اعلم أن لو تأتي على خمسة أقسام: الأول أن تكون للعرض، نحو لو تنزل عندنا فتصيب خيراً، ذكره في التسهيل. الثاني أن تكون للتقليل، نحو: تصدقوا ولو بظلفٍ محرَق. ذكره ابن هشام اللخمي وغيره. الثالث أن تكون للتمني، نحو لو تأتينا فتحدثنا. قيل ومنه: {لو أن لنا كرَّة} (البقرة: 167) ولهذا نصب فنكون في جوابها. واختلف في لو هذه فقال ابن الصائغ وابن هشام الخضراوي: هي قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشرط، ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب كجواب ليت. وقال بعضهم: هي لو الشرطية أشربت معنى التمني بدليل أنهم جمعوا لها بين جوابين: جواب منصوب بعد الفاء، وجواب باللام كقوله:
فَلَوْ نُبِشَ الْمَقَابِرُ عَنْ كُلَيْبٍ فَيُخْبَرَ بِالْذَّنَائِبِ أيُّ زِيْرِ
بيوم الشَّعْثَمَيْنِ لَقَرَّ عَيْنَاً وَكَيْفَ لِقَاءُ مَنْ تَحْتَ الْقُبُوْرِ
ص374
وقال المصنف: هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني، وذلك أنه أورد قول الزمخشري: وقد تجيء لو في معنى التمني نحو لو تأتيني فتحدثني، فقال: إن أراد أن الأصل وددت لو تأتيني فتحدثني ــ فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه فأشبهت ليت في الأشعار بمعنى التمني فكان لها جواب كجوابها ــ فصحيح، أو أنها حرف وضع للتمني كليت فممنوع لاستلزامه منع الجمع بينها وبين فعل التمني كما لايجمع بينه وبين ليت. وقال في التسهيل بعد ذكره المصدرية:وتغني عن التمني فينصب بعدها الفعل مقروناً بالفاء. وقال في شرحه: أشرت إلى نحو قول الشاعر:
سَرَيْنَا إلَيهُم فِي جُمُوْعٍ كَأنَّهَا جِبَالُ شَرُوْرَى لَوْ تُعَانُ فَتَنْهُدَا
قال فلك في تنهداً أن تقول نصب لأنه جواب تمن إنشائي كجواب ليت لأن الأصل وددنا لو تعان، فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه فأشبهت ليت في الإشعار بمعنى التمني دون لفظه، فكان لها جواب كجواب ليت، وهذا عندي هو المختار. ولك أن تقول ليس هذا من باب الجواب بالفاء بل من باب العطف على المصدر، لأن لو والفعل في تأويل مصدر. هذا كلامه. ونص على أن لو في قوله تعالى: {لَوْ أنَّ لَنَا كَرَّة} (البقرة: 167)، مصدرية. واعتذر عن الجمع بينها وبين أن المصدرية بوجهين: أحدهما أن التقدير لو ثبت أن، والآخر أن تكون من باب التوكيد. الرابع أن تكون مصدرية بمنزلة أن إلا أنها لا تنصب، وأكثر وقوع هذه بعد ودّ أو يود، نحو: {ودّوا لو تُدْهِنُ فيدهنون} (القلم: 9)، {يَوَدُّ أحدهُمْ لَوْ يُعمر} (البقرة: 96)، ومن وقوعها بدونهما قول قُتيلة:
مَا كَانَ ضرَّكَ لَوْ منَنْتَ وَرُبَّمَا منَّ الْفَتَى وَهْوَ الْمَغِيْظُ المُحْنَقُ
وقول الأعشى:
وَرُبَّمَا فَاتَ قَوْمَاً جُلُّ أمْرِهِمُ مِنَ التَّأنِّي وَكَانَ الْحَزَمُ لَوْ عَجِلُوا
ص375
