المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

تعريف حرية التوقف عن العمل الوظيفي
3-4-2017
الحزازيات المنبطحة Hepatophyta
4-3-2017
تفسير الاية (1-5) من سورة الفتح
8-10-2017
الخلية Cell
27-6-2021
التشبيه
26-03-2015
التلسكوب تأريخه واهميته في تطور علم الفلك Telescope
25-2-2022


الإجـــــزاء  
  
612   11:39 صباحاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : محمد تقي البروجردي النجفي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأفكار
الجزء والصفحة : ج1. ص.223
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016 488
التاريخ: 3-8-2016 3234
التاريخ: 3-8-2016 586
التاريخ: 25-8-2016 513

قد وقع الخلاف والكلام بين الأصحاب في اقتضاء الاتيان بالمأمور به على وجهه للاجزاء وعدمه. وقبل الخوض في المرام ، ينبغي تمهيد مقدمة لبيان عناوين الألفاظ الواقعة في حيز البحث.

فنقول : ان من العناوين الواقعة في حيز موضوع البحث كلمة ( على وجهه ) والظاهر أن المراد منها كما قربة في الكفاية هو النهج الذي ينبغي ان يؤتى المأمور به على ذلك النهج شرعا وعقلا كقصد الامتثال مثلا ، لا الاتيان بالمأمور به على وجه وجوبه أو استحبابه وكونه متميزا عن غيره كما يدعيه القائل بوجوب قصد الوجه والتميز كما يشهد لذلك تعرضهم طرا لهذا البحث بهذه العناوين المزبورة مع ذهاب كثير منهم بل أكثرهم على عدم اعتبار قصد الوجه والتميز في المأمور به لا شرعا ولا عقلا ولا الكيفية الخاصة المعتبرة في المأمور به شرعا مثل عنوان الظهرية والعصرية ونحوهما من العناوين الخاصة التي بها صار المأمور به متعلقا للأمر والطلب ، كيف وانه مضافا إلى بعد ذلك في نفسه يلزمه لغوية القيد المزبور إذ عليه كان في ذكر المأمور به غنى وكفاية عن ذكر كلمة ( على وجهه ) نظراً إلى عدم خلو المأمور به عن مثل هذه الكيفيات فيكون القيد المزبور حينئذ توضيحيا محضا.

وحينئذ فيتعين ما ذكرناه من كون المراد منها النهج الذي ينبغي ان يؤتى المأمور به على ذلك النهج شرعا وعقلا كقصد التقرب والامتثال ، وعليه يكون القيد المزبور احترازيا لا توضيحيا ، لكن ذلك أيضا بناء على تجريد متعلق الامر في العبادات عن قصد التقرب وجعله من الكيفيات المعتبرة في المأمور به عقلا لا شرعا كما هو مسلك الكفاية ، والا فبناء على القول باعتباره في المأمور به شرعا يكون توضيحيا محضا ، كما أنه كذلك أيضا بناء على جعل المأمور به عبارة عن الحصة الملازمة مع قصد التقرب الناشي عن دعوة الامر بنحو القضية الحينية لا التقييدية بالتقرب الذي ذكرناه في مبحث التعبدي والتوصلي من عدم انفكاك المأمور به بما هو مأمور به عن قصد دعوة الامر حتى في التوصليات ، إذ عليه أيضا يكون كلمة ( على وجهه ) لمحض التوضيح ، لأنه بعد عدم اتصاف الذات غير المقرونة بقصد التقرب بكونها مأمورا بها يكون في ذكر كلمة المأمور به غنى وكفاية عن ذكر كلمة ( على وجهه ) كما هو واضح.

ومن العناوين كلمة ( الاجزاء ) والظاهر أن المراد منه انما هو معناه اللغوي أعني الكفاية كما في الكفاية وان اختلف ما يكفي عنه من حيث سقوط التعبد به ثانيا تارة ، وسقوط القضاء أخرى فالمراد منه انما هو كفاية الاتيان بالمأمور به على وجهه في عدم التعبد بإتيانه ثانيا في الوقت أو في خارجه ، كان قضية عدم التعبد به بنحو العزيمة أو بنحو الرخصة.

ومن العناوين كلمة ( الاقتضاء ) والظاهر أن المراد منها أيضا هو الاقتضاء بحو العلية والتأثير بحسب مقام الثبوت لا الاقتضاء بنحو الكشف والدلالة بحسب مقام الاثبات ، ومن ذلك أيضا نسب الاجزاء في عنوان البحث إلى الاتيان دون مدلول الصيغة. نعم في الاجزاء بالنسبة إلى المأمور به بالأمر الاضطراري والظاهري يمكن ان يقال : بان الاقتضاء فيهما هو الاقتضاء بنحو الكشف والدلالة ، نظراً إلى رجوع جهة البحث حينئذ إلى مدلول الصيغة من جهة الدلالة على وفاء المأتى به الاضطراري بمصلحة المأمور به الاختياري.

وعلى كل حال فلا يرتبط هذا البحث بالبحث المتقدم من دلالة الصيغة على المرة أو التكرار كما توهم بخيال ان القول بعدم الاجزاء هو عين القول بالتكرار في المسألة السابقة كعينية القول بالاجزاء مع القول بالمرة ، إذ نقول : بان البحث في المسألة المتقدمة انما هو في تعين ما هو المأمور به بأنه هل هو مجرد الطبيعة؟ أو المرة بمعنى الفرد أو الدفعة؟ أو التكرار بمعنى الموجودات أو الدفعات؟ بخلافه في المقام فان البحث فيه انما هو في ذاك المأمور به المتعين هناك بان الاتيان به على وجهه يجزي عن التعبد به ثانيا أم لا ومعه لا يرتبط إحدى المسئلتين بالأخرى كما هو واضح ، خصوصا إذا جعلنا الاقتضاء في المقام بمعنى العلية والتأثير لسقوط الامر ثبوتا إذ عليه يكون الفرق بين المقامين أوضح ، نظراً إلى رجوع  البحث في تلك المسألة إلى دلالة الصيغة على المرة أو التكرار ، ورجوعه في المقام إلى اقتضاء الاتيان بالمأمور به ثبوتا لسقوط الامر.

ومما ذكرنا ظهر أيضا جهة الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة تبعية القضاء للأداء وعدم ارتباط إحديهما بالأخرى ، كما توهم أيضا بخيال أن التعبية بعينها عبارة عن القول بعدم الاجزاء كعينية القول بالاجزاء مع القول بكونه بأمر جديد ، وتوضيح الفرق هو ان البحث هو تلك المسألة انما هو في مورد عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه اما لعدم الاتيان به رأسا أو الاتيان به على غير وجهه المعتبر فيه شرعا ، بخلاف المقام فان البحث فيه انما هو في مورد الاتيان بالمأمور به على وجهه ، فهما متقابلان حينئذ كما هو واضح.

وإذ تمهدت هذه الجهة فلنرجع إلى هو المهم والمقصود فنقول : ان الكلام في الاجزاء وعدمه يقع تارة في اجزاء الاتيان بالمأمور به الواقعي الاختياري عن الاتيان به ثانيا وكذا الاتيان بالمأمور به الاضطراري والمأمور به بالأمر الظاهري عن مثله ، وأخرى في اجزاء الاتيان بالمأمور به الاضطراري عن المأمور به الاختياري في عدم التعبد به بعد رفع الاضطرار ، وثالثة في اجزاء الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري عن المأمور به بالأمر الواقعي في سقوط التعبد به بعد انكشاف الخلاف ، فهنا مقامات ثلاثة وينبغي اشباع الكلام في كل واحد من المقامات المزبورة ، فنقول :

اما المقام الأول فيقع الكلام فيه في اجزاء الاتيان بالمأمور به الواقعي الاختياري عن التعبد به ثانيا ، فنقول لا ينبغي الاشكال في أن الاتيان بالمأمور به الواقعي بجميع ما اعتبر فيه شرعا وعقلا كان موجبا لسقوط الامر عن الطبيعة المأمور بها ومجزيا عن التعبد به ثانيا من جهة انه بمجرد الاتيان بالطبيعي في الخارج في فرض مطلوبية صرف الوجود لا الوجود الساري يتحقق الامتثال وينطبق عليه عنوان الإطاعة ومعه يسقط الامر والتكليف عنه لا محالة ولايبقي مقتض للإتيان به ثانيا بوجه أصلا ، كما لا يخفى.

 هذا إذا كان قضية الاتيان بالمأمور به في الخارج علة تامة لحصول الغرض الداعي على الامر به ولقد عرفت ان الاجزاء في مثله عقلي محض لاستقلال العقل حينئذ بسقوط الغرض وسقوط الامر بسقوطه بمجرد الموافقة وإيجاد المأمور به ، واما لو لم يكن مجرد الاتيان بالمأمور به علة تامة لحصول الغرض وتحققه بل كان لاختيار المولى أيضا دخل في حصول غرضه كما نظيره في العرفيات في مثل أمر المولى عبده بإتيان الماء واحضاره عنده لأجل الغرض الذي هو رفع عطشه بشر به إياه حيث إنه في مثل هذا الفرض لا يكون مجرد الاتيان بالماء واحضاره عند المولى علة لحصول غرضه الذي هو رفع عطشه بل كان لاختيار المولى وارادته إياه للشرب أيضا دخل في تحققه لكونه هو الجزء الأخير من العلة لحصول غرضه الذي هو رفع عطشه ، ففي مثل حيثما كان الإرادة المتعلقة بإيجاد الماء بحسب اللب إرادة غيرية وتكون الإرادة النفسية لبا هي المتعلقة بحيث رفع العطش ، فلا جرم يبتنى جواز الاتيان بالمأمور به ثانيا وعدم جوازه على القولين في باب مقدمة الواجب : بان الواجب هل هو مطلق المقدمة ولو لم توصل أو ان الواجب هو خصوص الموصلة منها؟ فعلى القول بوجوب مطلق المقدمة يكون حال هذا الغرض حال الفرض السابق من علية الاتيان بالمأمور به لسقوط الامر وحصول الغرض ، فكما انه في ذلك الفرض باتيان المأمور به يسقط الامر والتكليف ولا يجب على المكلف بل لا يجوز عليه الاتيان به ثانيا بعنوان امتثال الامر بالطبيعة ، كذلك في هذا الفرض فبإتيان المأمور به في هذا الفرض أيضا يسقط الامر به فلا يجوز له الاتيان به ثانيا بعنوان امتثال الامر الأول فضلا عن وجوبه. واما على القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة لا مطلقها فلازمه هو جواز الاتيان بالمأمور به ثانيا بعنوان امتثال الامر بالطبيعة مع عدم اختيار المولى إياه ، إذ ما دام عدم اختيار المولى للمأتى به الأول حيثما كان الغرض الداعي على الامر بعد بحاله كان الامر بالإيجاد والآتيان أيضا على حاله من الفعلية ، غايته ان ليس له الفاعلية والمحركية بعد الاتيان بالمأمور به أولا بملاحظة صلاحية المأتي به للوفاء بالغرض لا انه يسقط رأسا بمجرد الاتيان بالمأمور به ، ونتيجة ذلك التفكيك بين فعلية الامر وفاعليته هو جواز الاتيان بالمأمور به ثانيا ما دام بقاء الماتى به الأول على صلاحيته للوفاء بغرض المولى ووجوب الاتيان به في فرض خروجه عن القابلية المسطورة كما في المثال من فرض إراقة الماء المأتى به لغرض الشرب قبل اختيار المولى إياه إذ حينئذ ربما يجب على العبد والمأمور مع علمه بذلك الاتيان بفرد آخر من الطبيعي المأمور به كما لا يخفى ، ونتيجة ذلك في فرض تعدد الاتيان بالمأمور به هو وقوع الامتثال بخصوص ما اختاره المولى منهما لا بهما معا وصيرورة الفرد الآخر غير المختار لغوا محضا لا انه يتحقق به الامتثال أيضا كي يكون قضية الاتيان بالمأمور به متعددا من باب الامتثال عقيب الامتثال ، فعلى ذلك فما وقع في كلماتهم من التعبير عن المأتى به ثانيا بكونه من الامتثال بعد الامتثال لا يخلو عن تسامح واضح كما هو واضح ، لأنه على كل تقدير لا يكاد يكون قضية الاتيان بثاني الوجود حقيقة من باب الامتثال بعد الامتثال.

ثم إن ما ذكرناه من التشقيق بين كون الاتيان بالمأمور به تارة علة لحصول الغرض وأخرى مقتضيا لذلك على معنى مدخلية اختيار المولى إياه في تحقق غرضه انما هو بحسب مقام الثبوت. واما بحسب مقام الاثبات فربما أمكن دعوى ظهور الأدلة في علية الاتيان بالمأمور به لحصول الغرض وسقوط الامر نظراً إلى تحقق الامتثال بمحض ايجاد المأمور به في الخارج ، وعليه فلا مجال للإتيان بالمأمور به ثانيا بعنوان إطاعة الامر الأول الا إذا قام دليل بالخصوص على جوازه ومشروعيته ، كما في باب إعادة من صلى فرادى جماعة حيث ورد الامر فيه بالخصوص على إعادة الصلاة جماعة معللا فيه بان الله يختار أحبهما فيستكشف منه حينئذ عدم كون مجرد الاتيان بالمأمور به علة لحصول الغرض بل وان لاختيار المولى أيضا دخلا في حصول غرضه ، كما نظيره في مثال الامر بالماء لأجل غرض رفع العطش ، اللهم الا ان يقال : بان الامر بإعادة من صلى منفردا جماعة انما هو لأجل تحصيل المصلحة القائمة بخصوصية الجماعة حيث إنه لما كان لايمكن استيفاء تلك المصلحة الا بإعادة الصلاة امر جديدا استحبابا بإعادة أصل الصلاة على الكيفية الخاصة ، وعليه فلا مجال لاستكشاف عدم علية مجرد الاتيان بالمأمور به لحصول الغرض الداعي على الامر به ومدخلية اختيار المولى أيضا في ذلك ، ولكن مثل هذا المعنى ينافيه قضية التعليل الوارد في الخبر ( بان الله سبحانه يختار أحبهما إليه ) فان مقتضي التعليل المزبور هو مدخلية اختيار المولى أيضا في حصول غرضه ومرامه ولازمه وقوع الامتثال بخصوص ما اختاره المولى وأحبه منهما وصيرورة الآخر لغوا محضا فتدبر.

وعلى ذلك أيضا يمكن ان يحمل عليه كلام الجبائي من مصيره إلى عدم الاجزاء ، وذلك بإرجاع كلامه إلى عدم الاجزاء بالمعنى الذي ذكرناه امكانا ، نظراً إلى احتمال عدم كون المأتى به علة تامة لحصول الغرض وسقوط الامر بشهادة التعليل الوارد في الامر بإعادة من صلى فرادى جماعة ، وعلى كل فهذا كله فيما يتعلق بالمقام الأول.

وأما المقام الثاني فيقع البحث فيه في اجزاء المأتى به الاضطراري عن المأمور به الواقعي الاختياري ، على معنى عدم وجوب الإعادة بعد طرو الاختيار في الوقت وعدم وجوب القضاء في خارج الوقت ، في قبال عدم اجزائه ولزوم الاتيان بالمأمور به الاختياري بعد طرو الاختيار إعادة في الوقت وقضاء في خارجه ، فنقول : 

 ان الكلام في هذا المقام تارة يكون بالنسبة إلى الإعادة في الوقت فيما لو طرء الاختيار قبل انقضاء الوقت وأخرى بالنسبة إلى القضاء في خارج الوقت.

اما الأول فتنقيح الكلام فيه يحتاج إلى بيان ما يمكن أن يقع عليه الفعل الاضطراري ثبوتا أولا ثم في تعيين ما وقع عليه اثباتا ، فنقول : اما الأول فالأمر فيه كما افاده في الكفاية : من أن الفعل الاضطراري تارة يكون وافيا بتمام مراتب المصلحة التي تكون في الفعل الاختياري وأخرى لا يكون كذلك بل يبقى مقدار من المصلحة والغرض ، وعلى الثاني فتارة يكون المقدار الباقي مما يمكن استيفائه وأخرى لا يمكن استيفائه مع استيفاء مرتبة منها بالفعل الاضطراري ، وعلى الأول من فرض قابلية المقدار الباقي للاستيفاء فتارة يكون مما يجب استيفائه باعتبار كونه لازم التحصيل في نفسه وأخرى لا يجب استيفائه بل يستحب. فهذه الشقوق المتصورة فيما يمكن ان يقع عليه الفعل الاضطراري.

وربما يختلف هذه الشقوق بحسب اللوازم من حيث الاجزاء وعدمه ، فان من لوازم الشق الأول الاجزاء وعدم وجوب الإعادة نظراً إلى سقوط الامر حينئذ بسقوط الغرض الداعي عليه ولو مع كون الاضطرار ناشئا عن سوء اختيار المكلف فان لازم وفائه بتمام الغرض والمصلحة هو قيام الغرض والجامع بين الفعل الاختياري والاضطراري كما في الواجب المخير غايته ان ظرف أحد الفردين هو ظرف عدم التمكن من الفرد الآخر ، ولازم ذلك هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة عقلا بملاحظة سقوط الامر بسقوط أصل الغرض والمصلحة : واما جواز البدار في هذا الفرض ولو مع القطع بطرو الاختيار بعد ساعة فيبنى على أن الاضطرار الموضوع لهذا الحكم هو مطلق الاضطرار أو هو الاضطرار الباقي إلى آخر الوقت فعلى الأول يجوز له البدار وبإتيانه للفعل الاضطراري يسقط الامر والتكليف ولا يجب عليه الاتيان بالفعل الاختياري بعد رفع الاضطرار وعلى الثاني لا يجوز له البدار لعدم الموضوع حينئذ للفعل الاضطراري.

كما أن من لوازم الشق الثالث أيضا الاجزاء وعدم وجوب الإعادة بلحاظ عدم التمكن حينئذ من استيفاء المقدار الباقي من المصلحة مع استيفاء مرتبة منها بالفعل الاضطراري ، نعم في هذا الفرض ربما يلزم عدم جواز البدار مع العلم بطرو الاختيار فيما بعد ، من جهة ما يلزمه حينئذ من تفويت مقدار من المصلحة الملزمة بلا وجه يقتضيه ، نعم  مع العلم ببقاء الاضطرار أو الاطمئنان بذلك يجوز له البدار بإتيان الفعل الاضطراري بل وكذلك أيضا مع الشك في ذلك للاستصحاب أي استصحاب اضطراره إلى آخر الوقت فإذا انكشف الخلاف وارتفع اضطراره قبل خروج الوقت يجزيه ما اتى به من الفعل الاضطراري ، لكن ذلك أيضا مبنى على أن يكون موضوع الحكم هو مطلق الاضطرار لا الاضطرار الباقي إلى آخر الوقت والا فلا مجال للاجزاء ، كما هو واضح.

واما الشق الثاني فمن لوازمه هو عدم الاجزاء وجواز البدار بلا كلام والوجه فيه واضح بعد ملاحظة بقاء مقدار من المصلحة الملزمة الممكنة الاستيفاء.

واما على الشق الرابع فمن لوازمه أيضا هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة كما في الشق الأول والثالث ، نعم يستحب حينئذ الإعادة تحصيلا لذلك المقدار الباقي من المصلحة غير الملزمة الممكنة الاستيفاء ، واما جواز البدار في هذا القسم وعدم جوازه فيبتنى على التفصيل : من أن الموضوع هو مطلق الاضطرار أو هو الاضطرار الباقي إلى آخر الوقت.

واما تنقيح هذه الجهة فيحتاج إلى المراجعة إلى كيفية السنة أدلة الاضطرار من عمومات نفى الحرج وأدلة الاضطرار وقاعدة الميسور ونحوها ، وفي مثله أمكن دعوى ان المستفاد من نحو تلك العمومات التي مصبها الاضطرار إلى الطبيعة هو خصوص الاضطرار الباقي إلى آخر الوقت نظراً إلى قضية ظهورها في الاضطرار إلى الطبيعة على الاطلاق ، إذ حينئذ لا يكاد تحقق الاضطرار إلى الطبيعة كك الا بعدم التمكن من شيء من الافراد التدريجية للمأمور به الاختياري ، وهذا لا يكون الا في صورة بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت والا ففي فرض طرأ عليه الاختيار قبل خروج الوقت بمقدار يمكنه الاتيان بالمأمور به الاختياري لا يكاد يصدق الاضطرار إلى الطبيعة على الاطلاق كما هو واضح. وعلى ذلك ربما يسقط النزاع المزبور في الاجزاء وعدمه بالنسبة إلى الإعادة كما لا يخفى.

نعم بالنسبة إلى مثل أدلة التيمم كقوله سبحانه : {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ....إلى قوله سبحانه : فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا.. } [المائدة: 6] ،  أمكن استفادة ان الموضوع هو مطلق الاضطرار لا الاضطرار إلى الطبيعة إلى آخر الوقت نظراً إلى دعوى ظهورها بقرينة صدر الآية وهو قوله : « إذا أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا » الخ في كفاية مجرد عدم القدرة على الطهارة المائية في أول الوقت وعند القيام إلى الصلاة في مشروعية الطهارة الترابية وجواز الدخول معها في الصلاة ، كما ربما يؤيد ذلك أيضا ملاحظة الصدر الأول في زمن النبي صلى الله عليه وآله من تفكيكهم بين الصلوات واتيان كل صلاة في وقت فضيلتها وعدم تأخيرها إلى ما بعد وقت فضلها ، حيث إنه يستفاد من ذلك حينئذ ان الاضطرار المسوغ للطهارة الترابية هو مطلق الاضطرار لا الاضطرار الباقي إلى آخر الوقت.

ومثل ذلك أيضا الأدلة الآمرة بالتقية بإيجاد العبادات على وفق مذهبهم بالحضور في جماعاتهم والصلاة معهم والوضوء على كيفية وضوئهم ، حيث إنه يستفاد من تلك الأدلة أيضا كفاية مجرد الابتلاء بهم ولو في جزء من الوقت في جواز الاتيان بالمأمور به تقية وعلى وفق مذهبهم من دون احتياج إلى بقاء الابتلاء بهم إلى آخر الوقت خصوصا بعد ملاحظة ما هو الغالب من عدم ابتلاء الانسان بهؤلاء الفسقة الفجرة ( خذلهم الله تعالى ) في تمام أوقات الصلوات من أول وقتها إلى آخره ، إذ حينئذ من الامر بإيجاد العبادة تقية يستفاد ان الاضطرار الموضوع لهذا الحكم هو مطلق الاضطرار. وعليه ففي مثله ربما كان كمال المجال البحث في اجزاء المأتى به الاضطراري عن الإعادة بالنسبة إلى المأمور به الاختياري.

وحينئذ فلابد في الاجزاء بالنسبة إلى الإعادة من لحاظ الموارد ودليل الاضطرار الجاري فيها بأنه من قبيل أدلة التيمم وأدلة التقية؟ أو من قبيل عمومات نفى الحرج وعمومات الاضطرار من نحو حديث الرفع وغيره؟ ففي الأول يكون المجال للبحث عن اجزاء المأتي به الاضطراري عن الإعادة في الوقت ، بخلافه في الثاني فإنه عليه لا مجال للبحث عن اجزاء الفعل الاضطراري الا بالنسبة إلى القضاء في خارج الوقت كما هو واضح.

وعلى كل حال فهذا كله فيما يمكن ان يقع عليه الفعل الاضطراري ثبوتا : من الوفاء بتمام مصلحة الفعل الاختياري ، أو الوفاء ببعضها مع كون البعض الباقي ممكن التحصيل في نفسه ولو بفعل آخر في الوقت أو في خارجه وذلك أيضا بنحو اللزوم أو الاستحباب ، أو غير ممكن التحصيل.

واما تعيين ما وقع عليه الفعل الاضطراري من الوجوه المزبورة فيحتاج إلى المراجعة  إلى أدلة الاضطرار وملاحظة كيفية ألسنتها.

وقبل الخوض في هذه الجهة ينبغي بيان ما يقتضيه الأصل في المسألة عند الشك في وفاء الفعل الاضطراري بتمام مصلحة الفعل الاختياري وعدم وفائه بتمامه وعند الشك في مفوتية المأتى به الاضطراري لمصلحة الفعل الاختياري وعدم مفوتيته في فرض احراز عدم وفائه الا ببعض مراتب مصلحة الفعل الاختياري فنقول :

اما لو كان الشك من الجهة الثانية فلا ينبغي الاشكال في أن المرجع فيه هو حكم العقل بعدم الاجزاء ووجوب الاحتياط كما هو الشأن في جميع الموارد الراجعة إلى الشك في القدرة على الامتثال وتحصيل الغرض ، حيث إنه بالفرض قد علم ببقاء مقدار من المصلحة الملزمة من جهة عدم وفاء الفعل الاضطراري بتمام مراتب مصلحة الفعل الاختياري ، وانما الشك في القدرة على استيفاء تلك المرتبة من المصلحة باعتبار الشك في مفوتية المأتى به الاضطراري لتلك المرتبة الباقية ولو من جهة مضادته معها وفي مثله يكون المرجع هو الاحتياط عقلا لا غير ، كما هو واضح.

واما لو كان الشك من الجهة الأولى بان كان الشك في وفاء المأتى به الاضطراري بتمام مصلحة الفعل الاختياري أو عدم وفائه الا ببعض مراتب مصلحته ، فالمرجع فيه أيضا هو الاحتياط ، لاندراجه حينئذ في باب التعيين والتخيير باعتبار رجوع الشك حينئذ إلى قيام تلك المرتبة من المصلحة المحتملة للبقاء بخصوص الفعل الاختياري أو بالجامع بين الفعل الاختياري والاضطراري ، كي يكون لازمه عدم وفاء الفعل الاضطراري بتمام مصلحة الفعل الاختياري على الأول ووفائه به على الثاني ، فيندرج حينئذ في تلك المسألة ويكون من صغريات ذلك الباب وفي مثله لابد من الاحتياط بناء على ما هو التحقيق في تلك المسألة من مرجعية الاحتياط فيها دون البراءة.

