أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016
592
التاريخ: 26-8-2016
1802
التاريخ: 25-8-2016
637
التاريخ: 26-8-2016
997
|
وقبل الخوض في صلب الموضوع نقدّم أُموراً:
1. في عنوان البحث:
هل يجوز اجتماع الأمر والنّهي على عنوانين متصادقين على واحد في الخارج أو لا؟ كما إذا أمر بالصّلاة على وجه الإطلاق ونهى عن الغصب كذلك فتصادقا في الصلاة في الدار المغصوبة، فيقع الكلام في أنّه هل يمكن الأخذ بإطلاق الدليلين في مورد التصادق أو لا ؟
لا شكّ انّه يجب الأخذ بكلّ من الأمر والنهي في موردي الافتراق إنّما الكلام في إمكان الأخذ بكلا الإطلاقين في مورد التصادق بأن يكون للمولى فيه أمر ونهي، بعث وزجر، أو لا. فيه قولان: قول بجواز الاجتماع، وقول بامتناعه.
فالقائل بجواز الاجتماع يأخذ بإطلاق كلا الدليلين ويُعدُّ المصلّي في الدار المغصوبة، ممتثلاً من جهة، وعاصياً من جهة أُخرى والقائل بالامتناع يقول بلزوم الأخذ بأحد الإطلاقين ورفض الإطلاق الآخر في مورده.
وبما ذكرنا ظهر انّ متعلّق التكليف هو الطبيعتان المختلفتان باسم الصلاة والغصب، وأمّا الواحد فهو ما يتصادق عليه المتعلّقان ويتمَّثلان فيه. فيرجع روح النزاع إلى إمكان حفظ الإطلاقين في ذلك المورد وعدم حفظه، فالقائل بالاجتماع يحتفظ بهما دون القائل بالامتناع فيأخذ بأحدهما إمّا الأمر وإمّا النهي.
كما ظهر انّ النزاع كبروي وهو جواز الأخذ بالإطلاقين في مورد التصادق وعدمه.
2. الفرق بين المسألتين:
قد ذكرنا في الموجز(1) انّ الفرق بين هذه المسألة وما سيأتي من دلالة النهي في العبادات والمعاملات على الفساد واضح جدّاً، لأنّ المسألتين تفترقان موضوعاً ومحمولاً، وما كان كذلك يكون غنيّاً عن بيان الفرق، فأين هذه المسألة (هل يجوز اجتماع الأمر والنهي على عنوانين متصادقين على واحد في الخارج أولاً) من قولنا: «هل النهي في العبادات أو المعاملات يدل على الفساد أو لا؟» فليس بينهما وجه اشتراك حتى نبحث عن وجه الامتياز.
3. الفرق بين المقام و ما يأتي في باب التعارض:
ربما يتبادر إلى الذهن أنّ البحث في المقام يُشبه البحث في حكم العامين من وجه في باب التعادل والترجيح، توضيحه:
إذا تعلّق الأمر بعنوان، والنهي بعنوان آخر وكان بين العنوانين عموم وخصوص من وجه كما إذا قال: أكرم العلماء ثمّ قال: لا تكرم الفسّاق، فتصادقا في العالم الفاسق، فقد عدّ الأُصوليّون المسألة في مورد الاجتماع من أقسام التعارض مع أنّ هذا المقام يماثله إلى حدّ كبير، حيث إنّ الأمر تعلّق بالصلاة والنهي بالغصب وبين العنوانين عموم وخصوص من وجه وتصادقا في مورد واحد، فيقع الكلام فيما هو الفرق بين المقام و المذكور في باب التعادل والترجيح حيث جعلوا الثاني من قبيل المتعارضين، دون الأوّل.
والجواب وجود الفرق بين المسألتين وهو: انّه إذا كان لكلّ من العنوانين مناط وملاك في مورد التصادق فهو من هذا الباب كما في المثال المعروف حيث إنّ الصلاة في الدار المغصوبة ذات مصلحة كما أنّها ذات مفسدة، ولذلك يعبر عنه بالمتزاحمين كإنقاذ الغريقين، وهذا بخلاف ما ورد في باب التعادل والترجيح حيث لم يحرز المناط إلاّ لأحد العنوانين دون الآخر، فالعالم الفاسق أمّا ذو مصلحة بلا مفسدة أو على العكس ولذلك يعبر عنهما بالمتعارضين، بل يحتمل أن لا يكون لواحد منهما ملاك لاحتمال كذب كلا الخبرين واقعاً، وإن كانا حجّتين في الظاهر.(2)
إذا عرفت هذه الأُمور فلنرجع إلى ذكر أدلّة الطرفين، ولنقدم دليل القائل بالجواز ثمّ نردفه بذكر دليل القائل بالامتناع.
