المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

أوصاف يوم القيامة
26-09-2014
The magnetic periodic table
12-2-2021
وجوب الشاة في قتل البط والإوز والكركي.
19-4-2016
Drop plate technique
20-3-2016
حكم تسميت العاطس في الصلاة.
18-1-2016
محمد بن سلمة
2-9-2016


ابن شهيد  
  
4753   10:55 مساءاً   التاريخ: 24-3-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص448-458
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /

ابن شهيد (1)هو أحمد بن عبد الملك بن أحمد بن عبد الملك بن شهيد الأشجعي القرطبي، فهو من أصل عربي، كان جده الأعلى عبد الملك بن شهيد وزيرا للأمير محمد (٢٣٨-٢٧٣ ه‍) ووز ابنه أحمد لعبد الرحمن الناصر و لقبه بذي الوزارتين و مر بنا في  الفصل الأول ذكر هدية نفيسة له إلى الناصر تدل على أنه كان من أكثر أهل قرطبة ثراء، و ولد له في  سنة ٣٢٣ ابنه عبد الملك و أصبح فيما بعد وزيرا للمنصور بن أبي عامر، و ولاه على الولايات الشرقية: بلنسية و مرسية مدة تسع سنوات، و عاد مضيفا منها إلى ثرائه الموروث عن أبيه ثراء واسعا، و اصطفاه المنصور بن أبي عامر لنفسه مستشارا و جليسا.

و نقل سكناه إلى جواره. و كان قد رزق بابنه أحمد سنة ٣٨٢ فنشأ في  نعيم نشأة مترفة و ضاعف ترفها رعاية ابن أبي عامر و حظياته له، فكان لا يزال يغدو و يروح إلى قصوره مختلطا بأحفاده. و عنى أبوه بتربيته. و منذ نعومة أظفاره كان عنده نهم للأدب و المعارف، يقول في  فواتح رسالة: التوابع و الزوابع: «كنت أيام كتّاب الهجاء أحن إلى الأدباء و أصبو إلى تأليف الكلام. فابتعت الدواوين و جلست إلى الأساتيذ، فنبض لي عرق الفهم، و درّ لي شريان العلم. . فطعنت ثغرة البيان دراكا، و أعلقت رجل طيره أشراكا، فانثالت لي العجائب و انهالت عليّ الرغائب» . و يضيف إلى ذلك في  إحدى رسائله أنه درس ضروب العلم المختلفة من أدب و خبر وفقه و طب و كيمياء و حكمة. و بينما هو غارق في  النعيم و في  تثقيف نفسه إذ النكبة تحل بأسرة ابن أبي عامر سنة ٣٩٩ و كان قد توفي  منذ سبع سنوات. و ولى الحجابة المظفر ابنه فسعدت الأندلس و الرعية به، غير أن القدر لم يمهله، فتوفي  سنة ٣٩٩ و خلفه أخوه الناصر عبد الرحمن و كان نحسا على نفسه و انهمك في  الشرب و الزندقة و الطعن في  الدين الحنيف، فقتل سريعا. و انفتح باب الفتنة التي قضت على الدولة الأموية و دمّرت فيها قرطبة و أحرقت المدينتان المحدثتان بجوارها: الزهراء و الزاهرة، و سفكت الدماء بقرطبة و ظلت تنزف طويلا. و ترك ذلك آثارا عميقة في  نفس ابن شهيد فقد اندكّت صروح آماله و مطامحه، و داخله أسى عميق لما نزل بمدينته و بأسرة بني أبي عامر، و لما رأى في  أثناء ذلك من انتهاك القيم و اختلال الموازين، فأكبّ على كؤوس الخمر و اللذات يغرق فيها همومه محاولا أن ينساها أو يتسلى عنها، و أنّى له، إذ كانت تتجدد كل يوم، فكيف يحتمل الحياة إنه ليس أمامه إلا أن يسرف على نفسه في  الخمر و ما يتصل بها من اللذات، لعلها تخفف عنه محنته و ما يطبق عليه من أحزان.

