أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-12-2015
859
التاريخ: 15-12-2015
989
التاريخ: 15-12-2015
1113
التاريخ: 17-12-2015
1031
|
يسأل الكثير عن مدى ضرورة وجود النّار، فاللَّه تعالى لا يحب الانتقام وأنّ العقوبات توضع لكي لا يرتكب الناس الاخطاء ثانية أو حتى تكون عبرة للآخرين، بينما نعلم أن لا عودة لهذا العالم بعد هذه الحياة، ولا وجود هناك للتكليف والطاعة والذنب، وعلى هذا، ما المفهوم الذي ستحمله عقوبة باهضة كدخول النّار؟ هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإنّ الهدف من جميع التعاليم الدينية هو تربية وتهذيب وتكامل الإنسان، وإن لم يقبل بذلك بعض الناس فستكون عقوبتهم الحرمان من بلوغ الدرجات الرفيعة.
فما هي الضرورة لوجود جهنّم، ومركز الغضب والعقاب الصارم؟
وللاجابة عن هذه التساؤلات ينبغي الالتفات إلى نقطتين :
1- قلنا مراراً إنّ العقوبات الإلهيّة سواء في هذا العالم أوفي عالم الآخرة هي نتيجة لأعمال الناس أنفسهم، وإنّما تنسب إلى اللَّه جلّ شأنه باعتباره مسبب الأسباب، فالكثير من نعم الجنّة هي تجسيد لأعمال الإنسان الصالحة، والكثير من عذاب جهنّم تجسيد لأعماله السيّئة، ونحن نعلم أنّ نتائج العمل وآثاره ليست بالأمر الهيّن الذي يمكن التساهل فيه.
فمثلًا، الشخص الذي يتناول المشروبات الروحية والمخدّرات، ليقضي فترات من الراحة وهدوء البال- حسبَ تصوره- في ظل هاتين المادّتين المخدّرتين، ولينتشي باللذة المتأتّية من نسيان الدنيا، يُحذَّر بأنّ هاتين المادتين المخدّرتين هما من عوامل الافساد والتحلل وستؤدّيان في النهاية إلى القضاء عليه، فالمشروبات الكحولية تسبب له أمراض القلب والشرايين والاعصاب والكبد، والمخدّرات تدمر أعصابه بل وتُنهي كل كيانه.
فاذا لم يُصغ إلى هذا الانذار وتمادى في ممارسته الخاطئة فانّه سيواجه عقوبته وجزاءه وهذا لا يحتاج إلى فلسفة ودليل سوى قانون العلّية، وهي النتيجة الطبيعية لعمل كل إنسان وغالباً ما تكون الذنوب على هذه الشاكلة، وتعقبها نتائج في هذه الدنيا، وفي الآخرة فهي تتجسد على صورة العذاب في جهنّم.
ولهذا يُلحظ هذا التعبير الذي يتكرر كثيراً في الآيات الشريفة والذي يقول : إنّكم تجزون ما كنتم تعملون فنقرأ في قوله تعالى : {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّت وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ هَل تُجزَونَ إِلَّا مَاكُنْتُمْ تَعمَلُونَ} (النمل/ 90).
ونقرأ أيضا : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعتَذِرُوا الْيَوْمَ انَّمَا تُجْزَونَ مَاكُنْتُمْ تَعمَلُونَ} (التحريم/ 7).
فالمعذرة نافعة حين لا تكون القضية متعلّقة بالعلة والمعلول والنتيجة للأعمال.
والآيات التي تتحدث مثلًا عن تجسيد الأعمال وتشبّه أكل مال اليتيم بأكل النّار تدل بأجمعها على هذا المعنى، وكذلك الروايات التي تقول إنّ الطباع الحيوانية في الإنسان، تظهر من داخله يوم القيامة وترتسم على خارجه، فتغدو صور الأشخاص شبيهة بالحيوانات المتميّزة بتلك الطباع.
وخلاصة القول : إنّ هذه الدنيا مزرعة، والآخرة أوان وزمان الحصاد، فإن كان الإنسان قد زرع بذور الورد، فمحصوله أغصان طيبة وطرية ومعطّرة من الورد، وإن كان قد بذر الشوك فلا يجني سواه.
جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه و آله : «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا رسول اللَّه أوصني فقال : احفظ لسانك، قال : يا رسول اللَّه أوصني، قال : احفظ لسانك، قال : يا رسول اللَّه أوصني، قال : احفظ لسانك ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النّار إلّا حصائد ألسنتهم» «1».
2- لا شك في أنّ التبشير والتحذير يعتبران دعامتين أساسيتين في إجراء البرامج التربوية، فكما أنّ التبشير بالجزاء الأوفر الذي يحظى به الإنسان في الجنّة يُعَدُّ عاملًا فاعلًا في الدعوة إلى طاعة اللَّه وترك معصيته، فكذلك التحذير والوعيد بالعذاب الصارم في جهنّم يُعتبر هو الآخر مؤثّراً قويّاً في هذا الجانب، لا بل ثبت بالتجربة أنّ للعقوبات تأثيراً أقوى.
ولهذا فإنّ جميع القوانين التي تسنّها مراكز التشريع القانوني في العالم تضمن عقوبات للمخالفين وهو ما يصطلح عليه علماء الحقوق باسم الضمانة التنفيذية، وتحظى هذه الضمانة بقدر كبير من الأهميّة بحيث تُعتبر واحدة من العناصر الأساسية التي يبنى عليها القانون، ولو أنّ قانوناً استُنَّ ولم يتضمن أي عقاب للمخالفين (كالسجن والجلْد والغرامة المالية والحرمان من بعض الحقوق الاجتماعية) فلا يمكن أن يطلق عليه قانوناً.
فكيف تكون القوانين الإلهيّة- والحالة هذه- خالية من الضمانة التنفيذية؟! فهي عندئذٍ تفقد قيمتها القانونية، ولا يرى المخالفون لها والمتخلفون عنها أي دافع أو وازع لإطاعتها والالتزام بها، ويبقى هدف القانون عقيماً.
صحيح أنّ الآثار الوضعية والطبيعية لعدم الالتزام قد تكون رادعاً للذين يقومون بمخالفات شرعية، إلّا أنّها غير كافية لوحدها، ولهذا فقد أدرج سبحانه وتعالى سلسلة من العقوبات لمن يتخلف عن الالتزام بها، فكما يهدد أقواماً بالعقوبة الدنيوية (وأمثلة ذلك كثيرة وقد تحققت في الوجود الخارجي وأشار إليها القرآن في تبيانه لحياة الأقوام السالفة) فهو- جلّ شأنه- قد وضع أيضاً العقوبات في الآخرة لمن يتوانى عن التقيّد بها.
ومن الواضح كذلك أنّه كلما اشتّدت لهجة الترغيب والترهيب، كلّما كان التأثير أقوى وأكثر.
وهذا الأمر يوضّح أحد الأبعاد الأساسية لفلسفة وجود الجنّة والنّار.
وربّما يقال هنا إنّ جميع الآثار التي عُرضت إنّما تترتب على الوعيد بالعقاب والجزاء، وعلى هذا، فما المانع من أن يكون سبحانه وتعالى قد عرض كل هذه التهديدات والتحذيرات، إلّا أنّها لا تتحقق في القيامة، لعدم وجود ضرورة لها، وذلك لخلو ذلك العالم من دروس العبرة للآخرين وانعدام تكرار الذنب من قبل المجرمين؟
إنّ هذا الكلام يستلزم أن يرتكب اللَّه عزّ وجلّ، القبيح وأنّه- والعياذ باللَّه- يكذب ويتخلف عن وعده فهو يوعد بالعقاب للمتخّلفين وحتّى أنّه يُقسم بتنفيذ وعيده، وكيف لا يطبق ذلك فعلياً؟! من البديهي أنّ هذا الفعل قبيح لا يليق بذاته المقدّسة بل ولا يفعله الإنسان المهذب الحكيم.
والنتيجة : أنّ وجوب التهديد والوعيد بالعقاب والجزاء ضمانة تنفيذية، هذا من جهة، ومن جهة اخرى، لابدّ من تطبيق تلك الوعود والتهديدات لدفع القبح عن ذاته المقدّسة.
و هذه هي فلسفة وجود جهنّم وعقوباتها.
ومن أجل هذا نصّت الآية الكريمة بالقول : {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ انَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (إبراهيم/ 47).
_______________________
(1). اصول الكافي، ج 2، ص 115، ح 14.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|