المبدأ العام في تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان(مبدأ اقليمية القانون الجنائي) |
47227
09:49 صباحاً
التاريخ: 24-3-2016
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-3-2016
8541
التاريخ: 29-3-2016
20618
التاريخ: 1-7-2019
3899
التاريخ: 25-3-2016
19766
|
ان المبدأ العام الذي يحكم تطبيق القانون الجنائي في المكان، وهو مبدأ (اقليمية القانون الجنائي)، المقصود بهذا المبدأ هو ان القانون الجنائي للدولة يحكم جميع ما يقع على اقليمها من الجرائم ايا كانت جنسية مرتكبها، سواء اكان وطنيا ام اجنبيا، وانه على العكس لا سلطان للقانون الجنائي للدولة على ما يقع من الجرائم خارج اقليم تلك الدولة مهما كانت صفة مرتكبيها او جنسيته. مما يترتب علفيه، ان القانون الجنائي للدولة، تطبيقا لمبدأ اقليمية القانون الجنائي يطبق على جميع المقيمين على ارض تلك الدولة، مهما كانت جنسيتهم وبخلاف ذلك لا يخضع له أحد ممن هم خارج اقليم الدولة مهما كانت جنسيتهم (1). وأول ما ظهر هذا المبدأ في قوانين الثورة الفرنسية، ومنها داخل التشريع الجنائي الحديث، حتى اصبح اليوم من المبادئ المتفق عليها في القانون الجنائي الحديث، اما قبل ذلك التاريخ فقد كان مبدأ (شخصية القانون الجنائي) Principe De Personnalite Des Lois Panales هو المتبع والمعمول به في القوانين الجنائية، ومقتضى هذا المبدأ الأخير، ان القانون الجنائي للدولة يتبع رعاياها ويحكمهم اينما وجدوا، أي سواء كانوا في اقليم دولتهم او خارجه، وعلى العكس لا يطبق القانون الجنائي للدولة على الاجانب حتى وان ارتكبوا جرائمهم على اقليم الدولة صاحبة القانون.
تبرير المبدأ :-
ان الأخذ بمبدأ اقليمية القانون الجنائي بالإضافة الى انه من مقتضيات سيادة الدولة، فانه الاضمن لمصلحة المجتمع والاقدر على تحقيق العدالة ورعاية مصلحة الفرد وضمان حريته. فهو من مقتضيات سيادة الدولة لان تطبيق القانون يعتبر مظهرا من مظاهر السيادة للدولة، ولا يجوز للدولة ان تباشر مظاهر سيادتها على غير اقليمها والا تكون قد اعتدت على سلطان الدولة الأخرى. هو الاضمن لمصلحة المجتمع، لان الجريمة إنما تقلق المجتمع الذي تقع فيه، ولذلك يكون الاضمن لهذا المجتمع ان تجري محاكمة الجاني والحكم عليه بالعقوبة التي يستحقها في المحل الذي ارتكبت فيه الجريمة فذلك ادعى لتطمين النفوس المضطربة بسبب الجريمة وأجدى ردعا عن الاجرام. وهو الاقدر على تحقيق العدالة، لان وسائل اثبات الجريمة تتيسر عادة حيث ارتكبت الجريمة وقامت آثارها. وهو الأقدر على رعاية مصلحة الفرد وضمان حريته، لأن الذي يحدد حرية الشخص في بلد انما هو قانونها المستمد من تقاليدها واعرافها. مما يقتضي ان يحاكم كل من يخالف احتراما لتلك التقاليد والأعراف.
المبدأ في التشريع العراقي:-
لقد اخذ قانون العقوبات العراقي، كبقية قوانين العقوبات الحديثة، بمبدأ اقليمية القانون الجنائي، كمبدأ عام يحكم تطبيق القانون الجنائي في المكان، حيث نصت عليه المادة السادسة منه بقولها (تسري احكام هذا القانون على جميع الجرائم التي ترتكب في العراق..). ومن دراسة هذا المبدأ يظهر انه ينطوي في التطبيق على شقين، ايجابي وسليبي/ اما الايجابي فمضمونه :ا ان كافة الجرائم التي تقع على اقليم الدولة تخضع لقانونها الجنائي بغض النظر عن جنسية مرتكبيها او صفتهم وسواء كانوا يقيمون في اقليم الدولة اصلا او وجدوا فيه عرضا. واما السلبي : فمضمونه ان القانون الجنائي للدولة، لا سلطان له على الجرائم التي ترتكب خارج اقليم الدولة أيا كانت جنسية مرتكبيها او صفتهم. كما يظهر ان تطبيقه يتطلب تحديد أمرين هما / (أولا) إقليم الدولة (وثانيا) متى تعتبر الجريمة قد ارتكبت على اقليم الدولة، وهو ما سنبينه تباعا.
