أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2019
2537
التاريخ: 19-8-2020
3733
التاريخ: 2023-07-30
973
التاريخ: 17-4-2019
1602
|
عصور التخلف
من الضروري لمن يريد كتابة فلسفة التاريخ أن يلاحظ الواقع والروح العامة في الأمم والحضارات، وأن يكون حيادياً في تقييمه وتقديره للأحداث، وأن ينظر إلى العوامل الموضوعية التي تؤدي إلى الانتصار أو الهزيمة.
ومن يتصفح التاريخ، يرى أن أكثر عصور التاريخ تدهوراً وركوداً تاريخ ما قبل النبي (صلى الله عليه وآله) لا بالنسبة إلـى البلاد العربية فحسب بل وحتّى بالنسبة إلى الفرس والروم، وهما دولتان متحضرتان على اصطلاحهم. أمّا القرون الوسطى التي هي عبارة عن القرون المتخلّفة بالنسبة إلى أوربا وما أشبهها فكانت أكثر عصور التاريخ تدهوراً وركوداً حيث الحرب التي أثارها التعصّب الأعمى من البابوات، ورجال الكنيسة، فيقتلون الناس بالألوف، ويحرقون المفكّرين وكتبهم (1)، ويصادرون الأموال، ويهتكون الأعراض، حتّى إنّي رأيت في كتاب يسمّى بـكاترين صادر من لبنان أنّ البابوات أنفسهم كانوا يهتكون أعراض أقربائهم من أمّهات، وأخوات، وبنات، وحيث الفضائح المشينة التي نتجت عن تلك الحروب ممّا يقلّل قيمة الإنسان والإنسانية إطلاقاً. فقد كانت الأحقاد متحكّمة، والأهواء سائدة، ولم يكن هناك مجال لتحكّم العقل أو المنطق أو الدليل، وحتى منطق الكتاب المقدّس الذي عندهم، فكانوا يلبسون مسوح الرهبان وهم سفّاكو دماء، متحالفون مع ملوك مستبدّين طغاة، فكان يقول الملك للبابا: (يا صاحب القداسة(، وهو يردّ عليه بقوله: (يا صاحب النيافة(.
وقد ارتكبوا أفحش الفواحش، وغرّروا بالجماهير الساذجة ببيع العفو عن المعاصي وصكوك الغفران، فكان البابوات والقساوسة، ومن إليهم، يبيعون مناطق فـي الجنة بمالٍ حرام، أو ببنت حرام، أو بقتل حرام. ولذا كـان عقلاؤهم يقولون لهم: اسحقوا الفجور من أجل إزاحة أكبر عقبة في سبيل تقدّم الجنس البشري. وقد كانت الخرافة، والتناقض، والشهوة هي المحكّمة في العصر الوسيط، الذي كان خالياً من أيّة فضيلة أو إنسانية، ولم يكن للفلسفة عين ولا أثر، ولا من النبوّة بصيص أو نور، حتّى قال أحدهم إنّ الفلسفة المدرسية ابنة غير شرعية لفلسفة أرسطو، بعد أن شابتها ترجمة مشوهة، وسوء فهم، ومن ثمّ أساءت إلى العقل أكثر ممّا نفعته.
والعهد القديم والعهد الجديد، بالإضافة إلى كونهما مليئان بالخرافات وما هو ضدّ العقل، فإنّهما يتجاهلان ما لشعوب الشرق من الحضارات العريقة، ويوجّهان عناية مبالغ فيها إلى العبرانيين، كما لو كانت تلك الحضارات لا قيمة لها إلاّ من حيث علاقتهم باليهود مع أنهم ليس لهم في التاريخ إلاّ وضع وضيع، وقد ذكر التاريخ أنّ أفضل طائفة من الشعب اليهودي هي طائفة من السَّاميين الرُّحّل، عاشوا في صحراء ممتدّة بين مصر وسوريا، وذكر بعضهم: إنّ أحد ملوك مصر قد طرد من بلاده قبيلة فيها أشخاص مصابون بالجذام، فارتدّت نحو الصحراء، كما أنّ مؤرّخاً يشير: لمّا خاض ملك مصر غمار الحرب في أراضي الحبشة، هاجمت مصر أثناء غيابه عنها جماعة من قطّاع الطرق، وأعملت فيها النهب، فألقى الملك القبض عليهم وقت عودته، وقطع أنوفهم، وآذانهم، ونفاهم إلى صحراء سيناء، حيث صنعوا الشّباك بخيط السِّمان. وهؤلاء هم أجداد اليهود؛ كما يصرّح بذلك جملة من المؤرّخين الغربيين.
يقول أحد كتاب فلسفة التاريخ: من الخطأ الظنّ أنّ اليهود مضطهدون في دولة رومية، أو غيرها، لقولهم بإلهٍ واحد في عالم وثني بل لأنّهم يمقتون الأمم الأخرى. إنّهم برابرة يقتلون أعداءهم المغلوبين بلا رحمة. إنّ هذا الشعب الجاهل العاطل عن الإبداع الفكري، كان يزدهي أكثر الأمم حضارةً، إنّهم قطاع طرق، ممقوتون، منحرفون، همجيّون، منحطّون في الفقر، إذا كُتب لهم الظفر، فتكوا بالمغلوب، وبطشوا بالنساء والأطفال في نشوة جنونية، فإن كتبت عليهم الهزيمة فتجدهم في مذلّة مشينة، ومهانة مزرية، فهل شمل الله بعنايته هذا الشعب الوضيع كما تقول التوراة ليكون شعب الله المختار أو ليكون مخلّص الجنس البشري.