وأكثرهم لم يثبت ورود لو مصدرية. وممن ذكرها الفراء وأبو علي، ومن المتأخرين التبريزي أبو البقاء وتبعهم المصنف، وعلامتها أن يصلح في موضعها أن. ويشهد للمثبتين قراءة بعضهم: {وَدُّوا لو تُدْهن فيدهنوا} (القلم: 9) بحذف النون، فعطف يدهنوا بالنصب على تدهن لما كان معناه أن تدهن. ويشكل عليهم دخولها على أن في نحو: {وما عمِلت من سوءٍ تَوَدُّ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً} (آل عمران: 30)، وجوابه أن لو إنما دخلت على فعل محذوف مقدر بعدها تقديره تود لو ثبت أن بينها وبينه، كما أجاب به المصنف في: {لو أنَّ كَرَّة} (البقرة: 167)، على رأيه كما سبق. وأما جوابه الثاني وهو أن يكون من باب توكيد اللفظ بمرادفه على حد: {فجاجاً سبلاً} (الأنبياء: 31)، ففيه نظر، لأن توكيد المصدر قبل مجيء صلته شاذّ كقراءة زيد بن علي: {والذين مَن قبلهم} (الانفال: 52 وغيرها)، بفتح الميم. الخامس أن تكون شرطية وهي المراد بهذا الفصل، وهي على قسمين: امتناعية، وهي للتعليق في الماضي، وبمعنى إن وهي للتعليق في المستقبل، فأشار إلى القسم الأول بقوله: (لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ في مُضِيّ) يعني أن لو حرف يدل على تعليق فعل بفعل فيما مضى، فيلزم من تقدير حصول شرطها حصول جوابها، ويلزم كون شرطها محكوماً بامتناعه، إذ لو قدر حصوله لكان الجواب كذلك. ولم تكن للتعليق في الماضي بل للإيجاب فتخرج عن معناها، وأما جوابها فلا يلزم كونه ممتنعاً على كل تقدير لأنه قد يكون ثابتاً مع امتناع الشرط، نعم الأكثر كونه ممتنعاً. وحاصله أنها تقتضي امتناع شرطها دائماً، ثم إن لم يكن لجوابها سبب غيره لزم امتناعه، نحو: {ولو شِئنا لرَفعنا بها} (الأعراف: 176)، وكقولك: لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجوداً، وإلا لم يلزم نحو لو كانت الشمس طالعة لكان الضوء موجوداً، ومنه: نعم المرء صهيب لو لم يخفف ا لم يعصه فقد بان لك أن قولهم لو حرف امتناع لامتناع فاسد لاقتضائه كون الجواب
ص376
ممتنعاً في كل موضع وليس كذلك، ولهذا قال في شرح الكافية: العبارة الجيدة في لو أن يقال حرف يدل على امتناع تال يلزم لثبوته ثبوت تاليه، فقيام زيد من قولك لو قام زيد لقام عمرو محكوم بانتفائه فيما مضى وكونه مستلزماً ثبوته لثبوت قيام عمرو؛ وهل لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد أو ليس له لا يتعرض لذلك، بل الأكثر كون الأول والثاني غير واقعين انتهى. وعبارة سيبويه حرف لما كان سيقع لوقوع غيره،وهي إنما تدل على الامتناع الناشىء عن فقد السبب لا على مطلق الامتناع، على أنه مراد العبارة الأولى: أي أن جواب لو ممتنع لامتناع سببه وقد يكون ثابتاً لثبوت سبب غيره. وأشار إلى القسم الثاني بقوله: (وَيَقِلْ إيلاؤهُ مُسْتَقبَلاً لكِن قُبِلْ) أي يقل إيلاء لو فعلاً مستقبل المعنى، وما كان من حقها أن يليها، لكن ورد السماع به فوجب قبوله، وهي حينئذٍ بمعنى إن كما تقدم، إلا أنها لا تجزم. من ذلك قوله:
وَلَوْ تَلْتَقِي أصْدَاؤُنَا بَعْدَ موْتِنَا وَمِنْ دُوْنِ رَمْسَيْنَا مِنْ الأرْضِ سَبْسَبُ
لظلَّ صدى صوتي وإنْ كُنتُ رِمَّةً لِصوتِ صَدى لَيْلَى يَهِشُّ وَيَطْرَبُ
وقوله:
لاَ يُلْفِكَ الْرَّاجُوْكَ إلاَّ مُظْهِرَاً خُلُقَ الْكِرَامِ وَلَوْ تَكُوْنُ عَدِيْمَاً
