المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
مراحل سلوك المستهلك كمحدد لقرار الشراء (مرحلة خلق الرغبة على الشراء1)
2024-11-22
عمليات خدمة الثوم بعد الزراعة
2024-11-22
زراعة الثوم
2024-11-22
تكاثر وطرق زراعة الثوم
2024-11-22
تخزين الثوم
2024-11-22
تأثير العوامل الجوية على زراعة الثوم
2024-11-22

الفانيليا Vanilla fragrans
9-11-2017
المكافحة الحيوية للافات Biological Control
25-2-2022
Light Microscopy
22-10-2015
حماد بن بشر الطنافسي
24-7-2017
تعريف الحدود السياسية ونشاتها
4-1-2022
Newtons Second Law for Rotation
29-12-2016


حجيـــــــة القطع عقلا  
  
950   12:03 مساءاً   التاريخ: 5-9-2016
المؤلف : الشيخ ضياء الدين العراقي
الكتاب أو المصدر : مقالات الاصول
الجزء والصفحة : ج2 ص 10.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / مباحث الحجة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016 915
التاريخ: 18-8-2016 1108
التاريخ: 18-8-2016 1169
التاريخ: 6-9-2016 1060

اعلم أولا: أن كل من وضع عليه قلم التكليف، والتفت إلى تكليفه: إما أن يقطع به بحيث لا يحتمل خلافه، أم لا يقطع، بل يحتمل في حقه تكليفا، وحينئذ فإما: أن يكون أحد احتماليه راجحا على الآخر، [أو]: لا، بل هما متساويان على وجه يوجب في حقه ترديدا بلا عقيدة لأحد الطرفين ولو ظنيا. ولا شبهة في اختصاص كل واحد بخصيصة من وجوب الطريقية في القطع، و[إمكانها] في الظن، و[استحالتها] في الشك. وتوضيح ذلك يقتضي طي الكلام في كل واحد في مقالة، فنقول:

...لا شبهة في وجوب اتباع القطع عقلا. ومرجع هذا الوجوب في القطع بالأحكام إلى حكم العقل بتحسين صرف غرضه وإرادته إلى امتثال مولاه، وإليه يرجع أيضا حكمه بحسن إطاعته. وأما مع فرض تعلق غرضه بالمتابعة - كتعلق غرضه في اموره التكوينية بتحصيل مقصوده - فحكم العقل بالحركة على وفق [القطع] ارتكازي غير مرتبط بباب حكم العقل بالتحسين والتقبيح. كيف، وهذا المعنى ربما يكون جبليا للحيوانات في حسياتهم. وعلى أي حال مع حصول القطع بحكم لا يصلح مثل هذا القطع للردع عن عمله، إذ بالنسبة إلى المرتبة الأخيرة [واضح]، لأن صلاحيته في ظرف فعلية غرضه بتحصيل المقصود يرجع إلى إمكان نقض غرضه، وهو كما ترى محال وجدانا. وبالنسبة إلى المرتبة الاولى يرجع إلى منعه عن طاعته، مع أن حكمه [بحسنها] تنجيزي. نعم، لو فرض تعليقية حكم العقل بحسن الطاعة لا بأس بردعه في هذه المرتبة الموجب لعدم انتهائه إلى صرف غرضه، ولكن أنى لنا بإثباته؟! كيف! والوجدان شاهد بتنجيزية حكمه، إذ لا مجال للتصديق بإمكان ترخيص المولى في معصيته وترك إطاعته. وهذا المقدار هو الوافي لإثبات المدعى بلا احتياج إلى التشبث ببرهان المناقضة، إذ البرهان المزبور: إن كان جاريا بالنسبة إلى حكم العقل في المرحلة الاولى فإنما يتم على التنجيزية، وإلا فعلى إمكان التعليقية لا يكاد يتم البرهان، لأن الردع حينئذ مانع عن حكم العقل بحسن إطاعة مولاه، فلا يحكم العقل حينئذ بلزوم صرف غرضه إلى موافقة مولاه. وان كان البرهان جاريا بالنسبة إلى حكم الشرع من حيث إرادته وترخيصه على خلافه ففيه: إن مرجع ذلك أيضا إلى ترخيص المولى في ترك العمل في المرتبة اللاحقة مع بقاء إرادته في المرتبة السابقة بلا تضاد أو مناقضة في البين. نعم، لو كان المقصود من صحة الردع منعه عن الحركة على وفق المقصود في ظرف توجه الغرض إليه صح ملازمته لمنع طريقيته وإراءته، كيف! وإراءته وطريقيته موجبة - للارتكاز - إلى الحركة بنحو العلية، فمنعه حينئذ عن الحركة مساوق لمنع طريقيته. ولكن لا أظن أحدا يدعي قابلية القطع للردع في هذه المرتبة الارتكازية كي يقام عليه البرهان بأن طريقيته وإراءته ذاتية، ويستحيل سلب ذاتي الشيء عنه. نعم، قصارى ما يمكن [للمخالف] في المقام صرف كلامه إلى المرتبة السابقة بدعواه: أن حكم العقل بصرف الغرض إلى متابعة المولى تعليقي، وحينئذ لا يرد عليه أيضا برهان المناقضة. كما أن بمثل هذا البرهان أيضا لا مجال لإثبات تنجيزية حكم العقل، لأن ثبوت التنجيزية من مبادي جريان البرهان، ولا يكاد يجري ما لم [تثبت] مباديه كما هو واضح. وبالجملة: العمدة في إثبات المقامين للقطع هو الوجدان - كما أشرنا - وهو يكفي ونعم النصير. هذا كله في القطع. [عدم حجية الظن] :