و تصادف أن أصابه الصمم مبكرا، فتضاعف حزنه و همه، و تضاعف إقباله على الخمر و المجون حتى ليقول ابن حيان: «غلبت عليه البطالة فلم يحفل في  آثارها بضياع دين و لا مروءة حتى أسقط شرفه و لم يقصر عن ارتكاب قبيحة» و يقول ابن بسام: «كان بقرطبة في  رقته و براعته و ظرفه خليعها المنهمك في  بطالته و أحطّ الناس في  هوى نفسه و أهتكهم لعرضه و أجرأهم على خالقه» . و كان الشعر قد انثال على لسانه مبكرا، كما أخذت تظهر مخايل نبوغه الأدبي، و سرعان ما أصبحت داره منتدى لأترابه من الشباب القرطبيين المتأدبين أمثال ابن حزم و ابن عمه أبي المغيرة عبد الوهاب و ابن برد الأصغر و أبي عامر بن المظفر بن أبي عامر و ابن عمه المؤتمن عبد العزيز. و يقدم غير مدحة

للخليفة المستعين الأموي (4٠٠-4٠٧ ه‍) و يشكو له ممن يتهمونه بسرقة الشعر كذبا و بهتانا. و فتك بالمستعين قائده علي بن حمود الحسني و استولى على صولجان الخلافة و انعقدت صلة بين ابن شهيد و كاتبه أبي جعفر اللمائي، و فتك بابن حمود غلمانه سنة 4٠٨ و خلفه أخوه القاسم و خلعه ابن أخيه يحيى بن علي بن حمود سنة 4١٢ و كان قد اتخذ وزيرين أبا عبد اللّه بن الفرضي و ابن فتح جعفر بن محمد و أفسدا العلاقة بينه و بين ابن شهيد مما جعله يزجّ به في  غياهب السجن فترة ظل فيها يستعطفه حتى رد إليه حريته.

و كان ابن شهيد يختلف إلى مجالس أبي العباس بن ذكوان المتوفي  سنة 4١٣ و فيها انعقدت صلة بينه و بين ابنه أبي بكر و كان مثله رقاعة و خلاعة، و تعرف على ابن الحناط الكفيف الذي كانت ترعاه أسرة بني ذكوان، و اصطدم به، و ربما كان من أسباب ذلك أنه كان يوالي بني حمود و يقدم إليهم مدائحه بينما كان ابن شهيد يوالى بني أمية، و أيضا ربما رجع ذلك إلى المنافسة الأدبية، فنشبت بينهما مناقضات نظما و نثرا استمرت طويلا. و لم يكن يؤذيه شيء مثل اتهامه بالسرقة في  شعره و نثره، و بلغه أن أبا بكر محمد بن القاسم إشكمياط (في  كتاب المغرب: إشكنهاط) يتهمه بالسرقة في  نثره، فكتب إليه محنقا رسالة عنيفة، قال فيها: «لأقطعن حبالك هاجرا، و لأتركن ليلك ساهرا» . و يصبح صديقه الأمير عبد الرحمن بن هشام الأموي خليفة في  سنة 4١4 و يتلقب بالمستظهر، و يتخذه مع صاحبه ابن حزم وزيرين، و أحسّ ابن شهيد أن الدنيا تبتسم له بعد طول العبوس، غير أن ابتسامتها سرعان ما غاضت بعد سبعة و أربعين يوما، إذ خلف المستكفي  الأموي المستظهر، و عادت الهموم تطبق عليه. و كان يحيى بن علي بن حمود قد انسحب إلى مالقة، ففكر ابن شهيد أن يهاجر إليها كما تدل على ذلك قصيدة في  ديوانه، و نظن أنه زار حينئذ مجاهدا أحد فتيان العامريين الصقالبة و كان قد أسس له إمارة في  دانية بشرقي الأندلس سنة 4١٢ غير أنه ازورّ عنه فيما يبدو لاختلاف مسلكهما في  الحياة، إذ لم يكن مجاهد يأخذ نفسه بشيء من اللهو، بل على العكس كان منصرفا إلى الجد و العناية بالعلماء و القراء.

و عاد ابن شهيد إلى قرطبة و لم يلبث يحيى بن علي بن حمود أن قدم إليها بجنوده من مالقة و استولى على أزمة الأمور بها سنة 4١6 و قدّم إليه ابن شهيد بعض مدائحه غير أن وزيريه ابن فتح و ابن الفرضي ظلا يغلقان أبوابه في  وجهه. و استدار العام، فانصرفت قرطبة عن ابن حمود و بايعت لأموي هو الخليفة المعتدّ و ظل بعيدا عنها يتنقل في  الثغور نحو ثلاث سنوات. و كان صديق ابن شهيد المؤتمن العامري أصبح أميرا على بلنسية منذ

