أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2020
9607
التاريخ: 23-12-2019
3663
التاريخ: 15-6-2016
2780
التاريخ: 31-1-2023
2532
|
تخضع الرقابة القضائية للمبادئ المقررة في هذا الصدد واهمها أن القضاء لايمارس هذه الرقابة من تلقاء نفسه بل لابد من دعوى يحركها ذو مصلحة(1). وتتطلب الرقابة القضائية لكي تجري بصورة سليمة اتباع إجراءات معينة ومواعيد محددة يحددها القانون حسب مقتضى الحال في كل نظام من الأنظمة القضائية .وبخلاف الرقابة الإدارية فلا تستطيع الجهة القضائية التي ترفع أمامها الدعوى ألا النظر فيها والسير في إجراءات التقاضي والامتناع عن ذلك يعد انكاراً للعدالة والامتناع عن الفصل في المنازعة المعروضة يعد جريمة يعاقب عليها القانون وتسمى جريمة إنكار العدالة(2). والرقابة القضائية في صدورها هي رقابة قانونية تقتصر على بحث مشروعية أعمال الإدارة لمعرفة مدى مطابقتها لاحكام القانون بصفة عامة وبمعنى أخر ويقول الدكتور سليمان الطماوي ان الرقابة القضائية رقابة مشروعية بمعنى انه لاسلطان للقضاء على تصرف الإدارة المشروع مهما كانت درجة ملاءمته لمقتضى الحال في حدود فكرة الانحراف(3). والمعتاد أن تنتهي المحكمة التي تراقب عمل الإدارة رقابتها هذه بإصدار حكم نهائي يحوز حجية الشيء المقضي فيه فلايمكن إثارة النزاع بشأنه من جديد(4). ففي الدول ذات النظام القضائي الموحد توجد جهة قضائية واحدة (القضاء الاعتيادي) تنظر في المنازعات جميعا سواء أكانت إدارية أم تخص الأفراد مثل انكلترا أو أمريكا (5). ويفهم من طبيعة النظام الموحد تفسيره الخاص لمبدأ سيادة القانون الذي يقضي بخضوع الجميع سواء الأفراد أم الإدارة لقانون وقاضِ واحد ، لذلك فأن اخراج المنازعات الإدارية من يد القاضي الاعتيادي يعد خرقا لهذا المبدأ ، مع الاخذ بالحسبان أن الإنكليز قد احسنوا الظن بقضائهم الاعتيادي. أما في حالة وجود جهة قضائية متخصصة في المنازعات الإدارية (قضاء اداري) أي وجود جهتين قضائيتين مستقلتين ، تكون الدولة ذات نظام قضائي مزدوج (6). كما هو الحال في فرنسا ومصر والعراق بعد صدور قانون (106) لعام 1989.ويتمثل الأساس الدستوري في تبني مفهوم خاص لمبدأ الفصل بين السلطات وهو الفصل بين الهيأت، أما الأساس التاريخي فيعود إلى المواقف السيئة للقضاء العادي تجاه الإدارة في فرنسا مهد القضاء الإداري(7). يتضح من خلال ماتقدم أن الجذور التاريخية التي نشأ على اساسها كلا النظامين قد تركت اثارها في سلطة كل منهما ازاء الإدارة ، ففي نظام القضاء الموحد يخضع الأفراد والإدارة على السواء لحكم قانون واحد وقاضِ واحد ينظر في النزاع المعروض سواء كان اداريا ام بين الأفراد بمعنى انه ليس هناك امتياز للإدارة تجاه القضاء ومن ثم فأن القاضي الاعتيادي في الدول ذات النظام القضائي الموحد يمتلك سلطات واسعة ازاء الإدارة غير موجودة في القضاء في الدول ذات النظام القضائي المزدوج الذي يعترف بامتياز الإدارة واستقلالها تجاهه(8). ومن التطبيقات على طبيعة الرقابة في نظام القضاء الموحد نأخذ صورة الرقابة في النظام (الانكلوسكسوني) وهو النظام الذي أخذت به إنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية وحذت حذوهم بعض الدول العربية مثل السودان والسعودية والعراق قبل صدور القانون (106) لعام 1989، إذ من المعلوم أن إنكلترا تأخذ بنظام القضاء الموحد ، فهي لاتعرف نظام ازدواج القضاء القائم على جهة قضاء اداري مستقلة عن جهة القضاء الاعتيادي ، بل يقضي القانون العرفي باختصاص المحاكم الاعتيادية بنظر المنازعات جميعا سواء نشأت بين الأفراد فحسب أو نشأت بينهم وبين الإدارة ، فلايخرج نزاع اداري من اختصاص المحاكم الاعتيادية ألا بناء على نص صريح في القانون(9). ولايقتصر الأمر فيما يخص إنكلترا على عدم وجود قضاء إداري (أي محاكم إدارية للنظر في المنازعات الإدارية) وانما حصل خلاف فقهي بصدد القانون الإداري وهل يوجد في إنكلترا ام لا (10). فهناك جانب من الفقه يقول بعدم وجود قانون إداري في إنكلترا باذ أصبحت مثالا واضحا للدولة التي يخلو نظامها القانوني من قواعد القانون الإداري .ولكن فريقا أخر من الفقه يرى أن إنكلترا تعرف القانون الإداري مثل غيرها ، وان وجود ذلك القانون بها مسألة واضحة لايصح أن تكون محل جدل .وعلة هذا الخلاف في الرأي ترجع إلى اختلاف الفقهاء في بيان المراد بالقانون الإداري ، فالفقهاء الذين يقصدون بالقانون الإداري مجموعة من القواعد القانونية الخاصة تطبقها محاكم خاصة (إدارية) مستقلة عن المحاكم الاعتيادية ، ينكرون –بناء على هذا التفسير- وجود قانون أدارى في إنكلترا لعدم وجود محاكم إدارية فيها. والفقهاء الذين يرون في القانون الإداري مجموعة القواعد الخاصة بتنظيم عمل وسير المصالح العمومية يؤكدون وجود قانون أداري في إنكلترا . والواقع أن مسألة وجود قانون أدارى في دولة ما لايجوز أن تتوقف عند انشاء محاكم خاصة لتطبيق قواعده لان ذلك يعد امرا شكليا ليس له اثر في تحديد خصائص القواعد القانونية الموضوعية ، ومع ذلك إذا قيل بان إنكلترا دولة تخلو من القانون الإداري فمرد ذلك ليس إلى عدم وجود قضاء اداري فيها ، بل إلا أن الإدارة غير المسؤولة (11). وهي قاعدة عامة عن اعمالها في مواجهة الأفراد ، وإذا ماسؤلت على سبيل الاستثناء عن بعض اعمالها فأنها تخضع بخصوص هذه المسؤولية إلى القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الأفراد .وعلى ذلك فأن وجود مصالح عمومية تقوم بالأعمال الإدارية في الدولة لايكفي للقول بوجود قانون أداري فيها(12). والقضاء الإنكليزي فضلا عن المنازعات القائمة بين الأفراد ، يتولى النظر في الدعاوى كافة التي ترفع في مواجهة الإدارة ، ألا ما استثني منها بنــــص القانون (13). وتتسع سلطة المحاكم في إنكلترا على أعمال الإدارة ، فلاتقتصر على مراقبة مشروعية هذه الأعمال ، وانما يمكن أن تتناول ملاءمتها وتصل إلى حد توجيه اوامر إلى الإدارة بالقيام بعمل معين أو الامتناع عنه. حتى أن بعض الفقهاء يشبه سلطة القضاء البريطاني على الإدارة بالسلطة الرئاسية. ومظهر الرقابة القضائية على القرارات الإدارية فيها هو قضاء التعويض فحسب في المنازعات جميعا سواء نشأت بين الأفراد ، أو بينهم وبين الإدارة. ويرجع مبدأ عدم مسؤولية الدولة في إنكلترا إلى قاعدة قديمة مضمونها أن الملك لايخطئ. وبما أن الدولة تندمج في التاج أو تتجسد في الملك ، فان الدولة أيضا لاتخطئ ومن ثم لاتثور مسؤوليتها.