أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-10
![]()
التاريخ: 2024-08-11
![]()
التاريخ: 2024-03-13
![]()
التاريخ: 2024-08-23
![]() |
أشرنا في الجزء الأول من هذه الموسوعة إلى وجود نوع من الكتابة يدعى الكتابة الديموطيقية؛ أي لغة الناس، (راجع مصر القديمة الجزء الأول) غير أننا لم نبحث في أصل نشأتها وزمن انتشارها، والواقع أن هذا النوع من الكتابة ليس إلا تطورًا طبعيًّا من الكتابة المصرية القديمة ظهرت بوادره في أوائل الأسرة الخامسة والعشرين؛ أي في عهد قيام الأسرة الكوشية في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد، ولم تكن هذه الكتابة الديموطيقية البحتة، بل كانت مزيجًا من الخط الهيراطيقي والخط الديموطيقي كما سنبين ذلك هنا.
ويرجع أول ذكر للخط الديموطيقي إلى المؤرخ «هردوت» الذي عاش في منتصف القرن الخامس ق.م، فقد قال: إن المصريين استعملوا نوعين من الكتابة أحدهما؛ يدعى الكتابة المقدسة، والثاني يدعى الكتابة العامية.
وقد استعمل نفس التعبير الكاتب «هليودوروس» الذي عاش في القرن الرابع، ومن ثم أخذ التعبير «ديموطيقي» للدلالة على الكتابة العامية المتداولة بين أفراد الشعب، وتدل الأحوال على حسب معلوماتنا أن الوثائق الديموطيقية قد أخذت تظهر بصورة واضحة حوالي عام 650 ق.م، ولا بد أنها قد سقطت من الاستعمال بسقوط الوثنية في خلال القرن الرابع بعد الميلاد، وذلك على الرغم من أن الأثري «بركش» واضع أصول اللغة الديموطيقية قد صادف بعض كتابات على الصخور في معبد الفيلة بالخط الديموطيقي.
وأقدم نقوش نعرفها في مصر هي الإشارات الهيروغليفية وهي التي توضح بالصور، وهذه الإشارات منذ ظهورها في الأسرة الأولى المصرية كانت قد بدأت تكتب باختصار، وعندما كانت تكتب بقلم من البوص مبري على الحجر كانت تأخذ الشكل المبسط الذي يعرف في عرفنا بالخط الهيراطيقي أو كتابة الكهنة، وكانت الكتابة منتشرة تمامًا منذ الأسرة السادسة، أما في عهد الدولة الوسطى فلدينا كل أنواع الخطوط المصرية؛ فلدينا الخط الهيروغليفي الفاخر المنمق الذي نقش على الآثار الضخمة، كما لدينا في الوقت ذاته الخط الهيراطيقي المختصر الذي اختفت منه كل آثار الصور الأصلية التي تمثلها في الأصل؛ أي المأخوذ عنها، وهذه الكتابات المتنوعة قد بقيت مستعملة في خلال الدولتين الوسطى والحديثة، غير أن الكتابة الخطية لكل عصر كانت تميز عن الأخرى بخواص ظاهرة يمكن بها معرفتها بسرعة، وقد كانت الكتابة الخطية العادية في هاتين الدولتين هي التي تعرف باسم الهيراطيقية، ولكن هذا الاسم لم يطلق عليها إلا فيما بعد، على أن الكتابة الهيراطيقية التي كتبت باختصار بسيط قد خصصت لنسخ الكتب المقدسة وما شابهها، وعُدَّت أنها صورة من الكتابة الهيروغليفية، في حين أن صورها المختصرة جدًّا قد تطورت إلى كتابة أخرى مميزة؛ أي الكتابة الديموطيقية، واستعملت للأغراض العادية اليومية، وبخاصة في كتابات العقود، على أن ذلك لا يعني أن المصري لم يستعمل الكتابة المختصرة في كتابة عقوده؛ إذ الواقع أننا نجد أنها قد كتبت كذلك منذ الدولة الوسطى حوالي 2000 ق.م، بل ونجد أمثله قليلة كتبت في عهد الدولة القديمة، ولكن لم يكشف حتى الآن عن مجموعة وثائق قانونية ترجع إلى هذه العهود المصرية القديمة إلا ما تحدثنا عنه في تاريخ الأسرة العشرين وأسهبنا فيه القول حتى العهد الكوشي الذي نحن بصدده الآن؛ فقد بدأت تظهر فيه الأوراق البردية القانونية في مجاميع مُحَسَّة تخللتها فترات كانت تختفي فيها هذه الوثائق، غير أنها مع ذلك قد ألفت سلسلة متصلة الحلقات من الوثائق الديموطيقية والآرامية «من العصر الفارسي» والإغريقية والقبطية والعربية، وقد ظلت الحال كذلك حتى بطل استعمال الورق البردي في القرن التاسع بعد الميلاد.
