المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8091 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

الخدمات الاتصالية لشبكة الأنترنت
2023-03-06
Charlier Series
1-4-2021
آداب الطريق / اجتناب ما ينافي المروءة.
2023-04-03
معنى كلمة سقف‌
22-11-2015
First-Order Reactions
18-12-2020
نظرة الإسلام للطفل
16/9/2022


تقسيم المقدمة إلى المقتضي والشرط وعدم المانع  
  
900   12:54 مساءاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : محمد تقي البروجردي النجفي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأفكار
الجزء والصفحة : ص.273
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

وقد عرفوا المقتضي وهو السبب والعلة في لسان الحكم بما يلزم من وجوده الوجود دائما ذاتا، والشرط بما يلزم من عدمه العدم، والمانع بما يلزم من وجوده العدم. وهذا التعبير  يقتضي اختلاف المقتضي مع الشرط والمانع في كيفية الدخل في وجود المعلول وتحققه وعدم كون الجميع على وزان واحد في ذلك وان مناط دخل كل غير ما هو المناط في الاخر، والا لما كان وجه للعدول في الشرط والمانع عن التعريف المزبور للمقتضي وهو ككل، فان ملاك المقدمية في المقتضي عبارة عن حيثية المؤثرية، إذ هو في الحقيقة عبارة عن معطى الوجود لأنه هو الذي يخرج المعلول من كمونه ويستند إليه وجوده، كما في مثل النار والاحراق، حيث يرى ان ما ينشأ ويتولد منه الاحراق انما هو النار خاصة. وهذا بخلافه في مثل الشرط والمانع، فان دخلهما فيه لا يكون على نحو دخل المقتضي في كونه بنحو المؤثرية والمتأثرية بل وانما كان بمناط آخر غير المؤثرية كما ستعرف، كيف ولا اشكال بينهم في ان عدم المانع من المقدمات ومن اجزاء العلة التامة حسب تفسيرهم إياها بالأمور الثلاثة: المقتضي والشرط وعدم المانع، ويكشف عنه ايضا التزامهم بترشح الحرمة الغيرية نحو المانع في مثل الصلاة في غير المأكول وبنائهم على جريان (كل شيء لك حلال) في مشكوك المانعية عند الشك في كون اللباس من المأكول أو غيره، بتقريب اقتضاء القاعدة حلية المشكوك ولو غيريا والترخيص في ايجاد الصلاة فيه. مع انه من المستحيل ان يكون دخل عدم المانع في تحقق المعلول بنحو المؤثرية كما في المقتضى، لضرورة انه لا سنخية بين الوجود والعدم، فكيف يمكن دخل العدم المزبور في وجود المعلول بنحو المؤثرية فلا محيص حينئذ اما من اخراج عدم المانع من المقدمات ومن اجزاء العلة التامة واما من الالتزام بوجه آخر في مناط مقدمية عدم المانع غير مناط المؤثرية، بدعوى مدخلية في قابلية المعلول والاثر بلحاظ اضافته إليه لتحقق والإنوجاد من قبل موجده ومؤثره، والاول كما ترى خلاف ما اطبقوا عليه من كون عدم المانع من اجزاء العلة ومن مقدمات وجود المعلول، فتعين الثاني بعد بطلان المؤثرية فيه.

واما توهم ان ذلك انما هو بالنسبة إلى العدم المطلق لا مطلقا حتى بالنسبة إلى العدم المضاف فان الثاني مما له شائبة من الوجود ومن ذلك يتميز احدهما عن الآخر كعدم زيد في قبال عدم عمرو والا فلا ميز بين الاعدام فمدفوع بان مجرد اضافة العدم إلى المهية لا يصير العدم المزبور وجودا كيف وان المضاف وهو العدم بنفسه نقيض الوجود واما المضاف إليه وهو المهية فأيضا غير مقتض للوجود لان حيثيتها حيثية عدم الاقتضاء للوجود والعدم، ولذا قيل: بان المهية من حيث هي ليس الا هي لا موجودة ولا معدومة، وحينئذ لا يبقى في البين الا نفس الاضافة التي هي من الامور الاعتبارية وهى ايضا غير مقتضية للوجود. وبالجملة ان اضافة العدم إلى المهية ليس الا كإضافة ماهية إلى ماهية اخرى فكما ان اضافة ماهية إلى ماهية لا تقتضي وجودا كذلك في اضافة العدم إليها، بل في اضافة المهية إلى المهية ربما يكون الامر أهون، لكون الماهية بنفسه غير آبية عن الوجود بخلافه في العدم فانه بنفسه نقيض الوجود وطارد له، نعم الاضافة المزبورة كما