أولا – اقليم الدولة /
ويقصد بإقليم الدولة، كل مكان تمارس فيه الدولة سيادتها وسلطانها. وهو يشمل اقليمها الارضي في حدوده السياسية وبحارها الاقليمية والفضاء الذي يعلو اقليمها، والسفن والطائرات التي تتبعها، وفي ذلك تقول المادة السابعة من قانون العقوبات العراقي / (ويشمل الاختصاص الاقليمي للعراق اراضي الجمهورية العراقية وكل مكان يخضع لسيادتها بما في ذلك المياه الاقليمية والفضاء الجوي الذي يعلوها وكذلك الأراضي الاجنبية التي يحتلها الجيش العراقي بالنسبة الى الجرائم التي تمس سلامة الجيش او مصالحه. وتخضع السفن والطائرات العراقية لاختصاص الجمهورية العراقية الاقليمي اينما وجدت)(2) لقد اضاف المشرع العراقي في هذا النص للاختصاص الاقليمي للقانون العراقي بالإضافة الى ما يتكون منه اقليم الجمهورية العراقية، الأراضي الاجنبية التي يحتلها الجيش العراقي بالنسبة للجرائم التي تمس سلامة الجيش او مصالحه وهو في ذلك انما يقصد حماية سلامة القوات العراقية المسلحة ومصالحها من عبث العابثين (3) بالإضافة الى ان هذه الجرائم تعتبر ماسة بسيادة الدولة؛ لان الجيش انما يمثل سيادة الدولة، ولذلك اخضعها لقانون الدولة.
أ – الاقليم الارضي
ويشمل ما يقع ضمن حدود الدولة من ارض بما تضم من انهار وبحيرات وما في باطنها الى ما لا نهاية.
ب – البحر الاقليمي
أو كما يسميه البعض الاقليم المائي، ويشكل ذلك الجزء من البحر الذي يتصل بشاطئ الدولة. وقد استقر العرف الدولي على ان يخضع هذا الجزء لسيادة الدولة حتى تستطيع الدفاع عن شواطئها ، ومن اجل ذلك حدد البحر الاقليمي بالمسافة التي يمكن للدولة ان تحمي من الشاطئ بجعلها مسافة مرمى المدفع. وقد حدد هذا في حينه بثلاثة اميال بحرية (4)، وعندما كانت هذه المسافة هي ابعد ما تصله قذيفة
المدفع. وقد استقر العرف الدولي على هذا البعد كما نصت عليه بعض المعاهدات. غير ان المتبع الان في القوانين الحديثة هو ان يحدد المشرع نفسه بنص صريح في القانون المسافة التي تقدر بها المياه الاقليمية، ,هذا ما فعله المشرع العراقي فقد حدد المياه الاقليمية للجمهورية العراقية في المادة الثانية من القانون رقم 71 لسنة 1958 بمسافة اثنى عشر ميلا بحريا باتجاه اعالي البحر مقاسا من أدنى حد لانحسار ماء البحر من الساحل العراقي. حيث قال : (يمتد البحر الاقليمي العراقي مسافة اثني عشر ميلا بحريا باتجاه اعالي البحر مقاسا من ادنى حد لانحسار ماء البحر عن الساحل العراقي). ان هذا الجزء من البحر يعد امتداد لاقليم الدولة وخاضعا لسيادتها وبالتالي فان الجرائم التي تقع فيه تخضع لقانون تلك الدولة. وتحديد الاختصاص فيما يتعلق بالبحر الاقليمي يثار عادة في حالة ما اذا وقعت الجرائم على السفن الاجنبية التي تكون فيه. وفي هذه الحالة يجب ان يميز بين نوعين من السفن:-
1.السفن العامة
وتشمل السفن الحربية وسفن الدولة المخصصة لخدمة عامة كمستشفى او مختبر للبحوث العلمية، وبالتالي فهي لا تشمل سفن الدولة المخصصة لاغراض تجارية.
