المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



أبو البقاء الرُّندىّ  
  
2510   11:16 صباحاً   التاريخ: 25-3-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص388-391
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-06-2015 1973
التاريخ: 29-12-2015 2012
التاريخ: 26-1-2016 8046
التاريخ: 29-06-2015 3122

هو صالح بن أبي الحسن يزيد بن صالح بن شريف يكنى كنية مشهورة بأبي البقاء و كنية أخرى بأبي الطيب، و مسقط رأسه رنده إلى الغرب من مالقة، على قمة جبل سامق يشقها نهر و ينابيع و تحفّها وديان، مما جعلها-كما في المغرب-تعمّم بالسحاب و توشّح بالأنهار العذاب، و قد رزق أبوه به سنة 6٠١ و كان من أهل العلم، و لذلك سلكه المراكشي بين أساتذته، و ذكر منهم على بن جابر الدباج الإشبيلي الذي ظل يتصدر للإقراء بإشبيلية خمسين سنة، كما ذكر مواطن الدبّاج أبا القاسم بن الجد نزيل تونس.

و لم يتتلمذ لهذين العالمين فقط بل تتلمذ أيضا لابن الفخار الشريشي و لابن زرقون الغرناطي. و يذكر ابن الخطيب عن ابن الزبير صاحب كتاب صلة الصلة أنه تتلمذ له، و كل ذلك يدل على نهم في طلب العلوم و الآداب، و اتضح ذلك في جانبين عنده هما التأليف و نظم الشعر، أما التأليف فله فيه كتاب: «روضة الأنس و نزهة النفس» و يبدو أنه كان كتاب محاضرات و طرف أدبية، و سبق أن ذكرنا في الفصل الثاني أن له أيضا كتاب الوافي في نظم القوافي، و أن منه مخطوطة بالمكتبة التيمورية، و أنه في أربعة أجزاء أولها في فضل الشعر و طبقات الشعراء و عمل الشعر و آدابه و أغراضه، و ثانيها في محاسن الشعر و فنونه البديعية، و ثالثها في الإخلال و السرقة و الضرورة، و رابعها في حد الشعر و عروضه و قوافيه و أخباره تدل بوضوح على صلته الوثيقة بمحمد بن الأحمر مؤسس إمارة غرناطة، و هي صلة جعلته يكثر من مدائحه. و كان له بجانب هذين الكتابين المتصلين بالأدب شعره و نثره كتاب في علم الفرائض، و هو يدل-كما قال المراكشي-على أنه كان بجانب ثقافته الأدبية «فقيها فرضيا حافظا» أي محدثا و يقول إنه كان متفننا في معارف جليلة.

و يقول المراكشي إنه «كان خاتمة الأدباء بالأندلس بارع التصرف في منظوم الكلام و منثوره» و إنه كتب إليه بإجازة ما رواه و ألّفه، و يذكر أن له في النثر مقامات بديعة في أغراض شتى، كما يذكر أن كلامه نظما و نثرا مدون، مما يدل على أنه خلف ديوان شعر كان معروفا في زمنه. و قد طارت شهرة أبي البقاء الرندي شرقا و غربا لقصيدته النونية التي نظمها بعد سقوط مدن الأندلس الكبرى في يد النصارى: قرطبة و إشبيلية و بلنسية و جيان و مرسية سوى ما في حيّز كل منها من مدن و معاقل و حصون مما تنخلع له القلوب و الأفئدة أسى و حزنا لهذا المصير المفجع، لا مصير المدن فحسب بل أيضا مصير السكان المسلمين من رجال و نساء و أطفال و وقوعهم أسرى في أيد لا ترحم، أيد استعبدتهم و أنزلت بهم أهوالا من العذاب لا تطاق. و كأنما ندب أبو البقاء نفسه عن أهل الأندلس يستصرخ المسلمين لنصرة إخوانهم في الدين و إنقاذهم من يد الكافرين الآثمين، و هو يستهل قصيدته بالحديث عن الدول التي دالت، و كأنما يتأثر في هذا الجزء من قصيدته بابن عبدون آملا أن تدول دولة النصارى الشماليين، ثم ما يلبث أن يتمثل الفواجع التي نزلت بقرطبة و أخواتها الأندلسيات، و يهتف:

