المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



دلالة النهي على الفساد  
  
1774   09:35 صباحاً   التاريخ: 26-8-2016
المؤلف : الشيخ محمد رضا المظفر
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج1ص 306-315.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016 623
التاريخ: 3-8-2016 455
التاريخ: 3-8-2016 520
التاريخ: 26-8-2016 586

تحرير محل النزاع: هذه المسألة من أمهات المسائل الأصولية التي بحثت من القديم. ولأجل تحرير محل النزاع فيها وتوضيحه علينا إن نشرح الألفاظ الواردة في عنوانها وهي كلمة: الدلالة، النهي، الفساد. ولا بد من ذكر المراد من الشيء المنهي عنه أيضا، لأنه مدلول عليه بكلمة النهي إذ النهي لا بد له من متعلق.

أذن ينبغي البحث عن أربعة أمور:

 1 - (الدلالة). فإن ظاهر اللفظة يعطي إن المراد منها الدلالة اللفظية ولعله لأجل هذا الظهور البدوي أدرج بعضهم هذه المسألة في مباحث الألفاظ، ولكن المعروف إن مرادهم منهاما يؤدي إليه لفظ الاقتضاء، حسبما يفهم من بحثهم المسألة وجمة من الأقوال فيها، لا سيما المتأخرون من الأصوليين. وعليه، فيكون المراد من الدلالة خصوص الدلالة العقلية. وحينئذ يكون المقصود من النزاع: البحث عن اقتضاء طبيعة النهي عن الشيء فساد المنهي عنه عقلا، ومن هنا يعلم إنه لا يشترط في النهي إن يكون مستفادا من دليل لفظي. وفي الحقيقة يكون النزاع هنا عن ثبوت الملازمة العقلية بين النهي عن الشيء وفساده، أو عن الممانعة والمنافرة عقلا بين النهي الشيء وصحته لا فرق بين التعبيرين. ولأجل هذا أدرجنا نحن هذه المسألة في قسم الملازمات العقلية. نعم قد يدعي بعضهم إن هذه الملازمة - على تقدير ثبوتها - من نوع الملازمات البينة بالمعنى الأخص. وحينئذ يكون اللفظ الدال بالمطابقة على النهي دالا بالدلالة الإلتزامية على فساد المنهي عنه، فيصح إن يراد من الدلالة ما هو أعم من الدلالة اللفظية والعقلية. ونحن نقول: هذا صحيح على هذا القول ولا بأس بتعميم الدلالة إلى اللفظية والعقلية في العنوان حينئذ، ولكن النزاع مع هذا القائل أيضا يقع في الملازمة العقلية قبل فرض الدلالة اللفظية الإلتزامية، فالبحث معه أيضا يرجع إلى البحث عن الاقتضاء العقلي. فالأولى إن يراد من الدلالة في العنوان الاقتضاء العقلي، فإنه يجمع جميع الأقوال الاحتمالات، لا سيما إن البحث يشمل كل نهي وإن لم يكن مستفادا من دليل لفظي. والعبارة تكون أكثر استقامة لو عبر عن عنوان المسألة بما عبر به صاحب الكفاية (قده) بقوله (اقتضاء النهي الفساد) فأبدل كلمة الدلالة بكلمة الاقتضاء، ولكن نحن عبرنا بما جرت عليه عادة القدماء في عنوان المسألة متابعة لهم.

 2 - (النهي). إن كلمة النهي ظاهرة - كما تقدم في المجلد الأول ص 95 - في خصوص الحرمة، وقلنا هناك: إن الظهور ليس من جهة الوضع بل بمقتضى حكم العقل، أما نفس الكلمة من جهة الوضع فهي تشمل النهي التحريمي والنهي التنزيهي (أي الكراهة) ولعل كلمة النهي في مثل عنوان المسألة ليس فيها ما يقتضي عقلا ظهورها في الحرمة، فلا بأس من تعميم النهي في العنوان لكل من القسمين بعد إن كان النزاع قد وقع في كل منهما. وكذلك كلمة النهي - بإطلاقها - ظاهرة في خصوص الحرمة النفسية دون الغيرية، ولكن النزاع أيضا وقع في كل منهما فأذن ينبغي تعميم كلمة النهي في العنوان للتحريمي والتنزيهي وللنفسي والغيري، كما صنع صاحب الكفاية (قده) وشيخنا النائيني (قده) جزم باختصاص النهي في عنوان المسألة بخصوص التحريمي النفسي، لأنه يجزم بأن التنزيهي لا يقتضي الفساد وكذا الغيري. والذي ينبغي إن يقال له: إن الاختيار شيء وعموم النزاع في المسألة شيء آخر، فإن اختياركم بأن النهي التنزيهي والغيري لا يقتضيإن الفساد ليس معناه اتفاق الكل على ذلك حتى يكون النزاع في المسألة مختصا بما عداهما، والمفروض إن هناك من يقول بأن النهي التنزيهي والغيري يقتضيإن الفساد. فتعميم كلمة النهي في العنوان هو الأولى.