ذكر موجبة لتميز الاعدام بعضها عن بعض كقولك: عدم زيد غير عدم عمرو، ولكن مجرد ذلك لا  يقتضي موجوديته ومؤثريته في الوجود، كما هو واضح. ومن ذلك وقعوا في حيص وبيص في وجه دخل عدم المانع، فأفاد بعضهم ان مناط الدخل فيه انما هو من جهة منافاة وجوده مع تأثير المقتضي وحيلولته بينه وبين اثره، كما في رطوبة الخشب المانعة عن تأثير النار في الاحراق الفعلي. ولكن فيه ما لا يخفى، إذ نقول بان مرجع ذلك إلى جعل المانع من اضداد تأثير المقتضى الذي هو الاثر المترتب عليه، من جهة ان تأثير الشيء عبارة عن عين اثره كالإيجاد والوجود وانما الفرق بينهما بالاعتبار بلحاظ اضافته إلى الفاعل تارة والى القابل اخرى، ومثل هذا المعنى كما ترى مناف مع مقدمية العدم المزبور، لان لازم مضادة وجوده مع تأثير المقتضى واثره هو صيرورة وجوده في رتبة تأثير المقتضي الذي هو اثره، ولازمه بمقتضي انحفاظ الرتبة بين النقيضين هو صيرورة عدمه ايضا في تلك الرتبة وهو كما ترى مناف مع مقدمية العدم المزبور للأثر وكونه من اجزاء العلة التامة، فلاد حينئذ في حفظ المضادة المزبورة من اخراج عدم المانع عن المقدمات والا فمع حفظ المقدمية فيه يستحيل ان يكون وجه دخله بمناط المضادة والمنافاة المزبورة، كما هو واضح. واضعف من ذلك جعل مناط دخل عدم المانع جهة منافاة وجوده مع مناط المطلوب ومصلحته، إذ نقول: بان مرجع ذلك ايضا إلى جعل وجود المانع من اضداد المصلحة المترتبة على المطلوب، ولازمه بمقتضى انحفاظ الرتبة بين النقيضين ان يكون عدمه في رتبة لا حقة عن المطلوب، وهو كما ترى من المستحيل اجتماعه مع فرض مقدمية عدم المانع للمطلوب لان مقتضى مقدمية العدم المزبور هو كونه في رتبة سابقة على المطلوب بنحو يتخلل بينهما الفاء المزبور، فكيف يمكن حينئذ جعله من اضداد مصلحة المطلوب نعم لهذا الكلام مجال بناء على عدم مقدمية عدم المانع، ولكن الالتزام بذلك ايضا كما عرفت مناف لما تسالموا عليه من مقدميته وكونه من اجزاء العلة التامة بل ولاستدلالهم بدليل الحلية في مشكوك المانعية في مسألة غير المأكول لا ثبات الحلية الغيرية والترخيص في ايجاد الصلاة فيه حتى من القائل المزبور.

 وحينئذ نقول: بانه بعد ما لا يمكن ان يكون دخل عدم المانع في المطلوب بمناط المؤثرية والمتأثرية لاختصاص مثل هذا الدخل بخصوص السبب والمقتضى وعدم تصوره في الاعدام، ولا بمناط المنافاة والمزاحمة مع المطلوب أو مصلحته، فلا محيص وان يكون مناط الدخل فيه وكذا الشرائط بوجه آخر، وليس ذلك الا دعوى دخله في قابلية المعلول والاثر للتحقق والإنوجاد من قبل موجده ومؤثره على معنى دخله في تحدد الطبيعة بحد خاص يكون بذلك الحد قابلا للتحقق، بحيث لو لا ذلك الحد الخاص الناشئ من اضافة الطبيعة إلى العدم المزبور ككون الشيء في ظرف عدم كذا لما كان قابلا للتحقق من قبل موجده ومقتضيه، ومرجع هذا الدخل في الحقيقة إلى دخل طرف الاضافة في الاضافة ودخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري، ومن المعلوم ايضا كفاية هذا المقدار من الدخل في مقدمية عدم المانع بنظر العقل للمطلوب وتقدمه الرتبي عليه وصحة تخلل الفاء بينهم في قولك: وجد المانع فعدم المطلوب، وذلك لما تقدم سابقا بانه لا يحتاج في صحة تخلل الفاء المزبور بين الشيئين اعتبار المؤثرية والمتأثرية بينهما، ولذلك يصح هذا التخلل فيما بين العارض والمعروض ايضا مع انه لا يكون بينهما اعتبار المؤثرية والمتأثرية، بل وفيما بين عدم العلة وعدم المعلول في قولك: عدم العلة فعدم المعلول بل يكفى فيه مجرد التقدم الرتبي لاحد الامرين على الآخر ولو كان ذلك بمناط انحفاظ الرتبة بين النقيضين كما في العلة والمعلول، فان وجود العلة لما كان في رتبة سابقة على وجود المعلول يكون عدمها ايضا بمقتضي انحفاظ الرتبة بين النقيضين في رتبة سابقة على عدمه فصح تخلل الفاء بينهما مع انه لا تأثير بين الاعدام. وحينئذ نقول في المقام