أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-8-2016
3727
التاريخ: 31-7-2016
5462
التاريخ: 30-7-2016
3114
التاريخ: 3-8-2016
3007
|
من أهم ما استدل به القائلون على تشيع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية واستدلاله ببالغ الحجة على امامة الامام امير المؤمنين (عليه السّلام) وانه القائد الأول للمسيرة الاسلامية بعد النبي (صلّى اللّه عليه وآله) وهو أولى بمقامه وأحق بمركزه من غيره و من اروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه ومن اكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره اربعون من علماء الحديث وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن اكثم من بين علماء بغداد وقد ادلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الامام امير المؤمنين (عليه السّلام) إلّا ان المأمون فند حججهم بأدلة حاسمة دلت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة .. .
لما مثل العلماء أمام المأمون التفت إليهم بعد ترحيبه بهم فقال لهم: إني اريد أن أجعلكم بيني وبين اللّه تبارك وتعالى في يومي حجة فمن كان حاقنا أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته وانبسطوا وسلوا خفافكم وضعوا ارديتكم.
ففعلوا ما أمرهم به والتفت المأمون لهم قائلا: أيها القوم انما استحضرتكم لأحتج بكم عند اللّه تعالى فاتقوا اللّه وانظروا لأنفسكم وامامكم ولا يمنعكم جلالتي ومكاني من قول الحق حيث كان ورد الباطل على من أتى به واشفقوا على أنفسكم من النار وتقربوا إلى اللّه تعالى برضوانه وإيثار طاعته فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق إلّا سلّطه اللّه عليه فناظروني بجميع عقولكم .. إني رجل أزعم أن عليا (عليه السّلام) خير البشر بعد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) فإن كنت مصيبا فصوبوا قولي وان كنت مخطئا فردوا علي وهلموا فإن شئتم سألتكم وإن شئتم سألتموني .
و ليس في هذا الكلام أي التواء أو خروج عن المنطق وإنما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.
سارع علماء الحديث قائلين: بل نحن نسألك .
و انبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلا: هاتوا وقلدوا كلامكم رجلا واحدا منكم فاذا تكلم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وان أتى بخلل فسددوه و أدلى عالم من علماء الحديث بحجته على أن أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) قائلا: نحن نزعم أن خير الناس بعد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) أبو بكر من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (صلى الله عليه واله) قال: اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما علمنا أنه لم يأمر بالاقتداء إلّا بخير الناس .
و ناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (صلى الله عليه واله) نقاشا موضوعيا فقال: الروايات كثيرة ولا بد من أن تكون كلها حقا أو كلها باطلا أو بعضها حقا وبعضها باطلا فلو كانت كلها حقا كانت كلها باطلا من قبل أن بعضها ينقض بعضها ولو كانت كلها باطلا كان في بطلانها بطلان الدين ودرس الشريعة فلما بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار وهو ان بعضها حق وبعضها باطل فاذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها ليعتقد او ينفي خلافه فاذا كان دليل الخبر في نفسه حقا كان أولى ما اعتقده وأخذ به.
و روايتك هذه من الأخبار التي ادلتها باطلة في نفسها وذلك ان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) أحكم الحكماء وأولى الخلق بالصدق وابعد الناس من الأمر بالمحال وحمل الناس على التدين بالخلاف وذلك ان هذين الرجلين لا يخلو من ان يكونا متفقين من كل جهة كانا واحدا في العدد والصفة والصورة والجسم وهذا معدوم ان يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة , و إن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما وهذا تكليف بما لا يطاق لأنك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر والدليل على اختلافهما إن أبا بكر سبى أهل الردة وردهم عمر أحرارا وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر ووضع عمر ديوان العطية ولم يفعله أبو بكر واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر ولهذا نظائر كثيرة , ورد المأمون وثيق للغاية فقد زيف الحديث واثبت أنه من الموضوعات ولا نصيب له من الصحة.
و أنبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدمهما على الامام امير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (صلى الله عليه واله) قال: ان النبي (صلى الله عليه واله) قال: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا .
و زيف المأمون هذا الحديث قائلا: هذا مستحيل من قبل أن رواياتكم قد صرحت ان النبي (صلّى اللّه عليه وآله) آخى بين أصحابه وأخر عليا (عليه السّلام) فقال له: في ذلك فقال: وما أخرتك إلّا لنفسي فأي الروايتين ثبتت بطلت الأخرى .
إن مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيز وإنما كانت خاضعة للدليل الحاسم.
