أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-10-2014
2391
التاريخ: 14-10-2014
3254
التاريخ: 14-10-2014
3292
التاريخ: 14-10-2014
1960
|
مـن الاسرائيليات ما يذكره بعض المفسرين كالطبري ، والثعلبي ، والزمخشري ، وغيرهم في تـفـسـيـر قـولـه تـعـالـى : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر : 6 - 8] .
فـقـد زعموا ان (إِرَمَ ) مدينة ، وذكروا في بنائها وزخارفها ما هو من قبيل الخيال ، ورووا في ذلك انه كان لعاد ابنان : شداد ، شديد ، فملكا وقهرا ، ثم مات شديد وخلص الامر لشداد فملك الدنيا ، فـسمع بذكر الجنة ، فقال : ابني مثلها ، فبنى (إِرَمَ ) في بعض صحاري عدن ، في ثلاث مائة سنة ، وكـان عـمـره تـسـعـمائة سنة ، وهي مدينة عظيمة ، وسورها من الذهب والفضة ، و اساطينها من الـزبرجد والياقوت . ولما تم بناؤها سار اليها بأهب (1) مملكته ، فلما كان منها مسيرة يوم وليلة بعث اللّه تعالى صيحة من السماء ، فهلكوا.
وروى وهـب بـن منبه عن عبداللّه بن قلابة : انه خرج في طلب ابل له ، فوقع عليها ـ يعني مدينة (إِرَمَ ) ـ ، فحمل منها ما قدر عليه ، وبلغ خبره معاوية ، فاستحضره ، وقص عليه ، فبعث الى كعب الاحـبـار ، فـسـأله عنها فقال : هي إِرَمَ ذات العماد ، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانه احمر ، اشقر ، قصير ، على حاجبه خال ، ثم التفت ، فابصر ابن قلابة ، فقال : هذا واللّه ذاك الرجل (2) .
وهذه القصة موضوعة ، كما نبه الى ذلك الحفاظ ، وآثار الوضع لائحة عليه ، وكذلك ما روي : ان (إِرَمَ ) مـدينة دمشق ، و قيل : مدينة الاسكندرية قال السيوطي في (الدر المنثور) : واخرج عـبد بن حميد ، وابن ابي حاتم ، عن عكرمة ، قال : (إِرَمَ )هي دمشق ، واخرج ابن جرير ، وعبد بن حميد ، وابن عساكر عن سعيد المقبري مثله ، واخرج ابن عساكر ، عن سعيد بن المسيب ، مثله ، قـال : واخـرج ابـن جـريـر ، وابـن الـمـنـذر ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : (إِرَمَ ) هي الاسكندرية (3) .
وكل ذلك من خرافات بني اسرائيل ، ومن وضع زنادقتهم ، ثم رواها مسلمة اهل الكتاب فيما رووا ، وحملها عنهم بعض الصحابة والتابعين ، والصقت بتفسير القرآن الكريم .
قـال ابـن كـثير في تفسيره : ومن زعم ان المراد بقوله : {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} : مدينة اما دمشق ، او اسـكـندرية ، او غيرهما ، ففيه نظر ، فانه كيف يلتئم الكلام على هذا { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ } ان جعل بدلا او عطف بيان؟ (4) ، فانه لا يتسق الكلام حينئذ ، ثم المراد : انما هو الاخـبـار عـن اهـلاك الـقبيلة المسماة بعاد ، وما احل اللّه بهم من بأسه الذي لا يرد ، لا ان المراد : الاخـبـار عن مدينة او اقليم ، وانما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عن هذه الآية ، من ذكر مدينة يقال لها : إِرَمَ ذات العماد ، مبنية بلبن الذهب والفضة ، وان حصباها لئالئ وجـواهر ، وترابها بنادق المسك فإن هذا كله من خرافات الاسرائيليين ، من وضع بعض زنادقتهم ، لـيـختبروا بذلك القول الجهلة من الناس ان تصدقهم في جميع ذلك . وقال فيما روي عن ابن قلابة : فهذه الحكاية ليس يصح اسنادها ، ولو صح الى ذلك الاعرابي فقد يكون اختلق ذلك ، او اصابه نوع من الهوس ، والخيال ، فاعتقد ان ذلك له حقيقة في الخارج ، وهذا ما يقطع بعدم صحته . و هذا قـريـب مما يخبر به كثير من الجهلة ، والطامعين ، والمتحيلين من وجود مطالب تحت الارض فيها قـنـاطـير الذهب والفضة ، فيحتالون على اموال الأغنياء والضعفة ، والسفهاء ، فيأكلونها بالباطل ، في صرفها في بخاخير ، وعقاقير ، ونحو ذلك من الهذيانات ، ويطنزون بهم . (5)
والـصـحـيـح في تفسير الآية ، ان المراد {بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ } قبيلة عاد المشهورة ، التي كانت تسكن الاحقاف ، شمالي حضرموت ، وهي عاد الأولى ، التي ذكرها اللّه سبحانه في سورة النجم ، قال سـبـحـانه : {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} [النجم : 50] ، ويقال لمن بعدهم : عاد الأخرة ، وهم ولد عاد بن إِرَمَ بن عـوص ، بـن سـام ، بـن نـوح قـاله ابن اسحاق وغيره ، وهم الذين بعث فيهم رسول اللّه هوداً (عليه السلام) فـكـذبـوه ، وخـالفوه ، فأنجاه اللّه من بين اظهرهم ، ومن آمن معه منهم ، واهلكهم {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ } [الحاقة : 6 - 8] .