ايضا: بان العدم المزبور من حيث وقوعه طرفا للإضافة ومنشئيته لتحدد الشيء بحد خاص ينال العقل جهة المقدمية منه ويرى كونه في رتبة سابقة على الحد المزبور بنحو يفصل الفاء المزبور بينهما الكاشف عن اختلاف الرتبة بينهما، كما كان ذلك ايضا بالقياس إلى بعض الامور الوجودية ككون الشيء مثلا في ظرف وجود كذا وفي مكان كذا فانه قد يكون الشيء لا يكون فيه القابلية للوجود والتحقق ولو مع وجود مقتضيه وتماميته في مرحلة اقتضائه الا إذا كان محدودا بحدود خاصة ناشئة تلك الحدود من اضافته إلى بعض الامور الوجودية والعدمية، واما دخل مثل هذا الحدود في القابلية المسطورة فهو لا يكون إلا ذاتيا فلا يعلل بانه لم وبما، لان مرجع ذلك إلى ان ما هو القابل للتحقق من الاول هو الشيء المحدود. ومن ذلك ايضا يندفع بعض الاشكالات المتوهمة بالنسبة إلى تأخر وجود الممكنات مع سعة فيض الباري عز اسمه وقدرته على كل شيء، إذ نقول: بان عمدة الوجه فيه انما هو من جهة عدم قابليته للوجود والتحقق باعتبار مدخلية بعض الامور في قابليته للوجود كمرور الزمان ونحوه. ومن ذلك البيان ايضا ظهر وجه دخل الشرائط وانه لا يكون دخلها الا كدخل عدم المانع في كونه من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري الراجع إلى دخلها في قابلية الاثر للتحقق باعتبار كونها مما تقوم به الحدود الخاصة التي بها يكون الاثر قابلا للتحقق لا بدونها، لا ان دخلها كان من قبيل دخل المقتضى بنحو المؤثرية والمتأثرية، ولذلك ايضا لم يعرفوا الشرائط بما عرفوا به المقتضي بل عرفوه بما يلزم من عدمه العدم، قبال المقتضى الذي يلزم من وجوده الوجود ولو لذاته ثم انه لا يفرق فيما ذكرنا بين ان يكون الشرائط راجعة إلى مقام التأثير الفعلي وبين رجوعها إلى مقام اصل الاقتضاء، فانه على كل تقدير لا دخل لها الا في حدود الشيء غايته انه على الاول يرجع دخلها إلى قابلية الاثر والمقتضى (بالفتح) للتحقق، وعلى الثاني يرجع دخلها إلى قابلية المقتضى في اقتضائه للتأثير باعتبار ان ما هو المؤثر من الاول هو الوجود المحدود بالحدود الخاصة، واما دخل هذه الحدود في القابلية المزبورة في المقتضى فهو كما عرفت لا يكون الا ذاتيا غير معلل بلم وبما. وعلى ذلك فدخل الشرائط وكذا الموانع لا يكون الا كونها طرفا للإضافة ومحدده للشيء بحدود خاصة، وهذا المقدار من الدخل ايضا كما عرفت يكفى في نيل العقل جهة المقدمية منها وكونه في رتبة سابقة على المحدود كما هو واضح، ولئن شئت فاستوضح ذلك بمثل الصلاة التي ورد انها قربان كل تقى وتنهى عن الفحشاء وما اعتبر الشارع فيها من القيود الوجودية والعدمية ككونها عن طهور وكونها إلى القبلة وفي حال الستر وكونها في ظرف عدم امر كذائي، إذ لا اشكال حينئذ في ان ما يترتب عليه النهى عن الفحشاء والكمال والقرب ليس الا ذات الصلاة التي هي موضوع الامر في خطاب اقيموا الصلاة وان دخل تلك القيود المعتبرة فيها من الطهور والقبلة والستر وعدم التكتف ونحوها لا يكون الا في حدود تلك الطبيعة الناشئة تلك الحدود من اضافة الصلاة إلى الامور المزبورة ولو من جهة ان ما هو المؤثر في كمال العبد من الاول هي الطبيعة المحدودة بالحدودات الخاصة والذات الواجدة للتقيد بالأمور الخاصة لا مطلق الطبيعة ولو فاقدة عن التقيدات والاضافات المزبورة، إذ حينئذ يكون مرجع تلك القيود المعتبرة فيها إلى تضيق في دائرة الطبيعة المزبورة واخراجها عما لها من الاطلاق ثبوتا في عالم مؤثريتها في القرب والكمال باعتبار تلك التقيدات الحاصلة للطبيعة من اضافتها إليها، ومن ذلك تكون التقيدات والاضافات طرا داخلة في المطلوب، والقيود نفسها خارجة عنه ومقدمة للمطلوب باعتبار كونها مما تقوم به تلك التقيدات والاضافات كما اشتهر بان التقيد جزء والقيد خارج، من دون فرق فيما ذكرنا بين الشرائط والموانع، من جهة انه لا نعنى بالمانع الا ما اعتبر عدمه قيدا للمطلوب حسب ما عرفت