وأما في الظن فلا شبهة في أن احتمال خلافه مانع عن طريقيته الذاتية، لقصوره حينئذ عن الإراءة الذاتية التامة وجدانا، وحينئذ لا حكم للعقل في مورد الظن بنفسه لا في المقام الأول ولا في المقام الثاني. اما المقام الثاني فواضح، إذ الاحتمال المخالف يمنعه عن الحركة إلى مقصوده لاحتمال عدم مقصوده، وما هو علة للحركة المزبورة هو الجزم بوصوله، المفقود في المقام. واما المقام الأول فإن العقل إنما يحكم بصرف غرضه إلى اطاعة مولاه، ومع احتمال [عدمها] أين [الإطاعة] كي يحكم العقل بصرف الغرض [إليها]، بل العقل حينئذ مستقل بجواز المخالفة المحتملة. وبهذه الجهة نقول: بأن الظن بنفسه لا يغني من الحق شيئا، بل يحتاج في التحريك على وفقه إلى جعل من قبل المولى كي به تصل النوبة إلى المرتبة الاولى من حكم العقل. نعم لا [تكاد] تصل النوبة إلى المرتبة الثانية في باب الظن بما هو ظن بالواقع ما لم ينته الأمر إلى الجزم بالغرض ولو في المرتبة المتأخرة عن الظن بالواقع، وهو أيضا من أحكام اليقين غير مرتبط بالظن أصلا. نعم، المرتبة الاولى أمكن أن [تتحقق] فيه بجعله، وحينئذ يمتاز الظن عن القطع بصلاحيته لجعل التحريك على وفقه، بل وجعل الطريقية فيه ولو في الجملة، دون القطع لأنها ذاتية فيه. ثم إن الغرض من جعل طريقية الظن تارة صيرورة الظن قائما مقام اليقين في تقديمه على مفاد الاصول العملية التي كان العلم غاية لها، أو قائما مقامه في موارد كون العلم دخيلا في موضوع الحكم بنحو الشرطية مثلا، واخرى قيامه مقام اليقين في المرتبة الاولى من حكم العقل بوجوب الاتباع الملازم لتنجز الواقع في مورد مصادفته له. أما قيامه مقام العلم في المقام الأول فيكفيه مجرد عنايته تتميم كشفه في لسان دليله، إذ حينئذ يصير حاكما على أدلة الاصول والعلوم الموضوعية بتوسعة العناية المزبورة للغاية تارة والشرط اخرى، كما هو ظاهر. وسيأتي - إن شاء الله - وجه استفادة هذه العناية من لسان أدلة الطرق كلية في محله. وأما في قيامه مقام العلم في المقام الثاني ففي كفاية هذا المقدار من العناية بلا التزام بمعنى آخر في البين مجال منع، خلافا لبعض المعاصرين (1) حيث التزم بكفاية هذا المقدار لتنجز الواقع المستتبع للحكم العقلي المزبور. وعمدة نظره إلى أن تنجز الواقع تابع وصول الواقع إلى المكلف أعم من الوصول الوجداني والعنائي. وبعبارة اخرى: إن البيان الرافع لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان منحصر بالعلم بالواقع أعم من العلم الحقيقي أو الجعلي، فلولا تتميم الكشف في البين لما كان لنا بيان رافع لحكم العقل المزبور، إذ لا نعني من البيان إلا رفع الجهل الحاصل بالوجدان تارة وبالجعل وتتميم الكشف اخرى. وببيان آخر هو: ان غالب الطرق الشرعية إمضائية لطريقة العقلاء، ومرجعه إلى بنائهم على تتميم الكشف ووصولهم إلى الواقع بطرقهم في مقام اعمالهم، فليس عندهم جعل وأمر مخصوص في موارد طرقهم، بل ليس إلا مجرد بنائهم على الغاء احتمال الخلاف مقدمة وتوطئة لعملهم على وفقها، ولولا اقتضاء صرف تتميم الكشف في بنائهم لتنجز الواقع لما يصلح هذا البناء توطئة لعملهم، إذ لا يكون عملهم على طبق الطرق إلا من جهة صلاحيتها لتنجز الواقع ووصوله إليهم، وحينئذ يرجع إمضاء الشارع إياهم في هذا البناء إلى رضاه ببنائهم على تنجيز الواقع بنفس عناية تتميم الكشف المستتبع للعمل على وفقه. هذا غاية توضيح لبيان كلامهم ونهاية تشييد لأركان مرامهم. ولكن أقول، و[عليه] التكلان: إن لازم حصر البيان بالعلم الأعم من الجعلي عدم صلاحية سائر الاصول التنزيلية المحفوظ في موضوعها الجهل والشك بالواقع، كالاستصحاب على وجه، وقاعدة الاعتناء بالشك قبل تجاوز المحل، لتنجز الواقع، لعدم العلم بالواقع في موردها، حيث عدم كون لسانها تتميم الكشف ورفع الجهل. ومجرد كون مؤدى الدليل تنزيل محتمل البقاء منزلة الواقع لا يجدي في رفع الجهل الذي هو موضوع هذه الأدلة، فليس في موردها تتميم كشف، ولا علم بالواقع ولو جعليا. وأولى من هذه الاصول موارد الأمر (2) بالاختبار في اشتباه الدم، والأمر (3) بالتسبيك في مورد الجهل بمقدار الواجب في الذهب، والأمر (4) بوجوب [تعلم الأحكام]، إذ من هذه الأوامر يستفاد حرمة الاقتحام عند الشك بلا تتميم كشف في موردها. ولازم ما افيد عدم صلاحية هذه الموارد لتنجز الواقع واستحقاق العقوبة على مخالفته في مواردها، لعدم بيان وعلم بالواقع ولو جعليا، فيبقى الواقع فيها حينئذ تحت قبح العقاب بلا بيان. وحينئذ لا محيص - على فرض العقوبة - من الالتزام بالعقوبة على مخالفة هذه الاصول والقواعد، خالف الواقع أو وافق. ومرجعه إلى موضوعية الاصول المثبتة في الأحكام، تنزيلية أم غير تنزيلية بلا صلاحيتها لتنجز الواقعيات. مع أن الطبع السليم يأبى عن هذا المسلك، وبناء الفقهاء أيضا على غير هذا. كيف! ويجعلون - في اقتضاء الحكم الظاهري للإجزاء وعدمه - الأمارات والأصول في سلك واحد، ويبنون الإجزاء على الموضوعية وعدمه على عدمها من دون نظرهم إلى تفرقة بين الاصول المثبتة والأمارات في ذلك. وذلك شاهد أن في تنجز الواقعيات لا يكون جهة فرق بين الأمارات والاصول من حيث المنجزية للواقع بنظرهم، فتدبر في كلماتهم. بل المرتكز في أذهان العقلاء في احتياطاتهم أيضا ليس على موضوعية الاحتياط للعقوبة [في] نفسه بل تمام ارتكازهم على كون الواقع بنظرهم منجزا بمحض أمر مولاهم بأخذهم جانب الاحتياط. وذلك كله شاهد أن المراد بالبيان الرافع لحكم العقل بقبح العقاب ليس منحصرا بالعلم بالواقع فضلا عن أن يكون جعليا، هذا. مع أنه كيف يمكن الالتزام بأن مجرد العلم الجعلي الناشئ عن تتميم الكشف - بلا نظر إلى جعل بيان - مصحح للعقوبة على الواقع. إذ من البديهي أن مرجع العلم الجعلي وتتميم الكشف إلى إلغاء احتمال الخلاف من العبد تنزيلا، كما هو الشأن في جعلية جميع الأشياء بالتنزيل من أي مقولة، فلا يكون المنزل بوجوده الاعتباري مع المنزل عليه تحت جامع، لعدم وجود جامع بين المقولات فضلا عن مثل هذه الاعتباريات المحضة الخارجة عن المقولات طرا.

