أبو إسحاق البطروجي

هو نور الدين البطروجي، ويكنى بابي إسحاق، ويلقب بالأشبيلي، لا نعرف بالضبط متى ولد ولا متى توفي، ولكن الثابت انه من علماء أواخر القرن السادس الهجري، اصله من مدينة بطروج القريبة من قرطبة، ولكنه عاش وترعرع وتعلم في اشبيلية، ولهذا السبب يلقب بلإشبيلي، ويؤكد ذلك كل من عر رضا كحالة في كتابه (معجم المؤلفين-المجلد الثالث عشر) وكرلو نلينون في كتابه (علم الفلك تاريخه عن العرب في القرون الوسطى) وغيرهما.

ويذكر الدومييلي في كتابه (العلم عند العرب واثره في تطوير العلم العالمي) ان أبا إسحاق نور الدين البطروجي الاشبيلي اشهر بكثير من جابر بن الافلج في علم الفلك، ولكن المؤلفين في بلاد الغرب في مجال علم الفلك هضموا حقه، كما ذاع صيت البطروجي في الغرب باسم Alpetrogius فهو عالم شهير اصله من بطروج ، المدينة القريبة من قرطبة.

كان أبو إسحاق البطروجي من تلاميذ العالم المرموق محمد بن طفيل الاندلسي (550-581هـ) والذي اشتهر في الطب والفلسفة والسياسة، من هذا يتبين ان البطروجي كان على قيد الحياة في أواخر القرن السادس الهجري، وانه تتلمذ على يدي جهابذة الفكر في الاندلس.

لقد اثارت نظرية البطروجي حول حركة الكواكب والمعروفة عن الغرب باسم حركة علمية عظيمة في ميدان علم الفلك، فهذه النظرية العظيمة زعزعت النظام الفلكي البطليموسي الذي كان جاثما على عقول علماء الفلك آنذاك.

ومما لاشك فيه ان كتاب الهيئة للبطروجي لعب دورا جليلا في بلورة الشك في تعاليم بطليموس الفلكية، مما دفع علماء الغرب الى ترجمة هذا الكتاب الهام في مجال علم الفلك الى لغاتهم ، وترجمه ميشيل سكوت الى اللغة اللاتينية سنة 614هـ، اما موسى بن طبون فترجمه الى اللغة العبرية سنة 935هـ، والحق ان ميشيل سكوت اول من ادخل كتاب الهيئة للبطروجي الى العالم النصراني في أوروبا ، حيث انه تمكن من تعلم اللغة العربية في طليطلة سنة 614هـ، ويؤكد ذلك ديفيد يوجين سمث في كتابه (تاريخ الرياضيات-المجلد الأول).

وأضاف الدومييلي في كتابه آنف الذكر ان المطران الإيطالي (Bernardin Baldi d'urbino) الذي عاش فيما بين (960-1026هـ) يعتبر البطروجي من الرياضيين المتميزين في العالم، ومن هذا المنطلق وضع المطران الإيطالي البطروجي في راس قائمة علماء الفلك في كتابه الذي خصصه لتراجم الرجال المشهورين في المعمورة.

نظرية البطروجي الفلكية كانت المحرك لإحياء نظرية اودكسون التي تخص الافلاك المشتركة المركز والتي تقول (خلال حركات الافلاك السيارة المختلفة مع بعضها البعض أدى الى تكوين مدار واحد فقط لكل منها).

والملاحظ ان أبا إسحاق البطروجي رفض نظرية بطليموس جملة وتفصيلا الخاصة في الافلاك التدوير والافلاك الخارجة المركز، وأوصى بالعودة الى نظام ارسطوطاليس القائل بمركز الافلاك جميعا.

اصر سيد حسين نصر في كتابه في كتابه (العلوم والحضارة في الاسلام) ان أبا إسحاق البطروجي الفلكي العظيم هو صاحب نظرية الحركة الحلزونية او اللولبية للأفلاك، وانه أوضح ذلك بأمثلة كثيرة في كتابه (كتاب الهيئة).

وخلاصة القول: يتضح للقارئ ان علماء الغرب والشرق اعتمدوا على أفكار ونظريات البطروجي الفلكية، ولذا صار كتاب الهيئة للبطروجي من المصادر الضرورية للباحثين في ميدان علم الفلك.

آراء البطروجي في علم الفلك تدل على طول باعه أيضا في حقل الرياضيات، فهو بحق من علماء العرب والمسلمين البارزين ليس فقط في علم الفلك ولكن أيضا في العلوم الرياضية.

حاز البطروجي على شهرة عظيمة بين علماء النصارى واليهود بانه المهلهل والمزعزع الوحيد لمذهب بطليموس الفلكي، لانه استمر ينخر في النظام الفلكي لبطليموس حتى طور نظاما جديدا بديلا له، وهذا يدل على تضلعه في علمي الفلك والرياضيات.

كم منا يعرف البطروجي؟ الجواب القليل جدا، علما ان البطروجي من نوابغ علماء العرب والمسلمين في علم الفلك، ومن العلماء المسلمين الذين ادهشوا علماء الغرب في عقليتهم الثاقبة.

الواجب علينا امة الإسلام ان نحظى بنتاج ابي إسحاق البطروجي في علم الفلك ونحقق على الأقل كتابه (كتاب الهيئة) لكي يعرف فلذات اكبادنا شباب هذه الامة مكانة البطروجي العلمية وفضله على الإنسانية.