آنفا. فعلى ذلك فجميع القيود من الشرائط والموانع سواء كانت راجعة إلى اصل اقتضاء الشيء أو إلى تأثيره الفعلي واثره يكون مناط دخلها من باب دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري ودخل ما به الاضافة والتقيد في التقيد، لا من باب المؤثرية والمتأثرية كما في المقتضى، ولا من باب المنافاة والمزاحمة مع المطلوب أو مناطه. نعم في العلل الخارجية قد يشتبه الامر بين الملازمات والشرائط وبين الاضداد والموانع كما لعله هو العمدة في ذهاب من ذهب إلى كون دخل عدم المانع من باب منافاة وجوده مع المطلوب ولكنه بعد التأمل فيما ذكرنا في العلل والمعلولات الشرعية كالصلاة وما اعتبر فيها من القيود الوجودية والعدمية بالنسبة إلى حيث القرب والنهى عن الفحشاء لا مجال لهذه التجشمات إذ حينئذ يقطع بان دخل الشرائط والموانع لا يكون الا في الحدود والتقيدات وان ما هو المؤثر لا يكون الا المقتضى خاصة، غايته بما انه محدود بحدود خاصة، ولكن لا يلزم من ذلك أي من اخذ التقيدات جزء تأثيرها في المعلول وفى الصلاح والفساد، كي يشكل بانها من جهة كونها امورا اعتبارية غير صالحة للمؤثرية في الوجود فلابد وان يكون المؤثر هو منشأ اعتبارها، إذ حينئذ نقول: بان ما هو المؤثر والمعطى للوجود انما هو عبارة عن وجود المحدود، فمن قبل وجوده ينشأ وجود الاثر ومن قبل حده ينشأ حد الاثر، فتدبر.

وقد يقرب وجه دخل الشرائط بانه اما متمم للفاعل في فاعليته أو متمم للقابل. ولكن نقول: بأنه على الاول من متمميته للفاعل ان اريد دخله في حدود الفاعل وفي اصل الاقتضاء والفاعلية ولو باعتبار انه لو لا تلك الحدود الخاصة للشيء لا يكون تاما في اقتضائه في التأثير فهو وان كان صحيحا، ولكنه يرجع إلى ما ذكرناه في وجه دخل الشرائط ، فلا يكون ذلك البيان تقريبا آخر في وجه دخل الشرائط . وان اريد من المتممية للفاعل دخلها في ترتب الاثر وبعبارة أخرى اريد من ذلك كونها من اجزاء المقتضى بحيث عند وجودها يترتب الاثر عليها وعلى المقتضى معا، فعليه وان كان دخلها حينئذ بنحو المؤثرية الا انه يلزمه وقوعها في عرض المقتضي لا من مقدماته وفي رتبة سابقة عليه فيلزمه حينئذ نفى المقدمية عن مثل الطهور والستر والقبلة ونحوها بالنسبة إلى الصلاة التي هي مقتضيه للنهى عن الفحشاء ونفى الوجوب الغيرى لها من جهة ان مقدمية الامور المزبورة للصلاة تقتضي كونها في رتبة سابقة عن الصلاة، وهو كما ترى مناف لما عليه عامة الاصحاب من مقدمية الامور المزبورة للصلاة بل مناف ايضا لما يقتضيه لسان ادلة اعتبارها من نحو قوله ( عليه السلام ) : لا صلاة الا بطهور، ولا صلاة الا إلى القبلة ونحو ذلك، فان مثل هذه الادلة ينادى بان ما هو الواجب والمأمور به هو الصلاة المتقيدة بكونها عن طهور والى القبلة وفي حال الستر ونحو ذلك وان اعتبار الامور المزبورة انما هو من جهة كونها مما تقوم به تلك التقيدات، كما هو واضح. واما على الثاني من متممية الشرائط للقابل، فنقول ايضا : بانه ان اريد من القابل نفس ماهية الاثر فلا ريب في انه يرجع حينئذ إلى ما ذكرنا ، من جهة ان قضية دخلها فيه حينئذ ليس الا في استعداده وقابليته للتحقق عند وجود علته، فلا يكون دخلها حينئذ دخلا تأثيرها بل انما هو من قبيل دخل طرف الاضافة في الاضافة كما حققناه ، وان اريد من القابل المحل الذي يوجد فيه الاثر كالخشب الذي هو محل الاحراق والنفس التي هي معروضة الكمال بدعوى ان اليبوسة مثلا موجبة لاستعداد الخشب وقابليته لورود الاحراق عليه وكذا الطهور مثل موجب لاستعداد النفس وقابليتها لورود الكمال عليها من قبل الصلاة، فعليه وان امكن دعوى كون الشرائط مؤثرات في الاستعداد والقابلية المزبورة نظرا إلى كون القابلية حينئذ امرا وجوديا لكونها مرتبة من كمال الشيء، ولكنه حينئذ ينقل الكلام في دخل القابلية المزبورة في تحقق الاثر وانه هل هو بنحو المؤثرية أو بنحو الدخل في حدوده ، إذ حينئذ ما له دخل في الاثر لا يكون الا القابلية المزبورة، واما الشرائط الخارجية فإنما هي مقدمة للقابلية التي هي الشرط في الحقيقة في تحقق الاثر، فلا محيص حينئذ بعد اللتيا والتي من المصير إلى كون دخل الشرائط في المعلول من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري ودخل ما تقوم به الحدود في المحدود لا من باب المؤثرية والمتأثرية، كما لا يخفى. ثم انه مما ذكرنا من المناط في مقدمية الشرائط والموانع يظهر لك اندفاع الاشكال المعروف في الشرائط المتأخرة وعدم لزوم انخرام قاعدة عقلية: من لزوم تحقق المعلول قبل وجود علته، إذ نقول: بان ذلك يرد إذا كان دخل الشرائط ايضا كالمقتضي بنحو المؤثرية إذ حينئذ يتوجه الاشكال المزبور في شرطية الوجودات المتأخرة، والا فبناء على ما قررناه من كون دخلها من باب دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري لا يكاد مجال للأشكال المزبور، حيث امكن حينئذ تصوير الشرطية للوجودات المتأخرة بعين تصويرها للوجودات المقارنة والمتقدمة، إذ حينئذ كما يمكن ان يكون الشيء بوجوده المقارن محددا للماهية بحد خاص تكون بذلك الحد قابلة للتحقق عند وجود مقتضيها كذلك يمكن ذلك في الوجود السابق المعدوم حال وجود الاثر وفى الوجود المتأخر، فيمكن ان يكون الشيء بوجوده السابق المعدوم حين الاثر دخيلا في قابلية الاثر للتحقق أو في تمامية المقتضى في اقتضائه في التأثير، كإمكان ان يكون الشيء بوجوده المتأخر دخيلا في القابلية المزبورة نظرا إلى مدخلية الحدود الخاصة للشيء الحاصلة من اضافته إلى الامر المتقدم أو المتأخر في قابليته لتحقق وترتب الغرض والمصلحة عليه. واما دخل تلك الحدود في القابلية المزبورة فهو كما عرفت لا يكون الا ذاتيا، لان مرجع ذلك إلى ان ما له القابلية للتحقق من الازل هي الطبيعة المحدودة بالحدود الخاصة الناشئة من اضافته إلى امر كذائي مقارن أو سابق أو لا حق. وحينئذ فلو ورد في لسان الدليل اناطة الشيء بأمر متأخر زمانا عن الشيء كإناطة صحة الصوم للمستحاضة بغسل الليلة المتأخرة واناطة صحة العقد والملكية في عقد الفضولي بإجازة المالك في الازمنة المتأخرة واناطة الصحة في الصلاة بعدم العجب فيما بعد مثلا لما كان مجال للأشكال عليه ورفع اليد عما يقتضيه ظاهر القضية من مدخلية الامور المتأخرة في صحة الامر السابق حين وجوده وترتب الغرض والمصلحة عليه، مدعيا لاستحالة ذلك نظرا إلى تلك القاعدة العقلية الفطرية: من توقف المعلول على وجود علته التامة التي منها الشرائط وعدم الموانع واستحالة تحقق المعلول قبل وجود علته التامة من المقتضى والشرط وعدم المانع. فتمام المنشأ في الاشكال المزبور حينئذ انما هو من جهة تخيل كون الشرائط ايضا مؤثرات في عالم دخله في الاثر وجعل مناط المقدمية فيها بعينه هو المناط المتحقق في طرف المقتضى، ولقد عرفت انه على هذا التوهم يستحيل تصور الشرطية للوجودات المتأخرة بل المتقدمة المعدومة ايضا، والا فبناء على ما عرفت من المناط في مقدمية الشرائط في مرحلة دخله في المطلوب من كونه من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري كما في عدم المانع فلا باس بتصوير الشرطية للوجودات المتأخرة، إذ حينئذ كما يمكن ان يكون الشيء بإضافته إلى امر مقارن محدودا بحد خاص قابلا للتحقق بذاك الحد كذلك في اضافته إلى امر سابق معدوم حين وجوده أو اضافته إلى امر لاحق موجود في موطنه والجامع هو مدخلية وجود الشيء في موطنه مقارنا كان أو سابقا أو لا حقا في حدود الاثر حسب اضافته إليه في قابليته للتحقق وترتب الغرض والمصلحة عليه، ومن المعلوم انه على ذلك لا يكاد يلزم انخرام قاعدة عقلية اصلا من لزوم تحقق المعلول والاثر قبل وجود علته ومؤثره، إذ لا مؤثرية ولا متأثرية حينئذ في البين حتى يتوجه المحذور المزبور وانما غايته هو تأخر ما به الحدود زمانا عن الحدود وهو مما لا ضير فيه بوجه اصلا، كما لا يخفى.

