أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-12-2015
16884
التاريخ: 13-12-2015
16893
التاريخ: 8-11-2014
24478
التاريخ: 29-09-2015
13460
|
جاء في سورة الدخان أنّ التقدير إنّما يقع في كلّ ليلة قَدْرٍ مِن شهر رمضان في كلّ سنة { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] . وقد وردت روايات أيضاً بأنّ ما يقع في تلك السنّة إنّما يُقدَّر في ليلة القدر .
هذا ، في حين كَثرة الآيات والروايات بأنّ التقدير إنّما وقع في الأَزل ، وتجري الأمور حسبما قُدّرت في اللّوح المحفوظ من غير تخلّف ولا تبديل ، {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] ، {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11] .
على أنّ هذه الآيات تَرمي إلى سلب مسؤوليّة الإنسان عمّا يفعله ؛ حيث إنّه كان مُقدّراً من قبل ، وهذا يتنافى وقوله تعالى : {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } [الإسراء: 13] .
أمّا المسألة الأُولى : فقد سَبَق البحث عنها في مسألة البداء وأنّ هناك تقديرَين ، تقديرٌ ظاهري حسب مجاري الأمور الطبيعيّة من عللٍ وأسبابٍ تتفاعل حسب طبيعتها الأُولى ، وهي السُنَن الساطية على الكون {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
وهذه السُنَن ليست حتميّة ، في حين كونها هي الغالبة ، حيث احتمال مفاجئة أُمور
طارِئة من خارج مَدارات السُنَن فتُغيّر من اتجاهاتها أحياناً ، الأمر الذي لا يَعلمه إلاّ اللّه وكان مُقدّراً أي معلوماً لديه تعالى في الأَزل ، خافياً عن أعين الخلائق إلاّ مَن علّمه اللّه ، وهذا هو التقدير المكنون في اللوح المحفوظ ، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ } [الأنعام: 2] .
فالأَجل الأَوّل هو الذي تقتضيه مجاري الأمور الطبيعيّة حسب السُنَن الجارية في الخَلق ، وهذا ليس بحتم ، أمّا الأَجل الآخر الحتمي فهو الذي عَلِمَه اللّه في الأَزل حسب الأسباب الطارئة الخافية عن غيره تعالى ، {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 38، 39] .
روى الصدوق بإسناده إلى الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( وهل يَمحو اللّه إلاّ ما كان ؟ وهل يُثبت إلاّ ما لم يكن ؟ ) (1) .
فهناك تغيير وتبديل على خلاف مجاري الأُمور ، لا يَعلمه إلاّ اللّه عِلماً كائناً في الأَزل .
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( من الأُمور أُمور موقوفة عند اللّه ، يُقدّم منها ما يشاء ويُؤخّر منها ما يشاء ويُثبت منها ما يشاء ) (2) ، أي : من الأمور ما هي موقوفة ـ في جريانها حسب العادة الطبيعيّة ـ على شرائط ، إنْ وُجدت جرت ، وإلاّ تخلّفت ، فحصول هذه الشرائط في وقتها أو عدم حصولها شيء لا يعلمه إلاّ اللّه .
فالعلم بالتقادير الحتميّة الأَزليّة خاصّ اللّه تعالى ، أمّا غيره تعالى من الملائكة المقرّبين والمدبِّرات أمراً وكذا المُصطَفون من عباد اللّه المُكرمينَ فلا عِلم لهم بسِوى مُقتضيات السُنَن الطبيعيّة في مجاري الأمور ، والتي هي بمَعرض البَداء والتبديل ، أمّا حتميّتها فهذا شيءٌ إنّما يعرفونه في كلّ ليلة قدرٍ من كلّ سنةٍ وفي محدودة عامِها فحسب .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ للّه عِلمَينِ ، عِلمٌ مكنونٌ مخزونٌ لا يَعلمه إلاّ هو ، من
ذلك يكون البداء ، وعِلم علّمه ملائكتَه ورسلَه وأنبياءَه ، فنحن نعلمه ) (3) ، وقد عنى بهذا العلم الذي تَعلمه الملائكة والأنبياء والأئمّة هو العِلم وِفق مجاري الأمور الطبيعيّة ، والتي يُمكن التخلّف فيها ؛ ومِن ثَمَّ قال الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( واللّه لولا آية في كتاب اللّه لحدّثتُكم بما يكون إلى يوم القيامة ، وهي قوله تعالى : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ) (4) .
* * *
وأمّا المسألة الثانية : هل لا يتنافى التقدير مع الاختيار ؟ فقد استوفينا الكلام عنها عند البحث عن مسألة الاستطاعة والاختيار ، وتَبيّن أنّ التقدير السابق لا يَعدو سوى العِلم بما سيقع وتقديره حسبما يقع ، من غير أن يكون العِلم السابق ذا أثرٍ في تحقّق المعلوم ، فإنّ للظواهر الكونيّة عِللاً وأسباباً تكوينيّةً هي التي تُؤثّر في الفعل والانفعال التكوينيّينِ ، كما أنّ للأفعال الاختياريّة الصادرة من الفاعل المختار ( الحيوان والإنسان ) سبباً مباشراً هي إرادته بالذات وليس مقهوراً فيها .
فإذا كان اللّه يعلم ـ أَزلاً ـ ماذا سيقع وسيتحقّق عِبر الأبد ثُمّ قدّر مجاريها ودبّر من شؤونها بما يتوائم ونظام الكون فهذا لا يعني الإجبار ، ولا سيّما فيما يَعود إلى أعمالٍ يقوم بها الإنسان حسب إرادته واختياره ، وليس مِن المنطق أن يُفرض العلم بأمرٍ علّةً لوجوده .
والتقدير السابق ، إنّما هو العِلم بالأسباب والمسبّبات ـ كما هي ـ ثمّ تدبير مجاريها حسب نظام الكون ، فلا هناك جَبر ولا سلب للمسؤوليّة فيما يَمسّ أفعال العباد الاختياريّة .
_________________________
(1) كتاب التوحيد للصدوق ، ص333 ، رقم 4 .
(2) بحار الأنوار ، ج4 ، ص116 ـ 117 ، رقم 44 .
(3) الكافي للكليني ، ج1 ، ص147 ، رقم 8 .
(4) بحار الأنوار ، ج4 ، ص97 ، رقم 4 و5 ، والآية 38 من سورة الرعد .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|