نعم لو اغمض عن ذلك لابد من البراءة في مثل هذا الفرض ولا ينتهى المجال إلى اثبات عدم الاجزاء ووجوب الإعادة ببعض الاستصحابات كاستصحاب بقاء المصلحة واستصحاب بقاء التكليف بالفعل الاختياري واستصحاب عدم مسقطية المأتي به الاضطراري للتكليف بالفعل الاختياري ونحوها ، إذ نقول :

اما الأول وهو أصالة بقاء المصلحة فلما فيه من عدم اقتضائه لا ثبات التكليف بالفعل الاختياري بعد ارتفاع الاضطرار الا على المثبت باعتبار عدم كون ترتب الوجوب والتكليف على بقاء المصلحة الا عقليا محضا لا شرعيا من جهة انه من لوازم بقاء المصلحة والغرض على حاله وحينئذ فالاستصحاب المزبور لا يكاد يجدي شيئا حيث لا يكون المستصحب بنفسه اثرا شرعيا بل ولا موضوعا أيضا لأثر شرعي ، واما نفس هذا الوجوب فهو وان كان اثرا شرعيا الا ان لا يكون ترتبه على بقاء المصلحة شرعيا كما هو واضح.

واما أصالة بقاء الاشتغال بالتكليف الاختياري فهو أيضا غير جارية من جهة القطع بانتقاض الحالة السابقة حال طرو الاضطرار والقطع بارتفاع التكليف الاختياري عند الاضطرار ، وحينئذ فبعد ارتفاع الاضطرار كان الشك في أصل التكليف بالفعل الاختياري.

ومن ذلك البيان ظهر أيضا حال أصالة عدم مسقطية الفعل الاضطراري إذ ذلك أيضا مما لا مجال لتوهمه بعد فرض القطع بارتفاع التكليف الاختياري حال الاضطرار ، ومن ذلك البيان ظهر فساد مقايسة المقام بباب الماليات فيما يثبت اشتغال الذمة بعين مخصوص ولم يتمكن من أدائها فدفع ما هو بدل عنها ثم تمكن من أداء تلك العين حيث تجري فيها أصالة عدم المسقطية ويحكم بوجوب أداء تلك العين ، إذ نقول : بان جريان أصالة عدم المسقطية في المثال انما هو باعتبار ثبوت الاشتغال بالمبدل حين أداء البدل وهذا المعنى لا يتحقق في مثل المقام المفروض ارتفاع التكليف الاختياري حال طرو الاضطرار فتدبر.

واما الاستصحاب التعليقي وهو أصالة وجوب الفعل الاختياري على فرض طرو الاختيار بتقريب : انه قبل الاتيان بالصلاة مع الطهارة الترابية مثلا يقطع بأنه لو طرأ الاختيار لوجب عليه الاتيان بالصلاة مع الطهارة المائية وبعد الاتيان بها مع الطهارة الترابية يشك في ذلك والأصل يقتضي بقائه ، وحينئذ فبعد زوال الاضطرار يحكم بمقتضى الاستصحاب المزبور بوجوب الإعادة ففيه أيضا ما لا يخفى ، إذ نقول : بأنه من المعلوم اجمالا حينئذ عدم جريان هذا الاستصحاب اما من جهة عدم الموضوع له واما لعدم كون البقاء مستندا إلى حيث الاختيار ، فإنه على تقدير وفاء الفعل الاضطراري بتمام مصلحة الفعل الاختياري يقطع بسقوط الوجوب والتكليف فلا موضوع حينئذ للاستصحاب المزبور ، وعلى تقدير عدم وفائه بتمام مصلحته لايكون الوجوب المزبور بقائه مستندا إلى حيث الاختيار بل وانما هو مستند إلى ذاته باعتبار اقتضاء تلك المرتبة من المصلحة الملزمة الباقية ، وفي مثله حيثما شك في بقائه من جهة الشك في وفاء الفعل الاضطراري بتمام المصلحة أو ببعضها لا مجال لا ثبات الوجوب بمقتضي الاستصحاب المزبور.

وحينئذ فلو اغمض عما ذكرناه من اندراج المسألة عند الشك في صغريات مسألة التعيين والتخيير الجاري فيها الاحتياط لا محيص في المسألة الا من البراءة باعتبار رجوع الشك حينئذ بعد الاتيان بالفعل الاضطراري في أصل فوت مصلحة الفعل الاختياري وفي أصل التكليف به ، وحينئذ فكان العمدة في تقريب عدم الاجزاء بمقتضي الأصول عند الشك هو ما ذكرنا من الاندراج في مسألة التعيين والتخيير بالتقريب الذي قربناه فتدبر.

هذا كله بالنسبة إلى الإعادة في الوقت ولقد عرفت بان مقتضي الأصل في ذلك عند الشك في كلا الفرضين هو عدم الاجزاء ووجوب الإعادة.

واما بالنسبة إلى القضاء في خارج الوقت في فرض بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت فان كان الشك في أصل وفاء الفعل الاضطراري بتمام مصلحة الفعل الاختياري وعدم وفائه الا ببعض مراتب مصلحته فمقتضى الأصل فيه أيضا كما تقدم بالنسبة إلى الإعادة من جهة رجوع الشك حينئذ أيضا إلى قيام تلك المرتبة من المصلحة الملزمة المشكوك وفاء الفعل الاضطراري بها بالجامع بين الفعل الاختياري والاضطراري في الوقت أو بخصوص الفرد الاختياري ولو في خارج الوقت فيندرج في مسألة التعيين والتخيير والمختار فيها هو الاحتياط ، كما عرفت.

واما ان كان الشك في قابلية المقدار الباقي من المصلحة للاستيفاء في خارج الوقت مع القطع بعدم وفاء الفعل الاضطراري الا ببعض مراتب مصلحة الفعل الاختياري ، فان احتمل ان يكون تلك المرتبة من المصلحة الباقية لخصوصية وقوع الفرد الاختياري في الوقت ولو لخصوصية في نفس الوقت تقتضيه ، فلا اشكال في أن مقتضي الأصل حينئذ هو البراءة عن القضاء باعتبار رجوع الشك حينئذ في أصل وجود المصلحة في خارج الوقت كي يترتب عليه وجوب التدارك بالقضاء ، من غير فرق في ذلك بين القول : بان القضاء بالأمر الأول وانه من باب تعدد المطلوب ، أو القول : بكونه بأمر جديد اما بمناط الجبران أو بمناط آخر غير ذلك أو بمناط اقتضاء فوت المصلحة في الوقت لحدوث مصلحة ملزمة في خارج الوقت أو غير ذلك ، واما ان لم يحتمل ذلك بل أحرز ولو من جهة قضية الاطلاق ان تلك المرتبة من المصلحة غير المستوفاة مترتبة على الجامع بين الفعل الاختياري في الوقت وخارجه بحيث كان الشك ممحضا في القدرة على استيفائها من جهة الشك في مفوتية الفعل الاضطراري لها ، ففي هذا الفرض لابد من الاحتياط بمناط قاعدة الشك في القدرة من دون فرق أيضا بين القول بتبعية القضاء للأداء أو القول بكونه بأمر جديد.

ثم إن ذلك أيضا مع قطع النظر عن أدلة القضاء بان يمنع شمولها لصورة فوت بعض المصلحة في الوقت اما لانصرافها إلى صورة فوت التمام من رأس كما لعله هو التحقيق أيضا أو لا أقل من كون فرض فوت التمام هو القدر المتيقن منها في مقام التخاطب والا فمع فرض اطلاق تلك الأدلة حتى لصورة فوت بعض المصلحة أيضا فلا ينتهي الامر إلى تلك الأصول من جهة وجود دليل اجتهادي حينئذ على عدم الاجزاء ووجوب القضاء بمحض فوت المصلحة في الوقت ولو ببعض مراتبها. واما توهم عدم تكفل أدلة القضاء لا ثبات قابلية المحل للوجود فمع الشك في القابلية المزبورة حينئذ لا مجال للتمسك بأدلة القضاء لا ثبات الوجوب الفعلي ، فمدفوع بان شأن أدلة القضاء دائما انما هو رفع الشك عن هذه الجهة واثبات قابلية المحل للوجود ففي كل مورد امر فيه بالقضاء لا محالة من نفس الامر به يستكشف قابلية المحل للتحقق كما هو واضح. وحينئذ فالعمدة في الاشكال عليها انما هو الاشكال عليها من الجهة الأولى : من منع اطلاقها لصورة فوت بعض المصلحة وانصرافها إلى صورة فوت التمام أو مانعية ذلك عن الاخذ بإطلاقها باعتبار كون فرض فوت التمام هو القدر المتيقن منها في مقام التخاطب ، وعليه فينتهى الامر عند الشك إلى الأصول العلمية العقلية ولقد عرفت بان مقتضاها عند القطع بفوت بعض المصلحة والشك في القدرة على استيفائه هو البراءة في فرض والاحتياط في فرض آخر فتدبر. وكيف كان فهذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الفعل الاضطراري ثبوتا من الوفاء بتمام الغرض أو بعضه وكون البعض الباقي ممكن الاستيفاء أو غير ممكن الاستيفاء.

وأما تعيين ما وقع عليه الفعل الاضطراري إثباتا فيحتاج استفادته إلى ملاحظة كيفية الأدلة المتكلفة للفعل الاضطراري ، من نحو قوله : التراب أحد الطهورين يكفيك عشر سنين ، وقوله  (عليه السلام) : رب الصعيد رب الماء. ونحو أوامر التقية المتكلفة لا ثبات

 

الاتيان بالمأمور به على وفق مذهبهم تقية ، ونحو قاعدة الميسور ، وعمومات أدلة الحرج والاضطرار من نحو قوله سبحانه : ما جعل الله عليكم في الدين من حرج ، وقوله (صلى الله عليه وآله ) : كل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله ، وحديث الرفع من قوله (صلى الله عليه وآله ) ( وما اضطروا إليه ) ونحو ذلك من الأدلة والعمومات فنقول :

أما الأدلة الواردة في التيمم عند عدم التمكن من استعمال الماء في الوضوء والغسل ، من نحو قوله (صلى الله عليه وآله ) : التراب أحد الطهورين فلا شبهة في ظهوره في نفسه في قيام المصلحة بالجامع بين الطهارة المائية والترابية نظراً إلى ظهوره في فردية التيمم حقيقة أو جعلا وتنزيلا لما هو الطهور المأمور به في مثل قوله : لا صلاة الا بطهور فان لازم فرديته للطهور حينئذ هو وفائه بجميع ما يفي به الطهارة المائية من المصلحة ، ولازمه هو الاجزاء عقلا وعدم وجوب الإعادة في الوقت ولا القضاء في خارج الوقت ، كما أن لازمه أيضا هو جواز البدار وجواز تفويت الفرد الاختياري بإراقة الماء عمدا ولو بعد دخول الوقت وجعل نفسه غير واجد للماء كما نظيره في مثل الحاضر والمسافر.

نعم ربما يعارض هذا الظهور ظهور قوله سبحانه : « إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم » الخ فان ظاهره هو كون الطهارة المائية بخصوصيتها دخيلا في المطلوب لا بما انها مصداق لجامع الطهور وان ما هو الشرط هو الجامع بين الطهارة المائية والطهارة الترابية كي يكون الامر بالخصوصية في حال وجدان الماء ارشادا إلى حصر مصداق الجامع في هذا الحال بهذا المصداق ، ضرورة ان ذلك كله خلاف ما يقتضيه ظاهر الامر بالخصوصية ، وحينئذ فإذا كان كذلك يلزمه لا محالة أيضا قيام المصلحة بالخصوصية لا بالجامع بين الفردين ، وإلا فيستحيل تعلق الإرادة والطلب بالخصوصية مع فرض قيام المصلحة بالجامع.

 وعلى هذا فيتحقق التنافي بين هذا الظهور وبين ظهور مثل قوله (صلى الله عليه وآله ) : التراب أحد الطهورين ، بناء على ما قربناه من ظهوره ولو بالإطلاق في فردية التيمم لما هو الطهور المأمور به في الصلاة ووفائه بجميع ما يفي به الطهارة المائية من المصلحة ، وفي مثله لابد من تقديم ظهور قوله سبحانه من الامر بالغسل على ظهور دليل التيمم لمكان أقوائية ظهوره من ظهوره لكونه ظهورا وضعيا وهذا ظهور اطلاقي ناش من مقدمات الحكمة ، وحينئذ فيرفع اليد عن حجية ظهور دليل التيمم في حيث وفائه بتمام المصلحة بدليل الامر بالغسل ، لا عن أصل ظهوره كما قد يتوهم بان الظهور الاطلاقي منوط ومتعلق بعدم ورود البيان على خلافه والظهور الوضعي صالح للبيانية وللقرينية عليه وبمجرد تحقق الظهور الوضعي يرتفع أصل ظهوره الاطلاقي ، إذ قد مر منا مكررا بطلان هذا التوهم بتقريب : ان عدم البيان الذي هو من جملة مقدمات الاطلاق انما هو عدم البيان متصلا بالكلام الذي يقع به التخاطب لا عدم البيان على الاطلاق ولو إلى آخر الدهر ، وحينئذ فإذا لم يقم المتكلم في كلامه الذي أوقع به التخاطب قرينة متصلة به كما في المقام فلا جرم يستقر الظهور الاطلاقي لكلامه ومع استقرار هذا الظهور يتحقق التنافي والتعارض لا محالة بينه وبين ما ينافيه في كلام آخر منفصل عنه ومعه لابد في تقديم أحدهما على الآخر من لحاظ أقوائية أحد الظهورين على الآخر ونتيجة ذلك هو الاخذ بما هو الأقوى منهما في مقام الحجية ورفع اليد عن حجية ظهور الآخر لا عن أصل ظهوره كما في المقام ـ حسب ما قررناه من لزوم رفع اليد عن حجية ظهور قوله : ( التراب أحد الطهورين ) في قيام المصلحة بالجامع ووفاء التيمم بجميع ما يفي به الطهارة المائية من المصلحة.