هذا فضلا عن إلى أن العلاقة بين الموظف والدولة في إنكلترا تعد (14). علاقة تعاقدية تستند إلى فكرة الوكالة ، والموكل لايسال عن أخطاء الوكيل لان هذه الأخطاء تخرج عن نطاق الوكالة . غير أن مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أخطاء موظفيها و مايتبعه من مسؤولية الموظفين الشخصية قد دخلت عليه استثناءات عديدة لطفت من حدته وخففت ما يمكن أن ينشأ عنه من نتائج غير محمودة. غير أن تزايد المنازعات الإدارية المصاحب لتضخم وظائف الدولة في المملكة المتحدة الحديثة قد دفع إلى تكوين لجان إدارية خصها المشرع بالفعل ببعض المنازعات الإدارية فخرجت بذلك من ولاية القضاء ، وهذا الاتجاه الجديد في المملكة المتحدة ينادي بإقامة قضاء أداري متخصص يكون اكثر قربا من طبيعة المنازعات الإدارية ولو كجهة استئناف لقرار اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي(15). أما فيما يخص طبيعة الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية فانه من المعلوم أن أمريكا تأخذ بصفة عامة بالنظام الإنكليزي. فالمحاكم الاعتيادية هي التي تختص بنظر المنازعات جميعا إدارية كانت أم مدنية ،ونظام المحاكم الإدارية غير معروف ، وكذلك تأخذ بمبدأ مسؤولية الموظف الشخصية عما يسببه من ضرر للأفراد .كما أن القاضي الأمريكي يتمتع في مواجهة موظفي الإدارة بالسلطات الواسعة التي يمارسها القاضي الإنكليزي ، فيملك إصدار أوامر مكتوبة اليهم بعمل شئ أو بالامتناع عن عمل شئ أو تبديل قراراتهم (16).لقد بلغ التشابه بين النظامين الإنكليزي والأمريكي اقصاه باعتناق القانون الأمريكي لمبدأ عدم مسؤولية الدولة الذي كان سائدا في إنكلترا ، والذي كان سنده هناك قاعدة أن الملك لايخطئ ، ومن الغريب أن يعتنق القانون الأمريكي هذا المبدأ الذي لايتصور وجوده ألا في الملكيات. لقد كان هذا المبدأ يستند في الولايات المتحدة الأمريكية – فيما يستند اليه – إلى أساسين ، أحدهما تأريخي والأخر قانوني. فمن الناحية التاريخية يعد هذا المبدأ من المبادئ التي ورثتها الولايات المتحدة الأمريكية وتلقتها من القانون العرفي الإنكليزي منذ عهد الاستعمار. ومن الناحية القانونية ، ذهب أحد كبار رجال القضاء الأمريكي إلى أن القانون من صنع الدولة وخلقها ، ومن ثم تقضي الضرورة المنطقية بان لاتكون مقيدة به. ويمثل هذا الرأي صدى لما كان يستند اليه الملوك قديما في تبرير سلطانهم المطلق وفي صراعهم ضد الكنيسة والمجالس النيابية والشعوب ، حتى انه يتعارض مع النظريات الحديثة التي اعتنقتها وطبقتها المحكمة الاتحادية العليا في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ، والتي مؤداها أن السيادة ليست للدولة أو للسلطات الحاكمة فيها ، وانما هي من الشعب والى الشعب(17). فيما لانجد تفسيرا لاعتناق المبدأ المذكور في الولايات المتحدة الأمريكية ألا في الاساس التاريخي .ولاريب في أن الذي حدا بأمريكا إلى انتهاج هذا السبيل الذي أوقعها في الخلط المشار أليه هو نظرتها غير السليمة إلى مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات ، إذ أنها تأخذ في الأقل من الناحية النظرية بمبدأ الفصل المطلق التام بين السلطات ، ومثل هذه النظرة توحي لها وتؤكد أن ترك تقرير مسؤولية الدولة للسلطة القضائية يتضمن اعتداء على اختصاص السلطة التشريعية وهذا غير صحيح في واقع الأمر(18). أما في العراق وكما هو معروف من الخلفية التاريخية لطبيعة الرقابة على أعمال الإدارة فانه كان خاضعا لنظام القضاء الموحد في مرحلتي الحكم العثماني والاحتلال البريطاني وجزء من مدة الحكم الوطني (19).
