أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-10-2014
1014
التاريخ: 31-3-2018
1506
التاريخ: 31-3-2018
1094
التاريخ: 22-10-2014
974
|
قال : ( ولوجوب ما يتوقّف عليه العقليّان ، أو انتفاء ضدّ المطلوب على تقدير ثبوته كان التكليف به عقليّا).
أقول : اختلف الناس في أنّ وجوب النظر في معرفة الله ، والتكليف به ، هل هو عقليّ أو سمعيّ؟
فذهب المعتزلة (1) إلى الأوّل ، وهو مختار المصنّف ، وهو الحقّ. والأشاعرة (2) إلى الثاني.
أمّا المصنّف والمعتزلة فاستدلّوا على وجوب النظر عقلا بوجهين (3) :
الأوّل : أنّ معرفة الله تعالى ـ التي يتوقّف عليها شكره ودفع الضرر الواجبان عقلا ـ واجبة مطلقا ، ولا تتمّ إلاّ بالنظر ، وما لا يتمّ الواجب المطلق إلاّ به واجب ، فالنظر واجب ، فها هنا ثلاث مقدّمات :
إحداها : أنّ معرفة الله تعالى واجبة مطلقا والدليل على ذلك :
أوّلا : أنّ معرفة الله دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف وغيره ، ودفع الخوف والضرر عن النفس واجب عقلا.
وثانيا : أنّ شكر الله تعالى واجب عقلا ؛ لأنّ نعمه على العبد كثيرة فإنّ كلّ عاقل إذا راجع نفسه يرى أنّ عليه نعما ظاهرة وباطنة ، أصليّة وفرعيّة ، دقيقة وجليلة ، روحانيّة وجسمانيّة من الوجود والحياة والإدراك والمآكل والمشارب والملابس والمساكن ونحوها {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] ولا شكّ أنّها ليست منه ، فهي من غيره ، فإن لم يلتفت إلى منعمه ولم يعترف له بكونه منعما ذمّه العقلاء ، وإلاّ مدحوه ، وهذا معنى الوجوب العقلي ، فيكون الشكر واجبا عقلا.
مضافا إلى أنّ عدم الشكر موجب لاستحقاق سلب النعم ، وهو ضرر على النفس ، ودفع الضرر واجب عقلا ، فالمقدّمتان ضروريّتان ، والشكر لا يتمّ إلاّ بالمعرفة ضرورة.
الثانية : أنّ معرفة الله لا تتمّ إلاّ بالنظر ، وذلك قريب من الضرورة ؛ إذ المعرفة ليست ضروريّة قطعا ، فهي كسبية ولا كاسب سوى النظر ؛ إذ التقليد يستند إليه.
الثالثة : أنّ ما لا يتمّ الواجب المطلق إلاّ به فهو واجب ، وإلاّ لخرج الواجب المطلق عن كونه واجبا أو لزم التكليف بما لا يطاق ؛ لأنّ الشرط إذا لم يكن واجبا جاز تركه ، فحينئذ إمّا أن يجب على المكلّف المشروط أو لا ، والثاني يلزم منه خروجه عن كونه واجبا مطلقا. والأوّل يلزم منه التكليف بما لا يطاق ؛ إذ وجوب المشروط حال عدم الشرط إيجاب لغير المقدور ، وهو محال.
فإن قلت : مقتضى ما ذكر كون النظر واجبا توصّليّا من باب المقدّمة ، لا تأصّليّا وأصليّا من قبيل ذي المقدّمة.
قلت : مقدّمات الواجبات العقليّة واجبات عقليّة تأصّليّة ؛ لانتفاء التبعيّة.
نعم ، مقدّمات الواجبات النقليّة واجبات عقليّة توصّليّة ، لا تأصّليّة وأصليّة.
فثبت أنّ وجوب النظر عقليّ ، ولا يجب سمعا خاصّة.
الثاني (4) : أنّ النظر واجب بالاتّفاق ، فوجوبه إمّا عقلي أو نقلي. ولا سبيل إلى الثاني ؛ فإنّه لو كان واجبا شرعيا لما كان واجبا ، فيلزم من وجوبه عدمه ، والتالي باطل بالضرورة ، فالمقدّم مثله.
بيان الشرطية : أنّ النظر إذا لم يجب إلاّ بالسمع لزم إفحام الأنبياء ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله إذا جاء إلى المكلّف وأمره باتّباعه ، لم يجب على المكلّف الامتثال حتّى يعلم صدقه ، ولا يعلم صدقه إلاّ بالنظر ، فإذا امتنع المكلّف من النظر حتّى يعرف وجوبه عليه ، لم يجب استناد الوجوب إلى النبيّ صلى الله عليه وآله ؛ لعدم العلم بصدقه حينئذ ، ولا وجوب عقلي ، فينتفي الوجوب على تقدير القول بالوجوب السمعي.
إذا عرفت هذا ، فنقول : قوله : « لوجوب ما يتوقّف عليه العقليّان » أشار بلفظة « ما » إلى المعرفة.