سنة 4١٧ فتراسلا مرارا، و ألحّ عليه المؤتمن أن يترك قرطبة إلى بلنسية، فاعتذر إليه بشعر رقيق يصور فيه شغفه بقرطبة مع ما أصابها من المحن و الخطوب و الدمار و تفجّع لها و توجع في  أسى مرير. و يقرّبه الخليفة المعتدّ و يتخذه جليسا و سرعان ما يتقوض حكمه و تتقوض معه الدولة الأموية سنة 4٢ و يستولي على مقاليد الأمور بها أبو الحزم جهور. و في  سنة 4٢5 يزور أمير المرية زهير الصقلبي-من فتيان بني عامر-قرطبة و معه وزيره و كاتبه أبو جعفر أحمد بن عباس و كان فيه عجب شديد، فاصطدم به ابن شهيد و هجاه هجاء مقذعا. و يصاب في  أواخر هذه السنة بفالج و يقاسي منه لمدة سبعة أشهر أهوالا ثقالا حتى ليفكر في  الانتحار كما ذكر في  بعض شعره، و يلبي داعي ربه في  جمادي الأولى سنة 4٢6، و صلّى عليه-و أقام مراسم دفنه-أمير قرطبة أبو الحزم جهور، و يكثر البكاء و العويل على قبره و تنشد مراث متعددة لصديقه ابن برد الأصغر و غيره.

و هذه حياة ابن شهيد، و هي حياة امتلأت بغيوم الهموم مع ما امتاز به من تفوق في  الأدب نثرا و شعرا، و فيه يقول ابن حيان مؤرخ الأندلس: «إذا تأملته، و كيف يجرّ في  البلاغة رسنه، قلت عبد الحميد في  أوانه، و الجاحظ في  زمانه. . و له رسائل كثيرة في  أنواع التعريض و الأهزال قصار و طوال برّز فيها شأوه، و أبقاها في  الناس خالدة بعده» و قال عنه الفتح بن خاقان في  المطمح: «عالم بأقسام البلاغة و معانيها، حائز قصب السبق فيها، لا يشبهه أحد من أهل زمانه، و لا ينسّق ما نسّق من درّ البيان و جمانه» و قال فيه ابن بسام: «نادرة الفلك الدوّار، و أعجوبة الليل و النهار، إن هزل فسجع الحمام، أو جدّ فزئير الأسد الضرغام، نظم كما اتسق الدر على النحور، و نثر كما خلط المسك بالكافور» . و قد سقطت من يد الزمن أعماله و لولا ما احتفظ به ابن بسام و أصحاب الكتب الأدبية من أشعاره لضاع هذا الكنز النفيس من منظوماته، و أيضا لولا ما احتفظ به ابن بسام من رسائله و خاصة من رسالته التوابع و الزوابع لفقد النثر الأندلسي دررا بديعة من لآلئه و روائعه.

و ابن بسام لم يحتفظ برسالة التوابع و الزوابع جميعها، إنما احتفظ ببعض فصولها، و ما جاء في  صدرها من مخاطبة ابن شهيد لصديق له هو أبو بكر بن حزم، و تصادف أن كان لأبي محمد بن حزم أخ يتفق مع هذا المخاطب في  اسمه توفي  سنة 4٠١ فظن بعض الباحثين أنه هو المخاطب، و رتبوا على ذلك أن ابن شهيد ألف رسالته و هو شاب، و لو أنهم رجعوا إلى الحميدي في  الجذوة لوجدوه ينص على أنه شخص آخر، إذ يقول:

«يحيى بن حزم أبو بكر شيخ من شيوخ الأدب. . و هو الذي خاطبه أبو عامر بن شهيد

برسالة التوابع و الزوابع التي سماها شجرة الفكاهة، و هو من بيت آخر غير بيت الفقيه أبي محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم» . و إذا أضفنا إلى ذلك أن ابن شهيد أنشد في  الرسالة قطعة من رثائه لوزير الخليفة المستظهر حسان بن مالك المتوفي -كما جاء في  كتاب الصلة-سنة 4١6 تعين أن تكون الرسالة كتبت في  هذه السنة على الأقل أو بعدها في  إحدى السنوات التالية القريبة. و بذلك يسقط كل ما ذهب إليه الباحثون من أن الرسالة ألّفت قبل هذا التاريخ.