ثم إن هذا كله بالنسبة إلى حيث ظهور دليل التيمم بمدلوله المطابقي في قيام المصلحة بالجامع ، واما بالنسبة إلى حيث ظهوره بمدلوله الالتزامي في الاجزاء وعدم وجوب الإعادة والقضاء بعد ارتفاع الاضطرار والتمكن من استعمال الماء فيؤخذ بظهوره ذلك نظراً إلى عدم ظهور لدليل وجوب الوضوء على خلاف ظهوره يقتضي عدم الاجزاء ووجوب الإعادة ، وذلك من جهة سكوته من جهة قابلية المقدار الباقي من المصلحة للاستيفاء وعدمه ، وحينئذ فيكون ظهور دليل التيمم في الاجزاء ونفى الإعادة بمدلوله الالتزامي على حاله سليما من المعارض فيجب الاخذ حينئذ بظهوره ذلك ونتيجة ذلك حينئذ بعد هذا الجمع هو الحكم بالاجزاء وعدم وجوب الإعادة والقضاء ولكن بمناط المفوتية للمصلحة القائمة بالخصوصية ، لا بمناط الوفاء بجميع ما يفي به الطهارة المائية من المصلحة.

ومن ذلك أيضا يترتب عليه حرمة التفويت بمقتضي قضية الامر بالخصوصية ، فلا يجوز عليه حينئذ إراقة الماء عند دخول الوقت وجعل نفسه غير واجد للماء بإراقته وان كان لو فعل ذلك يجزي ما أتى به من التيمم عن الطهارة المائية ولا يجب عليه إعادة الصلاة بعد ارتفاع الاضطرار ووجدان الماء ، كما يشهد عليه أيضا اجماعهم على عدم جواز اتلاف الماء واراقته بعد دخول الوقت. خصوصا في فرض استمرار الاضطرار إلى آخر الوقت ، إذ لولا ما ذكرنا : من قيام المصلحة بالخصوصية لا بالجامع ومفوتية المأتى به الاضطراري لمصلحة الخصوصية لما كان وجه لأجماعهم على عدم جواز التفويت كما هو واضح.

وأما توهم عدم امكان الجمع بين قيام المصلحة بالخصوصية وحرمة التفويت وبين الاجزاء بمناط الوفاء ببعض الغرض فلابد اما من القول بعدم الاجزاء رأسا بناء على فرض قيام المصلحة بالخصوصية أو القول بالاجزاء بمناط الوفاء بتمام الغرض ولازمه هو عدم حرمة التفويت أيضا فالجمع بين الامرين مما لا وجه له ، فمدفوع بأنه كذلك إذا كانت المصلحة المزبورة مرتبة واحدة تدور أمرها بين قيامها بالجامع أو الخصوصية وليس كذلك بل نقول : بأن لها مراتب مرتبة منها كانت قائمة بالجامع بين الفعل الاختياري والاضطراري ومرتبة أخرى ملزمة منها كانت قائمة بالخصوصية ، وحينئذ فبإتيان الفعل الاضطراري تتحقق تلك المرتبة من المصلحة القائمة بالجامع وتبقى تلك المرتبة الأخرى القائمة بالخصوصية فحيث انها بعد استيفاء المرتبة القائمة بالجامع غير قابلة للتحصيل يحكم بالاجزاء مع حرمة التفويت فتدبر.

ومن ذلك البيان ظهر أيضا حال الأدلة المتكلفة للتقية مما كان مصبها الوضع مثل الأدلة الدالة على اتيان العبادة على وفق مذهبهم كالصلاة مع التكتف والافطار حين غروب الشمس لا ما كان منها مصبها التكليف خاصة كالإفطار في سلخ شهر رمضان المبارك ، إذ نقول فيها أيضا : بأن المستفاد من أدلتها بقرينة ما في بعض تلك الأخبار من امر الإمام (عليه السلام) بإتيان الصلاة أولا في الدار ثم الحضور في جماعتهم انما هو اجزاء الفعل الاضطراري تقية عن الفعل الاختياري بنحو لا يجب مع اتيانه الإعادة في الوقت فضلا عن القضاء في خارجه ، لكن الاجزاء المزبور لا بمناط الوفاء بجميع ما يفي به الفعل الاختياري من المصلحة بل بمناط الوفاء ببعض مراتب المصلحة ومفوتيته للمراتب الاخر.

وعمدة النكتة في استفادة هذين الامرين منها انما هي من جهة قضية الامر بإتيان الصلاة في الدار أولا والحضور بعد ذلك في جماعتهم ، وذلك لما فيه من الدلالة ولو بالالتزام على نقصان الفرد الاضطراري بحسب الغرض والمصلحة عن الفرد الاختياري ، كدلالته أيضا على عدم امكان تحصيل المقدار الباقي من المصلحة بعد الاتيان بالفرد الاضطراري ، والا فمع فرض وفائه بجميع مراتب المصلحة المترتبة على الفعل الاختياري الذي لازمه قيامها بالجامع بينهما لا مجال للأمر بالإتيان بالصلاة أولا في الدار. كما أنه في فرض عدم اجزائه وعدم مفوتيته للمقدار من المصلحة الملزمة لا مجال أيضا للأمر بالإتيان بها أولا في الدار نظراً إلى تمكن المكلف حينئذ من اعادتها بعد ارتفاع التقية خصوصا بعد ملاحظة ما هو الغالب من عدم كون الابتلاء بالتقية في تمام الوقت فيكون نفس الامر بالإتيان بها في الدار كاشفا قطعيا عن أن الفرد المأتى به تقية غير واف بتمام ما في الفرد الاختياري من الغرض والمصلحة وانه يبقى بعد مرتبة منها ملزمة في نفسها غير قابلة للاستيفاء بعد استيفائها ببعض مراتبها بالفرد الاضطراري ، من غير فرق في هذه الجهة بين القول ببدلية الفعل الاضطراري أو فرديته للطبيعة ، إذ على الفردية أيضا يمكن القول بالاجزاء بمناط المفوتية من جهة كون الطبيعي من التشكيكيات وكون الفرد الاضطراري مرتبة ضعيفة منها والفرد الاختياري مرتبة شديدة منها ، كما في مثل النور والبياض والحمرة ونحوها ، فمن هذه الجهة كان التكليف أولا متعلقا بمرتبة شديدة من الطبيعة وهو الفرد الاختياري ثم بعد تعذر ذلك كان التكليف متعلقا بالمرتبة الضعيفة منها التي هي الفرد الاضطراري لما فيه أيضا من الوفاء ببعض مراتب الغرض والمصلحة. ومن ذلك أيضا نقول : بأنه لا مجال لاستفادة الاجزاء بمجرد احراز فردية الفعل الاضطراري للطبيعة المأمور بها الا بإحراز أحد الامرين : اما احراز قيام تمام المصلحة الملزمة بما لها من المراتب بالجامع بينهما كي يلزمه وفائه بتمام المصلحة الملزمة ، أو احراز مفوتية الفعل الاضطراري للمقدار الباقي من المصلحة الملزمة القائمة بالخصوصية ، كما استفدناها من قضية الجمع بين الامر بالخصوصية والامر بالفعل الاضطراري في باب التيمم وباب التقية.

هذا كله بالنسبة إلى أدلة التقية ولقد عرفت ان المستفاد منها جمعا بينها وبين الأدلة المثبتة للتكليف بالخصوصية هو الاجزاء مطلقا حتى بالنسبة إلى الإعادة فضلا عن القضاء لكن لا بمناط الوفاء بتمام الغرض والمصلحة بل بمناط الوفاء ببعض مراتبها مع مفوتيته لبعض المراتب الباقية.

واما مثل قاعدة الميسور وعمومات الاضطرار كحديث الرفع وقوله : كل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله ، فمحل الكلام في البحث عن الاجزاء وعدمه فيها كما عرفت يختص بالاجزاء بالنسبة إلى خصوص القضاء دون الإعادة ، من جهة ما تقدم من ان المستفاد منها هو كون مصبها مورد الاضطرار إلى الطبيعة على الاطلاق ، إذ عليه لا يكاد يتحقق موضوع لهذا البحث بالنسبة إلى الإعادة باعتبار اقتضاء الاضطرار إلى الطبيعة بقول مطلق للاضطرار إليها في تمام الوقت ، وعلى ذلك نقول :

اما مثل قاعدة الميسور فلا شبهة في أن فيها اقتضاء عدم وفاء المأتي به الاضطراري بتمام الغرض والمصلحة ، لوضوح ان الميسور من الشيء الذي هو نصفه أو ربعه لا يكون تمام الشيء حتى في مرحلة الوفاء بالمصلحة ، وحينئذ فباب احتمال الاجزاء عن القضاء فيها بمناط الوفاء بتمام الغرض والمصلحة مسدود قطعا ، وحينئذ فلو كان هناك إجزاء لابد وأن يكون بمناط المفوتية لمصلحة الخصوصية وفي مثله أمكن دعوى عدم استفادة الاجزاء من مثلها نظراً إلى عدم اقتضاء مجرد الامر بالميسور من الطبيعة في الوقت لعدم وجوب القضاء في خارج الوقت ولو من جهة عدم قابلية المقدار الفائت من المصلحة للاستيفاء. وحينئذ فإذا شك في قابليته للاستيفاء وعدم قابليته لذلك يرجع إلى الأصول على التفصيل المتقدم ، وذلك أيضا بعد الفراغ عن عدم شمول دليل القضاء لصورة فوت بعض المصلحة واختصاصه صرفا أو انصرافا بفرض فوت تمام المصلحة كما هو التحقيق أيضا ، والا فلا تنتهي النوبة إلى مقام الأصول بل يحكم بعدم الاجزاء ووجوب القضاء بنفس أدلة القضاء ، كما هو واضح. هذا إذا كان مصب القاعدة هو الطبيعة كما في الاضطرار الطاري قبل الاشتغال بالعمل.

واما لو كان مصبها هو الفرد كما في الاضطرار الطاري في حال الاشتغال بالعمل فيمكن استفادة الاجزاء من القاعدة المزبورة حتى بالنسبة إلى الإعادة بناء على جريانها حينئذ حتى مع القطع بطرو الاختيار فيما بعد بتقريب : ان قضية قاعدة الميسور حينئذ انما هو لزوم الاتيان بالميسور من هذا الفرد الذي اقتضى وجوب اتمامه دليل الامر بالطبيعة وقضية لزوم اتيانه بالميسور منه انما هو اتيانه بعنوان الفردية للطبيعة كما لو كم يطرء في البين اضطرار ، وقضية ذلك هو الاجزاء لا محالة وعدم وجوب الإعادة والقضاء. ولكن الأستاذ دام ظله لم يفرق بين الاضطرار الطاري قبل الاشتغال بالعمل وبين الاضطرار الطاري بعد الاشتغال بالعمل ، ولكن عمدة نظره إلى انكار متعلق الامر بالإتمام بالنسبة إلى مثل هذا الفرد الذي طرأ الاضطرار بترك بعض اجزائه وشرائطه ولو مع العلم بالتمكن من الاتيان بالطبيعة في ضمن فرد آخر. 

واما عمومات الاضطرار كحديث الرفع وقوله ( كل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله ) بناء على كونها جملة مستقلة كما ادعاه بعض الاعلام بان الموجود في بعض النسخ الصحيحة هكذا ( التقية في كل شيء وكل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله ) لا مربوطا بقضية الصدر كما في أكثر النسخ بأن ( التقية في كل شيء اضطر إليه ابن آدم ) الخ (1) إذ عليه لا يرتبط بمطلق الاضطرار بل تختص بالاضطرار في التقية الذي عرفت الحال فيه مفصلا ، فتطبيقها تارة يكون على نفس الجزء أو الشرط أو المانع المضطر إليه ، وأخرى على نفس المركب والمقيد باعتبار ان الاضطرار إلى الجزء أو الشرط يوجب الاضطرار إلى نفس المركب والمقيد ، فعلى الثاني لا اشكال في أنه لا مقتضى للاجزاء ، لان مفاد دليل الاضطرار بعد تطبيقه على المركب والمشروط انما هو جواز ترك المركب والمشروط تكليفا عند تعذر جزئه وشرطه وحينئذ فبعد طرو الاختيار يجب القضاء بلا كلام ، واما على الأول من فرض تطبيقه على نفس الجزء أو الشرط المتعذر فمقتضاه هو الاجزاء لا محالة من جهة اقتضاء تطبيقه حينئذ على الجزء أو الشرط المتعذر لرفع جزئية ما كان جزء وشرطية ما كان شرطا في حال الاختيار وقضية ذلك لا محالة كانت هو الاجزاء.

