أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2016
1165
التاريخ: 26-8-2016
2124
التاريخ: 29-8-2016
2397
التاريخ: 5-8-2016
1358
|
إذا ورد عام وخاصّ فتارةً يكون تاريخ كليهما معلوماً، واُخرى يكون تاريخ أحدهما أو كليهما مجهولا، أمّا الأوّل فله صور خمسة:
الصورة الاُولى: أن يكون الخاصّ مقارناً للعام، فإنّه حينئذ مخصّص له بلا إشكال نحو، أكرم العلماء إلاّ زيداً.
الصورة الثانية: أن يكون الخاصّ غير مقارن للعام لكن ورد قبل حضور وقت العمل بالعام، كما إذا قال المولى في أوّل الاسبوع: «أكرم العلماء يوم الجمعة» ثمّ قال في وسطه: «لا تكرم زيداً العالم يوم الجمعة» فحكمها التخصيص ولا يجوز فيها النسخ، لأنّ جواز النسخ من ناحية المولى الحكيم مشروط بحضور وقت العمل بالمنسوخ.
الصورة الثالثة: أن يكون الخاصّ غير مقارن للعام وورد بعد حضور وقت العمل به، كما إذا قال في الاسبوع الأوّل: «أكرم العلماء يوم الجمعة» ثمّ قال في الاسبوع الثاني: «لا تكرم زيداً العالم»، فذهب القوم إلى كونه ناسخاً لا مخصّصاً لئلاّ يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، لكنّا نقول: هذا إذا أحرز أنّ العام قد ورد لبيان الحكم الواقعي، أمّا إذا متكفّلا لبيان الحكم الظاهري كما هو الغالب بل هكذا سنّة الشارع وسيرته العمليّة في بيان الأحكام الشرعيّة حيث إنّه من دأبه أن يبيّن الأحكام تدريجاً، فحينئذ يكون الخاصّ مخصّصاً لا ناسخاً لأنّ النسخ في هذه الصورة وإن كان ممكناً ثبوتاً ولكن ندرته وشيوع التخصيص يوجب تقوية ظهور العام في العموم الأزماني وتضعيف ظهوره في العموم الأفرادي، فيقدّم الظهور في الأوّل على الثاني.
الصورة الرابعة: عكس الثانية، وهي أن يرد العام بعد الخاصّ غير مقارن له وقبل حضور وقت العمل بالخاصّ، فحكمها حكم الصورة الثانية لنفس الدليل المذكور فيها، وهو كون
النسخ قبل العمل قبيحاً للمولى الحكيم، والمثال واضح.
الصورة الخامسة: أن يكون العام بعد الخاصّ وغير مقارن له وورد بعد حضور وقت العمل بالخاصّ، فيدور الأمر فيها بين النسخ والتخصيص لجواز كلّ منهما عند الكلّ، أمّا التخصيص فلعدم استلزامه تأخير البيان عن وقت الخطاب أو الحاجة، وأمّا جواز النسخ فلكونه بعد حضور وقت العمل بالخاصّ، والمشهور على ترجيح التخصيص على النسخ، فيقدّم عليه وذلك لندرة النسخ وشيوع التخصيص كما مرّ، وبعبارة اُخرى: ظهور الخاصّ في الدوام الأزماني أقوى من ظهور العام في العموم الافرادي.
هذه صور خمسة لما إذا كان تاريخ كلّ من العام والخاصّ معلوماً، وهناك صورة سادسة وهي ما إذا كان التاريخ مجهولا من دون أن يكون فرق بين ما إذا كان تاريخ كليهما مجهولا وما إذا كان تاريخ أحدهما مجهولا، ولا يخفى أنّ هذه الصورة تأتي فيها جميع الاحتمالات الخمسة المذكورة، وبما إن الحكم كان في بعضها النسخ وهو الصورة الثالثة على مبنى القوم، فيتردّد الأمر في هذا القسم بين النسخ والتخصيص على مبنى القوم، ويصير الحكم مبهماً من ناحية الاُصول اللفظيّة وحينئذ، تصل النوبة إلى الاُصول العمليّة.