و التابع في  الرسالة الجنّىّ و الزوبعة الشيطان، و ابن شهيد يذكر في  صدرها لصديقه أبي بكر بن حزم أنه أرتج عليه ذات يوم في  شعر كان ينظمه، فتراءى له تابعه من الجنّ على فرس أدهم، فأجازه، و استحلفه من هو فقال: زهير بن نمير من قبيلة أشجع في  الجن، و كأن في  الجن قبيلة تقابل قبيلة ابن شهيد: أشجع في  الإنس، و تحادثا حينا، ثم علّمه أبياتا إذا أراد استحضاره، و أوثب الفرس جدار الحائط و غاب عنه، فكان كلما أرتج عليه أنشد الأبيات المذكورة فمثل توّا. و لما تأكدت صحبته له عرض عليه أن يلقى معه توابع الشعراء و الكتاب و زوابعهم فاستأذن له شيخه الجني، و أذن له، فأركبه معه على متن جواده، و سار بهما كالطائر يقطع الجوّ فالجوّ و الدّوّ (الفلاة) فالدّوّ حتى لمح ابن شهيد أرضا لا كأرض الإنس متفرّعة الشجر عطرة الزهر، و قال له تابعه تلك أرض الجن، و طلب منه ابن شهيد أن يلقى صاحب امرئ القيس «و أمال التابع عنان الجواد إلى واد من الأودية به دوح تتكسر أشجاره و تترنّم أطياره، و صاح تابعه على تابع امرئ القيس قائلا: «يا عتيبة بن نوفل، بسقط اللّوى فحومل (و هما موضعان بمعلقة امرئ القيس) يوم دارة جلجل (أيضا في  المعلقة) إلا ما عرضت علينا وجهك، و أنشدتنا من شعرك، و سمعت من الإنسي و عرّفتنا كيف إجازتك له؟ فظهر لهما فارس على فرس شقراء كأنها تلتهب، فقال: حياك اللّه يا زهير و حيّا صاحبك أهذا فتاهم؟ قال زهير هو هذا. و أي جمرة (يشيد بابن شهيد) يا عتيبة، فقال لابن شهيد: أنشد، فقال:

السيد أولى بالإنشاد، فتطامح (ارتفع) طرفه، و اهتزّ عطفه، و قبض عنان الشّقراء (فرسه) و ضربها بالسوط، فسمت تحضر (تثب) طولا عنا، و كرّ فاستقبلنا بالصّعدة (القناة) هازّا لها، ثم ركزها، و أنشده إحدى قصائد امرئ القيس حتى أكملها، ثم قال لابن شهيد:

أنشد، فهمّ إزاء روعة قصيدة امرئ القيس بالحيصة (النكول) ثم اشتدتّ قوى نفسه و أنشده قصيدة يعارض بها قصيدته، فلما انتهى منها تأمله تابع امرئ القيس معجبا به، ثم قال له: اذهب فقد أجزتك و غاب عن بصره. و سأله تابعه زهير: من تريد بعده، فطلب لقاء صاحب طرفة، فقطع معه وادي عتيبة، و ركضا جوادهما حتى انتهيا إلى غيضة.

و يصف ابن شهيد الغيضة و أشجارها و لقاءه فيها بعنتر بن العجلان تابع طرفة، و يحاوره و ينشده عنتر قصيدة لطرفة و يعارضها بقصيدة بديعة، و يصيح عنتر معجبا بقصيدته، و يجيزه، و يغيب عنه. و يلتقي ابن شهيد مع صاحبه بتابع قيس بن الخطيم شاعر يثرب و يتحاوران و يتناشدان الشعر و يجيزه. و يترك توابع شعراء الجاهلية إلى شعراء العصر العباسي. و يلتقي بصاحب أبي تمّام، و ينشده ابن شهيد أشعارا مختلفة له منها مرثيته للوزير حسان بن مالك. و يلتقي بتابع البحتري، و يتناشدان الشعر و يجيزه.