و« العقليان » أشار به إلى وجوب الشكر ووجوب دفع الخوف عن النفس.
وقوله : « وانتفاء ضدّ المطلوب على تقدير ثبوته » يشير به إلى انتفاء الوجوب السمعي ، الذي هو ضدّ المطلوب ؛ لأنّ المطلوب هو الوجوب العقلي ، وضدّه الوجوب السمعي.
وقوله : « على تقدير ثبوته » يعني لو فرض كون الوجوب سمعيّا ، لم يكن واجبا.
وأمّا الأشاعرة (5) فقد احتجّوا بوجهين :
الأوّل : قوله تعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] فإنّه نفى التعذيب الدنيوي والأخروي بدون البعثة ، فلا يكون النظر واجبا قبلها ، وإلاّ لزم استحقاق العذاب بتركه قبلها.
الثاني : أنّه لو وجب النظر فلا يكون لا لفائدة ؛ للزوم العبث ، ولا لفائدة عائدة إلى الله تعالى ؛ لتعاليه عنها ، فيكون لفائدة عائدة إلى العبد : فإمّا لفائدة عاجلة والواقع يقابلها ؛ لحصول المشقّة، أو آجلة وحصولها ممكن بدون النظر مع عدم استقلال العقل فيها ، مضافا إلى أنّ شكر العبد ـ المتوقّف على النظر ـ بالنظر إلى نعم الله كالاستهزاء ، فتوسّط النظر عبث ، كما إذا لم يكن لفائدة.
ثمّ قالوا : ما ألزمتمونا من إفحام الأنبياء على تقدير الوجوب السمعي لازم لكم على تقدير الوجوب العقلي ؛ لأنّ وجوب النظر وإن كان عقليّا إلاّ أنّه كسبيّ ، فالمكلّف إذا جاءه النبيّ صلى الله عليه وآله وأمره باتّباعه ، كان له أن يمتنع حتّى يعرف صدقه ، ولا يعرفه إلاّ بالنظر ؛ إذ لا يجب عليه بالضرورة ، بل بالنظر ، فقبل النظر لا يعرف وجوبه ، فله أن يقول : لا أنظر حتّى أعرف وجوب النظر ، وذلك يستلزم الإفحام أيضا.
والجواب عن الأوّل : أنّ خلق العباد لمّا كان لغرض عائد إليهم ـ وهو إيصال النعيم الأبدي الأخروي ... ولا يصحّ ذلك إلاّ بالقابليّة الموقوفة على الطاعة ، الموقوفة على التكليف، الموقوف على بعث الرسل ؛ لعدم استعداد الكلّ للتلقّي من الله تعالى بلا واسطة ـ كان التكليف لازما لإيجاد الخلق ، فيكون بعث الرسول أيضا لازما ، فبدونه لا يكون تكليف شرعي متفرّع عليه التعذيب الأخروي بسبب الترك ؛ لعدم كفاية مجرّد معرفة الله الواجبة عقلا لذمّ تاركها.
والحاصل : أنّ التعذيب من لوازم الوجوب النقلي لا العقلي ، فنفيه ينفي الوجوب النقلي لا العقلي.
وكون العقل والنقل متطابقين إنّما هو بعد ثبوت المعرفة وتحقّق النقل لا قبلها ، فيبقى وجوب النظر عقلا ـ بمعنى مدح فاعله وذمّ تاركه ـ على حاله.
ويمكن الجواب أيضا بالتخصيص ، وهو حمل نفي التعذيب المتوقّف على الرسالة على نفي التعذيب الذي يكون من جهة ترك التكليف السمعي ، أو تعميم الرسول ليعمّ الرسالة بالعقل ؛ جمعا بين الأدلّة.
وعن الثاني : أنّ الفائدة عاجلة وهي زوال الخوف ، أو آجلة هي نيل الثواب بالمعرفة التي لا يمكن الابتداء به في الحكمة.
وعن الثالث : أنّ وجوب النظر وإن كان نظريّا إلاّ أنّه فطري القياس ، فكان اللازم ـ وهو الإفحام ـ لازما على الأشاعرة دون الإمامية والمعتزلة.
_______________
(1) انظر : « المغني » 12 : 236 وما بعدها ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 66 ـ 69 ؛ ونقل عنهم في « المحصّل » : 134 و « شرح المواقف » 1 : 251 و « شرح المقاصد » 1 : 262.
(2) انظر : « المحصل » : 134 ـ 136 ؛ « شرح المواقف » 1 : 251 ـ 275 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 262 ـ 270 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 264 ـ 268.
(3) راجع المصادر المتقدّمة و « مناهج اليقين » : 109 ـ 111 ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق» 109 ـ 111 ؛ « اللوامع الإلهيّة » : 9 ـ 11.
(4) أي الوجه الثاني الذي استدلّ به المعتزلة على وجوب النظر عقلا.
(5) انظر : « المحصّل » : 134 ؛ « شرح المواقف » 1 : 251 ـ 275 ؛ « شرح المقاصد» 1 : 262 ـ 270 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 264 ـ 268.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|