 ومن ذلك البيان يظهر لك ضعف ما افيد ايضا على بطلان الشرط المتأخر كما عن بعض الاعلام، من تقريب: ان تعلق التكاليف بمتعلقاتها في القضايا الطلبية انما هو على نحو القضايا الحقيقية التي يلزم في فعليتها فعلية متعلقاتها بما لها من الاجزاء والقيود التي لها دخل في تحققها، وحينئذ فلابد اولا من تحقق تلك القيود التي له دخل في الموضوع حتى يتحقق الموضوع بما له من الحدود والخصوصيات فيترتب عليه الوجوب والحرمة ومثل هذا المعنى مناف عقلا مع تأخر القيود المفروض دخلها فيه لضرورة اقتضائه لزوم مجيء الحكم قبل وجود موضوعه ومتعلقه، لما ذكرنا من عدم تحقق الموضوع خارجا الا بعد تحقق القيود التي لها دخل فيه، وهو كما ترى من المستحيل.

إذ نقول: بان ما افيد من لزوم تحقق الموضوع بما له من الاجزاء والتقييدات والحدود قبل مجيء الحكم وان كان صحيحا، ولكن المدعي هو تحقق بجميع ما يعتبر فيه من الحدود والتقييدات فعلا بمحض تحقق القيود في مواطنها مقارنا أو سابقا أو لا حقا نظرا إلى كشف تحقق القيد في موطنه المتأخر في الواقع عن كون الامر السابق محدودا بالحدود التي بها يترتب عليه الاثر. واما دعوى لزوم تحقق تلك القيود وما به الحدود المزبورة ايضا في فعلية الحكم فلا دليل يساعد عليه من جهة ان الذي يقتضيه البرهان المزبور انما هو توقف الحكم في فعليته على فعلية وجود موضوعه بما له من الحدود والاضافات المأخوذة فيه.

 واما توقفه على فعلية الموضوع بماله من الحدودات وما به الاضافات والقيود فلا، لان ما هو الداخل في الموضوع لا يكون الا الحدود والتقيدات واما ما به الحدود والتقيد فهى خارجة عن الموضوع ومع خروجها عنه لا يكاد يقتضي البرهان المزبور لزوم تحققها ايضا في فعلية الحكم، كما هو واضح.

وحينئذ نقول: بانه بعد ما امكن ثبوتا شرطية الامر المتأخر للسابق على ما ذكرنا من وقوعه طرفا للإضافة للأمر المتقدم فلو ورد دليل يقتضي بظاهره اناطة شيء بأمر متأخر لا مجال للاستيحاش وصرف الدليل عن ظاهره إلى شرطية التعقب بالأمر المتأخر بجعل التعقب نفسه الذي هو من الامور المقارنة شرطا كما عن بعض الاعلام تبعا للفصول إذ مثل هذا التكلف ليس منشأه الا تخيل انحصار ملاك المقدمية بما في المقتضي من المؤثرية والغفلة عن ان في البين ملاكا آخر متصورا في المقدمية وهو كون الشيء طرف للإضافة والحدود، كما كان ذلك قطعا في مثل عدم المانع الذي يستحيل دخله بملاك المؤثرية، على ان في الالتزام بكون الشرط هو التعقب بالأمر المتأخر لا نفس الامر المتأخر في موطنه ما لا يخفى فانه مضافا إلى منافاة ذلك لما عليه القائل المزبور من كون التقيدات باعتبار كونها امورا اعتبارية غير قابلة للمؤثرية في الغرض ولتعلق الامر بها وان الامر والتكليف لابد من تعلقه بما هو منشأ اعتبارها وهو الامر المتأخر، نسئل عنه بان دخل ذلك الامر المتأخر في موطنه في التقيد المزبور المعبر عنه بالتعقب هل هو بنحو المؤثرية أو على نحو دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري فعلى الاول يعود محذور انخرام القاعدة العقلية من لزوم تحقق الاثر قبل وجود المؤثر وعلى الثاني نقول بانه لا داعى حينئذ إلى ارتكاب خلاف الظاهر في تلك القضايا، بل بعد ما امكن ان يكون الشيء بوجوده المتأخر في موطنه منشأ لتحقق الاضافة والتقيد المزبور فمن الاول لم لا تجعل الشرط نفس الامر المتأخر في موطنه وتجعل ظواهر الادلة على حالها في اقتضائها لكون المنوط به للأمر الفعلي هو الشيء بوجوده المتأخر وهل الالتزام بالتعقب المزبور حينئذ الا من قبيل الفرار من المطر إلى الميزاب؟. وحينئذ فلا محيص في حل الاعضال المزبور عن الشرائط المتأخرة في الواجبات الشرعية من المصير إلى ما ذكرنا بجعل الشروط طرا طرفا للإضافات وجعل دخلها في المشروط من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري، كما افاده في الكفاية بأحسن بيان في شرح شرائط الواجب وان خالف في شرائط الوضع والتكليف فجعل الشرط فيهما عبارة عن الشيء بوجوده علمي