__________________________
1- د. سليمان محمد الطماوي – القضاء الإداري ورقابة الأعمال الإدارة-مرجع سابق، ص25.
2- د. محمد كامل ليلة/الرقابة القضائية على أعمال الادارة-مرجع سابق ، ص25.
3- د .سليمان محمد الطماوي – القضاء الإداري ورقابة الأعمال الإدارة-مرجع سابق،ص26 وكذلك د. محمود محمد حافظ - القضاء الاداري -مرجع سابق ،ص 80 ومابعدها، وكذلك د.محمد كامل ليلة-المرجع السابق ، ص174.
4- عبد الرحمن نوجان الايوبي –القضاء الإداري في العراق حاضره ومستقبله –رسالة دكتوراه –1965-ص4.
5- د. عبدالله طلبة-الرقابة القضائية على أعمال الإدارة–القضاء الإداري-المطبعة الجديدة-دمشق-1975-ص61.
6- د.محمد ميرغني خيري: القضاء الإداري ومجلس الدولة.ج1-1989 ،ص79.
7- د.محمد انس قاسم جعفر-الوسيط في القانون العام –دار النهضة العربية-القاهرة-1987،ص62.
8- ضرغام مكي نوري: مدى سلطة قاضي الالغاء بتعديل القرار الإداري-رسالة ماجستير-جامعة بابل-1997-ص6.
9- د. محمود محمد حافظ : القضاء الإداري في القانون المصري والمقارن ، دار النهضة العربية ،القاهرة،1993-ص99.
10- د. يحيى الجمل : مقال بعنوان بعض ملامح تطور القانون الإداري –مجلة العلوم الإدارية-العام 12 العدد الاول ،عام 1970.
11- د.محمد كامل ليلة/الرقابة القضائية على أعمال الادارة-الرقابة القضائية-مرجع سابق-ص186 نقلا عن محاضرات (اندريه هوريو) بقسم الدكتوراه في جامعة القاهرة عام1952 ، وكذلك ص188 من نفس المرجع.
12- د.محمد كامل ليلة: المرجع نفسه ،ص188.
13- د. ماجد راغب الحلو-القضاء الإداري-مرجع سابق،ص75.
14- د. محمود محمد حافظ : القضاء الإداري –دراسة مقارنة- دار النهضة العربية ،القاهرة ،1973-ص123.
(15- د. ماجد راغب الحلو-مرجع سابق-ص75.
16- د. محمود محمد حافظ : القضاء الإداري –مرجع سابق ص104-105.
17- د.أحمد كمال ابو المجد : رقابة القضاء على أعمال الإدارة- منشاة المعارف ، الاسكندرية عام1964 ،ص117 ، وكذلك بحث المؤلف نفسه بعنوان المسؤولية التقصيرية للحكومة في النظامين الأمريكي والفرنسي عام 1970،العدد الأول –ص64-66.
18- د.محمد كامل ليلة : مرجع سابق –ص200.
19- كامل السامرائي: القضاء الإداري في العراق –1963- ص5.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|