وحينئذ القائل بكفاية الجعل المزبور في تنجيز الأحكام إن أراد: أن مجرد البناء على محرزية ما لا يكون محرزا وجدانا كاف في المنجزية ولو بلا نظر في هذا البناء والجعل إلى جهة الاستطراق به إلى الواقع، بل يدعي أن صرف هذا البناء ولو بلحاظ أثر آخر محضا واف بجعلية الإحراز، [فتشمله] كبرى ترتب حسن العقاب على البيان ولو جعليا، لفرض صدق المصداق الجعلي على مثله، ففيه: أن لازمه الحكم بتنجز الأحكام حتى في صورة كون النظر في جعل الإحراز إلى غير استطراقه، كتقبيل يده واحترامه فقط. ولا أظن التزامه من أحد. وإن أراد: أن جعل الإحراز بلحاظ الاستطراق موجب للتنجيز لا مطلق جعله ولولا بهذا اللحاظ فنقول: إنه إن أراد بذلك شرطية نفس الملحوظ من الاستطراق المزبور وأن لحاظه فيه طريق إلى دخل ملحوظه، ففيه: أن مرجعه إلى دخل ما هو غرض الشيء في موضوعه، وبديهي أنه دور صريح. وإن أراد: أن اللحاظ المزبور بنفسه شرطه فهو أفحش فسادا من الأول، لبداهة أن لحاظ الشيء لابد وأن يكون في رتبة لاحقة عن الشيء، كما هو الشأن في جميع العلوم تصوريا أم تصديقيا بالنسبة إلى معلوماتها. وحينئذ كيف يعقل شرطية هذا اللحاظ لترتب ملحوظه؟ إذ شأن [الشرط] أن يرى سابقا [على] مشروطه، وكيف يعقل ملاحظة ما هو لاحق [لملحوظه] سابقا [عليه] رتبة. ولذا لم يتوهم أحد شرطية العلم بشيء لمعلومه. وحينئذ لا محيص من إلغاء هذا اللحاظ عن الشرطية ويلتزم بالنقض المزبور. وعليه، فلا يرفع هذه الغائلة إلا الالتزام بعدم ترتب التنجيز على مجرد جعل المحرزية، بل يحتاج إلى سبب آخر يكون مثل هذا الجعل والعناية المزبورة حاكية عنه، وأنه نحو عناية في بيان المقصود، لا أنه بنفسه مقصود وموضوع أثر.