اللحاظي الذي هو امر مقارن دائما مع المشروط . ثم انه مما ذكرنا ظهر حال شرائط الوجوب والتكليف وقيوده ايضا، فان قيود الوجوب بعد ان كانت راجعة إلى مقام الدخل في اصل الاحتياج إلى الشيء واتصاف الذات بوصفه العنواني بكونه صلاحا ومحتاجا إليه كما يأتي بيانه في المبحث الاتي في شرح الواجب المشروط في مثال قيود الواجب الراجعة إلى كون دخلها في تحقق المحتاج إليه ووجودها هو المتصف بالمصلحة والصلاح فارغا عن اصل الاتصاف بالوصف العنواني فلا جرم يكون قضية دخلها ايضا من باب دخل طرف الاضافة في الاضافة ودخل ما به التقيد في التقيد ومعه امكن فيها ايضا تصوير الشرطية للأمر المتأخر بالنسبة إلى التكليف، بداهة ان قضية كون الشيء شرطا له حينئذ ليس الا كونه بحيث يحصل للشيء بالإضافة إليه خصوصية يكون بتلك الخصوصية متصفا بكونه صلاحا ومصلحة وهذا كما انه قد يكون بالنسبة إلى المقارن كذلك قد يكون بالنسبة إلى المتقدم والمتأخر فيمكن ان يكون الشيء بوجوده المتأخر منشأ لإضافة وخصوصية خاصة في الامر السابق توجب اتصافه بتلك الخصوصية بكونه مصلحة وصلاحا بحيث لو لا حدوث المتأخر في موطنه لما كان للسابق تلك الاضافة الموجبة لتعنونه بالوصف العنواني المزبور ومع امكان ذلك فلا بأس في تصوير الشرطية في الامر المتأخر بالنسبة إلى الوجوب والتكليف غايته انه يحتاج حينئذ في فعلية الارادة والتكليف من القطع بتحقق المنوط به في موطنه حيث انه مع القطع المزبور يرى كون المتعلق متصفا فعلا بالصلاح ومحتاجا إليه فيتوجه إليه الارادة فعل من دون ان تخرج عن الاناطة ايضا إلى الاطلاق، كما نظيره في العرفيات في مثال شراء اللحم اليوم للضيافة لمن يرد عليه الضيف في الغد حيث انه ترى من نفسك مع العلم بورود الضيف عليك في الغد احتياجك فعلا إلى شراء اللحم واتصافه بكونه محتاجا إليه، ومن ذلك تصير بصرافة طبعك بصدد شرائه وهكذا في اكرامك اليوم من يكرمك في الغد فيم لو كان اكرامه اياك في الغد منشأ لاتصاف اكرامك اليوم اياه بالمصلحة والصلاح حيث انه مع العلم بصدور الاكرام منه في الغد ترى احتياجك اليوم إلى اكرامه لما ترى فيه حينئذ مع الصلاح والمصلحة فمن ذلك يتوجه منك الارادة والاشتياق فعلا إلى اكرامه منوطا بإكرامه الآتي الذي تعلم بتحققه في موطنه. وعلى ذلك فيمكن المصير في شرائط التكليف ايضا من المقارن والمتقدم والمتأخر إلى كون المنوط به هو نفس الشرط بوجوده في موطنه مقارنا أو متقدما أو متقدما أو متأخرا من دون احتياج إلى جعل الشرط عبارة عن الشيء بوجوده العلمي اللحاظي كما افاده في الكفاية في التفصي عن الاشكال المعروف حيث جعل الشرط في المتقدم والمتأخر مجرد لحاظه إذ نقول: بان ذلك انما يتم بالنسبة إلى مرحلة تعلق الارادة وفعليتها حيث كان ما له الدخل فيها هو الشيء بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي، كما هو الشأن ايضا في كلية الغايات.

واما بالنسبة إلى مقتضيات الاحكام من المصالح والاغراض فلا شبهة في ان ماله الدخل فيها في اتصاف الشيء بالصلاح والمصلحة بنحو الشرطية أو غيرها انما كان هو الشيء بوجوده الخارجي لا بوجوده العلمي واللحاظي، بل العلم واللحاظ في ذلك لا يكون الا طريقا محضا ولذلك قد يتخطى عن الواقع فيكشف عدم تحققه عن فقد العمل المشروط للمصالح، ولذلك ترى المولى الذي يتصور في حقه الخطأ كالموالي العرفية قد يحصل له الندم على فعله وطلبه بانه لم امر به مع كونه في الواقع غير ذي المصلحة، فلو انه كان الدخيل فيها ايضا هو الشيء بوجوده العلمي كما في الارادة والاشتياق لما كان وجه لانكشاف الخلاف وكشف فقد الشرط في موطنه المتأخر عن فقد العمل للمصلحة وحينئذ فكان ذلك برهانا تاما على ان ماله الدخل في مقام المصالح والاغراض هو الشيء بوجوده الخارجي وكون العلم واللحاظ فيه طريقا محضا، ومعه لا محيص في حل الاعضال المزبور من المصير إلى ما ذكرناه بجعل الشرائط طرا طرفا للإضافات وجعل دخلها من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري.