وإذا وليها حينئذٍ ماض أوّل بالمستقبل، نحو: {وليخش الذين لو تركوا} (النساء: 9)، الآية. وقوله:
وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى الأخْيَلِيَّةَ سَلَّمَتْ عَلَيَّ وَدُوْنِي جَنْدَلٌ وَصَفَائِحُ
وإن تلاها مضارع تخلص للاستقبال، كما أن إن الشرطية كذلك. وأنكر ابن الحاج في نقده على المقرّب مجيء لو للتعليق في المستقبل، وكذلك أنكره الشارح وتأول ما احتجوا به من نحو: {ولْيَخْشَ الذين لو تركوا} (النساء: 9)، الآية. وقوله:
وَلَوْ أنَّ ليلى الأخيلية سلَّمت
ص377
وقال لا حجة فيه لصحة حمله على المضي. وما قاله لا يمكن في جميع المواضع المحتج بها. فما لا يمكن ذلك فيه وصرح كثير من النحويين بأن لو فيه بمعنى إن قوله تعالى: {وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كُنَّا صادقين} (يوسف: 17)، {ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} (التوبة: 33)، {قُل لا يَستوي الخبيثُ والطيِّبُ ولو أَعجبَك كَثرةُ الخبيثِ} (المائدة: 100)، {ولو أعجبتكم} (البقرة: 221)، {ولو أعجبَكم} (البقرة: 221)، {ولو أعكبَك حُسنهنَّ} (الأحزاب: 52). ونحو: أعطوا السائل ولو جاء على فرس. وقوله:
قومٌ إذَا حَارَبُوا شَدُّوَا مَآزِرَهُمْ دُوْنَ الْنِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأطْهَارِ
(وَهْيَ في الاختِصَاص بالفعلِ كإنْ) أي لو مثل إن الشرطية في أنها لا يليها إلا فعل أو معمول فعل مضمر يفسره فعل ظاهر بعد الاسم، كقول عمر رضي ا عنه:لو غيرك قالها يا أبا عبيدة. وقال ابن عصفور: لا يليها فعل مضمر إلا في ضرورة كقوله:
أَخلاّيَ لَوْ غيرُ الْحِمَامِ أصَابَكُمْ
عَتَبْتُ وَلَكِنْ مَا عَلَى الْدّهْرِ مَعْتَبُ أو نادر كلام كقول حاتم: لو ذات سوار لطمتني. والظاهر أنَّ ذلك لا يختص بالضرورة والنادر، بل يكون في فصيح الكلام كقوله تعالى: {لَوْ أنتم تملكون خزائن رحمة رَبِّي} (الإسراء: 100)، حذف الفعل فانفصل الضمير. وأما قوله:
لَوْ بِغَيرِ الْمَاءِ حَلْقِي شرِقٌ
ص378
كُنْتُ كَالْغَصَّانِ بِالْمَاءِ اعْتِصَارِي فقيل على ظاهره، وأن الجملة الاسمية وليتها شذوذاً. وقال ابن خروف: هو على إضمار كان الشانية: وقال الفارسي: هو من الأول، والأصل لو شرق حلقي هو شرق، فحذف الفعل أولاً والمبتدأ آخراً، ثم نبه على ما تفارق فيه لو إن الشرطيةفقال: (لَكنَّ لَوْ أنَّ بِهَا قَدْ تَقْترِنْ) أي تخص لو بمباشرة أن نحو: {ولو أنهم آمنوا} (البقرة: 103) {ولو أنهم صَبروا} (الحجرات: 5)، {ولو أنَّا كتبنا عليهم} (النساء: 66)، {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به} (النساء: 66). وقوله:
وَلَوْ أنَّ ما أسعى لأدنَى مَعيشةٍ
وهو كثير. وموضعها عند الجميع رفع، فقال سيبويه وجمهور البصريين بالابتداء، ولا تحتاج إلى خبر لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه. وقيل الخبر محذوف: فقيل يقدر مقدماً أي ولو ثابت إيمانهم، على حد: {وآية لهم أنَّا حملنا} (يس: 41)، وقال ابن عصفور: بل يقدر هنا مؤخراً، ويشهد له أنه يأتي مؤخراً بعد أما، كقوله:
عِنْدِي اصطبارٌ وأمَّا أنني جَزِعٌ يومَ النَّوى فلوجْدٍ كادَ يَبْرِيني