دهى الجزيرة أمر لا عزاء له    هوى له أحد و انهدّ ثهلان (1) 
فاسأل بلنسية ما شأن مرسية      و أين شاطبة أم أين جيّان 
و أين قرطبة دار العلوم فكم      من عالم قد سما فيها له شان 
و أين حمص و ما تحويه من نزه       و نهرها العذب فيّاض و ملآن )2)
قواعد كنّ أركان البلاد فما      عسى البقاء إذا لم تبق أركان 
إن المساجد قد صارت كنائس ما       فيهنّ إلا نواقيس و صلبان 
إن ما نزل بالأندلس و دهاها من الخطوب أمر يجلّ عن العزاء فيه، إنه لكارثة تهوى لها الجبال و تنهدّ في كل أرض إسلامية، فتلك مدن كبرى برمّتها ضاعت و ضاعت معها قرطبة دار العلوم و إشبيلية دار الغناء و الموسيقى، لقد سقطت أركان البلاد الأندلسية و قواعدها الأساسية، فهل يؤمل بعد ذلك بقاء لغرناطة و غيرها مما لا يزال في أيدي المسلمين، لقد أصبحت المساجد و ما كان يتلى فيها من قرآن كنائس تكتظ بالنواقيس و الصلبان، و يصرخ مستنفرا:

يا راكبين عتاق الخيل ضامرة      كأنها في مجال السّبق عقبان 
و حاملين سيوف الهند مرهفة       كأنها في ظلام النّقع نيران )3) 
و راتعين وراء البحر في دعة       لهم بأوطانهم عزّ و سلطان 
أعندكم نبأ من أهل أندلس      فقد سرى بحديث القوم ركبان 
ماذا التقاطع في الإسلام بينكم       و أنتم يا عباد اللّه إخوان 
و هو يصيح في فرسان المسلمين و أبطالهم من حملة السيوف المرهفة أن يسارعوا لنجدة الأندلس، و يعجب أن يرى المسلمين راتعين في ديارهم يعيشون في دعة و عزة و قوة، كأن ليس عندهم خبر عن الأندلسيين و ما أصابهم من محن و كوارث، لا تصيبهم وحدهم بل تصيب أيضا الحنيفية البيضاء في الصميم، فما هذا التقاطع و التنابذ و أنتم إخوان في الدين أخوّة أقوى من أخوة ذوي الرحم، إذ ليست أخوّة دم بل أخوة روح و قلب و فكر و فؤاد، و يصيح جزعا:

يا من لذلّة قوم بعد عزّهم     أحال حالهم كفر و طغيان 
بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم     و اليوم هم في بلاد الكفر عبدان 
و لو رأيت بكاهم عند بيعهم      لهالك الأمر و استهوتك أحزان 
يا ربّ أمّ و طفل حيل بينهما      كما تفرّق أرواح و أبدان 
و طفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت     كأنّما هي ياقوت و مرجان 
يقودها العلج للمكروه مكرهة       و العين باكية و القلب حزنان 

 و هو يلتاع لوعة محرقة لهؤلاء المسلمين الذين استذلهم الكفر و الطغيان بعد أن كانوا في الذروة من العز و الكرامة، لقد كانوا ملوكا و أمراء، فأصبحوا عبيدا، و إنهم ليبكون بكاء مرا، حين يرون أنفسهم-و قد فقدوا أعز شيء على نفوسهم، فقدوا حرياتهم-يباعون بيع العبيد. و يا للهول فكم من طفل فرّقوا بينه و بين أمه كما يفرّق بين الروح و البدن، إذ لن ترى ضناها و فلذة كبدها أبدا، و كم من سيدة فائقة الحسن فاتنة كأنما هي ياقوت و مرجان يرغمها إسباني جاف غليظ على المكروه البغيض، و هي محزونة تذرف الدمع مدرارا.

و القصيدة درة يتيمة رائعة، و لروعتها أخذت الأجيال التالية تزيد عليها أبياتا تندب بها البلاد التي سقطت في أيدي النصارى الشماليين بعد وفاة أبي البقاء الرندي سنة 6٨4 للهجرة. و تنبه لذلك المقري في نفح الطيب، إذ ذكر بعد إنشاده لها من رواية وثيقة أن بأيدي الناس منها زيادات ندبت فيها مدن الأندلس التي ظلت تسقط حتى عهد العرب الأخير و حتى استسلام غرناطة مع غروب الشمس العربية نهائيا في تلك الديار بعد أن ظلت ساطعة في سمائها ثمانية قرون طوال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١( أحد: جبل بالمدينة مشهور. ثهلان: جبل بنجد.

٢( حمص: إشبيلية.

٣( النقع: غبار الحرب.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.