أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2016
1992
التاريخ: 11-7-2020
2481
التاريخ: 29-6-2020
1359
التاريخ: 29-8-2016
2875
|
قد وقع الكلام في أنّه هل لمجموع الجمل من المادّة والهيئة وضع أولا ؟
ومجمل القول فيه : هو أنّ اللغات الحية والألسنة العالمية الراقية بين أبناء البشر ـ كلّها ـ كافلة لإفادة الأغراض وطرح المعاني في قالب الألفاظ ; تصديقية كانت أو تصوّرية ; وإن كان الأوّل أكثر اهتماماً به وأعلى درجة في سلسلة المقاصد التي يقصد إفهامها .
ومن البعيد غايته ـ بل من الممتنع عادة ـ عدم وضع لفظ للمعاني التصديقية في هذه اللغات الوسيعة .
ونحن قد تصفّحنا ، فلم نجد ما يدلّ على المعاني التصديقية في كلام العرب ، سوى الهيئات المزدوجة مع الموادّ ، وقد تقدّم(1) أنّ الحملية منها تدلّ على الهوهوية التصديقية ، كما أنّ المؤوّلة المتخلّل فيها الأداة تدلّ على النسب التصديقية ، ومفردات القسمين دالّة على معانيها التصوّرية بالبراهين التي مضت .
وعليه فلم يبق لهذا النزاع معنى صحيح بعد تعيين مفاد الهيئات والموادّ .
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الكلام هنا في أنّ الدالّ على المعاني التصديقية هل هو الهيئات أو مجموع الجملة ؟ فالمشهور على الأوّل ، وشرذمة على الثاني .
وكيف كان : فما ربّما يقال من أنّ مراد القائل من الوضع للمجموع هو وضع جديد له ، من غير إفادة شيء واضح الفساد ، لا يليق أن ينسب إلى ذي فضل .
وأظنّ : أنّ تحرير النزاع بما ذكرنا من أنّ وجود معان تصديقية محتاجة إلى دوالّ لفظية متسالم عليه بينهم ، وأنّ الخلاف في أنّ تلك الدوالّ هي الهيئات أو المجموع أولى وأحسن .
ثمّ إنّ هناك احتمالا آخر ; وهو كون المجموع موضوعاً لإفادة ما تفيده الهيئة على سبيل الترادف .
وعلى كلّ حال : يرد على الوضع للمجموع ما نقل عن ابن مالك في «شرح المفصّل» من أنّ المركّبات لو كان لها وضع لما كان لنا أن نتكلّم بكلام لم نسبق إليه ; إذ المركّب الذي أحدثناه لم يسبق إليه أحد ، وهذا المؤلّف لم يكن موجوداً عند الواضع ، فكيف وضعه الواضع ؟ انتهى كلامه .
وهو كلام متين صدر عن أديب بارع ، وتوضيحه : أنّ الجمل الاسمية وإن كانت تشترك في الهيئة ، ولكنّها مختلفة بحسب المادّة ، والوضع النوعي إنّما يتصوّر في الهيئات فقط ; لوحدتها النوعية ، لا بالنسبة إلى المجموع منها ومن الموادّ ; لعدم حصر الموادّ وتنوّعها جدّاً ، مثل قيام زيد وقعود عمرو ، وهلمّ جرّاً .
وليس هناك جامع واحد وعنوان نوعي تجتمع الموادّ تحته ; كي يشار به إليها ، كما يوجد في الهيئات . فلو كان الموضوع هو المجموع لزم الالتزام بوضع كلّ جملة جملة وضعاً شخصياً ، وهو مع امتناعه عادة يستلزم القول بأنّ الجمل التي أحدثها المتكلّم من الموادّ المختلفة غير موضوعة .
وبذلك يظهر النظر في كلام بعض الأعيان من المحشّين ; حيث جعل محلّ النزاع ما هو بديهي البطلان ، وحمل كلام ابن مالك عليه ; قائلا : أنّه لا يخفى على مثله أنّ الوضع هنا نوعي لا شخصي(2) ، فراجع وتأمّل .