وتعتبر السفن العامة بمثابة قلاع عائمة تمثل سيادة الدولة التابعة لها. ولذلك تعد جزءا متمما لها اينما تكون مما يترتب عليه ان ما يقع في السفن العامة من جرائم تخضع لقانون الدولة التي تتبعها السفينة وترفع علمها سواء كانت السفينة العامة هذه في البحر العام ام في المياه الاقليمية لدولة اجنبية.
2.السفن الخاصة
وتشمل السفن التجارية وسفن الصيد واليخوت، وهي تخضع لقانون الدولة التي تتبعها وترفع علمها ولمحاكمها الجزائية بالنسبة للجرائم التي ترتكب على ظهرها فيما اذا كان قد وقع ذلك والسفينة في بحر عام. لان البحر العام، أي عرض البحر، غير واقع في سيادة دولة، اما اذا كانت السفينة الخاصة في مياه اقليمية لدولة اجنبية، فمن المتفق عليه في أغلب قوانين العقوبات الحديثة ان الجرائم التي تقع على ظهر السفينة، وهي في المياه الاقليمية لدولة أجنبية تخضع لقانون دولة السفينة، وتخضع لقانون الدولة صاحبة المياه الاقليمية الا اذا مست الجريمة امن الدولة صاحبة المياه الاقليمية او كان الجانبي او المجني عليه من جنسيتها او طلبت السفينة او ممثل دلوتها المعونة من سلطاتها. وقد سلك قانون العقوبات العراقي نفس هذا المسلك فنص في المادة الثامنة بأنه / (لا يسري هذا القانون على الجرائم التي ترتكب على متن سفينة اجنبية في ميناء عراقي او في المياه الاقليمية الا اذا مست الجريمة امن الاقليم او كان الجاني او المجني عليه عراقيا او طلبت المعونة من السلطات العراقية).
ج – الاقليم الجوي
او كما يسميه البعض الاقليم الهوائي او الفضاء، ويشمل الطبقات الهوائية التي تعلو اقليم الدولة الارضي والمائي بغير تحديد بارتفاع معين، والاقليم الجوي، وهو جزء من اقليم الدولة، وما هو مدى خضوع الجرائم التي ترتكب في اجوائه الى قانون الدولة صاحبته؟ ان الاجابة عن السؤال تتطلب البحث في تحديد الاختصاص القانوني والقضائي الاقليمي بالنسبة للجرائم التي ترتكب في الطائرات الاجنبية، وهي تحلق في الفضاء الاقليمي للدولة. ومن المتفق عليه انه بصورة عامة، تطبق بالنسبة للطائرات. تقريبا نفس الاحكام التي تطبق بالنسبة للسفن سواء كانت عامة ام خاصة (5). فان ارتكبت جريمة في طائرة عامة، حربية مثلا، وهي تطير في الاجواء العراقية فان الجريمة تخضع لقانون الدولة صاحبة الطائرة العامة بشرط ان تكون مأذونة للطيران في أجواء الدولة صاحبة الاقليم، وهي الجمهورية العراقية، وكذلك نفس الأمر اذا كانت الطائرة في الاجواء العامة. اما الطائرة الخاصة، كطائرة النقل او الشحن، فان كانت في الاجواء العامة، فحكمها حكم الباخرة الخاصة في البحر العام، تخضع الجرائم التي ترتكب فيها لقانون دولتها. اما اذا كانت في الاجواء الاقليمية لدولة أجنبية عندما ارتكبت فيها الجريمة، كأن تكون طائرة خاصة اجنبية في الاجواء العراقية، فقد نص قانون العقوبات العراقي متبعا ما سار عليه التشريع الجنائي الحديث بان الجريمة تخضع لقانون العقوبات للدولة صاحبة الطائرة، الا اذا حطت الطائرة في الميناء العراقي