ومن هذا البيان أيضا ظهر حال العقلاء في بنائهم على محرزية شيء في مقام أعمالهم، فإنه لو كان هذه الأعمال مترتبة على نفس هذه العناية يلزم أيضا أحد المحذورين: إما إلغاء لحاظ الأعمال عن الشرطية فيلزم النقض المزبور، أو أخذه شرطا في ترتب الأعمال على جعل محرزية شيء لهم، فيلزمهم أخذ اللحاظ المتأخر رتبة في ملحوظه سابقا، وهو كما ترى. وحينئذ لا محيص لهم أيضا إلا من الالتزام بأن مناط أعمالهم شيء آخر وأن هذه الجهة [دعتهم إلى] جعل المحرزية، لا أن الجعل المزبور بنفسه دعاهم إلى الأعمال، كما لا يخفى. وبالجملة نقول: إن لازم منجزية صرف جعل المحرزية - كما توهم (5) - أحد المحذورين: إما الالتزام بترتبها على مجرد الجعل ولو بأي لحاظ، فيلزم النقض المزبور. أو الالتزام بشرطية لحاظ الشيء للشيء، فيلزم حينئذ تقديم ما هو متأخر رتبة على ملحوظه، وهو أفحش فسادا عن النقض. ثم إنه بعد ما عرفت ذلك نقول: إن الأثر الذي يكون لحاظه شرطا في صحة الجعل لابد وأن يكون أمر رفعه ووضعه بيده، وعليه أيضا أسسوا أساس عدم حجية الاصول المثبتة. وحينئذ نقول: إن مجرد أعمال أنفسهم في معاملاتهم يكفي في تصحيح جعلهم، لكونها مثبتة منهم. وأما أعمال عبيدهم [فلا] يجدي في صحة جعل الإحراز للعبيد، لعدم كون أمر رفعها ووضعها بيد المولى، بل لابد وأن يكون المصحح للجعل في هذا المقام أمره بالمعاملة، إذ هو المتمشي من قبل المولى بالإضافة إلى العبيد.

