مصبا- هجرته هجرا من باب قتل : قطعته , والاسم الهجران. وهجر المريض في كلامه هجرا : خلط وهذى. والهجر : الفحش , وهو اسم من هجر يهجر من باب قتل , وفيه لغة اخرى , أهجر في منطقه : إذا أكثر منه حتّى جاوز ما كان يتكلّم به قبل ذلك , وأهجرت بالرجل : استهزأت به وقلت فيه قولا قبيحا , ورماه بالهاجرات , أي بالكلمات الّتى فيها فحش , وهذه من باب لابن وتامر. والهجرة : مفارقة بلد الى بلد غيره. وهذه مهاجره , أي موضع هجرته.

مقا- هجر : أصلان يدلّ أحدهما على قطيعة وقطع. والآخر- على شدّ شي‌ء وربطه. فالأوّل - الهجر : ضدّ الوصل , وكذلك الهجران. وهاجر القوم من دار الى دار : تركوا الاولى للثانية , وتهجّر الرجل وتمهجر : تشبّه بالمهاجرين.

والهجر والهجير والهاجرة : نصف النهار عند اشتداد الحرّ , وهجّروا : ساروا في ذلك الوقت , وسمّيت هاجرة لأنّ الناس يستكنّون في بيوتهم , كأنّهم قد‌ تهاجروا. ومن الباب الهجر : الهذيان. والهجر : الافحاش في المنطق , يقال أهجر الرجل في منطقه. ورماه بالهاجرات , وهي الفضائح , وسمّى هذا كلّه لأنّه من المهجور الّذى لا خير فيه. ويقولون هذا شي‌ء هجر , أي لا نظير له , كأنّه من جودته ومباينته الأشياء قد هجرها. ويقولون : هذا أهجر من هذا , أي أكرم.

والتحقيق‌

أنّ الأصل الواحد في المادّة : هو ترك شي‌ء مع وجود ارتباط بينهما. والمهاجرة مفاعلة ويدلّ على استمرار , وهذا المعنى يلازم استمرار الترك بالحركة عنه. وإذا استعملت بحرف الى : تدلّ على انتهاء الترك والحركة وامتدادهما اليه.

وأمّا مفاهيم الهذيان والافحاش والفضيحة : فباعتبار الخروج عن الحالة الطبيعيّة وتركها بمرض أو غضب او غيرهما.

{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } [المدثر: 5]. {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم : 46]. {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل : 10]. {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء : 34] يراد الترك مع وجود الرابطة.

وسبق أنّ الترك هو رفع اليد والتخلية مطلقا.

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة : 218]. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال : 72] الآيتان وأمثالهما تدلّ على مراتب ثلاث من مراتب السلوك الى اللّٰه المتعال : الايمان , وترك الدنيا المربوطة , والتوجّه الى الحياة الروحانيّة والمجاهدة فيها بالأموال والأنفس.

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة : 100]. {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [النساء : 100] فالتعبير بصيغة المفاعلة يدلّ بالمادّة على ترك التعلّق بالحياة الدنيا. وبالصيغة على استمرار ذلك الترك آنا فآنا , فينطبق على السير والحركة الى اللّٰه المتعال.

فظهر لطف التعبير بالمادّة والهيئة في هذه الموارد.

_____________________________
- مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ .

‏- مقا = معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، ٦ ‏مجلدات ، طبع مصر . ١٣٩ ‏هـ.