أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-5-2018
975
التاريخ: 9-4-2018
980
التاريخ: 23-3-2018
1004
التاريخ: 23-3-2018
1074
|
مواد الأثر
ربما كانت أكثر أنظمة الاتصال الكيميائية تطورا في الطبيعة، هي تلك الأنظمة التي تستخدمها بعض أفراد مملكة الحشرات الفائقة التنظيم مثل النحل أو النمل.
ومن المعروف أن هذه الحشرات تعيش في تجمعات كبيرة، فهي في حالة النمل تعيش في مستعمرات كبيرة تبنيها في باطن الأرض أو في أي تجويف يمكن العثور عليه، بينما في حالة النحل تعيش في خلايا تقيمها داخل الأشجار أو في أي مكان مهجور. وقد ظن في باد الأمر أن أفراد هذه المجموعات الحشرية قد تتبادل الرسائل والمعلومات بتحريك قرون الاستشعار على هيئة إشارات خاصة لكل منها مدلول خاص.
ولكننا لو فحصنا مساكن هذه الحشرات، لوجدنا أن كلا من المستعمرات التي يقيمها النمل، والخلايا التي يبنيها النحل تتكون من سراديب متشعبة يغشاها الظلام الدامس على الدوام، وبذلك فان أفراد هذه الأنواع من الحشرات تعيش عادة في ظلام تام داخل هذه الخلايا أو المستعمرات، حتى أنه قد يصعب على إحداها أن تميز الأخرى داخل ممرات ودهاليز هذه المساكن المتشعبة.
و ينبنى على ذلك أن أفراد هذه المجموعات الحشرية لن تستطيع أن تتبادل الإشارات فيما بينها، حتى لو أرادت ذلك، فلن يمكن لأحد هذه الأفراد أن يميز بوضوح نوع الإشارة التي قد يرسلها له فرد آخر في هذا الظلام الحالك، ويعني هذا أن نظام تبادل المعلومات داخل المستعمرات أو الخلايا عن طريق الإشارات، يصبح يعيد الاحتمال. ولا بد أن تكون هناك وسيلة أخرى تصلح للتخاطب وتبادل المعلومات حتى في هذا الظلام الدامس.
وقد رأى بعض العلماء أن أنسب أنظمة الاتصال بين هذه الحشرات قد يكون نظاما يتضمن إفراز بعض المواد الكيميائية المتطايرة التي يمكن استخدامها لإيصال معلومة معينة أو لإصدار أمر ما. ولا شك أن مثل هذا النظام لن يتأثر بالظلام الدامس المنتشر في خلايا أو مستعمرات هذه الحشرات.
وقد تمكن العلماء حديثا من إثبات صحة هذا الفرض، وتبين لهم أن هناك شفرة كيميائية خاصة بكل نوع من أنواع هذه الحشرات، وقاموا بابتداع بعض التجارب العلمية البسيطة والمعقدة للكشف عن أسرار هذه الشفرة، وتمكنوا في بعض الحالات من فصل بعض المركبات الكيميائية المستخدمة في هذا الغرض وتعرفوا عليها وعلى تركيبها الكيميائي. وقد تناولت تجارب هؤلاء العلماء أنواعا متعددة من الحشرات، ولكنها تركزت بصفة خاصة على مستعمرات النمل، وذلك بسبب سهولة الحصول على أفراد هذه الحشرات التي تنتشر في كل مكان، كما انه يسهل متابعة أفراد النمل في حركتها اليومية أثناء التجارب المعملية المختلفة.
وقد اسس العلماء في تجاربهم خطة عمل غاية في البساطة، فقد قاموا أولا بدراسة أنواع الغدد التي توجد على جسم شغالات النمل، ثم قاموا بفصل هذه الغدد واحدة بعد الأخرى، واستخرجوا محتويات كل منها، ثم بدءوا في دراسة أثر محتويات كل غدة، على حدة، على مسلك أفراد الشغالات في مستعمرة النمل.
ويرجع السبب في اختيار أفراد الشغالات لإجراء هذه التجارب عليها، إلى أنها أكثر أفراد مستعمرة النمل عددا، كما أن هذه الشغالات هي المسئولة عن القيام بأغلب الأعمال الهامة في المستعمرة، ولهذا فهي على الأغلب، أكثر أفراد هذه المستعمرة تلقيا للأوامر، وأشدها احتياجا للحصول على المعلومات، للقيام بوظائفها على أكمل وجه.
وتتميز جميع أفراد النمل بأنها مزودة بنظام متطور من الغدد يتوزع على جميع أجزاء جسدها. وحتى عهد قريب كانت أغلب هذه الغدد غير محددة الوظيفة، ولا يعلم أحد عن فائدتها شيئا، ولكننا الآن نعرف الكثير عن بعض هذه الغدد، أمكن التعرف على وظيفة البعض منها، فهي تعتبر مصدرا لعديد من المواد الكيميائية التي تستخدم في عمليات الاتصال وتبادل المعلومات والرسائل بين مختلف أفراد المستعمرة.