وهكذا الحال في عمومات الحرج من نحو قوله سبحانه ( ما جعل الله عليكم في الدين من حرج ) حيث إنه بتطبيقها على الجزء أو الشرط الحرجي يستفاد الاجزاء بلحاظ اقتضائها لتحديد دائرة الشرطية والجزئية والمانعية بغير صورة الحرج كما يشهد له أيضا ما في خبر عبد الاعلى مولى آل سام من تطبيقه  (عليه السلام) تلك القاعدة على شرطية المباشرة في المسح بقوله (عليه السلام) : ( يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل ، قال الله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح على المرارة ) ، حيث إنه (عليه السلام) اخذ بأصل المسح والقى قيد مباشرة البشرة بنفس تلك القاعدة فأمر بإيجاد المسح على المرارة هذا.

ولكن الأستاذ دام ظله منع عن تطبيق تلك العمومات على الجزء والشرط والمانع ببيان ان مفاد تلك العمومات انما كان أحكاما امتنانية ولابد في تطبيقها على مورد ان لا يلزم منها خلاف امتنان على المكلف من جهة أخرى فمن هذه الجهة لا مجال لتطبيقها على الجزء أو الشرط المتعذر باعتبار ما يلزمها حينئذ من اثبات التكليف بما عدا الجزء أو الشرط المتعذر وهو بنفسه خلاف الارفاق على المكلف لأنه لو لاها لكان المكلف في الراحة عن مشقة التكليف بالفاقد للجزء أو الشرط المتعذر نظراً إلى قضية انتفاء المركب والمقيد بانتفاء اجزائه وقيده فينحصر حينئذ تطبيقها على نفس المركب والمقيد كي لازمه سقوط التكليف بالمرة عن المكلف بالنسبة إلى الفاقد للجزء أو الشرط المتعذر.

 ثم انه لما كان يرد عليه اشكال تطبيق الإمام (عليه السلام) قاعدة نفى الحرج على الشرط المتعذر كما في رواية عبد الاعلى المتقدمة أجاب عنه بان قضية التطبيق على الشرط المتعذر في تلك الرواية انما هي باعتبار وقوع المكلف على كل تقدير في مشقة التكليف ، اما التكليف بالتيمم في فرض سقوط التكليف بالوضوء من جهة تعذر المسح على البشرة واما التكليف بالوضوء بإلغاء شرطية المباشرة على ما هو قضية التطبيق على شرطية مباشرة الماسح للبشرة فمن هذه الجهة لم يلزم من التطبيق على الشرط المتعذر خلاف امتنان على المكلف ، بخلافه في غير ذلك المقام مما كان المكلف في الراحة عن مشقة التكليف بالفاقد للجزء أو الشرط المتعذر فإنه في أمثال تلك المقامات لو طبق تلك العمومات على الجزء أو الشرط المتعذر يلزم منها اثبات التكليف بالفاقد فيلزم من تطبيقها خلاف الامتنان على المكلف هذا.

ولكن أقول : بأنه يتوجه عليه انه في غير ذلك المورد أيضا لا يخلوا المكلف عن مشقة التكليف : اما التكليف بالقضاء بناء على فرض تطبيقها على نفس المركب والمقيد واما التكليف بالفاقد للجزء أو الشرط المتعذر على فرض تطبيقها على الجزء أو الشرط المتعذر وحينئذ فإذا كان المكلف في كلفة التكليف على كل تقدير لا بأس بتطبيقها على الجزء أو الشرط المتعذر في سائر المقامات أيضا. ولئن قيل : بان ثبوت التكليف بالقضاء في خارج الوقت انما هو من لوازم عدم الاتيان بالمأمور به خارجا في الوقت لا من لوازم تطبيق دليل الحرج أو الاضطرار على المركب والمقيد ، نقول : بأنه يكفي لنا حينئذ في اثبات التكليف بالبقية كما في باب الصلاة ما دل على انها لا تترك بحال ، من دون احتياج إلى اثبات وجوب البقية بأدلة الحرج والاضطرار حتى يرد عليه اشكال خلاف الارفاق في فرض تطبيقها على الجزء والشرط المتعذر فتدبر. 

وكيف كان فقد تلخص من جميع ما ذكرنا في الفعل الاضطراري ان مقتضي القاعدة الأولية المستفادة من الأدلة المثبتة للاجزاء والشرائط هو عدم الاجزاء ووجوب الإعادة في الوقت بعد ارتفاع الاضطرار أو القضاء في خارج الوقت ، ولكن مقتضي القاعدة الثانوية المستفادة من أدلة الاضطرار في باب التقية وباب التيمم حسب الجمع بين أدلتها وبين الامر بخصوصية الفرد الاختياري هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة فضلا عن القضاء في خارج الوقت مع حرمة التفويت أيضا بالاختيار بلحاظ مفوتية المأتى به الاضطراري لمصلحة الخصوصية ، ولذلك قلنا بان الاجزاء فيها كان بمناط التفويت للمقدار الباقي من المصلحة لا بمناط الوفاء بتمام الغرض والمصلحة واما في مطلق الاضطرار في غير باب التقية والتيمم مما كان دليله قاعدة الميسور وعمومات الاضطرار والحرج فعدم الاجزاء بالنسبة إلى الإعادة قطعا لعدم الموضوع له في فرض طرو الاختيار في الوقت ، وعلى اشكال أيضا في الاجزاء بالنسبة إلى القضاء ينشأ مما عرفت من عدم استفادة المفوتية لمصلحة الخصوصية من العمومات المزبورة فلابد حينئذ من الرجوع إلى اما يقتضيه الأصل العملي ، ولقد تقدم ان مقتضي الأصل مع احتمال قيام المصلحة الباقية الفائتة بالفرد الاختياري الواقع في الوقت ولو لخصوصية في نفس الوقت موجبة لكون الفرد الاختياري الواقع فيه ذا مزية زائدة على الفرد الاضطراري الواقع فيه والفرد الاختياري الواقع في خارج الوقت هو البراءة عن وجوب القضاء في خارج الوقت ، لعدم احراز بقاء مصلحة ملزمة حينئذ في خارج الوقت كي يكون الشك في القدرة على استيفائها. واما مع احراز قيام المصلحة الفائتة بالجامع بين الفرد الاختياري في الوقت والفرد الاختياري في خارجه وتمحض الشك في القدرة على استيفائها فمقتضى الأصل هو الاحتياط لا غير فتدبر.

ثم انه من التأمل فيما ذكرنا ظهر لك الحال في الحكم بجواز بدار أولى الاعذار وعدم جوازه ، فإنه فيما كان موضوعه مطلق الاضطرار إلى الطبيعة كما في باب التقية بل وباب التيمم أيضا على ما استفدناه من الآية الشريفة كان الحكم فيه هو جواز البدار ولو مع القطع بزوال الاضطرار وطرو الاختيار عليه في الوقت فضلا عن فرض الشك في زوال اضطراره فيه ، وذلك انما هو من جهة اقتضاء قضية الامر بإتيان الفعل الاضطراري عند تحقق موضوعه الذي هو مطلق الاضطرار ، فإنه من ذلك ربما يستفاد الترخيص فيما يستتبعه الفعل الاضطراري من تفويت مصلحة الخصوصية ، ولا ينافي ذلك ما ذكرناه آنفا من حرمة التفويت ، لان ذلك انما هو بلحاظ قبل حال طرو الاضطرار لا بلحاظ حال طرو الاضطرار الذي هو مورد البحث في هذا المقام.

 فلا تنافي حينئذ بين حرمة اتلاف الماء مثلا في الوقت وادخال نفسه في موضوع (من لم يجد ) وبين جوازه بداره بإتيان الصلاة مع التيمم في فرض تحقق الاضطرار وان استلزم ذلك تفويت مقدار من المصلحة الملزمة من جهة امكان ابتلائها في هذا الحال بمصلحة أخرى أهم وهي مصلحة التسهيل مثلا.

 نعم لو لم يكن في البين حينئذ امر من الشارع بإتيان الفعل الاضطراري عند تحقق موضوعه أمكن لنا دعوى عدم الجواز بلحاظ مقدمية المأتى به الاضطراري لتفويت مصلحة الخصوصية بناءا على القول بها لكن لازمه أيضا هو عدم الاجزاء بلحاظ وقوعه حينئذ حراما ومنهيا عنه وإلا فبناء على القول بمنع المقدمية وكونه مجرد التلازم الخارجي كما هو التحقيق على ما يأتي بيانه في مبحث الضد إن شاء الله تعالى لا مقتضي لعدم الجواز أيضا فيجوز له البدار وان عصى بتفويته لمصلحة الخصوصية. هذا كله فيما إذا كان موضوع التكليف هو مطلق الاضطرار بالطبيعة.

وأما ما كان موضوعه هو الاضطرار إلى الطبيعة على الاطلاق كما استفدناه من نحو قاعدة الميسور وعمومات الحرج والاضطرار ففيها لا مقتضي لعدم جواز البدار إلا من جهة التشريع، من جهة وضوح عدم استلزام البدار بإتيان الفعل الاضطراري حينئذ لتفويت مصلحة الفعل الاختياري وحينئذ فلابد من ملاحظة شقوق المسألة ، فمع العلم بطرو الاختيار في الوقت لا يجوز له البدار بإتيان الفعل الاضطراري بعنوان الامر به من جهة كونه حينئذ تشريعا محرما. واما مع عدم العلم بطرو الاختيار في الوقت واحتمال بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت ، فان بنينا على كفاية احتمال الامر في صحة العبادة مع الامكان ، فلا اشكال في أن لازمه هو جواز بداره فيجوز له حينئذ البدار بإتيان الفعل الاضطراري بداعي احتمال الامر ، فإذا بقى اضطراره من باب الاتفاق إلى آخر الوقت يجزيه عن القضاء في خارج الوقت على التفصيل المتقدم وإذا لم يبق اضطراره إلى آخر الوقت يجب عليه الإعادة في الوقت ، من جهة كشف اختياره في الوقت عن عدم الامر بالفعل الاضطراري وعدم رجحانه حين الاتيان به. وأما ان بنينا على إعتبار الجزم بالأمر في صحة العبادة ومشروعية الدخول فيها ، فلازمه هو عدم جواز البدار ووجوب تأخيره إلى 

 

وقت يقطع قطعا عاديا بعدم زوال اضطراره. نعم لو انتهى الامر إلى هذه المرحلة أمكن دعوى جواز البدار بمقتضي أصالة بقاء الاضطرار ، حيث إنه علي يقين منه فعلا وقد شك في زواله في الآنات المتأخرة قبل خروج الوقت فيستصحب بقائه ويترتب على استصحابه جواز بداره كما في صورة القطع ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت. واما توهم عدم اليقين الفعلي بالاضطرار إلى الطبيعة على الاطلاق حتى بالنسبة إلى افرادها التدريجية ، فمدفوع بأنه حين تحقق الاضطرار كما يصدق الاضطرار إلى الطبيعة بالنسبة إلى فردها الفعلي كذلك يصدق الاضطرار أيضا في ذلك الآن بالنسبة إلى بقية افرادها التدريجية في الآنات المتأخرة من جهة وضوح عدم تمكنه فعلا من الاتيان بأفرادها التدريجية ، فيصدق حينئذ انه كان مضطرا إلى ترك الطبيعة بقول مطلق فعلا ، وحيث انه يشك في بقائه إلى آخر الوقت يستصحب بقائه ويترتب على استصحابه جواز بداره فعلا حتى مع الظن بزوال اضطراره فيما بعد بل ومع الاطمئنان به أيضا.

وحينئذ فعلى كل تقدير التفصيل في جواز بدار أولى الاعذار وعدم جوازه بين صورة رجاء زوال العذر في الوقت والظن ببقاء العذر إلى آخر الوقت أو الشك به مما لا يقتضيه القواعد ، بل فيما كان موضوعه مطلق الاضطرار كباب التقية بل التيمم على اشكال في الأخير يجوز البدار ولو مع القطع بزوال الاضطرار في الوقت فضلا عن الظن أو الشك في بقاء اضطراره إلى آخر الوقت. وفيما كان موضوعه الاضطرار إلى الطبيعة بقول مطلق لا يجوز البدار مع القطع بزوال العذر لمكان التشريع ، ومع عدم القطع بذلك يجوز البدار للاستصحاب المزبور ، فتدبر.

هذا كله في المقام الثاني.

واما المقام الثالث فمحل الكلام فيه في اجزاء الاتيان بالمأمور به الظاهري من الواقع عند كشف الخلاف إعادة وقضاء فنقول :

ان الكلام في هذا المقام يقع تارة في الامارات وأخرى في الأصول.

اما الأولى ( وهي الامارات ) ، فان بنينا فيها على الطريقية كما هو التحقيق فلا ينبغي الاشكال في عدم اقتضائها للاجزاء وانه يجب الإعادة في الوقت عند انكشاف الخلاف أو القضاء في خارج الوقت ، ووجه عدم الاجزاء فيها على هذا القول واضح ، لأنه لم يحدث حينئذ بسبب قيام الامارة مصلحة في المتعلق كي أمكن القول فيها بالاجزاء اما بمناط الوفاء بتمام المصلحة الواقعية أو بمناط المفوتية لها ، بل ولو كان هناك مصلحة فإنما هي في أصل الجعل والترخيص على خلاف الواقع وهي غير مرتبطة بالمتعلق كي يجيء فيه احتمال المفوتية أو الوفاء بالتمام. ولا مجال أيضا لتوهم كفاية المصلحة في الجعل عن المصلحة القائمة بالمتعلق ، والا يلزمه الاجزاء ولو مع عدم الاتيان المكلف بما هو مؤدى الامارة نظراً إلى تحقق الغرض الذي هو التسهيل على العباد وعدم وقوعهم في كلفة تحصيل الواقعيات بنفس جعل الامارة حجة ولو لم يأت المكلف بما هو مؤدى الامارة ، مع أن ذلك كما ترى لا يتوهمه ذو مسكة.