ولعله إلى ذلك ايضا يرجع ما أفاده في شرح شرائط الواجب والمأمور به في مقام التفصي عن الاشكال المزبور، حيث ان كلامه ظاهر بل صريح في ان دخل الشروط انما هو باعتبار وقوعها طرفا للإضافات. ولكن الاستاذ دام ظله نسب إليه القول بشرطية اللحاظ في جميع القيود حتى الراجعة إلى الواجب والمأمور به ولعله من جهة ما سمعه مه مشافهة في درسه الشريف، والا فكلامه في الكفاية ينادي بظاهره بالتفصيل بين شرائط الوجوب والوضع وبين شرائط الواجب فلاحظ كلامه تعرف ما ذكرناه. ثم ان هذا كله بناء على عدم ارجاع مثل هذه القيود ايضا إلى المتعلق كما يأتي بيانه ان شاء الله تعالى في مبحث الواجب المشروط واما بناء على رجوعها ايضا إلى المتعلق كما هو مبنى القول برجوع المشروطات إلى المطلقات فالأمر اوضح، من جهة رجوعه حينئذ إلى ما تقدم من دخل الامر المتأخر في حدود الموضوع وخصوصياته التي بها يكون منشأ للآثار ومتعلقا للغرض بنحو يكشف عدم وجوده في موطنه المتأخر عن عدم كون السابق محدود بالحدود التي بها يكون منشأ للآثار. واما توهم استلزام ذلك لوجود الحكم وفعليته قبل وجود موضوعه بما له من الحدود فقد عرفت الجواب عنه بمنع الاستلزام المزبور نظرا إلى تحقق الموضوع حينئذ بماله من الحدود والاضافات والتقيدات فعلا بمحض تحقق ما به الحدود في موطنه المتأخر. وما افاده من كون التكاليف الشرعية بنحو القضايا الحقيقية ايضا لا يقتضي ازيد من لزوم فعلية الموضوع بما له من الحدود والاضافات في فعلية الحكم وتحققه.

واما لزوم تحقق ما به الحدود والاضافات ايضا في فعلية الحكم، فلا يقتضيه البرهان المزبور بعد فرض خروج القيود بنفسها عن الموضوع وكون الداخل فيه هو التقيد بها، ولذلك لا شبهة في صحة التكليف الفعلي بإكرام من يقوم في الغد أو يموت في العام البعد بنحو خروج القيد ودخول التقيد ولو بنحو القضية الحقيقية وانه يجب على المأمور والمكلف فعلا اكرامه إذا علم ولو بأخبار المعصوم ( عليه السلام ) اياه بان زيدا يقوم في الغد أو يموت في العام البعد وليس ذلك الا من جهة فعلية الموضوع حينئذ بما له من الاضافة والتقيد الخاص بمحض تحقق القيد في الموطن المتأخر. وحينئذ فالذي يقتضيه التحقيق في حل الاعضال الوارد على الشرائط المتأخرة سواء في شرائط التكليف أو شرائط الواجب والمأمور به هو ما ذكرنا من اخراج الشرائط طرا عن كونها معطيات الوجود ومؤثرات وجعلها طرفا للإضافات والتقيدات والمصير إلى كون دخلها من قبيل منش الاعتبار في الامر الاعتباري، فانه على ما ذكرنا يندفع الاشكال المزبور من رأسه فيما ورد من الادلة المقتضية لشرطية الامر المتأخر للتكليف أو الواجب والمأمور به، فامكن الاخذ حينئذ بظاهرها من الاناطة بالأمر المتأخر من دون احتياج إلى صرف تلك الادلة عن ظاهرها والتكلف فيها بإرجاعها إلى الشرط المقارن تارة بالالتزام بان الشرط في الحقيقة عبارة عن تعقب الشيء الحالي بالأمر المتأخر لا نفس الامر المتأخر بوجوده في موطنه المتأخر، وأخرى بان الشرط عبارة عن امر واقعي مقارن مع المشروط حقيقة وكان الكاشف عنه الامر المتأخر، وثالثة بان الشرط هو الامر المتأخر لكن لا بوجوده الخارجي المتأخر بل بوجوده العلمي اللحاظي، ورابعة بان الشرط هو الامر المتأخر لكن بوجوده الدهري دون الزماني والالتزام بان تلك المتفرقات بحسب الزمان مجتمعات في وعاء الدهر، كما هو المنسوب إلى العلامة الشيرازي (قدس سره) وان كان نفى هذه النسبة عنه بعض الاعلام مدعيا بأني كنت سألته عن هذه النسبة شفاها فانكره وبالغ في الانكار ثم قال بأنى انما ذكرت ذلك في اثناء البحث احتمالا لا مختار. وعلى كل حال فهذا كله في شرائط التكليف والواجب ولقد عرفت بان تصوير شرط المتأخر فيها بمكان من الامكان.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.