وحينئذ لو فرض طريقية هذا الأمر، يكفي للمنجزية بلا وصول النوبة إلى جعل المحرزية محضا. ولذا ربما يتحقق هذا الأمر لا بلسان جعل المحرزية، كما في الاصول العملية وأوامر الاختبار كما أشرنا ويكتفى بها في تنجيز الأحكام. ومن ذلك يلتزم أيضا باشتراك الأمارات والاصول في لب أساس المنجزية وإن كان بينهما فرق من اختصاص دليل الأمارة بلسان تتميم الكشف دون غيره. وبهذه الجهة تقدم الأمارة على الاصول بلسان التحكيم. نعم ربما استشكل في التحكيم المزبور لو كان لسان دليل الأمارة تنزيل المؤدى، لعدم وجود علم بالواقع لا حقيقة ولا تنزيلا علاوة على استلزام ذلك محذور اجتماع اللحاظين في دليل الأمارة، كما قرر في كلماته فراجع (6). ولذا التزم القائل به بعدم قيام الأمارة مقام العلم الموضوعي، والتزم أيضا بورود أدلة الأمارة على الاصول لا الحكومة بتكلف بعيد. ولكن يمكن أن يقال: إنه على هذا المسلك أيضا أمكن الالتزام بالحكومة ولو من جهة نظر دليل الأمارة بدوا إلى توسعة الحكم وتضييقه بلا احتياج إلى توسعة في موضوعه. وسيأتي - إن شاء الله - عدم إمكان الحكومة في الأصل السببي والمسببي إلا بهذا النحو من النظر لا ببركة توسعة الموضوع أو تضييقه. وتوضيحه موكول إلى محله إن شاء الله. وكيف كان، ظهر مما تلوناه لك عدم أساس المنجزية بمجرد جعل المحرزية، وأنه نحو سراب بقيعة [يحسبه] الظمآن ماء (7).

وأضعف من ذلك توهم ترتب المنجزية على مجرد جعل الحجية وأنه من الأحكام الوضعية كالملكية. وتوضيح دفعه بأنا لا نرى من الحجية إلا ما هو الثابت لنفس العلم ذاتا، وبديهي أن ما هو الثابت له ليس إلا القاطعية [للعذر] المساوق للسببية للاستحقاق. وهذا المعنى غير قابل للجعل أبدا، بل القابل له سببه من الأمر الطريقي في مورده.

[الأوامر الطريقية] :

