أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
1403
التاريخ: 18-8-2016
1075
التاريخ: 18-8-2016
1017
التاريخ: 23-7-2020
2388
|
الخبر المتواتر من وسائل الاثبات الوجداني للدليل الشرعي وقد عرف في المنطق بانه اخبار جماعة كثيرين يمتنع تواطؤهم على الكذب، وبموجب هذا التعريف يمكن ان نستخلص، ان المنطق يفترض ان القضية المتواترة مستنتجة من مجموع مقدمتين: احداهما بمثابة الصغرى وهي تواجد عدد كبير من المخبرين. والاخرى بمثابة الكبرى وهي ان كل عدد من هذا القبيل يمتنع تواطؤهم على الكذب.
وهذه الكبرى يفترض المنطق انها عقلية ومن القضايا الاولية في العقل، ومن هنا عد المتواترات في القضايا الضرورية الست التي تنتهي اليها كل قضايا البرهان. وهذا التفسير المنطقي للقضية المتواترة يشابه تماما تفسير المنطق نفسه للقضية التجريبية التي هي إحدى تلك القضايا الست، فانه يرى ان علية الحادثة الاولى للحادثة الثاني (التي ثبتت بالتجربة عن طريق اقتران الثانية بالأولى في عدد كبير من المرات) مستنتجة من مجموع مقدمتين: احداهما: بمثابة الصغرى، وهي اقتران الحادثة الثانية بالأولى في عدد كبير من المرات.
والاخرى: بمثابة الكبرى وهي ان الاتفاق لا يكون دائميا بمعنى انه يمتنع ان يكون هذا الاقتران في كل هذه المرات صدفة، لان الصدفة لا تتكرر لهذه الدرجة، وهذه الكبرى يعتبرها المنطق قضية عقلية اولية ولا يمكن في رأيه ان تكون ثابتة بالتجربة، لأنها تشكل الكبرى لإثبات كل قضية تجريبية فكيف يعقل ان تكون هي بنفسها قضية تجريبية.
واذا دققنا النظر وجدنا ان الكبرى التي تعتمد عليها القضية المتواترة مردها إلى نفس الكبرى التي تعتمد عليها القضية التجريبية، لان كذب المخبر يعني افتراض مصلحة شخصية معينة دعته إلى اخفاء الواقع، وكذب العدد الكبير من المخبرين معناه افتراض ان مصلحة المخبر الاول في الاخفاء اقترنت صدفة بمصلحة المخبر الثاني في الاخفاء، والمصلحتان معا اقترنتا صدفة بمصلحة المخبر الثالث في الشيء نفسه، وهكذا على الرغم من اختلاف ظروفهم واحوالهم فهذا يعني ايضا تكرر الصدفة مرات كثيرة. وعلى هذا الاساس أرجع المنطق الاستدلال على القضية التجريبية والقضية المتواترة إلى القياس المكون من المقدمتين المشار اليهما، واعتقد بان القضية المستدلة ليست بأكبر من مقدماتها.
ولكن الصحيح ان اليقين بالقضية التجريبية والمتواترة يقين موضوعي استقرائي، وان الاعتقاد بها حصيلة تراكم القرائن الاحتمالية الكثيرة في مصب واحد، فأخبار كل مخبر قرينة احتمالية ومن المحتمل بطلانها لإمكان وجود مصلحة تدعو المخبر إلى الكذب، وكل اقتران بين حادثتين قرينة احتمالية على العلية بينهما، ومن المحتمل بطلانها - اي القرينة - لإمكان افتراض وجود علة اخرى غير منظورة هي السبب في وجود الحادثة الثانية، غير انها اقترنت بالحادثة الاولى صدفة، فاذا تكرر الخبر او الاقتران تعددت القرائن الاحتمالية وازداد احتمال القضية المتواترة او التجريبية وتناقص احتمال نقيضها حتى يصبح قريبا من الصفر جدا فيزول تلقائيا لضآلته الشديدة، ونفس الكبرى التي افترضها المنطق القديم ليست في الحقيقة الا قضية تجريبية ايضا، ومن هنا نجد ان حصول اليقين بالقضية المتواترة والتجريبية يرتبط بكل ما له دخل في تقوية القرائن الاحتمالية نفسها، فكلما كانت كل قرينة احتمالية اقوى واوضح، كان حصول اليقين من تجمع القرائن الاحتمالية اسرع.
وعلى هذا الاساس نلاحظ ان مفردات التواتر اذا كانت إخبارات يبعد في كل واحد منها احتمال الاستناد إلى مصلحة شخصية تدعو إلى الاخبار بصورة معينة - اما لوثاقة المخبر او لظروف خارجية - حصل اليقين بسببها بصورة اسرع، وكذلك الحال في الاقترانات المتكررة بين الحادثتين، فانه كلما كان احتمال وجود علة غير منظورة اضعف كانت الدلالة الاحتمالية لكل اقتران على العلية اقوى، وبالتالي يكون اليقين بالعلية اسرع وارسخ، وليس ذلك الا لان اليقين في المتواترات والتجريبيات ناتج عن تراكم القرائن الاحتمالية وتجمع قيمها الاحتمالية المتعددة في مصب واحد وليس مشتقا من قضية عقلية اولية كتلك الكبرى التي يفترضها المنطق.