هذا كلّه بناءً على ما مشى عليه الأعلام فإنّهم تسالموا على ثلاثة اُصول في المقام ليست مقبولة عندنا: أحدها: عدم جواز النسخ قبل العمل. ثانيها: عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة. ثالثها: إنّ دوام الأحكام هو مقتضى العموم الأزماني.
أمّا جواز النسخ قبل العمل فنقول: لا إشكال في جواز النسخ قبل العمل في الأوامر الامتحانية كما وقع في قضيّة ذبح إبراهيم (عليه السلام) ولده إسماعيل (عليه السلام) حيث كان الأمر فيه إمتحانيّاً يحصل بنفس التهيّؤ للعمل فإذا وقع التهيّؤ وحضر وقته يحصل المقصود من الإمتحان، وحينئذ يمكن النسخ، ولا إشكال في جوازه، وهو نظير ما إذا كلّف المولى عبده بالسفر وقد تهيّأ له قبل حضور وقته فحينئذ بما أن نفس التهيّؤ يكفي لتحقّق الإمتحان والقبول فيه وبالإمكان أن يتحقّق قبل زمان الفعل يجوز للمولى أن ينسخ حكمه بلا إشكال.
أمّا إذا كانت الأوامر غير إمتحانيّة فإنّ المحقّق النائيني (رحمه الله) قسّمها على ثلاثة أقسام: الأوامر الصادرة على نهج القضايا الحقيقيّة غير الموقتة، والأوامر الصادرة على نهج القضايا الحقيقيّة الموقتة، والأوامر الصادرة على نهج القضايا الخارجيّة، وحكم باختصاص جواز النسخ بالقضايا الحقيقيّة غير الموقتة والقضايا الخارجيّة أو القضايا الحقيقيّة الموقتة بعد حضور وقت العمل بها، وأمّا القضايا الخارجيّة أو الحقيقيّة الموقتة قبل حضور وقت العمل بها فيستحيل تعلّق النسخ بالحكم المجعول فيها من الحكيم الملتفت وقال: في توضيحه: «إنّ ما ذكروه في المقام إنّما نشأ من عدم تمييز أحكام القضايا الخارجيّة من أحكام القضايا الحقيقيّة وذلك لأنّ الحكم المجعول لو كان من قبيل الأحكام المجعولة في القضايا الخارجيّة لصحّ ما ذكروه، وأمّا إذا كان من قبيل الأحكام المجعولة في القضايا الحقيقيّة الثابتة للموضوعات المقدّر وجودها كما هو الواقع في أحكام الشريعة المقدّسة فلا مانع من نسخها بعد جعلها، ولو كان ذلك بعد زمان قليل كيوم واحد أو أقلّ، لأنّه لا يشترط في صحّة جعله وجود الموضوع له في العام أصلا إذ المفروض أنّه حكم على موضوع مقدّر الوجود، نعم إذا كان الحكم المجعول في القضيّة الحقيقيّة من قبيل الموقّتات كوجوب الصّوم في شهر رمضان المجعول على نحو القضيّة الحقيقيّة كان نسخه قبل حضور وقت العمل به كنسخ الحكم المجعول في القضايا الخارجيّة قبل وقت العمل به فلا محالة يكون النسخ كاشفاً عن عدم كون الحكم المنشأ أوّلا حكماً مولويّاً مجعولا بداعي البعث أو الزجر»(1).
أقول: الإنصاف أنّه لا فرق بين الأقسام الثلاثة، فإذا كان الطلب في القضايا الحقيقيّة غير الموقّتة حقيقياً وكان الغرض فيها حصول نفس العمل في الخارج لا الامتحان فرفع الطلب ونسخ الحكم حينئذ يوجب كون الحكم لغواً لأنّه وإن لا يشترط في صحّة الجعل فيها وجود الموضوع فعلا إلاّ أنّه إذا كان الموضوع منتفياً إلى الأبد كما إذا لا يتحقّق مصداق لعنوان المستطيع (في مثال الحجّ) أبداً فلا محالة يكون جعل الحكم من المولى الحكيم العالم بذلك لغواً واضحاً.