وحيث آل الأمر إلى الأوامر الطريقية فينبغي طي الكلام في شرح الأوامر الطريقية بحقيقتها ولوازمها فنقول: أما حقيقتها فهي إنشاءات في ظرف الجهل، حاكية عن لب الإرادة القائمة بالمتعلق ومبرزة لها. وحينئذ دائرة إنشائها أوسع من دائرة لب الإرادة الواقعية، إذ ربما يكون في البين إنشاء بلا إرادة في الواقع أصلا. وبذلك [تمتاز] عن الأحكام الحقيقية الأصلية، حيث إن دائرة إنشائها بمقدار إرادتها، ومن هذه الجهة ربما يفترق الأمران في جهة الإثبات لحكم المتعلق على فرض وجوده واقعا، إذ في الأمر الطريقي لا قصور في [مثبتيته] ومبرزيته له لهذا الوجود، بخلاف الأوامر الأصلية، إذ هي لا تكون مبرزة إلا لإرادتها المحفوظة في نفسها بلا نظر فيها إلى إبراز حكم آخر ولو كان موجودا. بل لك أن تقول: إن شأن الإنشاءات المبرزة - كلية - في ظرف إبرازها أن لها نحو اتحاد مع المبرز - بالفتح - بحيث قوام حكمية الحكم بهما. وبهذه الملاحظة صح إطلاق الوساطة في الثبوت أيضا على الإنشاءات الطرقية كسائر الإنشاءات. غاية الأمر: الفرق [بينهما] احتياج هذه الوساطة في الأمر الطريقي إلى فرض وجود لب الإرادة واقعا دون سائر الإنشاءات، إذ هي في وساطة [ثبوتها] لا تحتاج إلى فرض وجود ارادة اخرى، لعدم [أوسعيتها] عن لب [إرادتها] كما لا يخفى وجهه. وحيث اتضح تقريب مثبتية الأحكام الطرقية على الوجه المزبور ظهر لك أمران: أحدهما: عدم التهافت بين كون الأمارة في القياس موضوع الأكبر في الكبرى ومنتجا لحكم متعلقه، بخلافه في الاحكام غير الطرقية، إذ الموضوع للأكبر في [قياسها] لا يكون إلا منتجا لحكم نفسه لا غيره. وعمدة المنشأ هو أوسعية دائرة الإنشاء الطريقي عن لب إرادته هناك دون المقام، كما أسلفنا. وثانيهما: أن المثبتية في الأمر الطريقي [حقيقية] بملاحظة مبرزيته [للإرادة] المحفوظة في مورده أحيانا، فيصدق في حقها (8) أن موضوعها واسطة لإثبات حكم [متعلقها] المحفوظ في [موردها] حقيقة بلا احتياج إلى جعل [اثباته] عنائيا. كيف! وبرد (9) البعض السابق في جعل الإحراز بلحاظ تقبيل اليد والاحترام، وهو كما مر (10). ثم إن من هذه البيانات ظهر دفع شبهة اخرى وهي: أن المثبتية في ظرف وجود الحكم الواقعي لا [تخرج] المورد عن الجهل به، فكيف يصير موجبا لتنجز الواقع المنوط بالبيان الواصل؟ وتوضيح دفعها: بأن مثل هذه الإنشاءات في ظرف وجود الحكم لا قصور في مبرزيتها له كما عرفت، و[لازمه] كون الحكم المزبور في ظرف وجوده مقرونا بالبيان الواصل، فيصير الأمر حينئذ دائرا بين عدم الحكم أو وجوده مقرونا بالبيان. ومرجعه إلى احتمال وجود حكم مقرون ببيانه، ومثله خارج عن موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، إذ موضوعه الجهل بحكم على تقدير وجوده لا يكون مقرونا بالبيان الواصل، فيدخل المقام قهرا تحت قاعدة دفع الضرر المحتمل. فإن قلت: إن كل مورد احتمل فيه التكليف - فعلى فرض صدق احتماله - يقطع بالتكليف، ولازمه كون وجوده واقعا مقرونا بالبيان، فلا يبقى حينئذ موضوع لقاعدة القبح. قلت: إن القطع المزبور لما كان وجوده منوطا بأمر مجهول فلا يكاد تصور وجوده فعلا كي يكون طريقا واصلا. وهذا بخلاف الإنشاءات المزبورة، فإنها في أصل وجودها لا تكون [منوطة] بأمر مجهول، بل في بيانيتها ومبرزيتها للحكم الموجود واقعا أحيانا أيضا لا [تنوط] بشيء، غاية الأمر لو لم يكن في البين حكم فلا يصلح الإنشاء للبيانية من جهة قصوره في الحكم، لا قصور في بيانيته في فرض الوجود، بخلاف العلم المزبور، إذ على فرض وجود الحكم في الواقع قاصر عن فعلية الوجود فضلا عن بيانيته، وحينئذ كم فرق بين المقامين؟ وعليه لا نعني من منجزية هذه الأوامر إلا هذا. ثم إن لنا في دفع الشبهة المزبورة بيانا آخر وهو: إن من المعلوم أن مثل هذه الإنشاءات الطرقية في ظرف الجهل بالواقع يكشف عن اهتمام المولى بحفظ مقصوده بحسب ما قنع في إبرازه بصرف خطابه الواقعي القاصر عن الشمول لظرف الجهل بنفسه. ولازمه حينئذ احتمال المكلف تكليفا يقطع بكونه مهتما به بهذه المرتبة من الاهتمام، وبمثله يخرج أيضا عن موضوع القبح، لأنه تمحض بصورة عدم الاهتمام بحفظه في ظرف الجهل. ومن هذه الجهة نلتزم بوجوب النظر إلى المعجزة. ولولا الاهتمام المزبور أو عدم كفايته في حسن العقاب [لم يكن] وجه لوجوبه مع استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان. ثم إنه بعد وضوح وجه المنجزية بتقريب الكشف عن الاهتمام، أو بتقريب الاقتران بالبيان ربما يكون كل واحد من التقريبين منتجا لشيء في باب الانسداد. إذ على تقريب الاهتمام ربما لا ينوط إحرازه من قبل جعل شرعي (11) بل ربما يحرزه العقل من الخارج ولو من جهة الجزم بشدة الاهتمام بالدين وحفظه، كما هو الشأن في النظر إلى المعجزة، حيث لا يعقل كشف هذا الاهتمام من قبل الشرع لكونه دوريا. ومن هذا الباب أيضا كشف الاهتمام من بطلان الخروج من الدين، وأن هذه الجهة أيضا مدرك إجماعهم على البطلان المزبور من دون احتياج إلى جعل شرعي أصلا. وحينئذ من تبعات هذا التقريب عدم [انتهاء] النوبة في نتيجة الانسداد إلى كشف جعل شرعي، بل لا تكون النتيجة - ببركة بطلان الخروج من الدين عقلا الموجب لإحراز اهتمامه لحفظ الدين من الخارج - إلا حكومة العقل ولو من جهة احتمال إيكال الشارع في طرق أحكامه إليه.

