أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-09-2015
11066
التاريخ: 11-12-2015
8170
التاريخ: 11-12-2015
9648
التاريخ: 13-12-2015
20646
|
هناك آية في القرآن الكريم حول هذا النبي العظيمً، حيث تبيّن أنّه اعترف أمام اللَّه تعالى بالظلم ثمّ طلب العفو والمغفرة وأنّ اللَّه استجاب دعاءه وغفر له بعد اختبار طويل، يقول تعالى : {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} ثمّ يضيف قائلًا : {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِى الْمُؤْمِنِينَ} (الأنبياء/ 87- 88).
وهنا يثار هذا السؤال وهو : كيف يتناسب وضع يونس في صفوف الظلمة مع منزلة عصمته، ولمن ظلم؟، وما هي نوعية الظلم؟ ثمّ أنّ يونس عليه السلام على من غضب؟ ولماذا ظنّ أنّ اللَّه لن يضيّق عليه؟ ألا يمكن لهذه الجهات الثلاث مجتمعة أن تكون بمثابة علامة إستفهام على مسألة عصمته؟
ورد نفس هذا المعنى بشكل غامض في القرآن الكريم : {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ* لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ* فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} (القلم/ 48- 50).
كما يستفاد من هذا التعبير أيضاً أنّه كان قد تسرّع في أمره وأشرف على الهلاك لولا أن أسعفه لطفه تعالى.
ونفس هذا المعنى تكرّر أيضاً في سورة الصافات، وذلك بعد الإشارة إلى قصّة هربه من قومه وركوبه في السفينة، وإلقاء القرعة ثمّ إلقائه في فم حوت عظيم، يقول تعالى : {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (الصافات/ 143- 144).
ما هو الذنب الذي اقترفه ليسجن في بطن الحوت، ويلبث فيه مدّة مديدة لولا تسبيحه للَّه تعالى؟، خلاصة القول : إنّ قصّة يونس عليه السلام التي جاءت في ثلاث سور من القرآن الكريم (الأنبياء، القلم، الصافات) وبعبارات مختلفة تثير استفهامات شتّى حول مقام عصمة هذا النبي العظيم وتستدعي جواباً منطقيّاً.
الجواب :
صحيح أنّ التعابير المختلفة للآيات المذكورة تبيّن أنّ ذنباً ما قد صدر من يونس عليه السلام، فالتعبير ب «الظالم» و «المليم» (يأتي أحياناً بمعنى ملامة النفس، أو القيام بعمل يستوجب ملامة الآخرين لفاعله، لأنّ لفظة «المليم» قد فسّرت بكلا المعنيين)، وكذلك التعبير بأنّ يونس عليه السلام : {فلَوْلا أَنّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ الى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، والتعبير ب {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ» وتعبير «لَاتَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}، الذي يأمر نبي الإسلام صلى الله عليه و آله : بأن لا يكون كيونس عليه السلام، وكذلك تعبير : {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ}، كلّ هذه التعابير تبيّن وقوع شيء ممّا لا ينبغي وقوعه.
لكن القرائن تشير إلى أنّ هذا العمل المخالف لم يكن سوى ترك الأولى، لأنّ اللَّه تعالى وفي نفس هذه الآيات قد تحدّث عن يونس كنبي مرسل، موضع العناية الإلهيّة الخاصّة، وفي سورة (الأنعام/ 86) يعتبره اللَّه تعالى من الأنبياء العظام الذين فضّلهم على العالمين، كما يعتبره في عداد الأنبياء عظيمي الشأن كإبراهيم ونوح وإسماعيل وعيسى عليهم السلام، وذلك في سورة (النساء/ 163).