و يسأل ابن شهيد صاحبه أن يلقاه بصاحب أبي نواس و ينقل لنا صورة من منازل خمره و سكره، إذ بوادي الجن منازل مماثلة لمنازل أبي نواس في  دنيا الإنس، فهذا دير حنّة الذي كان كثيرا ما يختلف إليه، و يشقّ سمع ابن شهيد قرع النواقيس، و يجتاب مع تابعه أديارا و كنائس و حانات حتى ينتهيا إلى دير عظيم تعبق روائحه و تفوح نوافحه، و يقف صاحبه زهير ببابه و يصيح سلام على أهل دير حنّة، و يسأله ابن شهيد هل صرنا بذات الأكيراح (ساحة يخرج إليها الرهبان في  أعيادهم و طالما تغنى بها أبو نواس) و يجيبه: نعم، و تقبل نحوهما الرهابين و في  أوساطهم الزّنانير المشدودة و قد قبضوا على العكاكيز، بيض الحواجب و اللّحى، و قالوا لصاحبه ما بغيتك؟ فقال حسين الدّنان تابع أبي نواس، فقالوا إنه في  شرب الخمر، منذ أيام عشرة، و نزلوا بابن شهيد و تابعه إلى بيت اصطفّت دنانه و حولها غزلانه، و في  فرجته شيخ طويل الوجه و اللحية افترش أضغاث (أخلاط) زهر، و اتّكأ على زقّ خمر، و بيده طاس خمر كبير، فصاح به زهير: حيّاك اللّه أبا الإحسان، فأجاب بجواب لا يعقل لغلبة الخمر عليه، فقال زهير لابن شهيد: اقرع أذن نشوته.

بإحدى خمريّاتك فإنه ربما تنبّه لبعض ذلك، فصاح ابن شهيد ينشده إحدى خمرياته، فصاح تابع أبي نواس و سأله أ أشجعي كأنه لا يحسن مثل هذه الخمرية إلا ابن شهيد الأشجعي، و أجابه ابن شهيد: أنا ذاك، فاستدعى ماء قراحا، فشرب منه و غسل وجهه، فأفاق و اعتذر إليه من حاله، و أنشده قصيدة أبي نواس:

يا دير حنّة من ذات الأكيراح    من يصح عنك فإني لست بالصّاحي 
و كاد ابن شهيد يخرج من جلده طربا، و سأله تابع أبي نواس أن ينشده من شعره، و قام حسين يرقص ببعض شعر ابن شهيد و يردده، و قال له: هذا و اللّه شيء لم نلهمه نحن و قبّل بين عينيه و أجازه. و سأل زهير ابن شهيد من تريد بعد ذلك؟ فقال له: تابع أبي الطيب المتنبي، و لقيه فارسا على فرس بيضاء كأنه قضيب على كثيب، و بيده قناة قد أسندها إلى عنقه و على رأسه عمامة حمراء قد أرخى لها عذبة صفراء، فحيّاه زهير، فأحسن الردّ ناظرا من مقلة شوساء مضمومة أجفانها استعلاء قد ملئت تيها و عجبا، و استنشد ابن شهيد فأنشده بعض أشعاره، و لما انتهى قال لزهير إن امتد به شوط العمر فلا بد أن ينفث بدرر، و ما أراه إلا سيختضر (يموت شابا) بين قريحة كالجمر و همّة تضع أخمصه (باطن قدمه) على مفرق البدر، و يجيزه. و كأنما كان تابع المتنبي يقرأ في  صفحة القدر، إذ تنبأ له أن يحطم الموت غصنه اليافع بعد سنوات معدودة، و حطمه.

و سأل ابن شهيد زهيرا بعد لقائه بالمتنبي أن يلقاه بتوابع الكتّاب-و يسميهم الخطباء-و ركضا الجواد طاعنين في  مطلع الشمس، و مالا إلى توابعهم بمرج دهمان و إذا بناد عظيم جمعهم، و الكلّ منهم ناظر إلى شيخ أصلع جاحظ العين اليمنى على رأسه قلنسوة بيضاء طويلة، فسأل ابن شهيد زهيرا عنه فقال: عتبة بن أرقم صاحب الجاحظ و كنيته أبو عتيبة، فقال ابن شهيد: بأبي هو ليس رغبتي سواه و غير صاحب عبد الحميد الكاتب فقال له إنه ذلك الشيخ الذي إلى جنبه. و عرّف عتبة بابن شهيد، فقال له: إنك حائك للكلام مجيد، لو لا أنك مغري بالسجع، فكلامك نظم لا نثر، فاعتذر له قائلا إنه يعرف فضل الازدواج و المماثلة (خاصّة أسلوب الجاحظ و عبد الحميد الكاتب) غير أنه عدم ببلده فرسان الكلام. و يسوق حملة عنيفة على كتّاب زمنه مستخدما أسلوبهما من الازدواج و المماثلة، و يقرأ لهما رسالة طويلة مسجوعة في  الحلواء، يصف فيها طائفة منها، من مثل الخبيص و الزلابية، و يستحسنانها قائلين إنّ لسجعه موضعا من القلب و مكانا من النفس، مع حلاوة اللفظ و ملاحة السياق. و يذكران له أنه بلغهما أن من أبناء جنسه من يطعن على أدبه، و سألاه من أشدهما في  الطّعن و الإجحاف بحقك، فيذكر لهما ثلاثة هم أبو محمد و أبو بكر و أبو القاسم، و لا نعرف شخصية أبي محمد، إذ تكنّى بهذه الكنية لزمنه غير واحد، و أما أبو بكر فأكبر الظن أنه إما أبو بكر بن حزم، الذي ذكر في  مطلع الرسالة أنه يتهمه بأن شيطانا يجري على لسانه ما يخرج عن قدرة الإنس، و إما أبو بكر محمد بن قاسم المعروف بإشكمياط الذي مر بنا في  حياته أنه اتهمه بسرقة فقر نثره الحسان من سابقيه، و أما أبو القاسم فذكر ابن شهيد بعد سطور قليلة أنه أبو القاسم الإفليلي، و يهتف صاحبا الجاحظ و عبد الحميد بتابعه أنف الناقة بن معمر، و ينهض لهما جنّىّ أشمط (دبّ الشيب في  شعره) ربعة وارم الأنف (متكبر شامخ بنفسه) يتظالع (يتعارج) في  مشيته كاسرا لطرفه، و زاويا لأنفه.

