوع المجرد في طرف المفهوم. ومن هذا الباب - أيضا - قوله: إن وجد زيد يوم الخميس وأمثاله قبال أخذه الشرط مطلق وجوده، إذ لا معنى حينئذ لتجريد الموضوع عن الشرط في طرف المفهوم، كما لا يخفى. والعجب من خريت هذه الصنعة (3) كيف غفل عن لزوم هذا التجريد في طرف المفهوم؟ فتدبر. وأما الاشكال الثاني فقد يجاب عنه بحكومة المفهوم على العلة، إذ لازم عدم وجوب التبين حجية خبر العادل [الملازمة] لتتميم كشفه، فلا يبقى معه جهل كي [تشمله] العلة.

 أقول: ما افيد إنما يتم لو كانت العلة صرف الجهالة، وأما لو كانت العلة الجهالة الموجبة للندم، فدليل تتميم الكشف لا يرفع هذه الجهالة. كيف؟ ومع تمكنه من الاحتياط الموصل إلى الأغراض الواقعية [فإن] العمل على طبق الطريق - أيضا - يوجب الندم، فكيف [ترفع] العلة المزبورة تتميم كشفه إياه، مع أن الحاكم إنما يقدم على المحكوم ولو كان أضعف ظهورا في ظرف الفراغ عن قوة نظره إلى مفاد المحكوم؟ وإلا ففي هذا المقام لابد من الأخذ بأقوى الدليلين، وحيث كان كذلك فنقول: إن المفهوم بعدما كان عدم وجوب التبين، قهرا يصير مثل هذه الجهة كاشفا عن تتميم الكشف بالملازمة، ولازمه كون العلم به مقدما رتبة على العلم بتتميم الكشف. وحينئذ لا [تنتهي] النوبة إلى هذا العلم إلا في ظرف العلم بعدم وجوب التبين من الخارج. وما هذا شأنه كيف يعقل أن يكون نظر تتميم الكشف إلى مثل هذا الأثر المعلوم من غير ناحية تتميم الكشف؟ إذ شأن النظر المزبور ليس إلا انكشاف الأمر نفيا وإثباتا من قبل النظر المزبور. وهذا المعنى في المقام مستحيل.

وحينئذ فمنع الحكومة المزبورة في المقام من جهة قصور نظره، لا من جهة قصور دلالته على أصل الحكم، كما لا يخفى. ثم إن هذه عمدة [الإشكالات الواردة] على الآية الشريفة، وإلا فبقية الإشكالات [موهونة] جدا: مثل أن لازم المفهوم طرح العمل به في مثل مورده من الشبهات الموضوعية، علاوة على عدم [شموله] للشبهات الحكمية بقرينة المورد. ومثل معارضة المفهوم مع الآيات الناهية عن العمل بغير العلم، وأن الظن لا يغني من الحق شيئا. ومثل أن تعليق التبين [على] الفسق ملازم لعدم حجية مطلق الخبر، إذ المراد [بالفاسق] مطلق الخارج عن طاعة الله ، وغيره منحصر بالمعصوم المفيد قوله للعلم. ومثل أن الآية لو [دلت] على حجية خبر العدل [لدلت] على حجية خبر السيد بالإجماع على عدم حجية خبر العادل، فيلزم من وجوده عدمه. ومثل أن شرطية التبين في خصوص خبر الفاسق [ملازمة] لتخصيص الآية بالموضوعات، كيف؟ والفحص في خبر العدل - أيضا - في الأحكام واجب. ومثل أن المسألة اصولية لا يكتفى [فيها] بالظن. ومثل أن الآية لا [تشمل] الأخبار مع الواسطة، لأن [شمولها] لكل خبر فرع ترتب أثر على مضمونه، والمفروض أن المخبر به بالخبر الآخر لا أثر له إلا ما هو مضمون الآية من قبوله الذي هو حكم للخبر، وكيف يشمل - حينئذ - نفسه؟

