أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016
560
التاريخ: 3-8-2016
516
التاريخ: 26-8-2016
586
التاريخ: 3-8-2016
933
|
اعلم أنّه لمّا كان البحث في المبادئ الأحكاميّة عن نفس الحكم ، والحاكم ، والمحكوم فيه ، والمحكوم عليه. ومعرفة الحاكم كانت موقوفة على تحقيق الحسن والقبح حتّى يظهر أنّهما بأيّ معنى شرعيّان حتّى يكون الحاكم فيهما هو الشارع ، وبأيّ معنى عقليّان حتّى يكون الحاكم فيهما هو العقل. وهل التلازم بين الشرعيّين والعقليّين ، حتّى كان الحاكم الشرع والعقل معا؟ جرت عادة القوم هنا بالبحث عن الحسن والقبح ، وكونهما عقليّين أو شرعيّين.
وتنقيح هذا البحث موقوف على بيان امور :
[ الأمر ] الأوّل : الحسن والقبح يطلقان على أربعة معان :
الأوّل : استحقاق المدح والذمّ.
الثاني : صفة الكمال والنقص.
الثالث : ملاءمة الطبع ومنافرته.
الرابع : ما لا حرج في فعله ، وما حرج فيه.
ولا خلاف في كون المعاني الثلاثة الأخيرة عقليّة ، وإنّما وقع الخلاف في المعنى الأوّل.
فذهب الأشاعرة إلى أنّهما بهذا المعنى شرعيّان ، ولا سبيل للعقل إلى إدراكهما ، بل موقوفان على أمر الشارع ونهيه ، ولو أمر بالقبيح ينقلب حسنا ، ولو نهى عن الحسن ينقلب قبيحا (1).
وذهب المعتزلة إلى أنّهما بهذا المعنى عقليّان ، إلاّ أنّ العقل يدرك حسن بعض الأشياء وقبحها بهذا المعنى بالضرورة ، وفي بعضها يدركه بالنظر ، وفي بعضها لا يدركه ؛ لقصوره وإن كان عقليّا ، وهذا كالعبادات وكيفيّاتها وكمّيّاتها (2).
وهذا مذهب أصحابنا، وهو الحقّ لوجوه :
منها : أنّ استحقاق المدح على بعض الأفعال ـ كالإحسان وإغاثة المظلومين ـ والذمّ على بعضها ـ كالظلم وإعانة الظالمين ـ بديهي ، وإنكاره سفسطة ، ولذا قال بهما وبأمثالهما منكر والشرائع والنبوّات.
والظاهر أنّ إنكار الأشاعرة في مقام الجدال وهم في حين الغفلة يعترفون به ، سيّما في مقام الموعظة والنصيحة ، كما يظهر من كتاب إحياء العلوم وغيره من كتبهم (3).
وأيضا إنّهم يقولون بالقياس والاستحسان ولا يتمّان بدون القول به.
ومنها : لو لم يكن الحسن والقبح عقليّين ، لم يقبح من الله شيء. ويلزم منه ثلاثة محالات :
عدم قبح كذبه تعالى ، فيرتفع الوثوق بوعده ووعيده ، ولا يمكن إثبات صدقه تعالى بالسمع ؛ لأنّ ثبوته موقوف على صدقه تعالى.
وجواز أن يظهر الله المعجزة على يد الكاذب ، فلا يعرف النبيّ من المتنبّئ.
وجواز نسبة التثليث ، والكفو ، والولد ، وأمثالها إليه تعالى.
والقول بجريان عادة الله (4) بعدم إظهار المعجزة على يد الكاذب ، واه بعد ما ذهبوا إليه.
ومنها : أنّه يلزم حينئذ إفحام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد رؤية معجزته بتجويز تمكين الكاذب ، أو قبل رؤيتها إذا طلب من المكلّفين الرؤية ولم يريدوها ؛ ووجه اللزوم ظاهر.
[ الأمر ] الثاني : استدلّ الأشاعرة على مذهبهم بأنّ أفعال العباد اضطراريّة ، وحينئذ ينتفي الحسن والقبح العقليّان (5).
والجواب : منع كونها اضطراريّة ، كما ثبت في محلّه.
وبقوله تعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] ؛ حيث دلّ على أنّ التعذيب لا يكون قبل البعثة مع لزومه قبلها على القول بالحسن والقبح العقليّين.
والجواب : أنّ نفي فعليّة العذاب لا ينافي الاستحقاق ؛ لجواز العفو بدون البعثة. أو المراد نفي التعذيب بالأوامر الشرعيّة بدون البعث دون ما يقتضيه العقل. أو المراد التعذيب الدنيوي. أو المراد من الرسول العقل كما قيل (6). وبعض هذه الوجوه وإن كان مخالفا للظاهر إلاّ أنّه يمكن إجراؤه في النقل الذي كان في الظاهر مخالفا للقطعيّات العقليّة.
ويمكن أن يقال : التعذيب على الوجوب والحرمة الشرعيّين دون العقليّين ، فالحسن والقبح العقليّان يوجبان المدح والذمّ ، لا الثواب والعقاب ، وهما من مقتضيات الحسن والقبح الشرعيّين، إلاّ أنّ في هذا كلاما ستعرف (7) إن شاء الله.