وذلك لأن لعل لا تقع هنا، فلا تشتبه أن المؤكدة إذا قدمت بالتي بمعنى لعل، فالأولى حينئذٍ أن يقدر الخبر مؤخراً على الأصل: أي ولو إيمانهم ثابت. وقال الكوفيون والمبرد والزجاج والزمخشري فاعل ثبت مقدراً كما قال الجميع في ما وصلتها في لا أكلمه ما أن في السماء نجماً، ومن ثم قال الزمخشري: يجب أن يكون خبر أن فعلاً ليكون عوضاً عن الفعل المحذوف. ورده ابن الحاجب وغيره بقوله تعالى: {ولو أنَّ ما في الأرض من شجرةٍ أقلام} (لقمان: 27)، وقالوا إنما ذلك في الخبر المشتق لا الجامد كالذي في الآية. وفي قوله:
مَا أطْيَبَ الْعَيْشَ لَوْ أنَّ الْفَتَى حَجَرٌ تَنْبُو الْحَوَادِثُ عَنْهُ وَهْوَ مَلْمُوْمُ
وقوله:
وَلَوْ أنَّهَا عُصْفُوْرَةٌ لَحَسِبْتُهَا مُسَوَّمَةً تَدْعُو عُبَيْدَاً وَأَزْغَا
ص379
ورد المصنف قول هؤلاء بأنه قد جاء اسماً مشتقاً كقوله:
لَوْ أنَّ حَيَّا مُدْرِكَ الْفَلاَحِ أدْرَكَهُ مُلاَعِبُ الْرِّمَاحِ
وقوله:
وَلَوْ أنَّ مَا أبْقِيْتِ مِنَّي مُعَلَّقٌ بِعُوْدِ ثُمَامٍ مَا تَأوَّدَ عُوْدُهَا
وقوله:
وَلَوْ أنَّ حَيَّا فَائِتْ الْمَوْتِ فَاتَهُ أخُو الْحَرْبِ فَوْقَ الْقَارِحِ الْعَدَوَانِ
(وإنْ مُضارعٌ تَلاهَا صُرِفَا إلى المُضيِّ نحو لو يَفِي كفَى) أي لو وفي كفى. ومنه قوله:
لَوْ يَسْمَعُوْنَ كَمَا سَمِعْتُ حَدِيْثَهَا خَرّوَا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُوْدَا
وهذا في الامتناعية. وأما التي بمعنى إن فقد تقدم أنها تصرف الماضي إلى المستقبل، وإذا وقع بعدها مضارع فهو مستقبل المعنى.
تنبيهان: الأول لغلبة دخول لو على الماضي لم تجزم ولو أريد بها معنى إن الشرطية، وزعم بعضهم أن الجزم بها مطرد على لغة، وأجازه جماعة في الشعر منهم ابن الشجري كقوله:
وَلَوْ يَشَأْ طَارَ بِهَا ذُو مَيْعَةٍ
وقوله:
تَامَتْ فُؤَادَكَ لَوْ يَحْزُنْكَ مَا صَنَعَتْ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَا
وخرج على أن ضمة الاعراب سكنت تخفيفاً كقراءة أبي عمرو: {ينصركم} (آل عمران: 160)، و{يشعركم} (الأنعام: 109)، و{يأمرْكم} (البقرة: 67)، والأول على لغة من يقول شايشا بالألف، ثم أبدلت همزة ساكنة كما قيل العألم والخأتم. الثاني جواب لوإما ماض معنى نحو: لو لم يخف ا لم يعصه. أو وضعا وهو إما مثبت فاقترانه باللام نحو: {لَوْ نشاء لجعلناه حُطاماً} (الواقعة: 65) أكثر من تركها نحو: {لو نشاء جعلناه أُجاجاً} (الواقعة: 70)، وإما منفي بما فالأمر بالعكس نحو: {ولو شاء ربك ما فعلوه} (الأنعام: 112)، ونحو قوله:
وَلَوْ نُعْطَى الْخِيَارَ لَمَا افْتَرَقْنَا وَلَكِنْ لاَ خِيْارَ مَعَ الْليَالِي
ص380
وأما قوله عليه الصَّلاة والسَّلام فيما أخرجه البخاري: «لو كان لي مثل أحُد ذهباً ما يسرني أن لا يمر عليّ ثلاث وعندي منه شيء» فهو على حذف كان: أي ما كان يسرني. قيل وقد تجاب لو بجملة اسميةنحو: {ولو أنهم آمنوا واتَّقوا لمثوبةٌ من عند ا خير} (البقرة: 103)، وقيل الجملة مستأنفة أو جواب لقسم مقدر، ولو في الوجهين للتمني فلا جواب لها.
ص381