أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-08-2015
2236
التاريخ: 28-06-2015
2529
التاريخ: 30-12-2015
3448
التاريخ: 9-7-2019
3947
|
هو أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن أبي بكر القضاعي، كان أبوه من جلّة القرّاء، من أهل حصن أنده من أعمال بلنسية، بارحها إليها و اتخذها وطنا له و مستقرا، و بها رزق بابنه محمد سنة 5٩5 للهجرة، و عنى به، فحفظ القرآن الكريم، و أخذ عنه قراءة نافع مقرئ أهل المدينة المشهور، و أكبّ على دراسة الحديث و رجاله و الفقه و التاريخ، و أخذ يلتهم كل ما يسمعه عن الشيوخ و خاصة عن إمام بلنسية و قاضيها لعصره أبي الربيع سليمان بن موسى الكلاعي، و كان ابن الأبار يعجب به إعجابا يملأ عليه نفسه، و هو الذي وجهه إلى العناية بالكتابة التاريخية عن أعلام الأندلس، و اتخذه الكلاعي صفيّا له، لما رأى من ذكائه النادر، غير أنه طمح إلى العمل السياسي في دواوين الحكام، و لم يلبث والى الموحدين على مدينته محمد بن أبي حفص أن اتخذه كاتبا له، و كتب بعده لابنه أبي زيد عبد الرحمن، و يستخلص منه بلنسية أبو جميل زيّان بن مردنيش صاحب مرسية، و يظل ابن الأبار كاتبا له، و تحدث معركة أنيشة، و يستشهد فيها أستاذه الكلاعي و يندبه و يندب من استشهدوا معه ندبا حارا. و ما يلبث صاحب برشلونه أن يحاصر بلنسية، و حينئذ يرسل به أميرها إلى أبي زكريا يحيى بن أبي حفص أمير تونس على رأس وفد لطلب الغوث و المعونة، فجهّز له أسطولا محمّلا بالمؤن و الأسلحة كما مرّ بنا، غير أنه لم يستطع إيصال ما يحمله إليها بسبب ما أحاطها به النصارى من حصار شديد، فانسحب الأسطول إلى دانية جنوبيها و سلّم أهلها ما حمله كما مرّ بنا. و تطورت الظروف فاستسلمت بلنسية في صدر سنة 6٣6 و حضر ابن الأبار عقد تسليمها و شروطه، و دائما كان أمراء النصارى حين يستولون على بلد أندلسي لا يفون بالشروط المأخوذة عليهم، و كأنما زهد ابن الأبار في المقام بالأندلس بعد سقوط مدينته، فاتجه إلى البلاد المغربية و نزل بجاية و أقام بها بضعة أشهر، ثم تركها إلى تونس، فألحقه أميرها أبو زكريا بدواوينه، فتولى بها كتابة الإنشاء و العلامة أو شارة الدولة، و هي توقيع يوضع على المكاتبات الرسمية لبيان أنها صادرة عن الدولة الحاكمة، و كان يكتبها بخطه الأندلسي، فرأى الأمير أبو زكريا أن تكتب بالخط المشرقي و أن يختص بكتابتها أحمد بن إبراهيم الغساني، و غضب ابن الأبار لذلك و ظل يكتب تلك العلامة بخطه الأندلسي، مما اضطر أبا زكريا أن يعفيه من عمله فأقام ببجاية فترة حتى إذا توفى أبو زكريا سنة 64٧ و خلفه ابنه المستنصر أبو عبد اللّه محمد أعاده إلى الكتابة في ديوانه و رفعه إلى مرتبة الوزارة، و كانت فيه حدة لسان تنفّر الناس منه، و يقول ابن خلدون: «كان فيه أنفة و بأو (عظمة) و ضيق خلق» فأوجد له أعداء ألداء، و استطاعوا أن يقنعوا المستنصر باشتراكه في مؤامرة ضده، فأمر بقتله و إحراق أشلائه و كتبه، و هكذا قتل سنة 65٨ مظلوما مأسوفا عليه من معاصريه و كل من جاء بعدهم.
و يعد ابن الأبار في الذروة من مؤرخي الأندلس و علمائها البررة الموثوق بهم ثقة لا تدانيها ثقة، و هو في مقدمة من مكّنوا الباحثين المعاصرين من الكتابة عن الأندلس و أعلامها النابهين بفضل كتبه النفيسة، و هي: التكملة في مجلدين-المعجم في أصحاب القاضي الصدفي المتوفى سنة 5١4 ه-الحلة السيراء في مجلدين و تشتمل على تراجم الأمراء و الأعيان في الأندلس و المغرب-تحفة القادم في شعراء عصره-إعتاب الكتاب: عن الكتّاب الذين فقدوا مكانتهم و حظوتهم عند الحكّام ثم استعادوها، و بهذا الكتاب استعاد مكانته عند المستنصر، ثم غضب عليه.