و كان الإفليلي قد تصدّر في  قرطبة، يقرئ علم الأدب و يختلف الطلاب إليه، و كان مع علمه باللغة و النحو يتكلم في  معاني الشعر و البلاغة و النقد، و استكتبه المستكفي  في  خلافته ثم أعفاه لخلو كلامه من حسن البيان و البلاغة. و يتهم تابعه أنف الناقة ابن شهيد بنقص اطلاعه، و يطلب إليه أن يناظره على كتاب سيبويه و شرح ابن درستويه، فيسخر ابن شهيد منه و يقول الإفليلي بلسان أنف الناقة إنه أبو البيان، فيهزأ به قائلا إنه لا يحسنه. و يطلب إليه أنف الناقة مثالا، فيصف له برغوثا و ثعلبا وصفا رائعا. و يلتفت إليه تابع بديع الزمان زبدة الحقب فيطلب إليه أن يصف جارية و يعجب بوصفه، و يذكر له زبدة الحقب وصف البديع للماء و يقول له إنه من العقم أو المعجز، فيعارضه ابن شهيد بوصف رائع للماء، و يمتلئ زبدة الحقب غيظا، فيضرب الأرض برجله، فتنفرج عن هوّة يغيب فيها. و يشتدّ غيظ أنف الناقة تابع الإفليلي، فيطلب إليه أن ينشد بعض أشعاره، و ينشد أشعارا بديعة متحدّيا له، و تصيح فتيان الجن إعجابا و استحسانا، و تعلو أنف الناقة الكآبة، و يحاول فتى من الجن أن يصلح بينهما، فيأبى ابن شهيد لما يتتبع الإفليلى في  دروسه لزلّة قد تمر به في  شعره أو نثره، فيهتف بها بين تلاميذه و يجعل وقوفه عليها مفخرة من مفاخره. فيقول له الفتى الجنىّ إن الشيوخ قد تزلّ أحلامهم في  النّدرة، و يقول ابن شهيد: بل إنها المرة بعد المرة. و ما يلبث صاحبا الجاحظ و عبد الحميد الكاتب أن يشهدا له بأنه شاعر و ناثر، و ينفضّ الجمع، و الكل ممتلئ إعجابا به. و يقول ابن بسام إنه امتد بعد ذلك بابن شهيد الكلام في  باب التوابع و الزوابع، و مدّ فيه أطناب (أسباب) الإطناب و الإسهاب، و لذلك وقف دون الغاية، و قطع قبل النهاية.

و كنا نتمنى أن لا يقطع ابن بسام و أن لا يقف، بل كنا نتمنى أن يورد التوابع و الزوابع بحذافيرها، لأنها طرفة رائعة من طرف النثر الأندلسي، و هي طرفة بديعة النسق في  الصياغة و الرونق في  العبارة دون سجع و لا ما يشبه السجع إلا ما جاء عفوا.