وحينئذ فإذا لم يحدث بسبب قيام الامارة مصلحة في المتعلق كما على الموضوعية ولايكون قضية الامر بسلوك الامارة في ظرف المخالفة الا أمرا صوريا منتجا للمعذورية عن تبعة مخالفة الواقع فلا جرم يلزمه عدم الاجزاء ووجوب الإعادة أو القضاء عند انكشاف الخلاف من غير فرق في ذلك بين ان يكون دليل حجية الامارة بلسان تنزيل المؤدى منزلة الواقع أو بلسان ايجاب العمل على طبق مؤدى الامارة أو بلسان تتميم الكشف والغاء احتمال الخلاف ، فان تلك الألسنة كما تجري على الموضوعية تجرى أيضا على الطريقية من جهة ان المناط في الموضوعية والطريقية انما هو كون الامر بالعمل على طبق المؤدى أمرا حقيقيا ناشئا عن مصلحة مستقلة في المتعلق في صورة المخالفة أو كونه أمرا صوريا في فرض المخالفة ، من دون اثمار لتلك الألسنة في الطريقية والموضوعية بوجه أصلا. نعم كون دليل الامارة بلسان تتميم الكشف أو بلسان تنزيل المؤدى انما يثمر في جهة أخرى أجنبية عن تلك الجهة وهي مقام تحكيم الامارة على الأصول وعدم تحكيمها ، لا بالنسبة إلى مقام الطريقية والموضوعية. فالمقصود من هذا البيان انما هو بيان عدم اثمار اختلاف تلك الألسنة في الطريقية والموضوعية كما توهم كي يقال : بأنه إذا كان بلسان تتميم الكشف لابد من القول بالطريقية وإذا كان بلسان تنزيل المؤدى لابد من الموضوعية ، فتدبر. وكيف كان فهذا كله على القول بالطريقية كما هو المختار ، ولقد عرفت بأنه على هذا المبنى لا محيص من عدم الاجزاء بمقتضي القواعد كان دليل الامارة بلسان تتميم الكشف أو بلسان تنزيل المؤدى أو بلسان آخر غير هذين.

واما على الموضوعية والسببية على معنى صيرورة المؤدى ذا مصلحة مستقلة بسبب قيام الامارة اقتضت تلك المصلحة ايجاب العمل على طبقه وان خالفت الواقع لا على معناها المستحيل الذي يوجب انقلاب الواقع عما عليه إلى التكليف بمؤدى الامارة كما يقوله القائل بالتصويب ففيها تفصيل من جهة اختلاف الحال حينئذ في الحكم بالاجزاء حسب اختلاف كيفية السنة دليل الامارة من كونه بلسان تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع تعبدا أو بلسان تنزيل المؤدى أو بلسان ثالث غير هذين ، فنقول :

أما إذا كان دليل الحجية بلسان تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع تعبدا فلازمه قهرا هو عدم الاجزاء ووجوب الإعادة أو القضاء عند انكشاف الخلاف ، ضرورة ان المصلحة الواقعية حينئذ على ما هي عليها وهي تقتضي لزوم تحصيلها بإتيان المأمور به إعادة في الوقت وقضاء في خارجه وحينئذ لا وجه لتوهم الاجزاء في مثل هذا الفرض الا من جهة دعوى المضادة بين المصلحتين وعدم التمكن من استيفاء المصلحة الواقعية مع استيفاء هذه المصلحة فلا بد في الحكم بالاجزاء حينئذ من اثبات هذه المضادة ، والا فمع عدم اثبات هذه الجهة لا محيص من وجوب الإعادة ولو من جهة الشك في القدرة ، كأمر تفصيله سابقا.

ومن ذلك يظهر الكلام أيضا فيما لو كان مفاد دليل الحجية مجرد ايجاب العمل على طبق المؤدى كما لو كان في لسان الدليل : انه إذا أخبر العادل بوجوب شيء أو حرمته يجب ذلك الشيء أو يحرم ، إذ نقول في هذا الفرض أيضا بعدم اقتضاء مثل هذا اللسان للاجزاء وعدم وجوب الإعادة الا بمناط المضادة والمفوتية فمع عدم احراز هذه الجهة لابد من الإعادة أو القضاء ولو بمناط الشك في القدرة.

وأما إذا كان بلسان تنزيل المؤدى منزلة الواقع فمقتضى القاعدة فيه أيضا هو عدم الاجزاء فيما لو كان بلسان التعبد بترتب آثار الواقع على المؤدى ، إذ حينئذ من حين كشف الخلاف يرتفع التعبد المزبور أيضا فيجب من حين كشف الخلاف ترتيب آثار الواقع التي منها وجوب الإعادة والقضاء : نعم في هذا الفرض لو كان بلسان اثبات التوسعة الحقيقية في الأثر الواقعي بما يعم الواقع والظاهر كما لو كان بلسان : أن ما هو الشرط في لباس المصلي مثلا أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية ، فمقتضى القاعدة فيه قهرا هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة بل على هذا الفرض لا مجال لكشف الخلاف نظراً إلى وقوع المأمور به حينئذ في ظرف ايقاعه واجدا لما هو شرطه حقيقة.

 وحينئذ فصار متحصل الكلام في الامارات هو عدم الاجزاء ووجوب الإعادة والقضاء على الطريقية مطلقا وعلى الموضوعية أيضا كذلك الا في صورة واحدة وهي صورة كون مفاد دليل الامارة بلسان تنزيل المؤدى مع اقتضائه أيضا لتوسعة الأثر الذي هو موضوع التكليف الواقعي حقيقة لا عناية وتعبدا. هذا كله على الطريقية والموضوعية بمعناها الممكن منه ، وأما على الموضوعية بمعناها المستحيل كما يدعيه القائل بالتصويب فالأجزاء فيها واضح نظراً إلى عدم تصور كشف الخلاف حينئذ.

واما الأصول العملية فهي على أنحاء حسب اختلاف ألسنتها من كونها تارة بلسان التنزيل كالاستصحاب وأخرى بلسان رفع المشكوك فيه كما في حديث الرفع ودليل الحجب ونحوهما وثالثة بلسان اثبات الصغرى لما هي الكبرى الكلية المستفادة من الأدلة الواقعية كما في قاعدتي الحلية والطهارة فلابد من افراز كل واحد منها بالبحث مستقلا في استفادة الاجزاء وعدمه فنقول:

اما الاستصحاب فإن بنينا على رجوع التنزيل فيه في لا تنقض اليقين إلى نفس اليقين ، على معنى اخذ اليقين فيه استقلالا لا مرآة إلى المتيقن كما هو التحقيق أيضا على ما حقق في محله فلا ينبغي الاشكال في عدم اقتضائه للاجزاء بل لا مجال لتوهمه من جهة ان قضية النهي عن نقض اليقين حينئذ ليست الا المعاملة مع اليقين الزائل معاملة الباقي في لزوم الحركة على طبقه من دون اقتضائه لمصلحة حينئذ في نفس العمل كي أمكن تصور الاجزاء فيه بأحد المناطين المزبورين سابقا وحينئذ فعند انكشاف الخلاف لما كانت المصلحة الواقعية على حالها بلا استيفاء تماما أو بعضا فلا جرم تقتضي وجوب الإعادة في الوقت أو القضاء في خارج الوقت وهو واضح.

واما ان بنينا على رجوع التنزيل فيه إلى المتيقن وان اليقين في دليله لو حظ مرآة إلى المتيقن لا استقلالا كما هو  الكفاية (قدس سره)فان قلنا : بان مفاد لا تنقض عبارة عن جعل مما ثل الأثر للمشكوك في ظرف الشك كما اختاره في الكفاية في مبحث الاستصحاب فلا اجزاء أيضا فإنه إذا كان الشرط في الصلاة مثلا بحسب ظواهر الأدلة هو الطهارة الواقعية الثابتة للشيء بعنوانه الأولى فلا جرم لا يكاد يفيد مثل هذه الطهارة الظاهرية الإستصحابية في الحكم بالإجزاء بل لا يكاد يجدي أيضا في أصل جواز الاتيان بالصلاة مع مثل هذه الطهارة الا إذا فرض ان ما هو الشرط في دليل الكبرى هو الأعم من الطهارة الواقعية والظاهرية الإستصحابية فيجوز له الدخول معها حينئذ في الصلاة ويجزى المأتى به معها أيضا عن الإعادة والقضاء باعتبار اتيانه حينئذ بما هو المأمور به واجدا لما هو شرطه وهو الطهارة.

واما ان قلنا : بأنه ليس مفاد لا تنقض عبارة عن جعل المماثل وانه ليس مفاده الا مجرد التعبد بالطهارة في ظرف الشك بمحض اليقين بالطهارة سابقا فحينئذ القول بالاجزاء وعدمه مبني على إفادة مثل هذا التنزيل لا ثبات التوسعة الحقيقية لدائرة الشرطية في كبرى الدليل بما يعم الطهارة الحقيقية الواقعية والطهارة التعبدية التنزيلية فبناء على استفادة هذه الجهة كما اختاره في الكفاية في مبحث الاجزاء لا جرم يلزمه الاجزاء قهرا وعدم وجوب الإعادة ، بل على هذا المسلك لا معنى لانكشاف الخلاف أيضا لأنه بعد استفادة التوسعة لدائرة الشرطية من دليل حرمة النقض يكون المأتى به مع الطهارة التعبدية الإستصحابية واجدا لما هو شرطه بحسب الواقع ومعه لا معنى لانكشاف الخلاف كما لا يخفى ، والا فبناء على عدم إفادة مثل هذا التنزيل الا مجرد التعبد بوجود ما هو الشرط الواقعي في المورد بلا نظر له إلى اثبات التوسعة الحقيقية في الأثر فلا مجال أيضا للاجزاء بوجه أصلا كما لا يخفى ، إذ حينئذ بعد انكشاف الخلاف تقتضي الشرطية والجزئية الواقعية لوجوب الإعادة أو القضاء.

وحينئذ فاستفادة الاجزاء في المأتى به بالأمر الاستصحابي الجاري في تنقيح ما هو موضوع التكليف بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره منوط بأحد الامرين : اما استفادة إفادة مثل هذا التنزيل للتوسعة الحقيقية في دائرة ما هو شرط المأمور به في كبرى الدليل بما يعم الطهارة الواقعية الحقيقية التعبدية التنزيلية ، واما استفادة إفادته لجعل مماثل الأثر حقيقة للمشكوك مع الالتزام أيضا بان ما هو الشرط في كبرى الدليل أعم من الواقع والظاهر ليكون دليل حرمة النقض من باب الورود دون الحكومة كما على الأول ، ولكن مسلك الكفاية في باب الاستصحاب حيث كان على استفادة جعل مماثل الأثر كان الحري عليه في المقام تقريب الاجزاء بمناط الأخير وهو الورود دون الحكومة.

ولكن الذي يسهل الخطب في المقام هو كون مثل هذا المسلك بل وسابقه خلاف التحقيق ، فان التحقيق على ما حققناه في محله هو رجوع التنزيل في حرمة النقض إلى نفس اليقين ملحوظا كونه استقلالا لا مرآة إلى المتيقن كما هو مسلك الكفاية ، ومن ذلك أيضا نلتزم بقيام الاستصحاب مقام الامارات والقطع الطريقي كما في باب الشهادة ، ونلتزم أيضا بتقديم مثل الاستصحاب على قاعدة الحلية والطهارة بمناط الحكومة دون الورود ودون التخصيص ، وعليه كما عرفت لابد من القول بعدم الاجزاء ووجوب الإعادة والقضاء عند انكشاف الخلاف. بل وعلى فرض تسليم اخذ اليقين في دليل حرمة النقض مرآة إلى المتيقن وعبور التنزيل من اليقين إليه نقول : بان غاية ما يقتضيه التنزيل المزبور حينئذ انما هو مجرد التعبد بوجود الأثر وتحققه عند الشك لا التوسعة الحقيقية لدائرة الأثر والشرطية الواقعية ولا اقتضاء جعل مماثل الأثر للمشكوك حقيقة كي يحتاج إلى التصرف في ظاهر دليل كبرى الأثر بجعله عبارة عن الأعم من الطهارة الواقعية والظاهرية حتى يترتب عليه الاجزاء وعدم وجوب الإعادة والقضاء بعد انكشاف الخلاف ، وعليه لا محيص من القول بعدم الاجزاء ، من جهة انه بانكشاف الخلاف وحصول العلم بالنجاسة يرتفع التعبد المزبور ومع ارتفاعه لابد بمقتضي شرطية الطهارة الواقعية والحلية الواقعية من الإعادة والقضاء الا إذا كان هناك دليل بالخصوص على عدم وجوب الإعادة والقضاء كما في الطهارة الخبثية.