و كان ابن الأبار شاعرا مجيدا، و حين حدثت وقعة أنيشة أظلمت الدنيا في عينيه لمن استشهدوا فيها من الشيوخ الجلة و خاصة شيخه أبا الربيع الكلاعي، و كان قد بلغ السبعين من عمره، و حين سمع النفير بادر لقتال أعداء الإسلام، و لم يزل متقدما أمام الصفوف زاحفا إلى الأعداء مرغّبا في قتالهم مناديا فيمن ينهزمون: أعن الجنة تفرّون؟ و ظل يعمل السيف في الأعداء حتى استشهد مع من استشهدوا من شيوخ بلنسية و شجعانها البواسل، و ندبهم معه ابن الأبار بقصيدة، تشعل الحمية في قلب كل مسلم، و فيها يقول:
ألمّا بأشلاء العلا و المكارم تقدّ بأطراف القنا و الصّوارم (1)
مضوا في سبيل اللّه قدما كأنما يطيرون من أقدامهم بقوادم (2)
مواقف أبرار قضوا من جهادهم حقوقا عليهم كالفروض اللّوازم
أبيت لها تحت الظلام كأنني رمىّ نصال أو لديغ أراقم (3)
فوا أسفى للدّين أعضل داؤه و أيأس من آس لمسراه حاسم )4)
و هو يهيب بكل مسلم أن يلمّ بتلك الأشلاء الطاهرة التي قطّعتها و مزقتها رماح النصارى و سيوفهم و يقول إنهم مضوا إلى الجهاد في سبيل اللّه مسرعين، كأنهم طير و أقدامهم قوادمه، حتى يؤدوا حقوق دينهم أداء المجاهدين الأبرار. و إن ذكرى الواقعة و شهدائها لتحز في نفسه، بل لكأنما رمى منها بنصال تنزف الدم من فؤاده، أو كأنه لديغ حيّات ما تزال سمومها تسري في شرايينه. و يتحسر للدين الحنيف في الأندلس فكأنما أنزل النصارى به داء عضالا، لا يمكن لطبيب أن يشفيه منه أو يحسمه. و ذكرنا آنفا أنه حين قدم مع وفد بلنسية على أبي زكريا صاحب تونس أنشده قصيدة يستصرخه بها لإنقاذ بلنسية و يقول ابن سعيد: عارضها كثير من الشعراء ما بين محظىّ و محروم، و ولع الناس بحفظها ولع بني تغلب بقصيدة عمرو بن كلثوم، و يقول المقري في أزهار الرياض إنها من «غرر القصائد الطنانة» و يقول في النفح: إنها «قصيدة فريدة فضحت من باراها، و كبا (5)دونها من جاراها» و فيها يستغيث:
أدرك بخيلك خيل اللّه أندلسا إنّ السبيل إلى منجاتها درسا)6)
يا للجزيرة أضحى أهلها جزرا للحادثات و أمسى جدّها تعسا )7)
و في بلنسية منها و قرطبة ما ينسف النّفس أو ما ينزف النّفسا
يا للمساجد عادت للعدا بيعا و للنّداء غدا أثناءها جرسا (8)
طهّر بلادك منهم إنهم نجس و لا طهارة ما لم نغسل النّجسا
و املأ-هنيئا لك التأييد-ساحتها جردا سلاهب أو خطّيّة دعسا )9)
و هو يقول لأبي زكريا: أدرك الأندلس بخيلك: خيل الدين الحنيف فقد تعس حظّها و أصبح أهلها جزرا لسيوف النصارى. و إن ما حدث لقرطبة و يوشك أن يحدث لبلنسية لمما يروع النفوس و يخنق الأنفاس، إذ أصبحت المساجد كنائس و غدا الأذان و النداء للصلاة أجراسا لنواقيس النصارى، و يقول له إنهم نجاسة ينبغي أن تطهر بلادك منهم بما تسفك من دمائهم، إذ لا طهارة ما لم تغسل النجاسة و تمحها محوا، و املأ الأرض و ساحاتها عليهم بخيلك و أسلحتك القاضية. و أثارت القصيدة أبا زكريا و ملأت قلبه.
حفيظة و حمية و موجدة، فأمر-كما أسلفنا-بإعداد أسطول محمل بالمؤن و الذخائر، و أرسل به مع ابن الأبار و الوفد البلنسي المرافق له لإغاثة بلنسية المحاصرة، غير أن النصارى كانوا قد ضربوا حولها حصارا لم يستطيعوا اجتيازه، و سقطت في أيديهم المدينة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١) تقد: تشقق. القنا: الرماح. الصوارم: السيوف.
٢) قدما: مسرعين. القوادم: الريشات الكبيرة في مقدم الجناح.
٣) نصال جمع نصل: حد السيف. الأراقم: الحيات.
4) أعضل الداء: لم يمكن البرء منه. آس: طبيب.
5) كبا: تعثر.
6) درس: أخلق و تقادم عهده.
7) جزرا: قطعا و ذبائح. جدها: حظها.
8) بيع: كنائس. النداء هنا: الأذان. جرسا أي للنواقيس.
9) جردا: خيلا سابقة. سلاهب: عادية. خطية: رماحا. دعسا: طاعنة.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|