بعد ارتكاب الجريمة او مست الجريمة أمن العراق او كان الجاني او المجني عليه عراقيا او طلبت الطائرة المعونة من السلطات العراقية وفي ذلك تقول المادة الثامنة من القانون المذكور (..... وكذلك لا يسري هذا القانون على الجرائم التي ترتكب في طائرة اجنبية في اقليم العراق الجوي الا اذا حطت الطائرة في العراق بعد ارتكاب الجريمة أو مست امنه او كان الجاني او المجني عليه عراقيا او طلبت المعونة من السلطات العراقية). والحق ا ن المشرع الجنائي الحديث، ومعه المشرع العراقي، كما يبدو من نص المادة الثامنة من قانون العقوبات مارة الذكر، ما كان يريد ان يتدخل القانون الاقليمي في جريمة لا تمس امن الدولة صاحبة الاقليم او احد رعاياها او مصلحة لها في اعقاب الجانبي الا اذا طلب منها التدخل في ذلك. ولا يفوتنا ان نذكر انه بسبب انضمام العراق الى اتفاقية لاهاي لسنة 1970 الخاصة بقمع الاستيلاء غير القانون على الطائرات، وصدور قانون الطيران المدني رقم 148 لسنة 1974 الذي ينص في المادة 189 منه بأن تطبق احكام القوانين المرعية والمعاهدات والاتفاقات الدولية المنظمة لها الدولة فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب ضد امن وسلامة الطيران المدني، اصبح شرط وجود الطائرة الأجنبية التي ارتكبت عليها الجريمة في اقليم العراق الجوي لا موجب له لأجل خضوعها للقانون والقضاء العراقي، لعدم ذكره كشرط في المادة الرابعة من الاتفاقية. وبذلك يعتبر نص هذه المادة معدلا لنص المادة الثامنة من قانون العقوبات العراقي الخاصة بهذا الشان والتي تشترط وجود الطائرات في الاجواء العراقية.
د – السفن والطائرات
وتلحق بإقليم الدولة حكما السفن والطائرات التابعة لها والحاملة لعلمها، وفي ذلك تقول المادة السابعة من قانون العقوبات العراقي، وهي تتكلم عن الاختصاص الاقليمي للعراق / (وتخضع السفن والطائرات العراقية لاختصاص الجمهورية العراقية الاقليمي اينما وجدت). وتشمل السفن والطائرات في هذا النص ما كان منها مملوكا للدولة او للشركات والافراد من المواطنين (6). والحقيقة ان القول بهذا الحكم ان كان من مستلزمات سيادة الدولة على اقليمها لاعتبار السفن والطائرات جزءا من الاقليم، فانه قد يؤدي الى تنازع بين قانونين واختصاصين هما قانون واختصاص الدولة صاحبة السفينة او الطائرة وقانون اختصاص الدولة صاحبة الاقيم، ولذلك فسرت في إنكلترا النصوص التي قدمت هذا الحكم بأنها لا تمنح المحاكم الانكليزية اختصاصا الزاميا بنظر هذه الجرائم بل اختصاصا احتياطيا، في حالة عدم فصل محاكم دولة الاقليم في هذه الجرائم، وقد قبل الشراح المصريون هذا
التفسير، هو ما نرى وجوب الأخذ به عندنا في العراق (7). ومع ذلك فقد تلافت بعض قوانين العقوبات هذا الأمر، بان نصت عليه صراحة في القانون كما فعل قانون العقوبات الليبي حيث نص في المادة الرابعة (... ويعد في حكم الأراضي الليبية الطائرات والسفن الليبية حيثما وجدت، اذا لم تكن خاضعة لقانون اجنبي حسب القانون الدولي.