هذا ، مع أنّ الشيعة يقولون : لا يخلو زمان عن حجّة ، فكلّ عصر يكون مسبوقا بالحجّة ، فالتعذيب بسبب إدراك العقول يكون بعد البعثة البتّة ، ويتأتّى هذا القول على مذهب غير الشيعة أيضا ؛ لأنّ آدم عليه السلام رسول وهو سابق الأعصار كلّها (8).
واستدلّوا أيضا بأنّ الحسن والقبح العقليّين ينفيان اختيار الله تعالى (9).
وجوابه بديهي.
[ الأمر ] الثالث : اختلف القائلون بالحسن والقبح العقليّين بأنّ الحسن والقبح هل هما ذاتيّان للفعل ـ أي من مقتضيات ذات الفعل من حيث هي هي ـ أو يقتضيهما الأوصاف اللازمة للفعل ، أو الوجوه والاعتبارات الإضافيّة العارضة له ، أو المقتضي لهما القدر المشترك بينها وأعمّ من كلّ منها أي يختلف الأفعال في مقتضي حسنها وقبحها ، ففي بعضها الذات ، وفي بعضها الأوصاف اللازمة ، وفي بعضها الاعتبارات الإضافيّة (10)؟
ويدلّ على بطلان القولين الأوّلين : جواز النسخ. وصيرورة القبيح حسنا بالاعتبارات ، كالكذب إذا كان فيه مصلحة ، وقد يجب إذا كان فيه إنقاذ نبيّ من القتل ، وكذا العكس. ولزوم اجتماع النقيضين على القول بهما إذا قال : « لأكذبنّ غدا » ؛ لأنّه لو صدق أحد كلامية ـ اليوميّ ، أو الغديّ ـ كان حسنا ؛ لصدقه ، وقبيحا ؛ لكذبه.
والمذهب الثالث أيضا باطل ؛ لأنّا نعلم جزما أنّ بعض الأفعال حسن لذاته ، كمعرفة الله ، ولا يصير قبيحا بوجه من الوجوه. وبعضها قبيح لذاته ، كالشرك والجهل وقتل الأنبياء ، ولا يصير حسنا مطلقا.
فالحقّ : المذهب الأخير.
[ الأمر ] الرابع : قد أشرنا (11) إلى أنّ الحسن والقبح العقليّين غير الحسن والقبح الشرعيّين ، فإنّ الواجب العقلي ما يستحقّ فاعله المدح وتاركه الذمّ ، والحرام العقلي ما يستحقّ فاعله الذمّ. وقس عليهما المستحبّ والمكروه العقليّين.
والواجب الشرعي ما يستحقّ تاركه العقاب وفاعله الثواب ، والحرام الشرعي ما يستحقّ فاعله العذاب.
والمطلوب هنا بيان أنّ الوجوب والحرمة (12) العقليّين هل يستلزمان الشرعيّين ، أم لا؟
وجه الاستلزام : أنّ الحرام العقلي لا بدّ أن يكون مذموما عند كلّ عاقل وحكيم ، والواجب العقلي لا بدّ أن يكون ممدوحا كذلك ، فالحرام العقلي لا بدّ أن يكون مكروها ممقوتا عند الله ، وهذا معنى استحقاق عذابه (13). وقس عليه الواجب العقلي.
وأيضا القطع بعدم العقاب على المحرّمات العقليّة مستلزم لإغراء المكلّفين على القبائح ، وهو قبيح من الله تعالى.
ووجه عدم الاستلزام : قوله تعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} [الإسراء: 15] إلى آخره ، والأخبار الدالّة على أنّ التكليف لا يكون إلاّ بعد البعث (14) ، وما ورد من قولهم عليهم السلام : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » (15).
وقد عرفت الجواب عن الآية (16). ومنه يظهر الجواب عن الأخبار. فالحقّ الاستلزام.
ولو لا ذلك لم يكن للعقل مدخليّة في إدراك أحكام الله تعالى مطلقا ، مع أنّه يمتنع الإدراك بدونه، كما لا يخفى.
نعم ، قد يغلط بعض العقول ، والمناط العقل الصحيح ، فجميع الأحكام الشرعيّة موافقة لمقتضيات العقول الصحيحة ، إلاّ أنّ عقول أمثالنا قاصرة عن إدراك جميعها ، وأحدهما مستلزم للآخر وإن خفي في البعض على بعض العقول.
____________
(1 و 2) راجع المحصول 1 : 123 و 124.
(3) راجع : إحياء العلوم 1 : 78 ـ 82 ، والبحر المحيط 1 : 111 و 112.
(4) كما هو شعار المجبّرة.
(5) راجع المحصول 1 : 124 و 125.
(6) نسبه السيّد ضياء الدين الأعرج إلى العلاّمة في منية اللبيب : 19.
(7) في ص 102 ، الأمر الرابع.
(8) قاله الفاضل التوني في الوافية : 171 و 172.
(9) راجع : العدّة في أصول الفقه 1 : 25 و 26 ، والبحر المحيط 1 : 111 ـ 114.
(10) المصدر.
(11) في ص 101 ، « ويمكن أن يقال ... ».
(12) في « ب » : « الواجب والحرام ».
(13) في « ب » : « عقابه ».
(14) منها : ما في الكافي 1 : 162 ، باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة ، ح 1 ، و 164 ، باب حجج الله على خلقه ، ح 2 ، والتوحيد : 414 ، باب التعريف والبيان والحجّة ، ح 11.
(15) الفقيه 1 : 317 ، ح 937.
(16) تقدّم في ص 101.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|