 3 - (الفساد). إن الفساد كملة ظاهرة المعنى، والمراد منها ما يقابل الصحة تقابل العدم والملكة على الاصح، لا تقابل النقيضين ولا تقابل الضدين. وعليه فما له قابلية إن يكون صحيحا يصح إن يتصف بالفساد، وما ليس له ذلك لا يصح وصفه بالفساد. وصحة كل شيء بحسبه، فمعنى صحة العبادة مطابقتها لما هو المأمور به من جهة تمام أجزائها وجميع ما هو فيها (1)، ومعنى فسادها عدم مطابقتها له من جهة نقصان فيها. ولازم عدم مطابقتها لما هو مأمور به عدم سقوط الأمر وعدم سقوط الأداء والقضاء. ومعنى صحة المعاملة مطابقتها لما هو المعتبر فيها من أجزاء وشرائط ونحوها، ومعنى فسادها عدم مطابقتها لما هو معتبر فيها. ولازم عدم مطابقتها عدم ترتب أثرها المرغوب فيه عليها من نحو النقل والانتقال في عقد البيع والإجارة، ومن نحو العلقة الزوجية في عقد النكاح.. وهكذا.

 4 - (متعلق النهي). لا شك في إن متعلق النهي - هنا - يجب إن يكون مما يصح إن يتصف بالصحة والفساد ليصح النزاع فيه، وإلا فلا معنى لأن يقال - مثلا - إن النهي عن شرب الخمر يقتضى الفساد لا يقتضي. وعليه، فليس كل ما هو متعلق للنهي يقع موضعا للنزاع في هذه المسألة، بل خصوص ما يقبل وصفي الصحة والفساد. وهذا واضح. ثم إن متعلق النهي يعم العبادة والمعاملة اللتين يصح وصفهما بالفساد، فلا اختصاص للمسألة بالعبادة كما ربما ينسب إلى بعضهم.

وإذا اتضح المقصود من الكلمات التي وردت في العنوان، يتضح المقصود من النزاع ومحله هنا، فإنه يرجع إلى النزاع في الملازمة العقلية بين النهي عن الشيء وفساده، فمن يقول بالاقتضاء فإنما يقول بأن النهي يستلزم عقلا فساد متعلقه، وقد يقول مع ذلك بأن اللفظ الدال على النهي دال على فساد المنهي عنه بالدلالة الإلتزامية. ومن يقول بعدمه إنما يقول بأن النهي عن الشيء لا يستلزم عقلا فساده.

أو فقل: إن النزاع هنا يرجع إلى النزاع في وجود الممانعة والمنافرة عقلا بين كون الشيء صحيحا وبين كونه منهيا عنه، أي إنه هل هناك مانعة جمع بين صحة الشيء والنهي عنه أولا؟ ولأجل هذا تدخل هذه المسألة في بحث الملازمات العقلية كما صنعنا. ولما كان البحث يختلف اختلافا كثيرا في كل واحدة من العبادة والمعاملة عقدوا البحث في موضعين: العبادة والمعاملة، فينبغي البحث عن كل منهما مستقلا في مبحثين:

المبحث الأول - النهي عن العبادة المقصود من العبادة التي هي محل النزاع في المقام: العبادة بالمعنى الأخص أي خصوص ما يشترط في صحتها قصد القربة، أو فقل هي خصوص الوظيفة التي شرعها الله تعالى لأجل التقرب بها إليه. ولا يشمل النزاع العبادة بالمعنى الأعم مثل غسل الثوب من النجاسة، لأنه - وإن صح إن يقع عبادة متقربا به إلى الله تعالى - لا يتوقف حصول أثره المرغوب فيه وهو زوال النجاسة على وقوعه قريبا، فلو فرض وقوعه منهيا عنه كالغسل بالماء المغصوب فإنه يقع به الامتثال ويسقط الأمر به فلا يتصور وقوعه فاسدا من أجل تعلق النهي به. نعم إذا وقع محرما منهيا عنه فإنه لا يقع عبادة متقربا به إلى الله تعالى. فإذا قصد من الفساد هذا المعنى فلا بأس في إن يقال: إن النهي عن العبادة بالمعنى الأعم يقتضي الفساد، فإن من يدعي الممانعة بين الصحة والنهي يمكن إن يدعي الممانعة بين وقوع غسل الثوب صحيحا - أي عبادة متقربا به إلى الله تعالى - وبين النهي عنه. وليس معنى العبادة هنا إنها ما كانت متعلقة للأمر فعلا، لأنه مع فرض تعلق النهي بها فعلا لا يعقل فرض تعلق الأمر بها أيضا، وليس ذلك. كباب اجتماع الأمر والنهي الذي فرض فيه تعلق النهي بعنوان غير العنوان الذي تعلق به الأمر، فإنه إن جاز هناك اجتماع الأمر والنهي فلا يجوز هنا لعدم تعدد العنوان، وإنما العنوان الذي تعلق به الأمر هو نفسه صار متعلقا للنهي. وعلى هذا فلا بد إن يراد بالعبادة المنهي عنها ما كانت طبيعتها متعلقة للأمر وإن لم تكن شاملة - بما هي مأمور بها - لما هو متعلق النهي، أو ما كانت من شأنها إن يتقرب بها لو تعلق بها أمر. وبعبارة أخرى جامعة إن يقال: إن المقصود بالعبادة هنا هي الوظيفة التي شرعها الشارع لشرعها لأجل التعبد بها وإن لم يتعلق بها أمر فعلي لخصوصية المورد. ثم إن النهي عن العبادة يتصور على إنحاء:

 (أحدها) - إن يتعلق النهي بأصل العبادة كالنهي عن صوم العيدين وصوم الوصال وصلاة الحائض والنفساء، و (ثانيها) - إن يتعلق بجزئها كالنهي عن قراءة سورة من سور العزائم في الصلاة، و (ثالثها) - إن يتعلق بشرطها أو بشرط جزئها كالنهي عن الصلاة باللباس المغصوب أو المتنجس، و (رابعها) - إن يتعلق بوصف ملازم لها أو لجزئها كالنهي عن الجهر بالقراءة في موضع الإخفات والنهي عن الإخفات في موضع الجهر. والحق: إن النهي عن العبادة يقتضي الفساد سواء كان نهيا عن أصلها أو جزئها أو شرطها أو وصفها، للتمانع الظاهر بين العبادة التي يراد بها التقرب إلى الله تعالى ومرضاته وبين النهي عنها المبعد عصيانه عن الله والمثير لسخطه، فيستحيل التقرب بالمبعد والرضا بما يسخطه، ويستحيل أيضا التقرب بما يشتمل على المبعد المبغوض المسخط له أو بما هو متقيد بالمبعد أو بما هو موصوف بالمبعد. ونحن إذ نقول ذلك في النهي عن الجزء والشرط والوصف نقول به المعنويان، وهما يشبهان القرب والبعد المكانيين، فكما يستحيل التقرب المكاني بما هو مبعد مكانا كذلك يستحيل التقرب المعنوي بما هو مبعد معنى. ونحن إذ نقول ذلك في النهي عن الجزء والشرط والوصف نقول به لا لأجل إن النهي عن هذه الأمور يسري إلى أصل العبادة وإن ذلك واسطة في ثبوت أو واسطة في العروض كما قيل، ولا لأجل إن جزء العبادة وشرطها عبادة فإذا فسد الجزء والشرط استلزم فسادهما فساد المركب والمشروط. بل نحن لا نستند في قولنا في الجزء والشرط والوصف إلى ذلك لأنه لا حاجة إلى مثل هذه التعليلات ولا تصل النوبة إليها بعد ما قلناه من إنه يستحيل التقرب بما يشتمل على المبعد أو بما هو مقيد أو موصوف بالمبعد، كما يستحيل التقرب بنفس المبعد بلا فرق. على إن في هذه التعليلات من المناقشة مالا يسعه هذا المختصر ولا حاجة إلى مناقشتها بعدما ذكرناه. هذا كله في النهي النفسي، أما (النهي الغيري) المقدمي فحكمه حكم النفسي بلا فرق، كما اشرنا إلى ذلك في ما تقدم ص 271. فإنه اشرنا هناك إلى الوجه الذي ذكره بعض أعاظم مشايخنا (قدس سره) للفرق بينهما بأن النهي الغيري لا يكشف عن وجود مفسدة وحزازة في المنهي عنه، فيبقى المنهي عنه على ما كان عليه من المصلحة الذاتية بلا مزاحم لها من مفسدة للنهي، فيمكن التقرب به بقصد تلك المصلحة الذاتية المفروضة، بخلاف النهي النفسي الكاشف عن المفسدة والحزازة في المنهي عنه المانعة من التقرب به. وقد ناقشناه هناك بأن التقرب والابتعاد ليسا يدوران مدار المصلحة والمفسدة الذاتيتين حتى يتم هذا الكلام، بل - كما ذكرناه هناك - إن الفعل المبعد عن المولى في حال كونه مبعدا لا يعقل إن يكون متقربا به إليه كالتقرب والابتعاد المكانيين، والنهي وإن كان غيريا يوجب البعد ومبغوضية المنهي عنه وإن لم يشتمل على مفسدة نفسية. ويبقى الكلام في النهي (التنزيهي) أي الكراهة، فالحق أيضا إنه يقتضي الفساد كالنهي التحريمي، لنفس التعليل السابق من استحالة التقرب بما هو مبعد بلا فرق، غاية الأمر إن مرتبة البعد في التحريمي أشد وأكثر منها في التنزيهي كاختلاف مرتبة القرب في موافقة الأمر الوجوبي والاستحبابي. وهذا الفرق لا يوجب تفاوتا في استحالة التقرب بالمبعد. ولأجل هذا حمل الأصحاب الكراهة في العبادة على أقلية الثواب مع ثبوت صحتها شرعا لوأتي بها المكلف، لا الكراهة الحكمية الشرعية، ومعنى حمل الكراهة على أقلية الثواب إن النهي الوارد فيها يكون مسوقا لبيان هذا المعنى وبداعي الإرشاد إلى أقلية لثواب، وليس مسوقا لبيان الحكم التكليفي المقابل للأحكام الأربعة الباقية بداعي الزجر عن الفعل والردع عنه. وعليه فلو أحرز - بدليل خاص إن النهي بداعي الزجر التنزيهي، أو لم يحرز من دليل خاص صحة العبادة المكروهة، فلا محالة لا نقول بصحة العبادة المنهي عنها بالنهي التنزيهي. هذا فيما إذا كان النهي التنزيهي عن نفس عنوان العبادة أو جزئها أو شرطها أو وصفها، أما لو كان النهي عن عنوان آخر غير عنوان المأمور به كما لو كان بين المنهي عنه والمأمور به عموم وخصوص من وجه فإن هذا المورد يدخل في باب الاجتماع، وقد قلنا هناك بجواز الاجتماع في الأمر والنهي التحريمي فضلا عن الأمر والنهي التنزيهي، وليس هو من باب النهي عن العبادة الا إذا ذهبنا إلى امتناع الاجتماع فيدخل في مسألتنا. (تنبيه): إن النهي الذي هو موضع النزاع - والذي قلنا باقتضائه الفساد في العبادة - هو النهي بالمعنى الظاهر من مادته وصيغته أعنى ما يتضمن حكما تحريميا أو تنزيهيا بأن يكون إنشاؤه بداعي الردع والزجر. أما النهي بداع آخر كداعي بيان أقلية الثواب، أو داعي الإرشاد إلى مانعية الشيء مثل النهي عن لبس جلد الميتة في الصلاة، أو نحو ذلك من الدواعي - فإنه ليس موضع النزاع في مسألتنا، ولا يقتضي الفساد بما هو نهي، الا إن يتضمن اعتبار شيء في المأمور به، فمع فقد ذلك الشيء لا ينطبق المأتي به على المأمور به فيقع فاسدا كالنهي بداعي الإرشاد إلى مانعية شيء فيستفاد منه إن عدم ذلك الشيء يكون شرطا في المأمور به. ولكن هذا شيء آخر لا يرتبط بمسألتنا فإن هذا يجزي حتى في الواجبات التوصلية فإن فقد أحد شروطها يوجب فسادها.

المبحث الثاني - النهي عن المعاملة إن النهي في المعاملة عن نحوين - كالنهي عن العبادة -، فإنه تارة يكون النهي بداعي بيان مانعية الشيء المنهي عنه أو بداع آخر مشابه له، وأخرى يكون بداعي الردع والزجر من أجل مبغوضية ما تعلق به النهي ووجود الحزازة فيه. فإن كان الأول فهو خارج عن مسألتنا كما تقدم في التنبيه السابق، إذ لا شك في إنه لو كان النهي بداعي الإرشاد إلى مانعية الشيء في المعاملة فإنه يكون دالا على فسادها عند الإخلال، لدلالة النهي على اعتبار عدم المانع فيها فتخلفه تخلف للشرط المعتبر في صحتها. وهذا لا ينبغي إن يختلف فيه اثنان. وإن كان الثاني، فإن النهي أما إن يكون عن ذات السبب أي عن العقد الإنشائي أو فقل عن التسبيب به لإيجاد المعاملة كالنهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة في قوله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع.). وأما إن يكون عن ذات المسبب أي عن نفس وجود المعاملة كالنهي عن بيع الآبق وبيع المصحف. فإن كان النهي على (النحو الأول) أي عن ذات السبب فالمعروف إنه لا يدل على فساد المعاملة، إذ لم تثبت المنافاة لا عقلا ولا عرفا بين مبغوضية العقد والتسبيب به بين أمضاء الشارع له بعد إن كان العقد مستوفيا لجميع الشروط المعتبرة فيه، بل ثبت خلافها كحرمة الظهار التي لم تناف ترتب الأثر عليه من الفراق. وإن كان النهي على (النحو الثاني) أي عن المسبب فقد ذهب جماعة من العلماء إلى إن النهي في هذا القسم يقتضي الفساد. وأقصى ما يمكن تعليل ذلك بما ذكره بعض أعاظم مشايخنا من إن صحة كل معاملة مشروطة بأن يكون العاقد مسلطا على المعاملة في حكم الشارع غير محجور عليه من قبله من التصرف في العين التي تجري عليها المعاملة. ونفس النهي عن المسبب يكون معجزا مولويا للمكلف عن الفعل ورافعا لسلطته عليه، فيختل به ذلك الشرط المعتبر في صحة المعاملة، فلا محالة يترتب على ذلك فسادها. هذا غاية ما يمكن إن يقال في بيان اقتضاء النهي عن المسبب لفساد المعاملة، ولكن التحقيق إن يقال: إن استناد الفساد إلى النهي إنما يصح إن يفرض ويتنازع فيه فيما إذا كان العقد بشرائطه موجودا حتى بشرائط المتعاقدين وشرائط العوضين، وإنه ليس في البين الا المبغوضية الصرفة المستفادة من النهي. وحينئذ يقع البحث في إن هذه المبغوضية هل تنافي صحة المعاملة أو لا تنافيها؟ أما إذا كان النهي دالا على اعتبار شيء في المتعاقدين والعوضين أو العقد، مثل النهي عن إن يبيع السفيه والمجنون والصغير الدال على اعتبار العقل والبلوغ في البائع، وكالنهي عن بيع الخمر والميتة والآبق ونحوها الدال على اعتبار إباحة المبيع والتمكن من التصرف منه، وكالنهي عن العقد بغير العربية - مثلا - الدال على اعتبارها في العقد - فإن هذا النهي في كل ذلك لا شك في كونه دالا على فساد المعاملة لأن هذا النهي في الحقيقة يرجع إلى القسم الأول الذي ذكرناه وهو ما كان النهي بداعي الإرشاد إلى اعتبار شيء في المعاملة، وقد تقدم إن هذا ليس موضع الكلام من منافاة نفس النهي بداعي الردع والزجر لصحة المعاملة. فالعمدة هو الكلام في هذه المنافاة وليس من دليل عليها حتى تثبت الملازمة بين النهي وفساد المعاملة، وكون النهي عن المسبب يكون معجزا مولويا للمكلف عن الفعل ورافعا لسلطنته عليه، فإن معنى ذلك إن النهي في المعاملة شأنه إن يدل على اختلاف شرط في المعاملة بارتكاب المنهي عنه وهذا لا كلام لنا فيه. وفي هذا القدر من البحث في هذه المسألة الكفاية وفقنا الله تعالى لمراضيه.

________________

(1) هذا بناء على اعتبار الأمر في عبادية العبادة، أما إذا قلنا بكفاية الرجحان الذاتي في عباديتها إذا قصدها متقربا بها إلى الله تعالى - كما هو الصحيح - فيكون معنى صحة العبادة ما هو أعم من مطابقتها لما هو مأمور به ومن مطابقتها لما هو راجح ذاتا وإن لم يكن هناك أمر.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.