ثمّ إنّه قلّما يوجد في الأحكام الشرعيّة أوامر امتحانيّة، نعم قد تكون المصلحة في نفس الإنشاء وذلك لوجود مصلحة في البين كتثبيت المتكلّم موقعيّة نفسه في الموالي العرفيّة
وكالتقيّة لحفظ النفس أو المال أو غيرهما في الأوامر الشرعيّة، وحينئذ يجوز النسخ قبل العمل بلا ريب كما لا يخفى.
هذا كلّه في المسألة الاُولى من المسائل الثلاثة، وهي جواز النسخ قبل العمل وعدمه.
المسألة الثانية: وهي تأخير البيان عن وقت الحاجة فالوجه في عدم جوازه يمكن أن يكون واحداً من الثلاثة:
أحدها: الإلقاء في المفسدة كما إذا قال: أكرم العلماء، ولم يستثن زيداً العالم مع أنّه كان خارجاً عن حكم الإكرام عنده وكان إكرامه ذا مفسدة في الواقع، فإنّه حينئذ يوجب إلقاء العبد في تلك المفسدة.
ثانيها: تفويت المصلحة كما إذا قال: لا تكرم الفسّاق، وكان إكرام الضيف مثلا ذا مصلحة في الواقع ولم يستثنه فإنّه يوجب تفويت تلك المصلحة.
ثالثها: الإلقاء في الكلفة كما إذا قال: أكرم جميع العلماء، ولم يكن إكرام جماعة منهم واجباً مع أنّ إكرامهم يستلزم تحمّل المشقّة الزائدة للعبد.
فبناءً على أحد هذه الاُمور لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، نعم قد يجوز التأخير فيما إذا كانت هناك مصلحة أقوى كالمصلحة الموجودة في تدريجية الأحكام الشرعيّة فلا إشكال حينئذ في أنّ العقل حاكم على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة كما لا يخفى.
المسألة الثالثة: وهي أنّ الدوام والاستمرار الزماني في الأحكام هل يستفاد من العموم الأزماني للأدلّة، أو يستفاد من مقدّمات الحكمة، أو يكون مقتضى أصل عملي وهو الاستصحاب؟ فقال بعض بأنّه لا دليل عليه إلاّ أنّه مقتضى استصحاب بقاء الأحكام، وحيث إنّه أصل عملي وعموم العام أصلي لفظي فلا يقع تعارض بينهما بل يقدّم العموم على الاستصحاب دائماً، وعليه إذا ورد العام بعد الخاصّ وبعد حضور وقت العمل بالخاصّ يقدّم العام على الخاصّ وتكون النتيجة تقديم النسخ على التخصيص.
لكنّ الإنصاف أنّ الاستمرار الزماني يستفاد من طرق اُخرى لفظيّة فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب:
أحدها: مقدّمات الحكمة فيما إذا قال مثلا: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } [آل عمران: 97] ولم يقيّده بزمان خاصّ فنستفيد من إطلاقه الدوام والاستمرار.
إن قلت: وجود العام ووروده بعد الخاصّ يمنع من جريان مقدّمات الحكمة لكونه بياناً للحكم.
قلنا: أنّ المراد من عدم البيان في مقدّمات الحكمة هو عدم البيان في مقام البيان لا عدم البيان إلى الأبد، وحيث إن المولى أطلق كلامه حين البيان ولم يقيّده بزمان خاصّ تجري مقدّمات الحكمة وتقتضي الدوام والأبديّة.
ثانيها: العمومات التي وردت في الشرع ومفادها «أنّ حلال محمّد (صلى الله عليه وآله)حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة» أو الأدلّة التي تدلّ على خاتميّة دين النبي (صلى الله عليه وآله) فإنّ هذه الأدلّة بعمومها أو إطلاقها دليل على أبديّة الأحكام الشرعيّة كلّها.
ثالثها: ما سيأتي إن شاء الله في باب النسخ أنّ طبيعة الحكم الإلهي والقانون الشرعي تطلب الأبديّة وتدلّ على الدوام والاستمرار إلى أن يرد ناسخ فإنّها نظير طبيعة الأحكام الوضعيّة المجعولة عند العرف والعقلاء كالملكيّة والزوجيّة، حيث إنّها تقتضي الدوام بطبعها وذاتها إلى أن يرد عليه مزيل كما لا يخفى...
_______________
1. راجع أجود التقريرات: ج1، ص507 ـ 508.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|