و قـد ذكـر اللّه قـصتهم في القرآن في غير ما موضع ، ليعتبر بمصرعهم المؤمنون ، فقوله تعالى : {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} ، بدل من (عاد) او عطف بيان زيادة تعريف بهم ، وقوله تعالى :
{ ذَاتِ الْعِمَادِ} ، لأنهم كانوا في زمانهم اشد الناس خلقة ، واعظمهم اجساماً ، وأقواهم بطشاً وقيل : ذات الأبنية التي بـنـوهـا ، والـدور ، والـمصانع التي شادوها وقيل : لانهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الغلاظ الشداد والأول أصح وأولى ، فقد ذكرهم نبيهم هود بهذه النعمة ، وأرشدهم الى ان يستعملوها في طاعة اللّه ـ تبارك وتعالى ـ الذي خلقهم ومنحهم هذه القوة ، فقال : {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف : 69] ، وقال تعالى : {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت : 15] ، وقوله هنا : { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ } اي القبيلة الـمـعـروفـة الـمـشهورة التي لم يخلق مثلها في بلادهم ، وفي زمانهم ، لقوتهم ، وشدتهم ، وعظم تركيبهم .
ومـهما يكن من تفسير ذات العماد : فالمراد القبيلة ، وليس المراد مدينة ، فالحديث في السورة انما هـو عـمـن مـضـى مـن الاقوام الذين مكن اللّه لهم في الأرض ، ولما لم يشكروا نعم اللّه عليهم ، ولم يؤمنوا به وبرسله ، بطش بهم ، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر ففيه تخويف لكفار مكة ، الذين هم دون هؤلاء في كل شيء ، وتحذيرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب هؤلاء.
ما رُوي في عظم طولهم
ولـيس معنى قوتهم ، وعظم خلقهم ، وشدة بطشهم انهم خارجون عن المألوف في الفطرة ، فمن ثم لا نـكـاد نـصدق ما روي في عظم اجسامهم ، وخروج طولهم عن المألوف المعروف ، حتى في هذه الازمـنة ، فقد روى ابن جرير في تفسيره ، وابن ابي حاتم وغيرهما عن قتادة ، قال : كنا نحدث ان (إِرَمَ ) قبيلة من عاد ، كان يقال لهم : ذات العماد ، كانوا اهل عمود ، { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ } ، قـال : ذكر لنا انهم كانوا اثني عشر ذراعاً (6) طولاً في السماء ، وهذا من جنس ما روي في العماليق . واغلب الظن عندنا ان من ذكر لهم ذلك هم اهل الكتاب الذين اسلموا ، وانه من الاسرائيليات المختلقة .
و ايضاً لا نكاد نصدق ، ما روي عن المعصوم (صلى الله عليه واله وسلم ) في هذا ، فقد روى ابن ابي حاتم ، قال : حدثنا ابي ، قال : حدثنا ابو صالح كاتب الليث ، قال : حدثني معاوية ابن صالح ، عمن حدثه ، عن المقدام بن معد يكرب ، عـن الـنبي (صلى الله عليه واله وسلم ) : انه ذكر {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} فقال : (كان الرجل منهم يأتي الى الصخرة ، فيحملها عـلـى كـاهـلـه ، فـيلقيها على أي حي أراد فيهلكهم ) (7) .
و لعل البلاء ، والاختلاق فيه من المجهول ، وروى مثله ابن مردويه (8) .
و اخزى اللّه من نسب مثل هذا الباطل الى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، ولا نشك ان هذا من عمل زنادقة اهل الكتاب وغيرهم ، الذين عجزوا ان يقاوموا سلطان الاسلام ، فسلكوا في محاربته مسلك الدس ، والاختلاق ، بـنـسـبة امثال هذه الخرافات الى المعصوم (صلى الله عليه واله وسلم) ، وانا لنعجب لمسلم يقبل امثال هذه المرويات التي تُـزري بالإسلام ، وتنفر منه ، ولا سيما في هذا العصر الذي تقدمت فيه العلوم ، والمعارف ، واصبح ذكر مثل هذا يثير السخرية ، والاستنكار والاستهزاء .
________________________
1- جمع أهبة ، والأهبة – بضم الهمزة - العدة كما في القاموس .
2- راجع : الكشاف ، ج4 ، ص748 (عند تفسير هذه الآية ) ؛ تفسير البغوي ، ج4 ، ص482 ، والنسفي ، والخازن عند تفسير هذه الآية .
3- الدر المنثور ، ج6 ، ص347 .
4- أي لفظ إرم ، بدل من عاد أو عطف بيان .
5- تفسير ابن كثير ، ج4 ، ص507-508 .
6- حوالي ستة أمتار أو تزيد .
7- تفسير ابن كثير ، ج4 ، ص507.
8- الدر المنثور ، ج6 ، ص347.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|