تكميل : فيما هو الموضوع له في الهيئات:
إنّ احتمال كون الألفاظ موضوعة للصورة الذهنية بما هي كذلك ممّا يبعد عن ساحة كلّ من انتسب بالفضل ; إذ الحقّ الواضح أ نّها بمفرداتها ومركّباتها موضوعة للمعاني الواقعية النفس الأمرية ; لأنّ هيئات الحملية في الجمل الخبرية وضعت للهوهوية الواقعية والمؤوّلة منها للأكوان الرابطة النفس الأمرية .
وأوضح منها الأعلام الشخصية والجنسية من الأسماء ; خصوصاً على رأي الجمهور في الاُولى ، وكذلك ما يليها من المبهمات والمعاني الحرفية ممّا يفيد الخصوصيات الواقعة في الخارج .
وما اختاره صاحب «الفصول» من كون الجمل الخبرية موضوعة للنسب الذهنية ; من حيث كشفها عن الواقع(3) تكلّف وتعسّف ; إذ المتبادر من الألفاظ إنّما هو نفس الحقائق الواقعية ليس إلاّ ، والصور الذهنية الحاصلة للمتكلّم والمخاطب في بعض المقامات مغفول عنها .
على أنّ الغرض من الوضع هو إفهام الواقعيات والحقائق التكوينية في الغالب ، فلا معنى لجعلها لغيرها من الصور الذهنية . وتوقّف انفهام الخارج على التصوّر غير كون الموضوع له هو المتصوّر ، وكأنّ الخلط إنّما وقع في ذلك .
ولعلّ الذي دعا هذا القائل ومن وافقه على مقالته إلى هذا القول هو تخيّل أ نّه لو كانت الجمل موضوعة للنسب الواقعية لما كان لها معنى في الأخبار الكاذبة ; لانتفاء النسب الخارجية هناك . ولكنّهم غفلوا عن شيء : وهو أنّ هذا الإشكال مشترك الورود على القولين ; فإنّها لو كانت موضوعة للنسب الذهنية الكاشفة توجّه الإشكال أيضاً ; لأنّه لا معنى للكشف من دون مكشوف خارجي ، فإنّ الكشف والإيضاح أشبه شيء بالتضائف و« المتضائفان متكافئان قوّة وفعلا» والأخبار الكاذبة لا تحقّق لنسبتها في وعاء العين حتّى تكشف عنها الصور الذهنية .
والقول بأنّ المراد من الكاشف ما هو كذلك بالقوّة وما له صلاحية له رجوعٌ عن المبنى والتزام بكونها موضوعة للصور الذهنية بما هي هي ; إذ شأنية الكشف ثابتة لها مطلقاً ، وهو واضح الفساد .
وحلّ العقدة : أ نّه ليس الاستعمال إلاّ جعل اللفظ وسيلة لانتقال ذهن السامع إلى المعنى الخارجي ـ انتقالا بالعرض لا بالذات ـ وفي هذا الانتقال بالعرض لا يلزم أن يكون المعنى محقّقاً .
وإن شئت قلت : إنّ الاستعمال وإن كان طلب عمل اللفظ في المعنى إلاّ أنّ مرجعه إلى إراءة المعنى للمخاطب ، وانتقاله من سماعه إليه ، وهذا يشترك فيه الأخبار الصادقة والكاذبة ، ولا يلزم أن يكون للمنتقل إليه وجود في الخارج ، بل يتوقّف على مجرّد تصوّره .
والظاهر : أ نّه قد غرّه ظاهر لفظ الاستعمال ، مع أنّك خبير بأنّه يصحّ إطلاقه ; حتّى في الموارد التي ليست معانيها متحقّقة في الخارج ، كما في قولنا «شريك البارئ ممتنع» و«المجهول المطلق لا يخبر عنه» والاستعمال في الجميع بوزان واحد ، والمخبر عن امتناعه إنّما هو شريك البارئ الواقعي لا الذهني ، فقد استعمل هنا لفظ «شريك البارئ» في معناه الواقعي ، مع أنّه لا وجود له في الخارج .
____________
1 ـ تقدّم في الصفحة 49 ـ 50 .
2 ـ نهاية الدراية 1 : 76 .
3 ـ الفصول الغروية : 29 / السطر21 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|