أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-7-2020
1534
التاريخ: 5-7-2020
1871
التاريخ: 31-8-2016
1370
التاريخ: 26-8-2016
1500
|
ويبحث فيها في أمرين:
الأمر الأوّل: في مفادها في الجملة:
لا إشكال في أنّها وضعت للطلب الإنشائي وبتعبير المحقّق الخراساني(رحمه الله)لإنشاء الطلب، وعلى تعبير بعض الأعاظم لنفس البعث والاغراء (فإنّها تعابير مختلفة والمقصود واحد) فإنّه تارةً يطلب الإنسان شيئاً بنفسه مباشرة فيتحرّك نحو الماء مثلا لرفع العطش بنفسه، واُخرى يطلبه بالتسبيب، والثاني على قسمين: تارةً يحرّك الإنسان الشخص المأمور نحو المأمور به بحركة تكوينيّة فيبعثه نحو العمل بعثاً خارجياً ويدفعه بقوّة يده مثلا، واُخرى يحرّكه ويبعثه نحو العمل بإبراز إرادته وطلبه النفساني بلفظ خاصّ، ومن الألفاظ التي يستعملها الإنسان في القسم الثاني صيغة الأمر فإنّها لفظ ينشأ بها الطلب، ويتوسّل به إلى مطلوبه.
ثمّ إنّ دواعي هذا البعث والإنشاء مختلفة: فتارةً يكون الداعي فيه الإيجاد في الخارج جدّاً، فيكون الطلب طلباً جدّياً، واُخرى لا يكون بداعي الجدّ بل بداعي الهزل أو التحقير أو التعجيز أو التهديد أو التمنّي أو الترجّي، ولكنّه لا يوجب الاختلاف في المستعمل فيه بل إنّه في جميع هذه الموارد واحد، وهو البعث والطلب، والتفاوت إنّما هو في الداعي فحسب.
فقولك: أقم الصّلاة، لا يختلف عن قولك «اعمل ما شئت»! في أنّ المستعمل في كليهما هو الطلب الإنشائي، والفرق بينهما إنّما هو في أنّ الداعي لقولك الأوّل إنّما هو الجدّ وإيجاد العمل في الخارج حقيقة، وفي الثاني التهديد وإيجاد الخوف الرادع العمل، وهذا ممّا يشهد عليه الوجدان ويعضده التبادر، وحينئذ يكون الاستعمال في جميعها حقيقيّاً ولا مجاز في البين أصلا.
الأمر الثاني: في دلالتها على الوجوب:
لا ينبغي الإشكال في أنّه إذا جاءت صيغة الأمر مطلقة وبدون القرينة فانّه يفهم منها الوجوب كما عليه سيرة الفقهاء في الفقه في مقام العمل والاستنباط فإنّهم يعدّون صيغة الأمر حجّة على الوجوب إذا استعملت في الكلام مجرّدة عن القرينة، وعليه بناء العقلاء عموماً في أوامر الموالي إلى من تحت حكمهم، إنّما الكلام والإشكال في منشأ هذا الظهور وهذه الدلالة، وفيه أربع احتمالات:
الاحتمال الأوّل: ما ذهب إليه المحقّق الخراساني(رحمه الله) في الكفاية، فإنّه أسندها إلى التبادر وقال: لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة.
ولكن اشكاله واضح فإنّه يستلزم المجاز عند استعمال الصيغة في الندب، مع أنّ الوجدان يحكم بخلافه، فإنّا لا نرى في استعمالها في الندب عناية ولا رعاية علاقة من علاقات المجاز
(بناءً على القول بها) ففي قول المولى تعالى «أحسن كما أحسن الله إليك» أو قوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] (بناءً على استحباب الكتابة في الدَين كما هو المشهور والمعروف) لا يصحّ سلب معنى الأمر منهما وجداناً، فلا يصحّ أن يقال أنّه ليس بأمر مع أنّ المجازيّة تستلزم صحّة السلب كما لا يخفى.
الاحتمال الثاني: ما ذهب إليه المحقّق النائيني (رحمه الله) وهو «أنّ الوجوب إنّما يكون حكماً عقليّاً ومعناه أنّ العبد لا بدّ أن ينبعث عن بعث المولى إلاّ أن يرد منه الترخيص بعد ما كان المولى قد أعمل ما كان من وظيفته وأظهر وبعث وقال مولويّاً «افعل» وليس وظيفة المولى أكثر من ذلك، وبعد إعمال المولى وظيفته تصل النوبة إلى حكم العقل من لزوم انبعاث العبد عن بعث المولى، ولا نعني بالوجوب سوى ذلك»(1).
والإنصاف عدم تماميته أيضاً، لأنّ حكم العقل بوجوب الانبعاث في مقابل مطلق بعث المولى أوّل الكلام، بل أنّ وجوبه أو استحبابه متفرّع على كيفية إرادته واستعماله لصيغة الأمر، فإن استعملها في الوجوب يحكم العقل بوجوب الانبعاث وإن استعملها في الندب يحكم العقل باستحباب الانبعاث، فوجوب الإطاعة والعمل على وفق مراد المولى مسلّم، إنّما الكلام في مراد المولى من أمره.
الاحتمال الثالث: ما ذكر في تهذيب الاُصول، وهو «أنّها كاشفة عن الإرادة الحتمية الوجوبيّة كشفاً عقلائيّاً ككاشفية الأمارات العقلائيّة، ويمكن أن يقال أنّها وإن لم تكن كاشفة عن الإرادة الحتمية إلاّ أنّها حجّة بحكم العقل والعقلاء على الوجوب حتّى يظهر خلافه»(2).