دليل القائل بجواز الاجتماع:
قد استدلّ للقول بالجواز بوجوه ستة (3) نذكر وجهاً واحداً وهو أمتنها:
لو كان متعلّق الأمر والنهي شيئاً واحداً كان للامتناع وجه، كما إذا أمر بإنجاز أمر في زمان خاص ثمّ نهى عنه في نفس ذلك الزمان ،فمن المعلوم انّه
محال، لأنّه تكليف بالمحال بل يمكن أن يقال انّه تكليف محال.(4)
وأمّا إذا كان مختلفاً كالصلاة والغصب فلا مانع من تعلّق الأمر بحيثية و النهي بحيثية أُخرى وإن تصادق المتعلّقان في مقام الامتثال في شيء واحد شخصي، لأنّ الحيثية التي تجعله مصداقاً للمأمور به غير الحيثية التي تجعله مصداقاً للمنهي عنه. هذا هو إجمال الدليل .
توضيحه: انّ الأمر لا يتعلّق إلاّ بما هو المحبوب دون الخصوصيات التي لا دخل لها فيه، سواء أكانت ملازمة أو مفارقة، وهكذا النهي لا يتعلق إلاّ بما هو المبغوض وفيه الملاك دون اللوازم والخصوصيات، وعلى ذلك فما هو المأمور به هو الحيثية الصلائية وإن قارنت الغصب في مقام الإيجاد، وما هو المنهي عنه هو الحيثية الغصبية وإن قارنت الصلاة في الوجود الخارجي، فالخصوصيات الملازمة (كاستدبار الجدي عند الصلاة إلى القبلة) أو المفارقة (كالغصب بالنسبة إلى الصلاة في المقام) كلّها خارجة عن حريم الأمر والنهي ولو تعلّق الأمر أو النهي بها لكان من قبيل تعلّق الارادة بشيء لا ملاك فيه وليس دخيلاً في الغرض وهو محال على الحكيم.
وإن شئت قلت: إنّ الإرادة التشريعية كالإرادة التكوينية فكما أنّ الثانية لا تتعلّق حسَب اللبّ إلاّ بما هو الدخيل في الغرض، المحصِّل له. ولا تسري إلى ما لا مدخلية له فيه فهكذا الإرادة التشريعية لا تتعلّق إلاّ بما هو المحصِّل لغرض المريد دون ما لا دخل له فيه، فالمتعلّق في كليهما واحد. وقد عرفت أنّ المحقِّق للغرض هو الحيثية الصلائية في الأمر، و مثل الارادة التشريعية، الزجر التشريعي فانّه يتعلّق بالحيثية الغصبية لأنها المبغوضة من دون أن يتجاوز الزجر من الحيثية الغصبية إلى الحيثية الصلائيّة.
نعم فرق بين الخصوصية المتلازمة والخصوصية المفارقة، فانّ الأُولى كالزوجية بالنسبة إلى الأربعة لا يمكن أن يكون حكمها(لكونها خصوصية ملازمة) مضاداً للملزوم، فلو أمر بإيجاد الأربعة يمتنع عليه أن ينهى عن الزوجية. وهذا بخلاف ما إذا كانت الخصوصية (كالغصب بالنسبة إلى الصلاة في الدار المغصوبة) مفارقة فيمكن أن يكون الخصوصية محرّمة ونفس الفعل واجباً كما في المقام. ولا يلزم أي محذور فيه كالتكليف بالمحال إذ في وسع المكلّف امتثال المأمور به في غير المكان المغصوب، لكنّه إذا أتى به في المكان المغصوب فقد جاء بالواجب منضماً إلى الحرام الذي له فيه مندوحة. ولكلّ حكمه، فلو كان الواجب توصلياً برأت ذمة المكلّف ولو كان تعبدياً كما في المقام يتوقف الامتثال على تمشّي قصد القربة كما في الجاهل.
فقد خرجنا بالنتيجة التالية : انّه لا مانع من حفظ إطلاق كلا الدليلين: «صلّ ولا تغصب» في مورد التصادق الذي جمع المكلف بين المأمور به والمنهي عنه في مصداق واحد بسوء اختياره، فالوجوب سائد غير ساقط كما أنّ النهي كذلك وأنّ البعث والنهي في زمان واحد لا يستلزم الأمر بالمحال لما عرفت من أنّ الخصوصية، مفارقة لا ملازمة، ولا يشترط في المفارق عدم التضاد في الحكم وإنّما يشترط في الخصوصية الملازمة.