وقد أدى التعرف على هذه الغدد، ومعرفة الأثر المباشر الذي تحدثه محتويات كل منها إلى التوصل لفهم بعض الأسس التي يقوم عليها ذلك النظام الرائع الذي يسود مملكة النمل و يميزها من غيرها من الحشرات. ومن أهم إفرازات هذه الغدد تلك المادة الكيميائية التي يتركها النمل على الأرض أثناء سيره والتي تستخدم دليلا للشغالات يساعدها على تحديد اتجاهها أثناء انتقالها من مكان لآخر ولذلك فهي تسمى عادة (مادة الأثر) أو (مواد الأثر) فربما كانت خليطا من المواد الكيميائية ولا يعرف شيء عن تركيبها حتى الآن.
لقد تبين أن (مواد الأثر) تستخدم في الحقيقة في عديد من الأغراض في مملكة النمل فهي قد تستخدم في زيادة نشاط الشغالات ودفعها إلى مزيد من العمل، كما إنها قد تستخدم في هداية الشغالات إلى مواقع مناسبة لبناء عش جديد، ولكن فائدتها الرئيسية الغالبة هي إرشاد مجموعات الشغالات إلى مواقع الغذاء.
وقد أجريت التجارب الخاصة بمواد الأثر على نوع خاص من النمل يعرف باسم (نمل النار) (Fire Ants) وتبين من هذه التجارب أن هذه المواد تفرز بواسطة غدة خاصة تتصل بإبرة اللدغ الموجودة بمؤخرة النملة، وعندما تريد هذه النملة أن تضع مواد الأثر على الأرض فهي تفعل ذلك عادة بأن تلمس الأرض بإبرتها الخلفية أثناء سيرها، وهي تفعل ذلك على فترات متقطعة بحيث تضع كل مرة قدرا ضئيلا من مادة الأثر، وينتج عن ذلك أن الإفراز الذي تضعه النملة على الأرض لا يكون على هيئة خط مستمر، بل يأخذ هيئة الخط المتقطع، ويشبه تصرف النملة هذا ما يقوم به قلم التحبير المعروف عندما يرسم مجموعة من الشرط على خط واحد مستقيم.
ـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
ولا يعرف السبب الحقيقي في قيام النملة بوضع هذا الخط المتقطع من مادة الأثر بدلا من وضعها على هيئة خط واحد متصل، ولكن يبدو أن النملة تفعل ذلك كي توفر في كمية المادة المستخدمة من مواد الأثر، بل ربما كانت تفعل ذلك حتى لا يزيد تركيز هذه المادة على الحد المطلوب.
ولا بد لنا هنا أن نتساءل عن الأسباب التي تؤدي إلى استعمال مواد الأثر، ومتى تقرر النملة وضع هذا الخط المتقطع? لقد أثبتت الدراسات التي أجريت في هذا المجال أن هذا يحدث عادة عندما تعثر إحدى الشغالات على الغذاء أثناء تجوالها، فهي عندما تعثر مثلا على حشرة ميتة أو أي شيء آخر يصلح غذاء لأبناء جنسها، تتناول منه قدرا كافيا ثم تبدأ في العودة إلى مكان تجمع النمل أو إلى المستعمرة كي تخطر بقية الأفراد بوجود وفرة من الغذاء في هذا الموقع الجديد.
وحتى لا تضل هذه الشغالة الطريق، تقوم أثناء عودتها بوضع مادة الأثر على سطح الأرض مبتدئة من موقع الغذاء حتى تصل إلى موقع المستعمرة وبذلك تكون قد رسمت لغيرها دون مجهود، الطريق الصحيح الذي يجب أن يسلكه كل من يريد الوصول إلى موقع الغذاء.
ويبدو أن الشغالات تنجذب انجذابا شديدا نحو مواد الأثر، فما أن تحس بوجود هذه المواد على الأرض، حتى تندفع بصورة تلقائية نحو هذا الخط المتقطع المرسوم بدقة، والذي يشبه ذلك الخط الأبيض المتقطع الذي تضعه إدارة المرور في منتصف الطريق الصحراوية، وتبدأ كل منها في السير عليه وتتبعه حتى تصل إلى موقع الغذاء.
ولعل ذلك يفسر لنا تلك الظاهرة التي نلحظها دائما، فجموع، النمل تسير دائما بعضها وراء بعض، سواء على الأرض أو على الجدران. وهي تفعل ذلك في نظام شديد وكأنها تتبع في سيرها خطا وهميا. وفي الحقيقة لم يعد هذا الخط وهميا الآن، بل أصبح أمرا واقعا، فإن أفراد النمل تتبع ذلك الخط المتقطع من مادة الأثر على طول الطريق.
والآن هل يعرف النمل الذي يتبع الطريق الذي تحدده مادة الأثر حقيقة الغرض من رحلته، أم أنه يفعل ذلك دون وعي وتفكير?.
وللإجابة عن هذا السؤال لابد أن نذكر بعض التجارب التي قام بها المهتمون باستجلاء أسرار هذه الشفرة الكيميائية التي يخاطب بها النمل ويتبادل بها المعلومات، والتي تبين منها أن شغالات النمل تتبع مواد الأثر دون وعي أو إدراك، وأن هذا يعتمد أساسا على درجة تركيز هذه المواد على طول الطريق.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|