أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
1029
التاريخ: 6-9-2016
2506
التاريخ: 19-7-2020
2102
التاريخ: 25-7-2020
3428
|
المصالح المرسلة : عبارة عن تشريع الحكم في واقعة لا نصّ فيها، ولا إجماع، وفقَ مصلحة مرسلة لم يدلّ دليل على اعتبارها ولا على عدم اعتبارها، وفي الوقت نفسه في اعتبارها جلب نفع أو دفع ضرر.
فقد ذهب مالك وآخرون تبعاً له إلى أنّ الاستصلاح طريق شرعي لاستنباط الأحكام فيما لا نصّ فيه ولا إجماع، ولكنّ الشافعي ومن تبعه ذهبوا إلى أنّه لا استنباط ولا استصلاح، ومن استصلح فقد شرّع.
وقد استدل عليها بما يلي:
إنّ الحياة في تطوّر مستمر ومصالح الناس تتجدّد وتتغيّر في كل زمن. فلو لمتشرّع الأحكام المناسبة لتلك المصالح لوقع الناس في حرج، وتعطّلت مصالحهم في مختلف الأزمنة والأمكنة، ووقف التشريع عن مسايرة الزمن و مراعاة المصالح والتطورات، وهذا مصادم لمقصد التشريع في مراعاة مصالح الناس وتحقيقها.(1)
وقد اشترط الإمام مالك فيها شروطاً ثلاثة:
1. أن لا تنافي إطلاق أُصول الشرع ولا دليلاً من أدلّته.
2. أن تكون ضرورية للناس مفيدة لهم، أو دافعة ضرراً عنهم.
3. أن لا تمسَّ العبادات، لأنّ أغلبها لا يعقل لها معنى على هذا التفسير.(2)
فلنذكر عدّة أمثلة:
1. ما روي انّ عمر منع إعطاء المؤلّفة قلوبهم ما كانوا يأخذونه في عهد الرسول بعدما قوي الإسلام.
2. تجديد عثمان أذاناً ثانياً لصلاة الجمعة لمّا كثر المسلمون، و لم يكف الأذان بين يدي الخطيب وإعلامهم.
3. اشتراط سن معيّنة للمباشرة عند الزواج.
4. انشاء الدواوين و سَكِّ النقود.
أقول: إنّ الإمعان في الدليل يثبت بأنّ اللجوء إلى قاعدة الاستصلاح لأجل أمرين:
1. إعواز النصوص في المسائل الفرعية المستجدة ذات المصالح. فلم يجدوا بُدّاً من تشريع الحكم على وفقها.
ومعنى هذا أنّهم وجدوا التشريع الإسلامي الموروث من النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ غير واف بحاجات الناس المستجدة، لأنّ الحاجات كثيرة والمصادر قليلة، ولا يفي القليل بالكثير.
2. أنّهم أعطوا لأنفسهم حقّ التشريع في تلك المواضع.
وكلا الأمرين لا يوافقان روح الإسلام لتصريحه بكمال الدين، وكماله رمز كمال تشريعه، فكيف لا يكون التشريع الموروث عن النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وافياً بالمقصود مع أنّه سبحانه قال: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]
كما أنّ حقّ التشريع مختص باللّه سبحانه لم يفوِّضه لأحد ، وقد بيّنه بقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40]
والنظر الحاسم في المقام هو: إنّ استخدام المصالح المرسلة في مجال الإفتاء يتصوّر على وجوه:
الأوّل: الأخذ بالمصلحة وترك النصّ بالمصلحة المزعومة، وهذا نظير إمضاء الطلاق ثلاثاً، ثلاثاً.
روى مسلم عن ابن عباس كان الطلاق على عهد رسول اللّه و أبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إنّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناها عليهم، فأمضاه عليهم.(3)
لا شكّ أنّ الخليفة صدر في حكمه هذا عن مصلحة تخيّلها، ولكنّ هذا النوع من الاستصلاح رفض للنصّ في موردها، وهو تشريع محرّم.
وعلى هذا نهى الخليفة عن متعة الحج ومتعة النساء، و الحيعلة في الأذان.
الثاني: إذا كان الحكم على وفق الاستصلاح مخالفاً لإطلاق الدليل كما هو الحال في منع إعطاء المؤلّفة قلوبهم، فإنّ مقتضى إطلاق الآية كونهم من مصارف الزكاة، سواء أكان للإسلام قوّة أم لا، فتخصيص الحكم بحالة ضعف الإسلام تقديم للرأي على إطلاق الكتاب، وقد مرّ عن الإمام مالك أنّ من شرائط العمل بالاستصلاح عدم مخالفته لإطلاق أُصول الشرع.
الثالث: أن يكون الحكم على وفق المصلحة مستلزماً لإدخال ما ليس من الدين في الدين، فيكون تشريعاً محرّماً بالأدلّة الأربعة، وقد عرفت أنّ من الشرائط التي اعتبرها مالك بن أنس أن لا تمس المصالح المرسلة العبادات، لأنّ أغلبها توقيفية، وعلى هذا يكون الأذان الثاني أو الثالث بدعة محرّمة.
وأمّا المصلحة المزعومة من عدم كفاية الأذان بين يدي الخطيب لإعلامهم فلا يكون مسوّغاً لتشريع أذان آخر، و إنّما يتوصل إليه بأمر آخر.
الرابع: أن يكون المورد ممّا ترك أمره إلى الحاكم الإسلامي، ولم يكن للإسلام فيه حكم خاص، وهذا كتجنيد الجنود وإعداد السلاح وحماية البلاد، فإنّ القانون هو ما ورد من قوله سبحانه :
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [الأنفال: 60] وأمّا تطبيق هذا القانون الكلّي فهو رهن المصالح، فللحاكم تطبيق القانون الكلّي على حسب المصالح، وهذا كتدوين الدواوين، وسك النقود، فإنّ الحكم الشرعي فيها هو حفظ مصالح المسلمين وصيانة بلادهم من كيد الأعداء.
وعلى هذا فالاستصلاح أو المصالح المرسلة تتحدّد بهذا القسم دون سائر الأقسام.
الخامس: تشريع الحكم حسب المصالح والمفاسد العامّة، فلو افترضنا أنّ موضوعاً مستجداً لم يكن له نظير في عصر النبي والأئمّة المعصومين، وفيه مصلحة عامة للمجتمع، كالتلقيح للوقاية من الجدريّ أو مفسدة لهم، كالمخدّرات القتّالة فالعقل يحكم بارتكاب الأُولى والاجتناب عن الثانية فيمكن أن يكون الاستصلاح منشأ لكشف العقل عن حكم شرعي من دون أن يكون للمجتهد حقّ التشريع.
وبذلك يظهر أنّ الاستصلاح لا يكون سبباً للتشريع، وإنّما العقل ببركة تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد القطعيّة، يكشف عن الحكم الشرعي.
____________
1. الوجيز في أُصول الفقه: 94 لابن وهبة.
2. الدكتور أحمد شلبي: تاريخ التشريع الإسلامي: 172ـ173.
3. صحيح مسلم:4/183، باب الطلاق الثلاث، الحديث 1.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|