ولك أن تقرر هذا الدليل بوجه آخر، وهو انّ محذور الامتناع أحد أُمور ثلاثة:
أ: أن يكون هناك تضاد في مقام الجعل والتشريع.
ب: أن يكون هناك تضاد في مبادئ الأحكام.
ج: أن يكون تضاد في ملاكات الأحكام.
د: أن يكون تضاد في مقام الامتثال.
ومن حسن الحظ انّه ليس هناك أيُّ تضاد في واحد من هذه المقامات.
أمّا مقام الجعل والتشريع فقد عرفت أنّ الحكم يتعلّق بما هو دخيل في تحصيل الغرض ولا يسري إلى الخصوصيات الملازمة أو المقارنة، فالوجوب يتعلّق بالصلاة بما هي هي، والحرمة بالغصب بما هو هو، وأمّا الأمر الخارج عن تينك الطبيعتين فلا يكون متعلقاً للأمر ولا للنهي.
وأمّا مبادئ الأحكام الّتي يراد بها الحب والبغض والمصلحة والمفسدة فيجتمعان بلا تضاد فيها. حيث إنّ الحب يتعلّق بالصلاة بما هي هي والكراهة بالغصب بما هوهو، فالمحبوب هو الحيثية الصلائية كما أنّ المبغوض هو الحيثية الغصبية.
وأمّا ملاكات الأحكام فالمصلحة قائمة بالصلاة، والمفسدة قائمة بالغصب، والعمل بما هو صلاة، ذو مصلحة وبما هو غصب ذو مفسدة، وبما انّ العمل ليس أمراً بسيطاً، فلا مانع من أن يكون ذا مصلحة ومفسدة لحيثيتين مختلفتين، نظير إطعام اليتيم في الدار المغصوبة فلا تضاد في ملاكات الأحكام.
وأمّا عدم لزوم المحذور (التكليف بغير المقدور) في مقام الامتثال فتوضيحه يتم ببيان أمرين:
1. إنّ تعلّق الوجوب بالحيثية الصلائية، وتعلّق الحرمة بالحيثية الغصبية وتصادقهما في الصلاة في الدار المغصوبة، لا يوجد مشكلاً أبداً، ولا يدفعنا إلى الأخذ بأحد الإطلاقين ورفع اليد عن الإطلاق الآخر وذلك لأنها لو كانت الحيثية الثانية من اللوازم غير المنفكة، كان لتوهم «التكليف بغير المقدور» مجال، إذ كيف يمكن أن يأمر بالصلاة وهي لا تنفك دائماً عن الغصب المبغوض، وأمّا إذا كانت الحيثية الثانية من الأُمور المقارنة، التي كثيراً ما تنفك عن الأُخرى فلا يلزم المحال في مقام الامتثال إذ في وسع المكلّف امتثال الواجب في مكان مباح.
2. انّ تصادق العنوانين على الحركة الواحدة لا يستلزم اجتماع حكمين متضادين في أمر واحد لما عرفت من انّ الأحكام لا تتعلق بالخارج بل تتعلّق بالعناوين الكلية، فالواجب والحرام هما عنوانا الصلاة والغصب الكليين، ومعنى اجتماع الوجوب والحرمة في الصلاة في الدار المغصوبة هو بقاء الحكمين الكليين على عنوانيهما في نفس المورد من دون إخراج المورد عن تحت أحدهما وإدخاله تحت الآخر.
وأمّا الحركة في الدار فمع انّها ليست متعلّقة للأحكام لكنّها بما انّها مصداق للعنوان الواجب يتحقّق بها الطاعة وبما انّها مصداق للعنوان المحرم يتحقّق به العصيان، فكونها محقّقة للطاعة والعصيان ليس بمعنى كونها محلاً لتوارد الوجوب والحرمة عليها لما عرفت انّهما يتواردان على العنوانات الكلية.
دليل القائل بالامتناع:
استدلّ القائل بالامتناع بوجوه أتقنها وأوجزها ما أفاده المحقّق الخراساني بترتيب مقدّمات نذكر المهم منها:
أ: تضاد الأحكام بعضها مع بعض.
ب: انّ متعلق الأحكام هي الأفعال الخارجية.