ثانياً – مكان ارتكاب الجريمة
متى تعتبر الجريمة واقعة على اقليم الدولة، حتى تخضع لقانونها تطبيقا لمبدأ اقليمية القانون الجنائي. من المتفق عليه ان العبرة في سريان القانون الجنائي، تطبيقا لمبدأ الاقليمية هي بوقوع العمل التنفيذي المكون للجريمة – السلوك الاجرامي- فوق اقليم تلك الدولة بصورة كلية او جزئية، ذلك ان العمل المكون للجريمة وأعني به السلوك الاجرامي المكان لها، قد يتكون من فعل واحد وقد يتكون من عدة عدة أفعال، وهذا هو نفس ما اخذ به قانون القعوبات العراقي حيث نصت المادة السادسة منه بانه / (وتعتبر الجريمة مرتكبة في العراق اذا وقع فيه فعل من الأفعال المكونة لها..) اما الأعمال التحضيرية، واعني بها الأعمال التي ترتكب تمهيدا لارتكاب الجريمة، كشراء السلاح او التمرن على استعماله، فلا عبرة في مكان ارتكابها لغرض تعيين مكان ارتكاب الجريمة. وتطبيقا لذلك لا تعتبر جريمة القتل مرتكبة في العراق فيما اذا اتم ارتكابها في بلد آخر حتى ولو ثبت ان القاتل كان قد اعد السلاح وجهزه وجربه في العراق. وكذلك لا أهمية للاعمال اللاحقة لتمام الجريمة فيما اذا وقعت في اقليم دولة غير الدولة التي وقعت فيها الجريمة. فاذا تمت جريمة السرقة في اقليم دولة ثم اخفيت الأموال المسروقة في اقليم دولة أخرى، فان جريمة السرقة تعتبر مرتكبة في اقليم الدولة الأولى. هذا في حالة اذا كان العمل التنفيذي، أي الركن المادي، المكون للجريمة يتكون من فعل واحد وقتي (8). وقد يتكون العمل التنفيذي Acte D' Exextion للجريمة، أي السلوك الاجرامي من فعل واحد ولكن ليس وقتيا بل (مستمرا)، أو بعبارة أدق، مما يحتمل بطبيعته الاستمرار، كما هي الحالة في الجرائم المستمرة، كجريمة اخفاء الأموال المسروقة وجريمة سياقة السيارة بدون اجازة. في هذه الحالة، تعتبر الجريمة المستمرة واقعة في اقليم كل دولة وقع جزء من حالة الاستمرار فوق اقليمها وبالتالي تخضع لاختصاصها القانوني والقضائي، لان كل جزء من حالة الاستمرار مهما صغر فهو قابل لان يحقق العمل التنفيذي للجريمة. فاذا تنقل مخفي الأموال المسروقة في اقاليم متعددة سعيا وراء بيعها فان جريمته تعتبر مركتبة في كل دولة من الدول المذكورة. وقد يتكون العمل التنفيذي للجريمة من عدة أفعال، كما هو الحال في جريمة النصب (الاحتيال) وجرائم الاعتياد (9).ولا ترتكب جميع الأفعال المكونة للعمل التنفيذي للجريمة في اقليم دولة واحدة بل توزع على اقليم دولتين او اكثر كما لو ارتكب الجاني في جريمة النصب الأعمال الاحتيالية في اقليم دولة وتسلم الأموال، موضوع الجريمة من المجني عليه في اقليم دولة ثانية، كما لو ارتكب . الجاني، في جريمة الاعتياد، العمل المادي المكون للجريمة مرة في اقليم دولة ومرة أخرى في اقليم دولة ثانية، ففي اقليم أي من الدولتين تعتبر الجريمة قد ارتكبت؟ هناك آراء في المسألة :-
أ - يرى البعض ان الجريمة لا تعتبر مرتكبة على اقليم الدولة، وبالتالي لا تخضع لاختصاصها القانوني والقضائي الا اذا وقعت تامة بجميع الأفعال المكونة لها في اقليم تلك الدولة، وهو رأي تعجيزي يترتب عليه عدم تحقيق أي من هذه الجرائم على اقليم الدولة فيما اذا وقع فعل من الأفعال المكونة لها عليها.
ب – ويميز آخرون بين جريمة النصب وجريمة الاعتياد في الأمر. فيقولوا بالنسبة للأولى انها تعتبر واقعة في اقليم الدولة فيما اذا وقع منها ولو فعل واحد من الأفعال المكونة لها على اقليمها، اما بالنسبة للثانية فانها لا تعتبر مرتكبة على اقليم الدولة الا اذا وقع من الأفعال المكونة لها ما يكفي لتحقق الاعتياد، أي اكثر من فعل واحد، على اقليمها.