و أنبرى محدث آخر فقال: إن عليا (عليه السّلام) قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر .
و ناقش المأمون هذا الحديث قائلا: هذا مستحيل لأن النبي (صلى الله عليه واله) لو علم أنهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد ومما يكذب هذه الرواية قول علي لما قبض النبي (صلى الله عليه واله) : وأنا أولى بمجلسه مني بقميصي ولكن اشفقت أن يرجع الناس كفارا وقوله (عليه السّلام): انى يكونان خيرا مني؟ وقد عبدت اللّه قبلهما وعبدته بعدهما وأبطل المأمون الحديث وبين زيفه فلم يصالح لأن يكون دليلا للخصم.
و قال عالم من علماء الحديث: إن أبا بكر اغلق بابه وقال: هل من مستقيل فاقيله فقال (عليه السّلام): قدمك رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) فمن ذا يؤخرك؟.
ورد المأمون الحديث قائلا: هذا باطل لأن عليا (عليه السّلام) قعد عن بيعة أبي بكر ورويتم انه قعد عنها حتى قبضت فاطمة (عليها السّلام) وأنها اوصت أن تدفن ليلا لئلا يشهدا جنازتها.
و وجه آخر وهو ان النبي (صلى الله عليه واله) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم احد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر .
و قال عالم آخر: إن عمرو بن العاص قال: يا نبي اللّه من أحب الناس إليك من النساء؟ قال: عائشة فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها .
ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنكم رويتم أن النبي (صلى الله عليه واله) وضع بين يديه طائر مشوي فقال: اللهم ايتني بأحب خلقك إليك فكان عليا فأي رواياتكم تقبل؟.
إن حديث الطائر المشوي مجمع عليه وهو يدل بوضوح على أن الامام امير المؤمنين (عليه السّلام) أحب الخلق عند اللّه واقربهم إليه.
و انبرى عالم آخر فقال: ان عليا قال: من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري .
و اجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الامام امير المؤمنين (عليه السّلام) بقوله: كيف يجوز أن يقول عليّ: اجلد الحد على من لا يجب حد عليه فيكون متعديا لحدود اللّه عاملا بخلاف أمره وليس تفضيل من فضله عليهما فرية وقد رويتم عن إمامكم أنه قال: وليتكم ولست بخيركم فأي الرجلين اصدق عندكم أبو بكر على نفسه أو علي على أبي بكر مع تناقض الحديث في نفسه ولا بد له من أن يكون صادقا أو كاذبا فإن كان صادقا فإنى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظني متحير أو بالنظر فالنظر بحث وإن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين ويقوم باحكامهم ويقيم حدودهم كذاب .
و قال عالم آخر: إن النبي (صلّى اللّه عليه وآله) قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة.
قال المأمون: هذا الحديث محال لأنه لا يكون في الجنة كهل ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (صلى الله عليه واله) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت فقال لها النبي (صلى الله عليه واله) : ان اللّه تعالى يقول: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: 35 - 37] فان زعمتم أن أبا بكر ينشأ شابا إذا دخل الجنة فقد رويتم أن النبي (صلى الله عليه واله) قال للحسن والحسين: انهما سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما.
و مناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.
و قال عالم آخر من علماء الحديث: ان النبي (صلى الله عليه واله) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر .
قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأن اللّه تعالى يقول: {كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163] وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: 7] فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوة مبعوثا؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوة مؤخرا؟ .
ان مناقشة المأمون لهذه الاحاديث مبنية على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.
و انبرى عالم آخر فأدلى بحجته قائلا: ان النبي (صلّى اللّه عليه وآله) نظر الى عمر يوم عرفة فتبسم فقال: ان اللّه تبارك وتعالى باهى بعباده عامة وبعمر خاصة .
و قال المأمون في رده على هذا الحديث: هذا مستحيل لأن اللّه تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.
و ليست هذه الروايات باعجب من روايتكم ان النبي (صلى الله عليه واله) قال: دخلت الجنة فسمعت خفق نعلين فاذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (صلى الله عليه واله) لأن السابق أفضل من المسبوق .
و أنبرى محدث آخر فقال: إن النبي (صلى الله عليه واله) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلّا عمر بن الخطاب .
قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضا لأن اللّه تعالى يقول لنبيه (صلّى اللّه عليه وآله): {مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] فجعلتم عمر مثل الرسول (صلى الله عليه واله) !! .
و قال محدث آخر: لقد شهد النبي (صلى الله عليه واله) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.
قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك باللّه أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة فصدق حذيفة ولم يصدق النبي (صلى الله عليه واله) فهذا على غير الاسلام وان كان قد صدق النبي (صلى الله عليه واله) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في انفسهما.
و قال عالم آخر: قال النبي (صلى الله عليه واله) : وضعت في كفة الميزان ووضعت أمتي في كفة أخرى فرجحت بهم ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم ثم عمر فرجح بهم ثم رفع الميزان.
و فند المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو اعمالهما فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح انه محال لأنه لا يرجح اجسامهما بأجسام الأمة وان كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.
و التفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: اخبروني بما يتفاضل الناس؟.
و انبرى بعض العلماء فقال: يتفاضلون بالأعمال الصالحة.
و علق المأمون على هذا الكلام قائلا: اخبروني ممن فضل صاحبه على عهد النبي (صلى الله عليه واله) ثم إن المفضول عمل بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (صلى الله عليه واله) ثم أ يلحق به؟ فان قلتم: نعم اوجدتكم في عصرنا هذا من هو اكثر جهادا وحجا وصوما وصلاة وصدقة من أحدهم .
فانبروا جميعا قائلين: صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (صلى الله عليه واله) .
فقال لهم المأمون: انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل علي (عليه السّلام) وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءا من اجزاء كثيرة فالقول قولكم وإن كانوا قد رووا في فضائل علي (عليه السّلام) اكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه .
و حار القوم في الجواب فقد سد عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عما يذهبون إليه والتفت إليهم المأمون قائلا: ما لكم سكتم؟ .
فقالوا: قد استقصينا اذ لم تبق عندهم حجة يتمسكون بها فقال لهم المأمون: إني سائلكم اخبروني أي الاعمال كان أفضل يوم بعث اللّه نبيه (صلّى اللّه عليه وآله) .
فقالوا جميعا: السبق إلى الاسلام لأن اللّه تعالى يقول: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 10، 11] , و سارع المأمون قائلا: فهل علمتم أحدا أسبق من علي إلى الاسلام؟ .
و ارتفعت أصواتهم قائلين: انه - اي علي- سبق حدثا لم يجر عليه حكم وأبو بكر أسلم كهلا قد جرى عليه الحكم - أي التكليف- وبين هاتين الحالتين فرق .
و اجاب المأمون قائلا: خبروني عن اسلام علي بالهام من قبل اللّه تعالى أم بدعاء النبي (صلى الله عليه واله) ؟ فإن قلتم: بالهام فقد فضلتموه على النبي (صلى الله عليه واله) لأن النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن اللّه تعالى داعيا ومعرفا.
و ان قلتم بدعاء النبي (صلى الله عليه واله) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر اللّه تعالى فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف اللّه تعالى به نبيه في قوله: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] وفي قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] وان كان من قبل اللّه تعالى فقد أمر اللّه تعالى نبيه (صلى الله عليه واله) بدعاء علي من بين صبيان الناس وايثاره عليهم فدعاه ثقة به وعلما بتأييد اللّه تعالى.
و خلة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلف خلقه ما لا يطيقون فإن قلتم: نعم فقد كفرتم وإن قلتم: لا فكيف يجوز أن يأمر نبيه (صلى الله عليه واله) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنه وضعفه عن القبول.
و علة أخرى هل رأيتم النبي (صلى الله عليه واله) دعا أحدا من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي فإن زعمتم أنه لم يدع أحدا غيره فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس.
و التفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: أي الأعمال بعد السبق إلى الايمان؟ .
فقالوا جميعا: الجهاد في سبيل اللّه .
و انبرى المأمون يقيم عليهم الحجة في تقديم الامام على غيره بالفضل قائلا: هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعلي (عليه السّلام) في جميع مواقف النبي (صلى الله عليه واله) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلا قتل علي منهم نيفا وعشرين واربعون لسائر الناس .
و انبرى عالم من علماء الحديث فقال: كان أبو بكر مع النبي (صلى الله عليه واله) في عريشه يدبرها.
فرد عليه المأمون قائلا: لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبر دون النبي (صلى الله عليه واله) أو معه فيشركه أو لحاجة النبي (صلى الله عليه واله) الى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟.
و أجاب العالم: اعوذ باللّه من أن أزعم أنه يدبر دون النبي (صلى الله عليه واله) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه.
و رد عليه المأمون قائلا: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلفه عن الحرب فيجب أن يكون كل متخلف فاضلا أفضل من المجاهدين واللّه عزّ وجلّ يقول: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95] , و وجه المأمون خطابه الى اسحاق بن حماد بن زيد وهو من كبار علماء الحديث فقال له: اقرأ سورة {هل أتى}.