أمّا المقدّمة الأُولى: فتوضيحها: انّ الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر، ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث إلى شيء في زمان، والزجر عنه في نفس ذلك الزمان، فاستحالة اجتماع الأمر والنهي في زمان واحد من قبيل التكليف المحال، أي يمتنع ظهور إرادتين جدّيتين مختلفتين في ذهن الآمر.
وأمّا المقدّمة الثانية: فتوضيحها: انّ متعلّق الأحكام هو فعل المكلّف وما يصدر عنه في الخارج لا ما هو اسمه وعنوانه، وإنّما يؤخذ العنوان في متعلّق الأحكام للإشارة إلى مصاديقها وأفرادها الحقيقية.
ثمّ استنتج وقال: إنّ المجمع حيث كان واحداً وجوداً وذاتاً يكون تعلّق الأمر و النهي به محالاً، وإن كان التعلّق به بعنوانين لأنّ الموضوع الواقعي للتكليف هو فعل المكلف بحقيقته وواقعيته لا عنواناته وأسمائه.
وعلى ذلك فليس للقائل بالامتناع إلاّ الأخذ بأحد الحكمين وأقواهما ملاكاً، وهو إمّا النّهي ـ كما هو المعروف ـ أو الأمر .
يلاحظ على المقدّمة الأُولى: بأنّ الضدّين أمران وجوديان حقيقيان كالسواد والبياض، والأحكام الإنشائية من الأُمور الاعتبارية التي لا محل لها إلاّفي عالم الاعتبار بحسب المواضعة فلا توصف بالتضاد مادام الحال كذلك.
وإن أُريد من تضاد الأحكام تضاد مبادئها في نفس الأمر من الحبّ في الأمر والبغض في النهي فقد عرفت أنّ الحبّ يتعلّق بالصلاة المجردة، عن كلّ قيد والبغض بالغصب كذلك فمتعلّق كلّ غير الآخر، وهكذا الأمر في المصلحة والمفسدة.
وإن أُريد من التضاد، التضاد في مقام الامتثال فقد عرفت عدم المطاردة في ذلك المقام إذ بإمكان المكلف الجمع بين الفعل والترك.
هذا كلّه حول المقدّمة الأُولى.
وأمّا المقدّمة الثانية فهي مبنيّة على تعلّق الأحكام بالأفراد أوّلاً، وتفسيره في قولهم (هل الأمر متعلّق بالطبائع أو الافراد) بالفرد الخارجي(5) ثانياً، وقد عرفت أنّ الخارج ظرف الثبوت لا العروض فكيف يمكن أن يتعلّق التكليف به.
وإن شئت قلت: إن أريد من تعلّق الأحكام بالفرد الخارجي هو تعلّقه به
قبل وجوده أو حين وجوده، فهذا نفس القول بتعلّق التكليف بالعنوانات وإن أُريد بتعلّقه به بعد الوجود فقد عرفت أنّه ظرف السقوط.
نعم بقي هنا سؤال، وهو انّه ربما يتبادر إلى الأذهان انّ العنوانات والماهيات بما أنّها ليست إلاّ هي، لا تسمن ولا تغني من جوع، فكيف يمكن أن تقع متعلّقة للأمر والنهي؟
والجواب عنه واضح لأنّ متعلق الأمر هي الطبيعة المعرّاة من كلّ عارض ولاحق، المنسلخة عن كلّ شيء لكن لغاية إيجادها، والإيجاد غاية للبعث وليس متعلّقاً له.
فالقوة المقننة إنما تنظر إلى واقع الحياة، عن طريق المفاهيم والعنوانات الكلية، ويبعث إليها، لغاية الإيجاد أو الترك، فيكون متعلّق كلّ في الأمر والنهي، مفهوماً فاقداً لكلّ شيء، إلاّ نفسه، لكن يبعث إليه لغاية الإيجاد، وكون الإيجاد غاية، غير كونه متعلّقاً للحكم، وعلى ذلك لا يكون عندئذ أيُّ مطاردة في مقام العمل، لأنّه بوجوده الواحد، مصداق للامتثال، ومصداق للعصيان لكن كلاّ بحيثية خاصة.
إلى هنا تبيّن ما هو الحقّ في المسألة، وبذلك استغنينا عن ذكر سائر الأدلّة للطرفين.
ثمرة المسألة:
أ: حصول الامتثال مطلقاً على القول بالاجتماع.