الضابط للتواتر:
والضابط في التواتر الكثرة العددية، ولكن لا يوجد تحديد دقيق لدرجة هذه الكثرة التي يحصل بسببها اليقين بالقضية المتواترة، لان ذلك يتأثر بعوامل موضوعية مختلفة وعوامل ذاتية ايضا. اما العوامل الموضوعية فمنها نوعية الشهود من حيث الوثاقة والنباهة، ومنها تباعد مسالكهم وتباين ظروفهم، اذ بقدر ما يشتد التباعد والتباين يصبح احتمال اشتراكهم جميعا في كون هذا الاخبار الخاص ذا مصلحة شخصية داعية اليه بالنسبة إلى جميع اولئك المخبرين على ما بينهم من اختلاف في الظروف أبعد بحساب الاحتمال.
ومنها: نوعية القضية المتواترة، وكونها مألوفة او غريبة، لان غرابتها في نفسها تشكل عاملا عكسيا، ومنها: درجة الاطلاع على الظروف الخاصة لكل شاهد بالقدر الذي يبعد او يقرب بحساب الاحتمال افتراض مصلحة شخصية في الاخبار.
ومنها: درجة وضوح المدرك المدعى للشهود، ففرق بين الشهادة بقضية حسية مباشرة كنزول المطر وقضية ليست حسية، وانما لها مظاهر حسية كالعدالة، وذلك لان نسبة الخطأ في المجال الاول أقل منها في المجال الثاني، وبهذا كان حصول اليقين في المجال الاول اسرع. إلى غير ذلك من العوامل التي يقوم تأثيرها إيجابا أو سلبا على اساس دخلها في حساب الاحتمال وتقييم درجته.
واما العوامل الذاتية، فمنها: طباع الناس المختلفة في القدرة على الاحتفاظ بالاحتمالات الضئيلة، فان هناك حدا أعلى من الضآلة لا يمكن لأي ذهن بشري ان يحتفظ بالاحتمال البالغ اليه مع الاختلاف بالنسبة إلى ما هو اكبر من الاحتمالات، ومنها: المبتنيات القبلية التي قد توقف ذهن الانسان وتشل فيه حركة حساب الاحتمال، وان لم تكن الا وهما خالصا لا منشأ موضوعيا له، ومنها: مشاعر الانسان العاطفية التي قد تزيد او تنقص من تقييمه للقرائن الاحتمالية، او من قدرته على التشبث بالاحتمال الضئيل تبعا للتفاعل معه إيجابا أو سلبا.
تعدد الوسائط في التواتر:
اذا كانت القضية الاصلية المطلوبة إثباتها ليست موضعا للإخبار المباشر في الشهادات المحسوسة، وانما هي منقولة بواسطة شهادات اخرى كما هو الغالب في الروايات، فلابد من حصول احد أمرين ليتحقق ملاك التواتر.
احدهما: ان تكون كل واحدة من تلك الشهادات الاخرى موضوعا للإخبار المباشر المتواتر، وهكذا يلحظ التواتر في كل حلقة. والآخر: ان تبدأ عملية تجميع القرائن الاحتمالية على أساس حساب الاحتمال من القيم الاحتمالية للخبر غير المباشر فتلحظ القيمة الاحتمالية لقضية يشهد شخص بوجود شاهد بها، وتجمع مع قيم احتمالية مماثلة، وهكذا حتى يحصل الاحراز الوجداني، وهذا طريق صحيح غير انه يكلف افتراض عدد اكبر من الشهادات غير المباشرة، لان مفردات الجمع اصغر قيمة منها في حالة الشهادات المباشرة.
اقسام التواتر:
اذا واجهنا عددا كبيرا من الاخبار فسوف نجد احدى الحالات التالية.
الحالة الاولى: ان لا يوجد بين المدلولات الخبرية مشترك يخبر الجميع عنه، كما اذا جمعنا بطريقة عشوائية مائة رواية من مختلف الابواب، وفي هذه الحالة من الواضح ان كل واحد من تلك المدلولات لا يثبت بالتواتر، وانما يقع الكلام في اثبات احدها على سبيل العلم الاجمالى لكي ترتب عليه آثار العلم الاجمالي، والتحقيق في ذلك ان قيمة احتمال كذب الجميع ضئيلة جدا لوجود مضعف وهو عدد الاحتمالات التي ينبغي ان تضرب قيمها من اجل الحصول على قيمة احتمال كذب الجميع، وكلما كانت عوامل الضرب كسورا تضاء لت نتيجة الضرب تبعا لزيادة تلك العوامل، وهذا ما نسميه بالمضعف الكمي فيكون احتمال كذب الجميع ضئيلا جدا ويحصل في المقابل اطمئنان بصدق واحد على الاقل، ولكن هذا الاطمئنان يستحيل ان يتحول إلى يقين بسبب الضآلة، ووجه الاستحالة اننا نعلم اجمالا بوجود مائة خبر كاذب في مجموع الاخبار، وهذه المائة التي التقطناها تشكل طرفا من اطراف ذلك العلم الاجمالي وقيمة احتمال انطباق المعلوم الاجمالي عليها تساوي قيمة احتمال انطباقه على أي مائة اخرى تجمع بشكل آخر، فلو كان المضعف الكمي وحده يكفي لإفناء الاحتمال لزال احتمال الانطباق على أي مائة نفرضها، وهذا يعني زوال العلم الاجمالي وهو خلف.