أقول: كلا الوجهين قابلان للمناقشة جدّاً، لأنّه لا حجّة للعقلاء في باب الألفاظ إلاّ من طريق الدلالة حيث إنّه لا معنى لأماريّة الألفاظ إلاّ من ناحية دلالتها على معنى، والبناءات العقلائيّة والحجج المعتبرة عندهم في باب الألفاظ لها مجار خاصّة، فهي إمّا أن تكون من باب الوضع أو من باب مقدّمات الحكمة أو القرينة، وإذاً لا بدّ من تعيين أحد هذه الطرق حتّى نعيّن كيفية الدلالة ومنشأها.
والحاصل: أنّ بناء العقلاء على الوجوب فرع دلالة هذا اللفظ عليه بأحد أنحاء الدلالة، وبدونها لا معنى لبنائهم على الوجوب.
الاحتمال الرابع: ما أفاده المحقّق العراقي (رحمه الله) وهو نفس ما ذهب إليه في المقام الأوّل، أي في مبحث مادّة الأمر من أنّ دلالتها على الوجوب إنّما تنشأ من قضيّة الإطلاق ومقدّمات الحكمة ببيانين:
أحدهما: أنّ الطلب الوجوبي لمّا كان أكمل بالنسبة إلى الطلب الاستحبابي فلا جرم أن كان مقتضى الإطلاق عند الدوران هو الحمل على الطلب الوجوبي إذ الطلب الاستحبابي باعتبار ما فيه من النقص يحتاج إلى نحو تحديد وتقييد.
ثانيهما: أنّ الأمر بعد أن كان فيه اقتضاء لوجود متعلّقه في الخارج (ولو باعتبار منشئيته للحكم بلزوم الإطاعة والامتثال) يكون اقتضاؤه تارةً بنحو يوجب مجرّد خروج العمل عن اللااقتضائيّة بحيث كان حكم العقل بالإيجاد من جهة الرغبة لما يترتّب عليه من الأجر والثواب فحسب، واُخرى يكون اقتضاؤه لتحريك العبد بالإيجاد بنحو أتمّ بحيث يوجب سدّ باب عدمه حتّى من طرف العقوبة على المخالفة علاوة عمّا يترتّب على إيجاده من المثوبة الموعودة، وفي مثل ذلك. نقول: إنّ قضيّة إطلاق الأمر يقتضي كونه على النحو الثاني لأنّ النحو الأوّل فيه جهة نقص فيحتاج إرادته إلى مؤونة بيان(3). (انتهى مع تلخيص في عبارته).
أقول: أمّا بيانه الأوّل ففيه: أنّ غاية ما يقتضيه هو كون الطلب ذا مراتب: خفيفة وهي الاستحباب، وشديدة وهي الوجوب، كما أنّ الوجوب أو الاستحباب أيضاً ذا مراتب كثيرة، ومجرّد ذلك لا يوجب انصراف الطلب إلى أحدها دون الآخر كما أنّ النور ذو مراتب مختلفة ولا يكون إطلاقه منصرفاً إلى بعض أفراده وهو النور الشديد، بل كلّ واحد يحتاج إلى البيان فإنّ كلّ واحد له حدّ.
وأمّا بيانه الثاني: فإن كان المراد منه الانصراف إلى الفرد الأكمل فهو أيضاً قابل للمناقشة، لأنّ الانصراف إلى الفرد الأكمل ممّا لا دليل عليه، فلذا لا ينصرف «العالم» إلى أعلم العلماء، وإن كان المراد ما ذكرناه في مادّة الأمر فهو حقّ لا ريب فيه.
توضيح ذلك: أنّ صيغة الأمر تدعو إلى إيجاد الفعل في الخارج من دون أن يتطرّق إليه الترك، أي إن طبيعة الطلب لا يتطرّق إليها الاذن بالترك فهي بظاهرها تقتضي الانبعاث، ولا سبيل لعدم الانبعاث إليها ما لم يصرّح الآمر المولى بالترخيص فتنصرف حينئذ إلى الوجوب واللزوم، ويشهد على ذلك عدم قبول اعتذار العبد بأنّي كنت أحتمل الندب، بل يقال له «إذا قيل لك افعل فافعل».
فظهر أنّ منشأ انصراف صيغة الأمر إلى الوجوب ودلالتها عليه إنّما هو طبيعة الطلب الظاهرة في سدّ جميع أبواب العدم (عدم الطلب) فيها، وإن هو إلاّ نظير الدفع باليد نحو الخروج فإذا دفعت إنساناً بيدك نحو الخروج لا مجال فيه لاحتمال استحبابه، وكذا البعث بصيغة الأمر (اخرج) فإنّه شبيه البعث التكويني، أي الدفع باليد، ولا فرق في هذا الظهور بين كون الطلب من العالي أو المساوي أو الداني، نعم بينها فرق في وجوب الإطاعة وعدمه، وهذا بحث كلامي لا دخل له بما نحن فيه من البحث اللّفظي.
إن قلت: أيّة ثمرة تترتّب على هذا البحث، مع العلم بأنّ المستفاد من صيغة الأمر هو الوجوب على جميع هذا الأقوال ومن أيّ منشأ كان.
قلنا: إنّ ثمرة هذا البحث تظهر فيما إذا علمنا بعدم كون المتكلّم في مقام البيان حيث تدلّ صيغة الأمر حينئذ على الوجوب بناءً على كونها من باب الوضع ولا تدلّ عليه بناءً على كونها من باب الإطلاق ومقدّمات الحكمة فإنّ من المقدّمات كون المتكلّم في مقام البيان، إلى غير ذلك.
_________________
1. فوائد الاُصول: ج1، ص136، طبع جماعة المدرّسين.
2. تهذيب الاُصول: ج1، ص105، طبع مهر.
3. نهاية الأفكار: ج1، ص161 ـ 163، طبع جماعة المدرّسين.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|