إنّ القائل بجواز الاجتماع يحكم بحصول الامتثال في المقام عبادياً كان العمل أو توصلياً، إذ لا مانع من أن يتقرب المكلَّف بالمأتي به من حيثية دون حيثية، وإن كان المحبوب والمبغوض موجودين بوجود واحد، كما إذا مسح رأس اليتيم في الدار المغصوبة، أو أطعمه فيها لأجل رضاه سبحانه، فيكون متقرّباً من جهة وعاصياً من جهة أُخرى، وهكذا الأمر في المقام .
ومع ذلك فالحكم بصحّة العبادة أمر مشكل وذلك لعدم إمكان التقرب بعمل يعدّ تمرّداً على المولى، وطغياناً عليه، وتغاير الحيثية الصلائية للحيثية الغصبية إنّما يصحح إمكان اجتماع الأمر والنهي، والحفظ بالإطلاقين ـ كما مرّ ـ ولا يبرر التقرب إلى اللّه سبحانه بعمل يبغضه المولى.
ولذلك كان سيّد مشايخنا المحقّق البروجردي قائلاً ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة مع القول بجواز اجتماع الأمر والنهي.
ب. حصول الامتثال على القول بالامتناع وتقديم جانب الأمر:
قد عرفت أنّه ليس على القول بالاجتماع إلاّ صورة واحدة، وأمّا على القول بالامتناع فله صور مختلفة، فتارة يُقدَّم الأمر على النهي ويقال: بأنّ الحكم الفعلي هو الوجوب، فيحكم بالصحة لأنّها مأمور بها وليست بمنهيّ عنها ، وأُخرى يقدّم النهي على الوجوب وهو الذي سيأتيك بيانه في الفقرات التالية.
ج. حصول الامتثال على القول بالامتناع، وتقديم جانب النهي مع الجهل القصوري:
إذا قيل بالامتناع مقدِّماً جانب النهي على الأمر، و كان المكلّف جاهلاً بالحكم أو الموضوع جهلاً عن قصور فيحكم بالصحة، لعدم فعلية الحرمة لأجل الجهل بها فلا يكون العمل مصداقاً للتمرّد والطغيان، والأمر وإن كان مرفوعاً حسب الفرض (تقديم الحرمة على الأمر) لكن يكفي في صحّة العبادة، التقرب بالملاك وهو كون العمل في هذه الحالة محبوباً للمولى .
د. بطلان العمل على القول بالامتناع وتقديم جانب النهي مع الجهل التقصيري:
إذا قيل بالامتناع مقدِّماً جانب النهي وكان الفاعل جاهلاً بالحرمة أو الموضوع عن تقصير فالحكم هو البطلان; وذلك لأنّ الصحة معلول أحد شيئين: إمّا الأمر وهو مفروض الانتفاء لتقديم جانب النهي على الأمر وفعليته، و إمّا الملاك، وهو غير معلوم الوجود للفرق بين العمل الصادر عن جهل قصوري للفاعل، والعمل الصادر عن جهل تقصيري له وإحرازه فرع الأمر والمفروض عدمه.
ومنه يعلم حال الناسي المقصِّـر، فلا يحكم بصحة صلاته إذا نسي الحكم أو الموضوع عن تقصير.
هـ .بطلان العمل على القول بالامتناع وتقديم جانب النهي مع العلم بالحرمة:
إذا قيل بالامتناع مقدِّماً جانب النهي وكان الفاعل عالماً بالحرمة لا جاهلاً ولا ناسياً فالحكم هو البطلان، لأنّ الصحّة رهن أحد شيئين: إمّا الأمر وهو مفروض الانتفاء، وإمّا الملاك وهو غير معلوم، لما مرّ من انّ احرازه فرع الأمر وهو منتف .
__________________
1. الموجز:72.
2. ما ذكرناه هو خيرة المحقّق الخراساني في الكفاية، وقد بسط الكلام فيه تحت عنوان الأمر الثامن والتاسع بتفصيل لا يخلو من تعقيد.
3. من أراد الوقوف على تلك الوجوه فعليه الرجوع إلى محاضراتنا: المحصول في علم الأُصول: 2/208 ـ 235، وما ذكرناه في المتن هو عصارة ما ذكره سيد مشايخنا البروجردي وشيَّد أركانه السيد الإمام الخميني (قدس سرهما) لكن بتوضيح وتحقيق منّا.
4. تقدّم في ص 134 انّ مصطلح المحقّق الخراساني في الفرد هو المصداق الخارجي خلافاً لما هو المعروف بين المشايخ في تفسير الفرد.
5. الفرق بينهما واضح، ففي الأوّل الموصوف بالمحال هو المكلّف به، وفي الثاني نفس التكليف وظهور إرادتين مختلفين في ذهن الآمر.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|