و أخذ اسحاق في قراءة السورة فلما انتهى إلى قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] إلى قوله: {وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان: 22] .
قال له المأمون: فيمن نزلت هذه الآيات؟.
- في علي .
و انبرى المأمون قائلا: هل بلغك أن عليا (عليه السّلام) قال حين اطعم المسكين واليتيم والأسير انما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاء ولا شكورا على ما وصف اللّه تعالى في كتابه.
- لا .
- ان اللّه تعالى عرف سريرة علي ونيته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره هل علمت أن اللّه تعالى وصف في شيء مما وصف في الجنة ما في هذه السورة: قوارير من فضة .
- لا .
- فهذه فضيلة أخرى كيف تكون القوارير من فضة؟.
- لا ادري.
- يريد كأنها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها وهذا مثل قوله (صلّى اللّه عليه وآله): يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير وعنى به نساء كأنها القوارير رقة وقوله (صلّى اللّه عليه وآله): ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحرا أي كأنه بحر من كثرة جريه وعدوه وكقول اللّه تعالى: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم: 17] أي كأنه يأتيه الموت ولو أتاه من مكان واحد مات.
يا اسحاق الست ممن يشهد أن العشرة في الجنة؟.
- بلى .
- أ رأيت لو أن رجلا قال: ما ادري أ صحيح هذا الحديث أم لا أ كان عندك كافرا؟ .
- لا .
- أ رأيت لو قال: ما ادري هذه السورة قرآنا أم لا أ كان عندك كافرا؟ .
- بلى .
- يا اسحاق خبرني عن حديث الطائر المشوي أ صحيح عندك؟.
- بلى .
- بان واللّه عنادك لا يخلو هذا من أن يكون كما دعاه النبي أو يكون مردودا أو عرف اللّه الفاضل من خلقه وكان المفضول أحب إليه أو تزعم ان اللّه لم يعرف الفاضل من المفضول فأي الثلاث أحب إليك؟ .
و حار اسحاق ولم يهتد إلى الجواب وبقي يتأمل فوجد مسلكا يدافع به عن فكرته فقال: يا امير المؤمنين ان اللّه تعالى يقول في أبي بكر: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] مَعَنا فنسبه اللّه إلى صحبة نبيه (صلّى اللّه عليه وآله).
و سارع المأمون في الرد عليه قائلا: سبحان اللّه!! ما أقل علمك باللغة والكتاب أ ما يكون الكافر صاحبا للمؤمن فأي فضيلة في هذا؟ أما سمعت قول اللّه تعالى{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف: 37] فقد جعله له صاحبا وقال الهزلي شعرا:
و لقد غدوت وصاحبي وحشية تحت الرداء بصيرة بالمشرق
و قال الأزدي:
و لقد دعوت الوحش فيه وصاحبي محض القوادم من هجان هيكل
فصير فرسه صاحبه وأما قوله: {إن اللّه معنا} فإن اللّه تبارك وتعالى مع البر والفاجر أ ما سمعت قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7].
و أما قوله: لا تحزن فأخبرني عن حزن أبي بكر كان طاعة أو معصية فإن زعمت أنه طاعة فقد جعلت النبي (صلى الله عليه واله) ينهى عن الطاعة وهو خلاف صفة الحكيم وإن زعمت أنه معصية فأي فضيلة للعاصي؟ واخبرني عن قوله تعالى: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة: 40] على من؟.
و انبرى اسحاق فقال: نزلت - أي السكينة- على أبي بكر لأن النبي (صلى الله عليه واله) منزه عن صفة السكينة.
فأجابه المأمون: اخبرني عن قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 25، 26].
أ تدري من المؤمنون الذين أرادهم اللّه في هذا الموضع؟.
- لا .
و أخذ المأمون يشرح لإسحاق معنى الآية الكريمة قائلا: إن الناس انهزموا يوم حنين فلم يبق مع النبي (صلى الله عليه واله) إلّا سبعة من بني هاشم علي (عليه السّلام) يضرب بسيفه والعباس آخذ بلجام بغلة رسول اللّه (صلى الله عليه واله) والخمسة محدقون بالنبي (صلى الله عليه واله) خوفا من أن يناله سلاح الكفار حتى اعطى اللّه تبارك وتعالى رسوله (صلى الله عليه واله) الظفر عنى بالمؤمنين في هذا الموضع عليا ومن حضر من بني هاشم فمن كان أفضل أمن كان مع النبي (صلى الله عليه واله) فنزلت السكينة على النبي (صلى الله عليه واله) وعليه أم من كان في الغار مع النبي (صلى الله عليه واله) ولم يكن أهلا لنزولها عليه يا اسحاق من أفضل؟ من كان مع النبي (صلى الله عليه واله) في الغار أو من نام على مهاده وفراشه ووقاه بنفسه حتى تم للنبي (صلى الله عليه واله) ما عزم عليه من الهجرة.