أقول: لكن لا يخفى أنّ اليهود في زمان موسى (عليه السلام) كانوا مفضّلين على العالمين حسب تعبير القرآن الحكيم؛ لأنّهم كانوا موحّدين في قِبال فرعون الطاغية الذي كان يقول: ((أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى))(2)، الذي كان يذبِّح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، وارتكب معهم من الفضائع ما لا يعدّ ولا يحصى، فتسبّب لهم الانطواء، وبعث فيهم الحقد نحو سائر الأمم، وإلاّ فهم بشر مثل سائر البشر.
فإنّ طبيعة البشر واحدة وإن كان هناك اختلاف، فإنّ الاختلاف إنّما يكون بحسب الزمان، أو المكان، أو الشرائط، أو العوارض الخارجة عن ذات الإنسان، وقد أسلم كثير منهم في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ممّن ذُكرُوا في القرآن الحكيم أو في السنّة المطهّرة. كما أنّ الرسول (ص) عاملهم كأهل كتاب وإن كانوا قد حرّفوا الكتاب: ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ))(3).
وعلى كلّ حال، فمن يريد كتابة فلسفة التاريخ عليه ألاّ يميل حسب الأهواء ذات اليمـين أو ذات الشمـال، يمدح قـوماً أو ديناً فوق واقعهم، أو يذمّهم فوق واقعهم. فإنّه على المؤرّخ مطلقاً، وعلى من يريد كتابة فلسفة التاريخ أن يكون حيادياً بالنسبة إلى التاريخ الذي يريد تدوينه إمّا بمفرداته، أو بالروح العامة.
وما أجمل التعبير القرآني الذي يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ))(4). ثم أكّد ذلك بقوله: ((وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ))(5).
وهذا ليس خاصاً بمجلس القضاء، والنزاع بين الشريكين، والمالك والمستأجر، والفلاح والملاك، والزوجين، وما أشبه ذلك، بل إنّها مصاديق خاصّة، وأولى بتلك المصاديق الحكم على الأمم والجماعات والشعوب والقبائل.
إذاً: ففلسفة التاريخ لا تلاحظ القرون الوسطى المسيحية، كما لا تلاحظ القرون قبل الإسلام من فرس، وروم، وعرب الجزيرة، وما إلى ذلك إلاّ بلحاظ العوامل التي تبعث نحو هذه الانتكاسة. بل همّها استكشاف الواقع والروح العامة الذي ساد أمّة أو قبيلة أو دولة أو ساد المجموع من حيث المجموع كما أشرنا إليه فيما سبق.
ومن هذا المنطق أيضاً لا يجد الإسلام مبرّراً للرهبنة والعزوف عن الدنيا كما لا يجد مبرّراً للانغماس فيها والغرق في المادّيات الزائفة، بل يقول: ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا))(6)، لأنّ غاية الإنسان هي الدنيا والآخرة، لأنّه جسم وروح، ولكلّ متطلّباته، فالإنسان يجب أن يكون عادلاً في إعطاء الكل حسب تقبّله. ولذا ورد في الحديث: (ليس منّا من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه)(7)، وفي القرآن الحكيم: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } [القصص: 77] (8)، وهذا تعبير دقيق جدّاً، فاللازم أن يكون الهمّ منصبّاً على الآخرة، فإنّ الدنيا مزرعة الآخرة(9).
________________
(1) ففي سنة 1553م أحرقوا الطبيب سيرفيه ميغل الذي كانت له اكتشافات هامة في ميدان الدورة الدموية واعتبروه خارجاً عن الكنيسة، وفي سنة 1557م بناءً على أوامر البابا بولس الرابع نشرت محكمة التفتيش لائحة بالكتب المحظورة قراءتها واقتناؤها، وتتوزع المؤلفات الممنوعة هذه على ثلاث فئات هي : 1. الكتب التي ينشرها كتّاب مجهولون وتعتبر رديئة.
2. أعمال الكتّاب المحظورة كتبهم.
3. الكتب المحظورة التي يضعها كتّاب معروفون.
وأرفق باللائحة جدول باثنين وستين طباعاً، قاموا بطبع مؤلفات هرطوقيه.
(2) سورة النازعات : الآية 24.
(3) سورة المائدة : الآية 13.
(4) سورة المائدة : الآية 8.
(5) سورة المائدة : الآية 9.
(6) سورة البقرة : الآيات 201ـ 202.
(7) من لا يحضره الفقيه : ج3 ص156 ب2 ح3568، وسائل الشيعة : ج17 ص76 ب28 ح22025.
(8) سورة القصص : الآية 77.
(9) إشارة إلى الحديث الوارد : (الدنيا مزرعة الآخرة( كشف الخفاء : ج1 ص495 ح1320، وسائل الشيعة : ج30 ص196، خاتمة الوسائل الفائدة السادسة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|