كيف وان نفس الالتزام بجعل مماثل الأثر حقيقة أو التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر لا يخلو عن محذور شديد بلحاظ ما يترتب عليهما من التوالي الفاسدة : فإنه مما يترتب على الأول لزوم عدم جريان استصحاب الطهارة في ماء تالف فعلا قد غسل به ثوب نجس أو توضأ به سابقا باعتقاد الطهارة ، من جهة انه في ظرف الشك الذي هو ظرف جريان الاستصحاب لا وجود للماء المغسول به الثوب النجس حتى أمكن جعل الطهارة الحقيقية ولو ظاهرية له ، فلابد حينئذ اما من القول بجواز جعل الطهارة الحقيقية حينئذ للماء التالف أو الالتزام بعدم جريان الاستصحاب في مثل الفرض عند الشك في طهارة الماء التالف الذي غسل به الثوب النجس سابقا ، مع أنهما كما ترى ، فان الأول منهما مستحيل في نفسه والثاني منهما خلاف الاجماع فإنه جماع منهم يجرى استصحاب الطهارة بالنسبة إلى الماء التالف ويحكم بطهارة الثوب المغسول به وبصحة الوضوء السابق وصحة الصلاة المأتى بها مع ذلك الوضوء بلا كلام.

 ومما يترتب عليه بل وعلى الأخير أيضا من التوالي الفاسدة في نحو قوله : كل ثوب نجس غسل بماء طاهر يطهر ، فإنه بناء على أعمية الطهارة في الماء في كبرى الأثر من الطهارة الحقيقية الواقعية والطهارة الظاهرية الإستصحابية يلزمه الحكم بطهارة الثوب المغسول بالماء المستصحب الطهارة حتى بعد انكشاف الخلاف ، فيلزمه الحكم أيضا بطهارة ملاقيه وجواز الدخول معه في الصلاة بمحض انغساله سابقا بماء محكوم بالطهارة شرعا بمقتضي الاستصحاب ، لكونه مما صدق عليه انه ثوب نجس وقد غسل في زمان غسله بماء طاهر مع أنه كما ترى لا يكاد التزام أحد به.

فلا محيص حينئذ من اجل هذه المحاذير والتوالي الفاسدة من المصير إلى أن الطهارة المعتبرة في ناحية الماء في دليل كبرى الأثر عبارة عن خصوص الطهارة الواقعية ، وان ما هو مفاد دليل حرمة النقض في فرض رجوع التنزيل فيه إلى المتيقن عبارة عن مجرد التعبد بوجود الأثر وتحقق الطهارة في المورد الراجع إلى الامر بالمعاملة مع المشكوك معاملة الطهارة الواقعية ما دام الشك بلا نظر له إلى اثبات التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر ولا اقتضاء لجعل مماثل الأثر حقيقة للمشكوك ، وعليه فلا محيص من القول بعدم الاجزاء ووجوب الإعادة والقضاء عند انكشاف الخلاف ، كما هو واضح.

واما ما كان منها بلسان رفع المشكوك فيه كحديث الرفع والحجب فتوهم الاجزاء فيها انها هو من جهة خيال اقتضاء مثل هذا اللسان لرفع الجزئية والشرطية الواقعية واقتضائها بالملازمة لتحديد دائرة المأمور به بما عدا الجزء أو الشرط المشكوك الجزئية والشرطية ، ولكنه من الغفلة عن استحالة اقتضاء اللسان المزبور لرفع الجزئية الواقعية نظراً إلى أن العلة للرفع حينئذ انما كان هو الجهل والشك بالجزئية وهو من جهة تأخره الرتبي عن الجزئية الواقعية لا يكاد يقتضي رفع ما هو في الرتبة السابقة بوجه أصلا بل ما هو المرفوع حينئذ لا يكون الا ما هو نقيض هذا الرفع المتأخر عن الشك وهو لا يكون الا الوجود في تلك المرتبة المتأخرة عن الشك لا الوجود في الرتبة السابقة عن الشك وهو الجزئية الواقعية لأنه لا يكون نقيضا لهذا الرفع المتأخر ، فيستحيل حينئذ تعلق الرفع في المرتبة المتأخرة حقيقة بالوجود في المرتبة السابقة على الشك أعني الجزئية الواقعية. وحينئذ فبعد عدم اقتضاء اللسان المزبور لرفع الجزئية الواقعية حقيقة فلا بد وأن يكون الرفع رفعا تعبديا تنزيليا بلحاظ عدم وجوب الاحتياط في مقام العمل وعليه نقول : بأنه بعد انكشاف الخلاف لابد من الإعادة ، لاقتضاء الجزئية الواقعية حينئذ وجوب الإعادة والقضاء عند انكشاف الخلاف ، هذا.

 على أن مثل هذا اللسان باعتبار سوقه في مقام الامتنان لا يكاد يرفع الا ما يكون في وجوده ضيق على المكلف وهو لا يكون الا ايجاب الاحتياط لأنه هو الذي يكون المكلف في ضيق من جهته وهو الذي في رفعه امتنان على المكلف دون التكليف الواقعي أو الجزئية الواقعية ، لعدم كونهما بوجود هما الواقعي ضيقا على المكلف حال الجهل حتى يقتضى الامتنان رفعه ، كما هو واضح. ومعلوم حينئذ في مثله انه لا مجال لتوهم الاجزاء بعد انكشاف الخلاف كما لا يخفى ، هذا.

 ولكن الأستاذ - دام ظله- اقتصر في بحثه على الاشكال الأول ولم يتعرض لهذا الاشكال ولعله من جهة عدم جريان هذا الاشكال في مثل حديث الحجب لعدم كونه كحديث الرفع مسوقا في مقام الامتنان.

وكيف كان قد يورد عليه اشكال آخر في أصل اقتضاء اللسان المزبور لا ثبات التكليف بالبقية ، بتقريب : ان ثبوت التكليف بما عدا الجزء المشكوك الجزئية انما هو من لوازم عدم كونه جزء واقعيا ، وبعد عدم اقتضاء مثل هذا اللسان لرفع الجزئية الواقعية حقيقة لا مجال أيضا لا ثبات التكليف بالبقية بمحض جريان دليل الرفع واقتضائه لنفى الجزئية ظاهرا الا على القول بالمثبت، وذلك أيضا بعد الفراغ عن عدم اقتضاء أدلة نفس الاجزاء والشرائط المعلومة أيضا لإثبات وجوب الاتيان بها مطلقا حتى في فرض عدم انضمام بقية الاجزاء لعدم اطلاق لها يقتضى التكليف بها حتى في حال عدم انضمام بقية الاجزاء الاخر ، كما يكشف عنه عدم تمسكهم بأطلاق أدلة الاجزاء المعلومة لا ثبات التكليف بها في مبحث الأقل والأكثر ، هذا. ولكنه يمكن التفصي عن هذا الاشكال بان ثبوت التكليف بما عدا المشكوك الجزئية حينئذ وان كان مبنيا على المثبت ولكنه من جهة جلاء الواسطة فيه لا يضر به جهة المثبتية ، إذ هو حينئذ نظير الأبوة والبنوة من حيث فهم العرف من جهة شدة الملازمة بينهما عدم انفكاك تنزيل أحدهما عن تنزيل الآخر ، فتأمل.

واما قاعدة الحلية المستفادة من قوله  (عليه السلام) : كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام ) فيتصور فيها وجوه : فإنه تارة يكون المراد من تلك الحلية خصوص الحلية الاقتضائية الناشئة من مثل مصلحة التسهيل أو غيرها ، وأخرى يكون المراد ما يعمها والحلية اللا اقتضائية الناشئة من جهة عدم اقتضاء الحرمة فيه. فان كان الأول فلازمه عدم صحة تطبيقها على شرط المأمور به في كبرى الأثر من  نحو قوله : يجوز الصلاة فيما يحل اكله ، لان موضوع الأثر في هذا الدليل عبارة عن خصوص الحلية اللااقتضائية فمع الشك في كون الوبر من حلال الاكل بالحلية اللااقتضائية لا يفيد تلك القاعدة في تطبيق كبرى الأثر على المورد حتى يترتب عليه جواز الدخول في الصلاة كما هو واضح.

وان كان الثاني فتارة نقول بان القاعدة من الأصول التنزيلية المحرزة للواقع كما هو الشأن في قاعدة الطهارة أيضا وان مفادها عبارة عن اثبات الحلية الواقعية في المورد تعبدا وتنزيلا لا اثبات الحلية الحقيقية الظاهرية للشيء بعنوان كونه مجهول الحكم ، وأخرى نقول بأنها من القواعد المتكلفة لا ثبات الحلية الظاهرية للشيء حقيقة بعنوان كونه مجهول الحكم في طول الحلية الواقعية ، وعلى الأول فمفاد القاعدة تارة يكون هو التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر وهو الشرطية نظير الاستصحاب بناء على القول باقتضاء دليل حرمة النقض لجعل المماثل للأثر حقيقة ، وأخرى يكون مفادها مجرد التعبد بوجود الشرط والبناء على كون المشكوك حلالا واقعيا بلا اقتضائها للتوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر وهي الشرطية فضلا عن اقتضائها للتوسعة الحقيقية في دائرة نفس الشرط وهي الحلية. فهذه وجوه متصورة في تلك القاعدة.

وربما يختلف هذه الوجوه بعضها مع بعض بحسب اللوازم ، فإنه بناء على اقتضائها لجعل الحلية الظاهرية الحقيقية في المورد لا اشكال في أنه لا يكاد يثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد ، لان الأثر في كبرى الدليل في نحو قوله : يجوز الصلاة في ما يحل اكله ، انما هو مترتب على محلل الاكل الواقعي لا على ما يعمه والحلية الظاهرية ، وحينئذ فمع الشك في كون الوبر من محلل الاكل الواقعي لا يثمر في التطبيق مجرد كون المورد محللا ظاهريا ومعه لا يكاد يترتب عليه جواز الدخول في الصلاة حتى ينتهى الامر بعد ذلك إلى البحث عن الاجزاء وعدمه ، كما هو واضح. نعم إنما يثمر ذلك في مقام التطبيق فيما إذا استفيد من دليل كبرى الأثر تعميم الحلية بما يعم الواقع والظاهر ، إذ حينئذ بجريان القاعدة المزبورة يصير المورد من المصاديق الحقيقية لما هو شرط المأمور به ولازمه قهرا حينئذ هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة باعتبار وقوع العمل حينئذ واجدا حقيقة لما هو شرطه وعدم تصور انكشاف الخلاف معه.

ومن ذلك البيان يظهر انه كذلك الامر أيضا في فرض اقتضائها للتوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر وهو الشرطية ، إذ لازم هذا المعنى أيضا قهرا يكون هو الاجزاء. واما توهم امتناع الحكومة بهذا المعنى من التوسعة الحقيقية باعتبار عدم كون الدليل الحاكم حينئذ في رتبة المحكوم وامتناع ان يكون للحلية الواقعية سعة اطلاق يشمل المرتبة المتأخرة عن نفسها ، فمدفوع بان ذلك كذلك بالنسبة إلى نفس الشرط وهو الحلية الواقعية ، فإنه بعد امتناع سعة الدائرة فيها بنحو تشمل المرتبة المتأخرة عن الشك بها يستحيل اقتضاء القاعدة المزبورة للتوسعة الحقيقية فيها حتى بالنسبة إلى مرتبة الشك المتأخر عنها ، واما بالنسبة إلى اثرها الذي هو الإناطة والشرطية فلا وجه لدعوى استحالته بل هو امر ممكن في نفسه فإنه من الممكن جدا التوسعة الحقيقية في دائرة الشرطية على معنى قيامها بما يعم الحلية الواقعية الحقيقية والحلية التعبدية التنزيلية ، لأنها مما أمرها بيد الشارع والجاعل فكما ان للشارع جعل الإناطة لخصوص الحلية الواقعية كذلك له جعلها لما يعمها والحلية التعبدية التنزيلية.

وحينئذ فإذا عبدنا الشارع في مورد بأنه حلال الاكل واقعا وكان لسان دليل التعبد بلسان التوسعة الحقيقية لدائرة كبرى الأثر ، فلا جرم يلزمه جواز الدخول معه في الصلاة ، كما أن لازمه القهري هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة عند انكشاف الخلاف وتبين كونه من محرم الاكل. هذا بناء على اقتضاء القاعدة للتوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر.

واما بناء على عدم اقتضائها الا مجرد التعبد بالبناء على الحلية الواقعية فعليه وان كان يثمر أيضا في تطبيق كبرى الأثر على المورد فيجوز الدخول معه في الصلاة ولكن لا يلزمه حينئذ نفى وجوب الإعادة والاجزاء عند انكشاف الخلاف بل مقتضي دليل شرطية الحلية الواقعية انما هو عدم الاجزاء وجوب الإعادة والقضاء عند تبين الخلاف وانكشاف كونه غير حلال الاكل ، من جهة انه من حين انكشاف الخلاف يرتفع التعبد المزبور فيقتضي قضية الشرطية الواقعية من ذاك الحين وجوب الإعادة ، كما هو واضح. هذا كله حسب مقام التصور.