ج – ويرى جماعة ثالثة ان الجريمة تعتبر مرتكبة على اقليم الدولة اذا كان ما وقع منها على اقليمها هو العمل التنفيذي او حتى جزء منه، أي بمجرد ان يقع منها ولو فعل واحد من الأفعال المكونة لها ولو لم يكن ذلك الفعل محققا للعمل التنفيذي المكون لها (الجانب المادي في الركن المادي)(10). ان هذا الراي (الأخير) هو المفضل عندنا، لانه يحقق في رأينا تطبيقا عادلا ومقبولا لمبدأ اقليمية القانون الجنائي، وقد اخذ به القضاء الفرنسي بالنسبة لجريمة الاحتيال (11). كما اخذ به قانون العقوبات العراقي حيث نص في المادة السادسة بأنه / (وتعتبر الجريمة مرتكبة في العراق اذا وقع فيه من الأفعال المكونة لها..)(12). كل ذلك فيما اذا كانت الأفعال المكونة للجريمة وأثرها المباشر ونتيجتها قد وقعت جميعا في اقليم دولة واحدة. ولكن قد يقع اثر الجريمة او تحصل نتيجتها في اقليم دولة أخرى، غير الدولة التي كان فيها المجرم عندما قام بالعمل التنفيذي المكون للجريمة. كان يطلق شخص وهو في داخل العراق عيارا ناريا قاصدا به قتل شخص موجود داخل الحدود التركية قيصيبه فيلجأ المجني عليه الى قرية ايرانية مجاورة فيموت فيها. في هذه الحالة في اقليم أي دولة تعتبر الجريمة قد وقعت؟ لم يستقر القضاء الفرنسي وكذلك السويسري على وجهة واحدة بل شمل جميع الامكنة التي كانت مسرحا للجريمة وهذا هو نفس ما نادى به الفقه الفرنسي حيث قال، فان المحاكم الفرنسية تختص بنظر القضية كلما وقع العمل التنفيذي للجريمة أو اثره المباشر او نتيجته على اقليم فرنسي (13). اما في العراق، فقد عالج قانون العقوبات العراقي هذه المسألة في المادة السادسة حيث قال / (وتعتبر الجريمة مرتكبة في العراق اذا وقع فيه فعل من الأفعال المكونة لها او اذا تحققت فيه نتيجتها او كان يراد ان تتحقق فيه....) مما يترتب عليه ان الجريمة تعتبر واقعة في العراق، وبالتالي خاضعة للاختصاص القانوني والقضائي العراقي فيما اذا وقع العمل التنفيذي المكون لها او جزء منه او فعل من الأفعال المكونة له في العراق أو اذا تحققت نتيجة الجريمة في العراق، كما لو اصابت طلقة المجني عليه وهي آتية من خارج العراق وبعد اصابته توفي في العراق او اذا كان يراد ان تتحقق تلك النتيجة في العراق، كما لو ارسل شخص طردا به متفجرات من خارج العراق الى اخر موجود في العراق بقصد قتلة وقد ضبط هذا الطرد قبل دخوله العراق. وأخيراً ما الحكم فيما لو اشترك شخص مقيم في الخارج مع آخر يقيم في اقليما لدولة في ارتكاب جريمته داخل اقليم الدولة؟ كما لو حرض شخص وهو مقيم خارج العراق شخصا اخر مقيم في العراق على قتل شخص ثالث في مدينة البصرة وقد وقعت جريمة القتل بناء على هذا التحريض؟ لقد عالج قانون العقوبات العراقي هذه الحالة في المادة السادسة آنفة الذكر حيث قال / (وفي جميع الأحوال يسري القانون على كل من ساهم في جريمة وقعت كلها او بعضها في العراق ولو كانت مساهمته في الخارج سواء كان فاعلا او شريكا). مما يعني ان من يساهم في جريمة تقع كلها او بعض أفعالها في العراق يخضع للقانون العراقي والى محاكم الجزاء العراقية حتى ولو كان عند مساهمته في ارتكاب الجريمة، سواء باعتباره فاعلا او شريكا فيها، موجودا خارج العراق. والحق ان هذا الحكم وان نصت عليه المادة السادسة المارة الذكر فانه ليس من خلقها انما هو من نتائج الدولة التي وقعت على اقليمها وهذا يعني خضوع كل من له علاقة بالجريمة لقانون الدولة المذكورة وهكذا يخضع المساهمون فيها من فاعلين وشركاء لقانون الدولة التي وقعت على اقليمها. اما نص المادة السادسة فقد جاء مؤكدا ومقررا لهذا الحكم ورفع الشك او اللبس الذي قد يعتري القاضي عند التطبيق في مسألة دقيقة كهذه. وهو اجراء كثيرا ما يلجأ إليه المشرع الحديث دفعا للحرج (14).