نعم لو لم يحرز هذا الاهتمام من الخارج بل كان طريقه منحصرا بالجعل الشرعي، أو قلنا بعدم كفايته في تنجز الأحكام وانحصر الأمر في البيانية إلى جعل شرعي إما بتقريبنا الأول أو بتقريب جعل الإحراز - كما توهم - فلا [محيص] في باب الانسداد - بعد قيام الإجماع أو جهة اخرى على بطلان الاحتياط تماما أو تبعيضا - من المصير إلى الكشف، إذ لا يبقى للعقل استقلال في تعيين طرق الأحكام. بل المرجع حينئذ في تعيين أصل الطريق هو الشرع، وأن شأن العقل بعد تمامية مقدمات الانسداد تعيين ما هو المجعول شرعا. وبقية البيان موكول إلى محله إن شاء الله. وحيث اتضحت الفذلكات المسطورة فلنرجع إلى أصل المقصد فنقول: إن القطع تارة طريقي خارج عن الموضوع وحكمه. واخرى مأخوذ في موضوع حكم. وحيث إنه لا يتصور في مورده أمر طريقي فلا محيص من كونه في القياس واسطة لحكم نفسه لا حكم متعلقه. ولذا لا يطلق عليه الحجة في باب الأدلة لما أشرنا إليه سابقا. وحينئذ لا شبهة في قيام الأمارة [مقامه] في تنجيز الأحكام. كما أنه لا شبهة أيضا في قيام الأمارة مقام العلم بلحاظ سائر آثاره الشرعية بملاحظة ما في لسان دليلها من تتميم الكشف القابل للنظر إلى أي أمر شرعي، أو بوجه آخر أشرنا إليه. وربما تمتاز الأمارة عن الأصل حينئذ بمثل هذا النظر الموجب لتحكيم دليل الأمارة على الأصل كما لا يخفى. ثم اعلم أن مجرد حكم العقل بوجوب موافقة القطع حين حصوله بكل واحد من المعنيين السابقين لا يقتضي معذريته عند المخالفة على الإطلاق، إذ ربما يقصر في تحصيله ولو من جهة علمه سابقا بأكثرية مخالفته للواقع بالإضافة إلى الطرق المجعولة، ففي هذه الصورة لا يرى العقل معذورية به، مع أنه في فرض تحصله بتقصير منه العقل يلزمه بالموافقة، فكان المقام من قبيل إلقاء النفس من الشاهق من كونه معاقبا بتقصيره السابق وإن لم يكن فعلا قادرا على مخالفة أمره وجدانا، أو بالتزام من عقله على خلافه بلا التفات منه إليه فعلا. وحينئذ صح دعوى عدم حجية قطعه في حقه بالمعنى المزبور. وربما أمكن إرجاع جملة من كلمات الأخباريين إلى ذلك. ويمكن أيضا حمل كلمات جملة منهم إلى منع مرجعية صور البراهين بملاحظة كثرة المغالطات الحاصلة منها بحيث لو [حصل] منها قطع أحيانا ربما يزول بتجديد النظر فيها. ويمكن إرجاعها إلى منع القطع بالحكم العقلي بقاعدة الملازمة، بل يحتاج في كشف الأمر إلى دلالة ولي الله. وأردأ الوجوه حمل كلماتهم إلى نفي وجوب الموافقة بدعوى تعليقية حكم العقل. وبالجملة لابد من توجيه كلمات الأخباريين في منع مرجعية القطع الحاصل من المقدمات [العقلية] بأحد التوجيهات السابقة، كما هو الشأن في من التزم بعدم حجية قطع القطاع. وإلا فهم أجل شأنا من أن يلتزموا بعدم وجوب موافقة القطع المزبور مع فرض تنجزية حكم العقل به، لانتهاء الترخيص على خلافه إلى الترخيص في المعصية وترك الطاعة الذي لا يلتزم بمثله ذو مسكة، والنفس لا ترضى بنسبة هذا الكلام إلى مثل هؤلاء الأجلاء البارعين في فنونهم. بقي في المقام خاتمة للمرام، وهو أن فهم العقل عند قيام الطريق على التكليف ليس إلا لزوم الموافقة عملا، بلا التزامه بلزوم الالتزام بشخص الحكم الصادر، وجوبا كان أو غيره. نعم، غاية ما يلزم تبعا لتصديق أولياء النعم والشكر لهم الالتزام بما جاؤوا به، وهو غير الالتزام بكل حكم شخصي شخصي.