وبعبارة اخرى: مرجع وجوب قبول الخبر إلى وجوب ترتيب الأثر عليه، وكيف يشمل الأثر نفس هذا الوجوب؟ كيف! ولازمه كون الحكم داخلا في موضوع نفسه، وهو كما ترى. [توضيح] وهن هذه الشبهات بأن يقال: أما الشبهة الاولى [ففيها]: أن غاية ما يلزم تقييد إطلاقه بضم غيره، لا تخصيصه المستهجن، وأن سياقه يقتضي عدم الفرق بين الشبهة الحكمية والموضوعية، ومجرد التطبيق على المورد من [الشبهة] الموضوعية لا يقتضي اختصاصه [بها]، كما لا يخفى. وأما الثانية فبأن المفهوم حاكم على الآيات، لأنه [بتتميم] كشفه المرتكز في اذهان العرف في [طرقهم]، يصير الواقع معلوما ويخرج عن صرف المظنونية. وأما [الثالثة]: [فبمنع] كون الفسق مطلق الخروج عن طاعة الله حتى في الصغائر بلا إصرار، مع أن الخروج المقرون بالتوبة والاستغفار عند وجود ملكة الاجتناب لا يضر بالعدالة، ويخرج به عن عنوان الفسق، وتوهم احتمال الفسق بهذا الخبر مدفوع بظهور الآية في الفسق من غير [ناحيته]، مضافا إلى الأمر بالحمل لكلامه على أحسنه (4)، وأحسنه صدقه، فتأمل. وأما [الرابعة]: فقد يجاب عنه بأن خبر السيد حدسي لا [تشمله] أدلة حجية خبر الواحد. وفيه: أن قرب عهد السيد بزمانهم (عليهم السلام) يخرجه عن الحدسية المحضة، إذ لا أقل من كونه حدسيا قريبا بالحس. وأضعف منه جواب آخر من انصراف الآية عن مثله، كيف؟ ويلزم كون المقصود من الآية الدالة على حجية الخبر عدم حجيته، وهو فضيح في الغاية.

وقيل (5): إن ذلك صحيح لو كان المقصود عدم حجية الخبر على الإطلاق. وإلا فلو كان الغرض عدم حجيته من حين إخبار السيد، وحجية قبله فلا فضاحة فيه، خصوصا مع خروج قبل زمان السيد عن مورد الابتلاء، على وجه لا يشمله خبر السيد جزما، وبذلك يدفع توهم عدم الفصل بينهما من طرف عدم الحجية، كما هو ظاهر. نعم لا بأس بدعوى عدم الفصل في طرف الحجية. وحينئذ ربما يمنع ذلك عن الشمول لخبر السيد لو تم عدم الفصل المزبور. هذا كله ما استفدته من الأساطين. أقول: في المقام كلام آخر، وهو أن التعبد بإخبار السيد بعدم حجية الخبر إنما هو في ظرف الشك [في] الحجية واللاحجية. وبديهي أن هذه المرتبة متأخرة رتبة عن مضمون آية النبأ، ومع هذا التأخر كيف يعقل لمضمون الآية إطلاق يشمل مرتبة الشك بنفسه كي يستلزم الفضاحة أو يلتزم بالفصل بين الزمانين في دفع الفضاحة؟ كما أنه لا يمكن بمثل هذا البيان - أيضا - أن يشمل خبر السيد نفسه، ولو بنحو القضية الطبيعية، إذ على فرض تسليم إمكان شمول الموضوع ما هو من شؤون حكمه - نظير كل خبري [كاذب] - نمنع الشمول في المقام بمناط استحالة إطلاق الشيء لمرتبة الشك [في] نفسه هذا. ولكن يمكن أن يقال: إن هذا الإشكال - كالإشكال الآتي من شمول دليل حجية الخبر الخبر بالواسطة، أو شمول الخطاب المتعلق بذات العبادة الأمر المتعلق بدعوة الآمر بالذات - مبني على جعل مفاد الخطاب الأمر الشخصي الكاشف عن ارادة شخصه. وإلا فلو اريد من عموم الخطاب بالتعبد [بالخبر] سنخ الأمر الجامع بين فرد متعلق بالخبر عن الواقع وفرد آخر متعلق بخبر آخر في طول هذا الفرد من الحكم من دون لحاظ الشخصين في هذا الخطاب، بل كان كل منهما مدلولا بدال آخر، فلا قصور حينئذ لشمول إطلاق خطاب واحد لكلا الفردين من الحكم بالدالين بلا احتياج إلى تعدد خطاب في البين. ولقد أوضحنا هذه المقالة في بحث الواجبات التعبدية (6)، فراجع.