امّا ما هو ترك الأولى هذا؟ فهناك احتمالات متنوّعة، يمكن لكلّ واحد منها منفرداً فضلًا عن مجموعها، أن يكون دليلًا على ترك الأولى فقط، من جملتها : أنّه تسرّع في ترك قومه إذ كان الأجدر به أن يصبر أكثر، أو أنّه تعجّل بالدعاء عليهم، أو أنّه كان ينبغي عليه انتظار الأمر الإلهي حين خروجه من بين قومه حتى ولو كان قد يئس من هدايتهم على ما يبدو.
ولا يخفى أنّ أيّاً من هذه الامور لا يعدّ ذنباً، لكنّها لو لم تكن لكان أفضل، وبناءً على هذا فقد استحقّ العتاب والملامة، والتعبير ب «الظلم» أو «الإبتلاء بالعقاب الإلهي» إنّما هو من باب «حَسَناتُ الابْرارِ سَيِئاتُ الْمُقَرَّبينَ»، والذي تقدّم الكلام عنه مفصّلًا عند البحث عن ترك آدم عليه السلام للأولى، كما يحتمل أيضاً تصوّره بأنّ اللَّه تعالى لن يضيق عليه «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ»، أنّ تصوّره هذا كان بمثابة ترك الأولى، وذلك لأنّ تمتّع الأنبياء عليهم السلام بمستوى عالٍ من الإيمان يفرض عليهم العيش دائماً بين الخوف والرجاء لا اعتبار أنفسهم في أمان من العقاب الإلهي، أو القنوط من رحمته.
أمّا التعبير ب «مغاضباً» فواضح أنّه يعني الغضب على أعمال قومه المذنبين، لا الغضب على اللَّه تعالى! كما ذهب إليه بعض المغفّلين، لأنّ هذا ليس فقط متنافياً مع مقام الأنبياء، بل لا يتناسب وأدنى حدّ من الإيمان أيضاً لأنّ ما يقابل الغضب على اللَّه هو الكفر باللَّه.
وعبارة «مغاضباً لربّه» الواردة في الروايات أو كلمات بعض أقطاب أهل التفسير إنّما تعني «مُغَاضِباً لَاجْلِ رَبِّهِ» أي أنّه غضب لأجل اللَّه تعالى نتيجة أعمال قومه.
ومن هنا يتّضح سبب مكوثه في سجن مظلم تتوالى ظلماته الواحدة بعد الأخرى (ظلمة بطن الحوت، ظلمة البحر، وظلمة الليالي)؟ وسبب عزمه على التضرّع والإستغفار وطلب العفو، بتلك العبارات الموزونة المتينة : {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
الملفت للنظر هو ما جاء في البعض من الروايات، أنّ الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام قال : «حينما كان يونس في خلوته في بطن الحوت متوجّهاً بكلّ وجوده إلى العبادة مستجيراً باللَّه تعالى وحده، اعتبر نفسه من الظالمين لأنّه لم يأت بعبادة خالصة كهذه من قبل، فقال أن لا إله إلّا أنت سبحانك انّي كنت من الظالمين، بتركي مثل هذه العبادة التي فرغْتَني لها في بطن الحوت، فقبل اللَّه تعالى منه ذلك، وقال عزّوجلّ : «فلولا أنّه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون»» «1».
امّا فيما يتعلّق بتفسير الآيات المتعلّقة ب «يونس» عليه السلام وما هو ذلك الحوت الذي تمكّن من الإحتفاظ به في بطنه؟ وكيف يمكن للإنسان البقاء حيّاً مدّة طويلة بلا ماء أو طعام أو هواء؟ وكيف يمكن لذلك الإنسان ألّا يذوب ويهضم في المعدة الواسعة للحيوان؟ واسئلة أُخرى من هذا القبيل، فالكلام عنها خارج عن موضوع بحث العصمة، ومن أراد الوقوف على أجوبة هذه الأسئلة يمكنه الرجوع إلى «التفسير الأمثل»، الأجزاء 13 و 19 و 24 في تفسير الآيات التي تتحدّث عن يونس عليه السلام.
________________________
(1) تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 450، ح 137.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|