و أضاف ابن شهيد في  الرسالة إلى هذا الباب الخاص بلقائه لتوابع الكتّاب و الشعراء بابا تذاكر فيه مع زهير تابعه ما تعاورته الشعراء من المعاني و من أحسن منهم الأخذ للمعنى و من قصّر فيه، و يعرض لبعض المعاني و من تداولوها، و يتمثل له جنىّ يسمى فاتك بن الصّقعب و يتحاور معه و يجري على لسانه بعض أبيات من سينية غزلية له، و يسأله فاتك هل جاذبت أحدا فيجيبه نعم أبا الطيب المتنبي، و ينشده من ذلك بعض أشعاره فيصيح فاتك صيحة منكرة من صياح الجن إعجابا و استحسانا. و كان بقربه جني ضخم هو فرعون بن الجون، أخذ يتحداه بأشعار رائعة للمتنبي، فأنشده ابن شهيد بعض أشعاره البديعة و بهرته، فأخذ يسأله عن أشعار لأبيه و أخيه و عمه و جده و جدّ أبيه، و ابن شهيد يذكر له قائله منهم، حينئذ أقسم أن لا يعرض له أبدا، و شهد له بعراقته في  الكلام، و كأنما ألقمه حجرا بشعره و شعر آبائه فتضاءل و غاب عن بصره.

و يتبع ابن بسام ذلك بفصل أخير من فصول الرسالة أو قل بمشهد نرى فيه ابن شهيد مع تابعه زهير بأرض الجن يستعرضان أندية أهل الآداب، و إذا هما يشرفان على أتان من حمر الجن و بعض بغالهم و تعرّضت لابن شهيد الأتان تحكّمه في  شعرين لحمار و بغل من عشاقهم اختلفت التوابع من الجن فيهما، و تقدمت إليه بغلة شهباء عليها جلّها (غطاؤها الصائن لها) و برقعها، و أنشدته الشّعرين ففضّل شعر البغل و قال: كان أنف الناقة أجدر مني بالحكم، و قالت له البغلة: أما تعرفني؟ فقال لها: لو كانت بك علامة، فأماطت لثامها، فإذا هي بغلة أبي عيسى و الخال على خدّها، فتباكيا طويلا، و أخذا في  ذكر أيامهما، و سألته: ما فعل الأحبّة بعدها؟ أهم

الإمارة، و انتهى إلى الوزارة، و حالوا عن العهد، و نسو أيام الودّ. و كانت بقربهم إوزّة بيضاء شهلاء في  مثل جثمان النعامة، و يسأل ابن شهيد زهير عنها، فيقول له إنها تابعة شيخ من مشيختكم تسمى العاقلة و تكنى أم خفيف، و يتحاور معها مثنيا عليها، فمرة تسبح و مرة تطير، و مرة تنغمس في  الماء و مرة تخرج منه، ثم سكنت و أقامت عنقها و عرّضت صدرها و رفرفت بمجدافيها (بجناحيها) و استقبلته مع صاحبه جاثية (قائمة على مؤخّرتها) كصدر المركب، ثم سألته ماذا يحسن؟ فقال لها من الشعر أو النثر، فقالت له إنما أريد النحو و الغريب تريد أن تتهمه بأنه لا يحسنهما، و يطيل الحوار معها واصفا لها بالحمق و أنها في  حاجة إلى عقل التجربة إذ عدمت العقل الطبيعي، و يسألها أيهما أفضل: الأدب أم العقل؟ و تجيبه العقل، فيقول لها إذا ظفرت منه بحظ فناظري حينئذ في  الأدب. و كأن الإوزّة بذلك تأخذ صفة الإفليلي بشهادة تحديها لابن شهيد بإحسان النحو و الغريب اللذين كان الإفليلى يشتهر بهما. و بذلك نفهم كلمة ابن بسام عن الرسالة لابن شهيد و تكرار ذكر الإفليلى فيها بأنه هو الذي به ابن شهيد عرّض، و جعله الغرض، و كأنما أنشأها من أجل الرد على ما وسمه به في  بعض دروسه من زلات و عثرات، مما جعله يعرض في  الباب الأول من الرسالة روائع شعره و نثره على توابع الشعراء و الكتاب النابهين مقارنة إلى قصائد أصحابهم، و إذا هم يبهرون بشعره و نثره دائما و يجيزونه، محاولا بذلك أن يسقط نقد الإفليلى له. ثم أخذ يعرض جانبا من تداول المعاني بين الشعراء و من قدرته على نقد الشعر و تذوقه ليبرهن على أنه يبذ الإفليلى في  انتقاد الشعر و تذوقه و الوقوف على المعاني التي يشترك فيها الشعراء و يتداولونها، و كان تابع الكاتب و الشاعر في  الشطر الأول من الرسالة يتمثل له بشرا سويا، و تشكّل له في  الشطر الثاني على صورة بعض الحيوانات و الطير مستمدا في  ذلك كله من قصص الجن عند العرب.