ان اللّه تبارك وتعالى أمر نبيه (صلى الله عليه واله) أن يأمر عليا بالنوم على فراشه ووقايته بنفسه فأمره بذلك فقال علي: أ تسلم يا نبي اللّه؟ فقال: نعم قال: سمعا وطاعة ثم أتى مضجعه وتسجى بثوبه وأحدق المشركون به لا يشكون في أنه النبي (صلى الله عليه واله) و قد اجمعوا على أن يضربه من كل بطن من قريش رجل ضربة لئلا يطلب الهاشميون بدمه وعلي (عليه السّلام) يسمع بأمر القوم فيه من التدبير في تلف نفسه فلم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع أبو بكر في الغار وهو مع النبي (صلى الله عليه واله) وعلي وحده فلم يزل صابرا محتسبا فبعث اللّه تعالى ملائكته تمنعه من مشركي قريش فلما أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا اين محمد؟ قال: وما علمي به؟ قالوا: فأنت غدرتنا ثم لحق بالنبي (صلى الله عليه واله) فلم يزل علي (عليه السّلام) أفضل لما بدا منه إلّا ما يزيد خيرا حتى قبضه اللّه تعالى إليه وهو محمود مغفور له.
يا اسحاق أ ما تروي حديث الولاية؟.
- نعم .
- اروه .
فرواه له فقال المأمون: أ ما ترى أنه أوجب لعلي (عليه السّلام) على أبي بكر وعمر من الحق ما لم يوجب لهما عليه؟.
فقال اسحاق: إن الناس يقولون: إن هذا قاله بسبب زيد بن حارثة.
فأنكر المأمون ذلك وقال: و اين قال النبي (صلى الله عليه واله) هذا؟.
فأجاب اسحاق: قاله بغدير خم بعد منصرفه من حجة الوداع.
و سارع المأمون لإبطال ذلك قائلا: متى قتل زيد بن حارثة؟ أ ليس قد قتل قبل غدير خم؟.
- بلى .
- اخبرني لو رأيت ابنا لك أتت عليه خمس عشرة سنة يقول: مولاي مولى ابن عمي أيها الناس فاقبلوا أ كنت تكره له ذلك؟.
- بلى .
و كر المأمون منكرا عليه قائلا: أ تنزه ابنك عما لا تنزه عنه النبي (صلى الله عليه واله)
و التفت إليه المأمون ليقيم عليه الحجة قائلا: ا تروي قول النبي (صلى الله عليه واله) لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟.
- نعم .
- أ ما تعلم أن هارون أخو موسى لأبيه وأمه؟.
- بلى .
- فعلي كذلك؟.
- لا .
سارع المأمون قائلا: هارون نبي وليس على كذلك فما المنزلة الثالثة إلّا الخلافة لقد قال المنافقون: إنه استخلفه استثقالا فأراد ان يطيب نفسه وهذا كما حكى اللّه تعالى عن موسى حيث قال: لهارون {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142] .
و انبرى اسحاق قائلا: إن موسى خلف هارون في قومه وهو حي ثم مضى الى ميقات ربه تعالى وان النبي (صلى الله عليه واله) خلف عليا حين خرج إلى غزاته .
ورد عليه المأمون: اخبرني عن موسى حين خلف هارون أكان معه حيث مضى إلى ميقات ربه عزّ وجلّ أحد من أصحابه؟.
- نعم .
- أو ليس قد استخلفه على جميعهم؟ .
- بلى .
- فكذلك علي خلفه النبي (صلى الله عليه واله) حين خرج إلى غزاته في الضعفاء والنساء والصبيان اذ كان اكثر قومه معه وان كان قد جعله خليفة على جميعهم والدليل على أنه جعله خليفة عليهم في حياته إذا غاب وبعد موته قوله (صلّى اللّه عليه وآله): علي مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي وهو وزير النبي (صلى الله عليه واله) أيضا بهذا القول لأن موسى قد دعا اللّه تعالى وقال فيما دعا واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري واشركه في أمري فاذا كان علي منه بمنزلة هارون من موسى فهو وزيره كما كان هارون وزير موسى وهو خليفته كما كان هارون خليفة موسى .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|