المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
النقل البحري
2024-11-06
النظام الإقليمي العربي
2024-11-06
تربية الماشية في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية
2024-11-06
تقييم الموارد المائية في الوطن العربي
2024-11-06
تقسيم الامطار في الوطن العربي
2024-11-06
تربية الماشية في الهند
2024-11-06



أميّة بن أبي الصلت  
  
3134   08:39 صباحاً   التاريخ: 24-7-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص314-316
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2016 2588
التاريخ: 22-2-2018 5373
التاريخ: 26-1-2016 2873
التاريخ: 29-12-2015 2828

هو أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الأندلسي، ولد سنة 46٠ بمدينة دانية على البحر المتوسط، و شبّ-على ما يبدو-بمدينة إشبيلية و كانت تزخر بطائفة من الفقهاء و الأطباء و المتفلسفة و الشعراء و أصحاب الموسيقى، و تخرّج على أيديهم طبيبا متفلسفا و شاعرا بارعا يثقف الموسيقى و تلاحينها الأندلسية. و في أوائل العقد الثالث من حياته هاجر عن مدينته إلى المشرق مصطحبا والدته، و قد تكون الرغبة في التزود من علماء المشرق أو الرغبة في الحج من دواعي تلك الهجرة المبكرة عن مدينته. و نزل المهدية بجوار القيروان، و يبدو أنه كان قد وفد عليها لمديح أميرها و أمير إفريقية تميم بن المعز الصنهاجي (454-5٠١ ه‍.) إذ كان مقصدا للشعراء لما يجيزهم به من الجوائز السنية، و امتدحه مرارا، و ظل في حاشيته فترة. و رأى أن يوجه به إلى مصر برسالة، و كانت العلاقة بين تميم و حكام مصر سيئة، فحين وصل أمية برسالته إليهم زجّوا به في سجن خزانة البنود بالقاهرة، و كان فيها خزائن متنوعة في أصناف الكتب و فنونها المختلفة، فأكبّ عليها يقرؤها و يلتهم ما فيها من المعارف، و يقال إنه ظل بها ثلاث سنوات قبل صدور العفو عنه، و قيل بل عشرين سنة، و هي مبالغة واضحة. و في كتاب طبقات الأطباء رسالة طريفة من علي بن منجب الصيرفي صاحب ديوان الإنشاء وجه بها إليه في السجن منوها فيها بأنها رد على رسالة لأمية و هو في سجنه، و يثنى على قصيدتين أرسل بهما إليه في مديح الأفضل بن بدر الجمالي وزير مصر حينئذ (4٨٧-5١5 ه‍) و قد أنشد العماد في الخريدة قطعة من مدحة لأمية يمدح بها شفيعه و يسميه عليا و هو ابن الصيرفي كما ذكرنا. و عاد إلى المهدية سنة 5٠5 في عهد يحيى بن تميم (5٠١-5٠٩ ه‍.) و إليه قدم الرسالة المصرية و كتاب الحديقة الآتي ذكرهما و عظم شأنه عنده و كذلك عند ابنه على أمير المهدية بعده (5٠٩-5١5 ه‍.) و حين أنشأ على مدرسته المشهورة للكيمياء أسند إليه الإشراف عليها و ظل يتولاها إلى آخر أيامه. و قد نشرت له بالقاهرة الرسالة المصرية و فيها يذكر ما رآه بمصر من هيأتها و آثارها و من اجتمع بهم فيها من الأطباء و المنجمين و الشعراء و أهل الأدب، و عنى فيها بذكر مدّاح الأفضل الجمالي و ألم ببعض من هجوه. و يقول ابن سعيد في المغرب: «عنه أخذ أهل إفريقية (تونس) الألحان التي هي الآن بأيديهم» . و يبدو من هذه العبارة أنه لحّن هناك لهم أغانيهم الإفريقية على أسس الألحان الأندلسية. و ألف لهم كتابا في الموسيقى أهداه إلى الأمير علي بن يحيى. و إشادة ابن سعيد بصنيعه في هذا الجانب لها أهمية كبيرة، إذ ختم رحلاته بتونس و ظل بها إلى أن توفي سنة 6٨٣ للهجرة، و يقول إن أمية جلّ قدره عند الحسن بن علي خليفة أبيه كما جلّ عند أبيه و جده، و ظل ينزل هناك منزلة جليلة إلى أن توفي سنة 5٢٩. و له مصنفات مختلفة في التنجيم و الطب و الهندسة تدل على واسع علمه، من ذلك كتاب الوجيز في علم الهيأة و كتاب الأدوية المفردة و له كتاب في المنطق سماه: «تقويم الذهن» و بجانب ذلك له الرسالة المصرية السالفة و هي أهم نص عن شعراء مصر في فواتح القرن السادس الهجري، و له أيضا كتاب الحديقة في شعراء عصره على نهج كتاب اليتيمة للثعالبي و كتاب الملح العصرية في شعراء الأندلس و الطارئين عليها. و هو يعد في النابهين من شعراء زمنه، و كان له ديوان كبير سقط من يد الزمن، غير أن العماد في الخريدة انتقى منه طائفة كبيرة بترتيب الحروف الهجائية امتدت فيه إلى أكثر من ثمانين صفحة مهّد لها بقوله: «كل شعره منقح مستملح، صحيح السبك، محكم الحوك، نظيم السلك» و هو موزع بين مديح و رثاء و غزل و هجاء و وصف للقصور و الخيل و من قوله في الهرمين:

بعيشك هل أبصرت أعجب منظرا     على طول ما أبصرت من هرمى مصر
أنافا بأعنان السماء و أشرفا    على الجوّ إشراف السّماك أو النّسر (1)
و قد وافيا نشزا من الأرض عاليا      كأنهما ثديان قاما على صدر (2)
و في هذه الصورة ما يدل على أنه كانت لأمية ملكة خيالية خصبة، و من أهم ما يتميز به كثرة خمرياته و تصاويره للطبيعة، و تتداول الكتب التي ترجمت له وصفه لبركة الحبش بمدينة الفسطاط (مصر القديمة الآن) و كانت جنات و بساتين تحتها مسرب من مياه النيل يصبّ في قنوات تتخللها، و كان أهل الفسطاط يخرجون للنزهة فيها و للمتاع بمناظرها، و فيها يقول أمية:

للّه يومي ببركة الحبش     و الأفق بين الضياء و الغبش
و النيل تحت الرياح مضطرب     كصارم في يمين مرتعش (3)
و نحن في روضة مفوّفة      دبّج بالنّور عطفها و وشى (4)
قد نسجتها يد الربيع لنا      فنحن من نسجها على فرش
فعاطني الرّاح إنّ تاركها      من سورة الهمّ غير منتعش (5)

و هي نزهة ببركة الحبش في يوم من أيام الربيع الجميلة، و تتوالى الأخيلة في الأبيات بديعة، فاضطراب النيل تحت الرياح كاهتزاز السيف في يد مرتعش لا يهدأ و لا يسكن أبدا، و هو و صحبه في روضة أنيقة وشيت جوانبها و زينت بالنور، و مدّ الربيع من تحتهم بساطا سندسيا. و في هذا الموكب الرائع الذي ملأ قلبه فتنة بالطبيعة و جمالها يسأل صاحبه أن يناوله كأس الخمر، حتى يزول-كما يزعم-كل هم في طوايا نفسه. و يعلن مرارا أنه مولع باحتساء الخمر وسط الرياض و مباهج الطبيعة، و يفتنّ في مزجها بالغزل إذ يجتمع عليه صبابته بالخمر و بجمال المرأة و ينشد مثل قوله:

قامت تدير المدام كفّاها     شمس ينير الدّجى محيّاها
للمسك ما فاح من مراشفها     و البرق ما لاح من ثناياها
غزالة أخجلت سميّتها      فلم تشبّه بها و حاشاها (6)
هبها لها حسنها و بهجتها      فهل لها خدّها و عيناها

و الأبيات تملك القلوب و الأسماع بعذوبتها و تمكن ألفاظها و قوافيها في سياقها، و أيضا برقتها و لطف معانيها و دقة التقابل فيها بين القامة و الغصن و الرّدف و الكثيب و المراشف و ما يلمع وراءها من الثغر و صاحبته و الشمس، وهب للشمس حسنها و بهجتها فهل لها خدها الجميل و عيناها الفاتنتان. و له وراء ذلك أشعار بديعة.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

١) أناف: ارتفع و أشرف. السماك: نجم نيّر.

2) النشز: المرتفع من الأرض.

٣) صارم: سيف.

4) مفوفة: مزخرفة.

5) سورة: شدة.

6) غزالة: يريد صاحبته، و تسمى بها الشمس.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.