و قرن كثير من الباحثين (2)هذه الرسالة لابن شهيد إلى رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، و منهم من ذهب إلى تأثر أبي العلاء بابن شهيد، و منهم من ذهب إلى أن ابن شهيد هو الذي تأثر بأبي العلاء، و كلا الرأيين يجانبه الصواب، و حقا الرسالتان رحلتان فيما وراء الواقع، لكنهما بعد ذلك تتباينان في  موضوعيهما، فرحلة أبي العلاء تدور على عقيدة إسلامية هي عقيدة المعاد و ما يتصل به من أهوال الحشر و الصراط و نعيم الجنة و عذاب النار و لقاء بعض من غفر لهم من الشعراء و اللغويين في  الفردوس و رؤية إبليس و بشار و أضرابه من الزنادقة في  الجحيم. أما رحلة التوابع و الزوابع لابن شهيد-كما مرّت بنا- فتدور على ما شاع على ألسنة العرب في  عصرهم الجاهلي الوثني من تصور شياطين للشعراء يلهمونهم أشعارهم. و واضح من موضوع الرحلتين أنهما لا يلتقيان أي التقاء و أن من الخطأ كل الخطأ أن يحاول باحث تبين أثر لإحداهما في  الأخرى. و ذكرنا من قديم في  كتابنا «الفن و مذاهبه في  النثر العربي» ثم في  كتابنا «المقامة» أن الذي أوحى إلى ابن شهيد برحلته في  أرض الجن و وديانها إنما هو بديع الزمان و ما قرأه في  مقامته الإبليسية عن لقاء عيسى بن هشام لإبليس في  واد من وديان الجن و تحاورهما و إنشاد إبليس له أشعارا جاهلية، ثم عرض عليه أن ينشده من شعره، فأنشده إبليس قصيدة لجرير، و عجب عيسى من انتحاله قصيدة جرير، و لم يلبث إبليس أن قال له: «ما أحد من الشعراء إلا و معه معين منا، و أنا أمليت على جرير هذه القصيدة، و غاب عنه، و كأنما ابتلعته الأرض. و في  نفس رسالة التوابع و الزوابع ما يؤكد الصلة بين ابن شهيد و بديع الزمان في  مقاماته، إذ نرى ابن شهيد يعرض على تابعي الجاحظ و عبد الحميد الكاتب رسالة طويلة في  ألوان من الحلواء أراد بها محاكاة بديع الزمان في  مقامته المضيرية.

و ما يلبث ابن شهيد أن يذكر أنه لقى تابع بديع الزمان المسمى زبدة الحقب، و يقترح عليه وصف جارية و يصفها، و يعجب زبدة الحقب بوصفه، و يسأله ابن شهيد أن يسمعه وصفه للماء، و يقول له إنه وصف معجز، و يعارضه ابن شهيد بوصف رائع للماء يبهره.

و في  ذلك كله ما يقطع بأن المقامة الإبليسية لبديع الزمان هي التي ألهمت ابن شهيد رسالة التوابع و الزوابع و أوحت بها إليه. و يتردد في  كتابي الجذوة للحميدي و المغرب لابن سعيد اسم كتاب لابن شهيد سماه حانوت عطار و يبدو من نقولهما عنه أنه ترجم فيه لأدباء الأندلس في  عصره و قبل عصره ترجمات قصيرة ذكر فيها بعض أخبارهم و ما استطرفه من أشعارهم مع بعض نظرات نقدية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر في  ترجمة ابن شهيد اليتيمة ٢/٣5 و الجذوة ١٢4 و المطمح ١6 و الذخيرة ١/١٩١- ٣٣6،4٣٧ و البغية رقم 4٣٧ و الخريدة ٢/555 و معجم الأدباء ٢/٢١٨ و ابن خلكان ١/١١6 و الوافي  للصفدي ٧/١44. و نشر شعره يعقوب زكي بالقاهرة و شارل بلا في  بيروت و للأخير محاضرات عنه بجامعة عمان.

2) راجع بلاغة العرب في  الأندلس للدكتور أحمد ضيف (طبع القاهرة) ص 4٨ و الأدب الأندلسي للدكتور هيكل ص ٣٨١.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.