__________________________________
1-ومن المتفق عليه في مسائل قانون العقوبات تلازم الاختصاصين القانوني والقضائي، فثبوت الاختصاص لقانون العقوبات العراقي، معناه ثبوت الاختصاص لمحاكم الجزاء العراقية، ولذلك فالمحاكم لا تستوحي الا استثناء قانون عقوبات اجنبي، انظر جارو والمرجع السابق ج1 ن196 – دونديه دي فاير، المرجع السابق ن 1608 – فيدال ومانيول، المرجع السابق ج2 ن 904.
Bouzat , Traite theorique et Pratique De Droit Penal N.1539
2-انظر دونديه دي فاير، المرجع السابق ن1626 – الدكتور حامد سلطان والدكتور عبدالله العريان، أصول القانون الدولي العام 294 ص480.
Leged Cours De Droit Penal, P76 – Logoe , commentaire Du Code Penal Suisso art.3.p14.
3-انظر جارو، المرجع السابق ج1 ن 170 ص357 وانظر في نفس المعنى، قانون العقوبات السوري المادتين 16و17.
4-ويساوي الميل البحري 1852 متراً.
5-انظر دونديه دي فاير، المرجع السابق ن 1623
6-نظر المذكرة الايضاحية للمادة السابعة مارة الذكر وكذلك المادتين 16و17 من قانون العقوبات السوري.
7-انظر الدكتور محمد حافظ غانم، أصول القانون الدولي العام ص55 وخلاف هذا الراي الدكتور السعيد مصطفى السعيد، المرجع السابق ص144.
8-انظر جارو المرجع السابق ج1 ن 171 ص364 – دونديه دي فاير المرجع السابق، ن1632 – الدكتور علي احمد راشد، المرجع السابق ص83 ن 110 – الدكتور علي حسين الخلف، المرجع السابق 171.
9-ومثال جريمة زنا الزوج في منزل الزوجية في قانون العقوبات البغدادي (الملغي)، وتعرف بأنها الجريمة التي يتكون ركنها المادي من عدة أفعال متماثلة كل واحد لو ارتكب لوحده لكان عملا مباحا ولكن تكراره هو الذي يحقق الجريمة المعاقب عليها.
10-انظر في تفصيل ذلك مؤلفنا الوسيط ص 172 وما بعدها.
11-Buozat , Traute Thelorique Et Pratique De Droit Denal N.1547._P. 1049.
12-والقول بخضوع جريمة للاختصاص القانوني والقضائي لدولة تطبيقا لمبدأ الاقليمية لا يعني حقا وفي كل الأحوال عدم خضوع تلك الجريمة للاختصاص القانوني والقضائي لدولة أخرى فقد يتفق ان تعتبر الجريمة واضعة تطبيقا لمبدأ الاقليمية، في اقليم دول متعددة وعندئذ تكون امام صورة من صور تنازع الاختصاص بين الدول وهي من مواضيع القانون الجنائي الدولي.
13-وخلاف هذا الراي قال الاستاذ دون دونديه دي فاير، بان الاختصاص يجب ان يكون لمحكمة محل وقوع العمل التنفيذي فقط دون الالتفا الى مكان الاثر المباشر او النتيجة، انظر دونديه دي فاير، المرجع السابق ن1618.
14-انظر بخلاف هذا الراي الدكتور مصطفى كامل ياسين، المرجع السابق، ص172 حيث يرى ان هذا الحكم هو من انشاء النص الخاص به وليس من انشاء مبدأ الاقليمية بل هو استثناء عليه. انظر كذلك المادة 15 فقرة أولى عقوبات لبناني و15 فقرة ثانية عقوبات سوري. والتي جاءتنا بحكم اوسع لهذه الحالة حيث اعتبرت الجريمة مرتكبة في لبنان او سورية فيما اذا وقع فعل المساهمة الفرعي (أي الاشتراك) فقط في لبنان وسورية ولو لم يقع العمل التنفيذي للجريمة فيها. وهو ما لا نؤيده في هذا التوسع.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|