نعم، ربما يحتاج إلى الالتزام بالأخذ بأحد الطريقين عند تعارضهما بنحو ينتهي الأمر إلى التنجز بينهما، إذ حينئذ لا مجال للتنجز بينهما عملا محضا، لانتهاء أمرهما إلى النفي والإثبات غير القابل لتعلق الوجوب التنجزي به. فلا محيص من أخذ الالتزام في البين، كي يصح أمر التنجيز فيه. وفي كون الالتزام المزبور حينئذ قيدا للعمل الواجب شرعا أو أنه شرط لتوجه الأمر إلى الملتزم به، وأن لزوم الالتزام المزبور حينئذ عقلي، مقدمة لتحصيل الحجة والطريق، وجهان سيأتي شرحه - إن شاء الله - في محله. وعلى أي حال، ليس المقصود من هذا الالتزام إلا الأخذ بالطريق والاحتجاج به، وهو غير الالتزام بمضمونه في مقام إطاعته. وما هو محل الكلام هو ذلك. ثم إنه لو بنينا على وجوب الموافقة الالتزامية يلزمه في الدوران بين المحذورين حرمة ترك الالتزام بكلا الحكمين المعلوم أحدهما، ولازمه حرمة المخالفة الالتزامية وإن لم يكن قادرا على المخالفة العملية، وحينئذ فقد يتوهم عدم جريان قاعدة الحلية في الطرفين لاستلزامه الالتزام بخلاف المعلوم إجمالا. ولكن فيه [أن] نتيجة حرمة ترك الالتزام بالطرفين وجوب الالتزام بأحد المعلومين بنحو الإجمال واقعا، وهذا المعنى لا ينافي الالتزام التفصيلي بالحلية في مرتبة الظاهر. وحينئذ لا يلزم من الالتزام بالإباحة الظاهرة طرح الالتزام بالواقع بنحو الإجمال، فلا مانع من [جريانها] حينئذ، كما هو الشأن في صورة عدم اقتضاء جريان الأصل في الطرفين طرح [حكم] واقعي كما لا يخفى. ثم إن ذلك كله حكم القطع التفصيلي.

___________
(1) الظاهر هو المحقق النائيني، انظر فوائد الاصول 3: 17.

(2) انظر الوسائل 2: 535، الباب 1 من أبواب الحيض.

 (3) انظر الوسائل 6: 104، الباب 7 وفيه حديث واحد.

(4) اصول الكافي 1: 30 - 31 باب فرض العلم ووجوب طلبه

 (5) انظر فوائد الاصول 3: 17.

(6) انظر فوائد الاصول 3: 21 و22.

(7) إشارة إلى الآية الكريمة: 39، من سورة النور.

(8) الظاهر: أن ارجاع الضمائر كما يلي: فيصدق في حق الأوامر الطرقية أن موضوعها واسطة لاثبات حكم متعلق هذه الأوامر المحفوظ في موردها حقيقة بلا احتياج إلى جعل اثبات الحكم عنائيا .

(9) كذا في الأصل.

 (10) قال فيما مر: إن لازمه الحكم بتنجيز الأحكام حتى في صورة كون النظر في جعل الإحراز إلى غير استطراقه كتقبيل يده واحترامه فقط. ولا أظن التزامه من أحد .

(11) الظاهر أن مقصوده هو: أن احراز الاهتمام لا يناط بجعل شرعي، لأن العقل قد يحرزه من الخارج.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.