وهكذا نعرف ان درجة احتمال صدق واحد من الاخبار على الاقل تبقى اطمئنانا، وحجية هذا الاطمئنان مرتبطة بتحديد مدى انعقاد السيرة العقلائية على العمل بالاطمئنان وهل تشمل الاطمئنان الاجمالي المتكون نتيجة جمع احتمالات اطرافه أو لا؟ اذ قد يمنع عن شمول السيرة لمثل هذه الاطمئنانات الاجمالية.
الحالة الثانية: ان يوجد بين المدلولات الخبرية جانب مشترك يشكل مدلولا تحليليا لكل خبر، اما على نسق المدلول التضمني، او على نسق المدلول الالتزامي، مع عدم التطابق في المدلول المطابقي بكامله، كالإخبارات عن قضايا متغايرة، ولكنها تتضمن جميعا مظاهر من كرم حاتم مثلا، ولا شك هنا في وجود المضعف الكمي الذي رأيناه في الحلة السابقة يضاف اليه مضعف آخر، وهو ان افتراض كذب الجميع يعني وجود مصلحة شخصية لدى كل مخبر دعته إلى الاخبار بذلك النحو، وهذه المصالح الشخصية إن كانت كلها تتعلق بذلك الجانب المشترك، فهذا يعني ان هؤلاء المخبرين على الرغم من اختلاف ظروفهم وتباين احوالهم اتفق صدفة ان كانت لهم مصالح متماثلة تماما، وان كانت تلك المصالح الشخصية تتعلق بالنسبة إلى كل مخبر بكامل المدلول المطابقي، فهذا يعني انها متقاربة، وذلك أمر بعيد بحساب الاحتمالات، وهذا ما نسميه بالمضعف الكيفي.
يضاف إلى ذلك المضعف الكمي، ولهذا نجد ان قوة الاحتمال التي تحصل في هذه الحالة اكبر منها في الحالة السابقة، والاحتمال القوي هنا يتحول إلى يقين بسبب ضآلة احتمال الخلاف، ولا يلزم من ذلك ان ينطبق هذا على كل مائة خبر نجمعها، لان المضعف الكيفي المذكور لا يتواجد الا في مائة تشترك ولو في جانب من مدلولاتها الخبرية.
الحالة الثالثة: ان تكون الإخبارات مشتركة في المدلول المطابقي بالكامل، كما اذا نقل المخبرون جميعا انهم شاهدوا قضية معينة من قضايا كرم حاتم، وفي هذه الحالة يوجد المضعف الكمي والمضعف الكيفي معا، ولكن المضعف الكيفي هنا اشد قوة منه في الحالة السابقة، وذلك لان مصالح الناس المختلفين كلما افترض تطابقها وتجمعها في محور أضيق كان ذلك أغرب وأبعد بحساب الاحتمالات لما بينهم من الاختلاف والتباين في الظروف والاحوال، فكيف ادت مصلحة كل واحد منهم إلى نفس ذلك المحور الذي ادت اليه مصلحة الآخرين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى اذا كان الكل ينقلون واقعة واحدة بالشخص، فاحتمال الخطأ فيهم جميعا أبعد مما اذا كانوا ينقلون وقائع متعددة بينها جانب مشترك.
وفي هذه الحالة كلما كان التوحد في المدلول أوضح والتطابق في الخصوصيات بين اخبارات المخبرين اكمل، كان احتمال الصدق اكبر والمضعف الكيفي أقوى أثرا، ومن هنا كان اشتمال كل خبر على نفس التفاصيل التي يشتمل عليها الخبر الآخر مؤديا إلى تزايد احتمال الصدق بصورة كبيرة، ومن أهم امثلة ذلك التطابق في صيغة الكلام المنقول، كما اذا نقل الجميع كلاما لشخص بلفظ واحد لأننا نتسأل حينئذ: هل اتفق ان كانت للجميع مصلحة في ابراز نفس الالفاظ بعينها مع امكان اداء المعنى نفسه بألفاظ اخرى؟ او كان هذا التطابق في الالفاظ عفويا وصدفة؟ وكل ذلك بعيد بحساب الاحتمالات، ومن هنا نستكشف ان هذا التطابق ناتج عن واقعية القضية وتقيد الجميع بنقل ما وقع بالضبط.
وعلى ضوء ما ذكرناه يتضح الوجه في أقوائية التواتر اللفظي من المعنوي، والمعنوي من الاجمالي، كما هو واضح.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|