وحينئذ يتضح بمثل هذا البيان دفع الإشكال السابع - أيضا - بلا احتياج إلى الأخذ بالمناط، أو جعل القضية طبيعية، مع ما فيه من الإشكال المشار إليه آنفا. ولعمري إن جميع الإشكالات الواردة في أمثال المقامات المزبورة مبني على تخيلهم بأن الخطابات المزبورة أحكام وأوامر شخصية، فوقعوا في حيص وبيص في الخبر مع الواسطة وباب [القربة] (7). ونحن نقول: إنه على هذا المبنى لم غفلوا عما ذكرنا من الإشكال لشمول الخطاب لمثل خبر السيد، والتزموا فيها بأجوبة مخدوشة؟ ولعمري إنهم لو دققوا النظر وفتحوا البصر وحملوا أمثال هذه الخطابات - بملاحظة مالها من المصاديق الطولية - على انشاء سنخ الحكم الشامل للفرد السابق رتبة، والآخر اللاحق - كذلك - لما [ورد] إيراد في أمثال هذه المقامات، كي يحتاج إلى الجواب عنه - أيضا -: بأنه على طريقية الخبر لا إشكال، إذ كل لاحق طريق إلى سابقه. مع وضوح فساد هذا البيان بأن مرجع الطريقية - بعد ما كان تتميم كشفه على مختاره - إن اريد [منه] تتميم كشفه [بالنظر] إلى أثر مؤداه، فبعد ما لا يكون له أثر إلا تتميم الكشف، فكيف يشمل تتميم الكشف نفسه؟ وإن اريد تتميم الكشف ولو بلحاظ أثر غير مؤداه فمن الأول [نلتزم] تتميم كشف أول السلسلة بلحاظ أمر آخر السلسلة، بلا احتياج إلى اثبات حجية الوسائط، ولا أظن [التزامه] به، فتدبر. وأما الاشكال الخامس ففيه: أن ما هو واجب في الأحكام، الفحص عن المعارض المانع عن حجيته، وهو غير مرتبط بالتبين عن حال الخبر المقتضي لها. وأما الإشكال السادس ففيه: منع عدم حجية الظن في اصول الفقه، وما بنوا منعها فيه هو اصول الدين، مع ما فيه من الاشكال - أيضا - كما سيأتي إن شاء الله.

ومن الآيات التي استدلوا بها على حجية [خبر] الواحد آية النفر (التوبة: 122). بقرينة أن لولا التحضيضية ظاهرة في الترغيب والتحريض [على مدخولها]، ولازمه مطلوبية النفر [المستتبعة] لمطلوبية التفقه في الدين، حيث إنه الغرض من النفر المرغوب، وهو مستتبع لمطلوبية الحذر، لأنه غاية تفقهه، وأن الغرض من الحذر - أيضا - العمل على [طبق] انذارهم، وحيث إنه لا معنى لندب الحذر - على ما أفاده في المعالم (8) - يتم المدعى وفيه: أن إشراب جهة التخويف في الإنذار يلازم [كون] جهة فهم المنذر [دخيلة] فيه، وهو يناسب مقام الفتوى والتقليد، وأجنبي عن مقام حجية خبر شخص لا يعرف معناه، بل يحكي ما سمعه من ألفاظه، بداهة انصراف الإنذار عن مثله. وحينئذ ليس وجه الإشكال من هذه الجهة إلا انصراف الإنذار عن حيث الحكاية واختصاصه بحيث التخويف المنوط بفهمه، حتى في صورة اجتماع جهة الحكاية مع التخويف - بحيث تكون الحكاية المخصوصة [متضمنة] للتخويف - فضلا عن مورد افتراق الحكاية عنه، كما أشرنا بالمثال (9). وحينئذ، فالجواب عن هذا الإشكال: بأن التخويف أعم من الصراحة والضمنية [أجنبي] عن مصب الإشكال هذا. مضافا إلى إمكان دعوى إهمال الآية من حيث اقتضاء الإخبار - ولو [ضمنا] - للتخويف، علما أو ظنا، فلا إطلاق فيها على وجه يشمل الخبر غير العلمي. وتوهم أن الآية - بعمومها الاستغراقي - تدل على إنذار كل واحد واحد، فلا مجال لنفي الإطلاق من حيث إفادة إنذارهم العلم وعدمها، مدفوع بأن العموم الاستغراقي في وجوب الإنذار لا يقتضي إلا وجوب الإخبار على كل واحد، وأما كون موضوع الوجوب اخبار كل فرد، حتى في حال الانفراد عن غيره، يحتاج إلى إطلاق حالي، بالنسبة إلى كل فرد فرد الذي يقتضيه العموم الاستغراقي. كيف؟ ومع عدم إطلاقه من هذه الجهة، لا يكفي لإثبات المدعى وجوب الإخبار على كل أحد بنحو الاستغراق، إذ لا منافاة بين العموم المزبور مع هذا [التقييد]، كما هو ظاهر. وحينئذ، استفادة وجوب إنذار كل واحد مطلقا، ولو لم ينضم إلى غيره، يحتاج إلى اطلاق آخر زائد عن العموم الاستغراقي. نعم بعد ثبوت هذا الإطلاق، لا يبقى مجال الإهمال بحسب حال إفادة خبره العلم و[عدمها]، إذ من المعلوم أن الخبر الواحد - غالبا - لا يفيد العلم، فإهماله من هذه الجهة يلازم [تنزيل] الإطلاق والعموم المزبور على المورد النادر، والآية تأبى عن ذلك. وأظن أن المستدل - في اكتفائه [بالعموم] الاستغراقي من الإطلاق - نظره إلى هذه الجهة الأخيرة، وإلا فلو فتح البصر، ونظر إلى الجهة الاولى، لا أظن قناعته في تمامية الدلالة بصرف عمومها استغراقا، كما لا يخفى. وحينئذ، [فلنا] دعوى إهمال الآية من الجهة الاولى، مع كون [عمومها] استغراقيا، نظير وجوب كل مقدمة بنحو الاستغراق، غاية الأمر في حال [انضمامها بغيرها]، لا مطلقا، فتدبر. ثم إن في استفادة مطلوبية المدخول من كلمة لعل - إما لما اشتهر [بأنها] للترجي وهو يلازم المطلوبية، أو من جهة كونه غاية للمطلوب، فلا بد وأن يكون مطلوبا - كلام آخر، إذ كثيرا ما [تستعمل] هذه الكلمة لمحض إبداء الاحتمال، بلا كونه غاية لما قبله، ولا فيه جهة إشراب المطلوبية، نظير قوله: علك أن تركع يوما ، ولا تكرم زيدا لعله عدوك ، وأمثال ذلك، مما لا [تقتضي] الكلمة المزبورة إلا إبداء مجرد الاحتمال. وحينئذ استفادة مطلوبية الحذر لابد وأن [تكون] من جهة [خارجية]، لا من الجهتين المزبورتين. نعم هنا جهة شبهة اخرى، وهي أنه على تسليم استفادة المطلوبية من كلمة لعل بأحد الوجهين، فلا أقل من إشراب جهة جهل فيه. وهذا المعنى لا يناسب صدوره من الباري عز اسمه. ويمكن دفعها بأن المقصود من هذه الكلمة بيان حال المنذرين - بالكسر - لا بيان حال المتكلم، فكأن الباري - عز جلاله - ألقى هذه الكلمة لبيان حالهم، بأنه لا أقل من احتمالهم في حق المنذر - بالفتح - لا بلحاظ حال نفسه - عز جلاله -. ومن جملة ما استدلوا [به] على حجية [خبر] الواحد آية السؤال