وأما بحسب مقامين التصديق فلا ينبغي الارتياب في أن المتعين من الوجوه المزبورة هو الوجه الأخير ، فان دعوى كون القاعدة مسوقة لا ثبات الحقيقية الظاهرية للشيء المشكوك الحكم بعيدة غايته لاستلزامه عدم جواز تطبيق كبرى الأثر على الموارد المشكوكة الا بالالتزام بترتب كبرى الأثر في الخطاب الواقعي في نحو قوله : يجوز الصلاة فيما يحل اكله ، على الأعم من الحلال الواقعي والظاهري ، وهو كما ترى خلاف ظاهر الخطاب ، من جهة وضوح ظهورها في خصوص الحلال الواقعي دون الأعم ، كما هو واضح. كما أن مثلها في البعد أيضا دعوى كونها مسوقة للتوسعة الحقيقية في دليل كبرى الأثر ، إذ نقول حينئذ : بأنه على ذلك وإن لم يلزم رفع اليد عن ظهور الأدلة المتكلفة لكبري الأثر ، ولكنه أيضا خلاف الظاهر جدا ، فان القدر الذي يقتضيه هذا اللسان في القاعدة من التنزيل المزبور انما هو مجرد التعبد بالبناء على وجود الشرط وتحققه وكون المشكوك حلالا واقعيا ، واما اقتضائه للتوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر فلا ، وعليه كما عرفت كان مقتضي القاعدة هو وجوب الإعادة وعدم الاجزاء ، من جهة اقتضاء دليل الشرطية الواقعية حينئذ بعد تبين الخلاف وارتفاع التعبد المزبور وجوب الإعادة. هذا كله في تطبيق دليل الحلية على شرط المأمور به.

واما تطبيقها على نفس ترك الجزء أو الشرط المشكوك الجزئية أو الشرطية فتقريبه انما هو باعتبار تأدية ترك المشكوك على تقدير اعتباره إلى ترك المركب ، حيث إنه حينئذ يشك في حرمة ترك المركب من جهة ترك المشكوك الجزئية والشرطية ، فيقال بمقتضي القاعدة بحليته ويستفاد منها بنحو الان أيضا كون المأمور به عبارة عن ما عدا الجزء المشكوك الجزئية فيترتب عليها جواز الاقتصار على ما عدا الجزء أو الشرط المشكوك الجزئية والشرطية ، هذا. ولكن فيه أيضا ان مجرد تكفل القاعدة لحلية ترك الكل والمركب من جهة ترك مشكوك الجزئية والشرطية ظاهرا لا يقتضي نفى الجزئية الواقعية حتى يترتب عليه تحديد المأمور به بالبقية ، وعلى فرض اقتضائها لذلك لا يكاد يترتب عليه تحديد دائرة الوجوب بما عدا المشكوك الجزئية، إذ تعلق الوجوب حينئذ بالبقية ليس من الآثار الشرعية لعدم جزئية المشكوك فيه بل هو من اللوازم العقلية لعدم مدخلية الجزء المشكوك في المركب ، فان من لازمه العقلي حينئذ محدودية دائرة الوجوب بحد أقل ، فحينئذ اثبات الوجوب للبقية بمقتضي القاعدة المزبورة لا يخلو عن مثبت واضح. هذا كله في قاعدة الحلية.

واما قاعدة الطهارة فيأتي فيها أيضا المحتملات المتصورة في قاعدة الحلية وتقريب الاجزاء فيها أيضا بأحد الامرين : اما بدعوى ترتب الأثر في كبرى الخطاب الواقعي على مطلق الطهارة أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية مع الالتزام بأن مفاد قاعدة الطهارة اثبات الطهارة الظاهرية الحقيقية ، أو بدعوى كون مفاد القاعدة مع كونها بلسان التنزيل لا بلسان جعل الطهارة الظاهرية هو اثبات التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر بما يعم الطهارة التعبدية التنزيلية أيضا مع الالتزام بظهور الأدلة في خصوص الطهارة الواقعية ، فإنه على هذين التقريبين لا محالة يلزمها الاجزاء وعدم وجوب الإعادة من جهة واجدية المأمور به حينئذ لما هو مصداق الشرط حقيقة ، والا فبناء على فرض اختصاص دليل كبرى الأثر بخصوص الطهارة الواقعية وعدم تكفل القاعدة أيضا أزيد من التعبد بثبوت الطهارة الواقعية في المورد والمعاملة مع المشكوك معاملة الطهارة الواقعية فلا مجال لتوهم الاجزاء فيها بوجه من الوجوه ، من جهة انه بانكشاف الخلاف يرتفع التعبد المزبور من حينه فبقى دليل اشتراط الطهارة الواقعية حينئذ على حاله فيقتضي وجوب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه.

ولقد عرفت ان التحقيق حينئذ من الوجوه المزبورة هو الوجه الأخير من كون القاعدة ممحضة لمحض اثبات الطهارة تعبدا وتنزيلا بلحاظ المعاملة مع المشكوك معاملة الواقع بلا اقتضائها لا ثبات التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر ولا لا ثبات جعل الطهارة الظاهرية للمشكوك كي يحتاج في صحة التطبيق على شرط المأمور به إلى التصرف في دليل كبرى الأثر بارتكاب خلاف الظاهر فيه ، وذلك لما عرفت آنفا من بعد هذين غاية البعد خصوصا مع استلزامهما لبعض التوالي الفاسدة التي لا يمكن الالتزام به من نحو لزوم القول بطهارة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة والنجاسة حتى بعد انكشاف الخلاف وتبين نجاسة الماء ، وذلك انما هو من جهة انغسال الثوب حينئذ بماء طاهر حقيقي بمقتضى القاعدة وعدم ورود نجاسة عليه بعد ذلك فكان انكشاف الخلاف على هذين المسلكين من قبيل ما لو ورد نجاسة على الماء بعد غسل الثوب به ، فكما ان ورود النجاسة على الماء لا يوجب نجاسة الثوب المغسول به في الزمان السابق كذلك انكشاف الخلاف ، فإذا كان الماء بمقتضى القاعدة محكوما بالطهارة الحقيقية وغسل به الثوب المزبور في حال محكوميته بالطهارة يلزمه لا محالة طهارة الثوب بمقتضي ما دل على : ان الثوب النجس إذا غسل بماء طاهر يطهر ، ولازمه عدم مؤثرية انكشاف الخلاف البعدي في زوال الحكم بالطهارة في طرف الثوب ، فيلزمه حينئذ جواز لبسه في الصلاة بعد ذلك على هذين المسلكين وكذا الكلام فيما لو توضأ من الماء المزبور في زمان محكوميته بالطهارة ، فإنه على المسلكين المزبورين يلزم القول بجواز الدخول في الصلاة مع ذلك الوضوء حتى بعد انكشاف نجاسة الماء ، وكذا نظائر ذلك ، مع أن ذلك كما ترى لا يمكن الالتزام به لاستلزامه تأسيس فقه جديد.

 وحينئذ كان مثل هذه التوالي الفاسدة مما يكشف بها كشفا قطعيا عن بطلان الوجهين الأولين ومعه يتعين الوجه الأخير ، فإنه على هذا المسلك لا يكاد يتوجه شيء من تلك المحاذير ، لان الماء المزبور على هذا المسلك انما كان محكوما بالطهارة تعبدا وتنزيلا ، وحينئذ فبانكشاف الخلاف يرتفع التعبد بالطهارة من حينه وبعد ارتفاعه يبقى دليل شرطية الطهارة الواقعية على حاله ، فيقتضي هذا الدليل بطلان الوضوء المزبور وعدم طهارة الثوب المزبور ، كما يقتضي أيضا وجوب إعادة الصلاة المأتية بذلك الوضوء وفي ذلك الثوب.

هذا كله مضافا إلى ما يرد على الوجه الأول أيضا إذ نقول فيه مضافا إلى ما فيه من مخالفته لظاهر الأدلة من الاختصاص بالطهارة الواقعية انه من المستحيل أيضا إرادة الطهارة الواقعية والظاهرية من لفظ واحد في نحو قوله : كل ثوب غسل بماء طاهر فقد طهر ووجهه يظهر بعد ملاحظة طولية المحكيين وهما الحكمان في كون أحدهما في رتبة متأخرة عن الشك بالآخر الموجب لعدم امكان اجتماعهما في لحاظ واحد وامتناع حكاية قوله ( طاهر ) عنهما ، إذ حينئذ في حكايته عن الطهارة الواقعية لم يلحظ الا نفس الحكم الواقعي بخلافه في حكايته عن الطهارة الظاهرية فإنها باعتبار كونها في رتبة متأخرة عن الشك بالواقع يحتاج إلى لحاظ الواقع ولحاظ الشك به أيضا وهو كما ترى ولعل ذلك هو السر أيضا في عدم ذهابهم إلى استفادة التعميم من الأدلة المتكلفة لكبري الأثر كما لا يخفى.

بقى أمور لم يتعرض لها الأستاذ (دام ظله) :

الأول : لا اشكال في عدم جريان هذا النزاع في موارد القطع بالأمر مع انكشاف الخلاف بعده ، ووجهه واضح ، من جهة أنه حينئذ لا امر شرعي في البين حتى يجرى فيه النزاع المزبور ، بل وانما هو امر زعمي تخيلي من المكلف ومعه كان الامر الواقعي باقيا على حاله بلا موافقة فيجب الإعادة حينئذ إطاعة للأمر الواقعي.

نعم لو كان القطع مأخوذا شرعا بنحو الموضوعية كما في ذوي الأعذار بناء على جواز البدار لهم بمجرد القطع ببقاء العذر إلى آخر الوقت يدخل في محل البحث فيجري فيه النزاع المزبور من حيث الاجزاء وعدمه بعد انكشاف الخلاف.

 الثاني : ان انكشاف الخلاف قد يكون بالقطع وأخرى بأمارة ظنية معتبرة وعلى التقديرين : تارة يقطع أو ظن بالخطأ في اجتهاده الأول وأخرى يقطع أو يظن بخطأ الامارة عن الواقع لا في اجتهاده ، والأول كما لو قام عنده امارة على عدم وجوب السورة مثلا فبان بعد ذلك عدم جامعية الامارة المزبورة لشرائط الحجية ، والثاني كما لو قطع بخطأ الامارة عن الواقع أو ظن بذلك مع القطع في الحال بكونها واجدة لشرائط الحجية وبعد ذلك نقول :

اما في فرض كشف الخطأ في اجتهاده فسواء كان ذلك بالقطع أو بالظن المعتبر فلا ينبغي الاشكال في أن لازمه هو عدم الاجزاء بل لا مجال لتوهمه خصوصا في فرض كشف الخلاف بالقطع ، من جهة كشفه حينئذ عن عدم امر ظاهري في البين ، لان الامارة الغير الجامعة لشرائط الحجية وجودها كعدمها ، فلابد حينئذ من الإعادة ، هو واضح.

واما في الصورة الثانية من فرض الكشف عن خطأ الامارة عن الواقع ، فان كان كشف الخلاف قطعيا فالأجزاء أو عدمه مبني على ما تقدم من حجية الامارة على الكشف والطريقية أو على نحو السببية والموضوعية ، واما ان كان كشف الخلاف أيضا ظنيا من جهة قيام أمارة ظنية أخرى على خلاف الامارة الأولى ففي هذا الفرض تارة يكون في البين ما يوجب ترجيح الامارة الثانية بحسب السند أو الدلالة من نحو موافقة الكتاب ومخالفة العامة ونحوهما من المرجحات ، وأخرى لا يكون في البين ما يوجب ترجيحها عليها لا بحسب السند ولا بحسب الدلالة بل كانتا متساويتين من تمام الجهات ، فعلى الأول حكمه حكم صورة انكشاف الخلاف بالقطع فيبتني على ما تقدم من الموضوعية أو الطريقية في الامارات ، وعلى الثاني ينتهي الامر إلى التخيير في الاخذ بين الخبرين ، فان اخذ بالأمارة الأولى فلا اشكال ، وان اخذ بالأمارة الثانية فلابد من إعادة الأعمال الواقعية على طبق الامارة الأولى على الطريقية كما هو المختار ، من جهة انه بالأخذ بالأمارة الثانية يصير مدلولها حجة عليه وحيث إن مفادها عبارة عن وجوب السورة مثلا يجب عليه إعادة ما صلى من الصلوات بدونها ، وهذا واضح.

نعم على الموضوعية لا يجب عليه الإعادة على التفصيل المتقدم سابقا.

الثالث : قد تبين مما قدمناه في الاجزاء في الامارات أنه لا تلازم بين القول بالاجزاء وبين القول بالتصويب الباطل وانه يمكن القول بالاجزاء فيها ولو على الموضوعية و  السببية من دون استلزامه للقول بالتصويب كما في الاجزاء بمناط المفوتية أو الوفاء بتمام الغرض ، ضرورة ان الاجزاء بأحد المناطين المزبورين غير ملازم للقول بالتصويب المحال ، فان التصويب الباطل انما هو الذي يدور التكليف معه مدار قيام الامارة أو الذي يوجب قيام الامارة انقلاب الواقع عما هو عليه حتى بمرتبة اقتضائه إلى التكليف بالمؤدى ، ومثل هذا المعنى كما عرفت غير ملازم مع القول بالاجزاء ، كما لا يخفى.

____________
 

1 ـ الوسائل، ج 11 ، الباب 25 من أبواب الأمر والنهي ، الحديث 2.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.