[من] قوله: عز اسمه: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] والانبياء: 7.). وقيل (10): بأن المراد من أهل الذكر هم الأئمة (عليهم السلام) خصوصا مع ظهوره في حصول العلم من قولهم ورفع الجهل عنهم بكلامهم، وليس ذلك إلا شأن المعصوم، وإلا فغيره لا يفيد بنفسه - بلا انضمام بكلام غيره - غالبا علما بما أخبر. مع أن الظاهر من أهل الذكر - على فرض الشمول لغيرهم - ليس مطلق العامي غير الملتفت إلى معنى ما أخبر به، بل لا يكون ملتفتا إلا إلى ألفاظه المحكية. وحينئذ ظاهر الآية دخل العلم بما أفاد في المسؤول عنه. ومن هذا شأنه ليس إلا المفتي بالنسبة إلى مقلده، لا مطلق الخبر والحكاية عما وقع، ولو لم يلتفت إلى معناه. فلا [ترتبط] الآية - كالآية السابقة - بمقامنا. ولكن يمكن أن يقال بأن الرواة في الصدر الأول - غالبا - من أهل الذكر بحسب زمانهم، لكفاية صدقه بمجرد التفاتهم [إلى] مضامين الأخبار الواردة عليهم، أو [إلى] مضامين كلمات الإمام الصادرة منه بمحضرهم. وحينئذ فمع هذه الغلبة أمكن حمل هذا القيد على الغالب، كما لا يخفى، فيتعدى حينئذ إلى العامي البحت بعدم الفصل. نعم إنما الإشكال أيضا في إطلاقها من حيث وجوب اتباعه، ولو منفردا عن غيره، أو إهمالها من حيث انضمامه بخبر غيره المفيد قولهم العلم، كما هو المنساق من الآية: بأنهم يسألون حتى يعلموا، نظير ما ذكرنا في الآية السابقة، فتدبر. وهنا - أيضا - بعض آيات اخرى، استدلوا بها على حجية [خبر] الواحد، ووضوح الاشكال فيها منعنا عن التعرض لها، وأوكلناه إلى المطولات، فراجع إليها وتدبر فيها. هذا كله في الاستشهاد للمدعى بكتاب الله عز اسمه.

____________

(1) انظر فرائد الاصول: 119.

(2) انظر مقالات الاصول 1: 411.

(3) انظر فرائد الاصول: 116 - 118.

(4) الوسائل 8: 614، الباب 161، الحديث 3.

(5) لم نعثر على هذا القائل.

(6) راجع مقالات الاصول 1: 239.

 (7) يقصد باب الأمر بالأمر بالعبادة، حيث إنه بناء على شرعية عبادة الصبي حينئذ يتحقق قصد القربة منه.

(8) المعالم: 190.

(9) الظاهر أن مراده من المثال هو ما ذكره آنفا من ان الشخص قد يخبر بأمر وهو لا يعرف معناه بل يحكي ما سمعه من الألفاظ.

(10) قاله الشيخ في الفرائد: 133.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.