على أن هذا التضاد البين لا بد أن يدل على بعض تغير قانوني أو تجاري في هذا الوقت الذي نحن بصدده، وعلى أية حال يمكننا أن نعترف بأن كل قرن في حياة بردية ما يسبب خطرًا في تلفها، حتى عندما تنجو من الأخطار الطبيعية التي ربما تلحق بها كالرطوبة والعثة والنار، وهذه عوامل قد سببت القضاء على ملايين من البرديات في كل ورقة نجت منها، غير أن عِظَم قدم هذه البرديات وحده لا يمكن أن يفسر قلة وجود الوثائق القانونية من العصور الأولى؛ وذلك لأنه يوجد لدينا عدد عظيم من البرديات التي تبحث في مواد أخرى غير القانونية.
ومن المحتمل أنه توجد عدة أسباب يمكن أن ندلل بها على كثرة الوثائق القانونية فجاءة في الأسرة الخامسة والعشرين؛ من ذلك أن ازدياد التجارة البحرية والبرية في الألف الأولى قبل الميلاد قد أوجدت حتمًا طائفة جديدة من التجار الأثرياء، مما سبب تبادل الملكية من كل نوع بين أيدٍ عديدة، في حين أن الاتصال بالفينيقيين المهرة أصحاب الأعمال وغيرهم من الساميين قد فتح أعين المصريين إلى ضرورة الدقة في معاملاتهم.
وهذه المؤثرات يمكن أن تُحَسَّ على أغلب الظن في بلاد دلتا النيل، أما في الوجه القبلي فإن تأثير ذلك كان ثانويًّا، ومن المحتمل أن ديدور الصقلي لم يكن بعيدًا عن الصواب عندما يحدثنا عن «بوكوريس»، وهو الضحية التسعة التي وقعت في يدي «شبكا» كما يقال، وهو الذي تذكره لنا التقاليد على الرغم من حكمه القصير بأنه كان مشرعًا وقاضيًا وصاحب فطنة منقطعة بما أدخله من دقة في موضوع العقود، فاستمع لما يقوله ديدور: «ويقولون: إن الملك «بوكوريس» كان مشرعًا رائعًا، وهو رجل حكيم وبارز بسبب مهارته، وقد وضع كل القواعد التي حكمت الملوك بها، وأضفى دقة على القوانين الخاصة بالعقود، وقد بلغ من الحكمة في قراراته القانونية شأنًا عظيمًا لدرجة أن كثيرًا من أحكامه تُذكر لامتيازها حتى يومنا».
وفي موضع آخر يقول ديدور: «إنهم يقولون: إن القوانين الخاصة بالعقود هي «لبوكوريس»، وهذه تأمر بأن الأشخاص الذين اقترضوا دينًا دون اتفاق مكتوب، وينكرون أنهم استدانوه بعد حلف اليمين يصبحون معفين من هذا الدين».
ونحن نعلم أن الملك «بوكوريس» كان من بلدة «سايس»، وسواء أكان حكمه قاصرًا على الوجه البحري أم لا، فإنه قد كسب تجاربه هناك، ومن المحتمل أن أقدم هذه العقود المتأخرة الباقية لنا يرجع تاريخها إلى عهد الملك «شبكا» وقد عثر عليه في طيبة، والواقع أن الأوراق التي من الوجه البحري نادرة جدًّا؛ وذلك لعدم ملاءمة الجو لحفظها، وإلا لكان من الطبعي أن نرى الوجه البحري هو المصدر الغزير لهذه الوثائق، وتدل الأحوال على أن المشروع الأصلي لهذه القوانين لم يكن كوشيًّا، ولكن على الرغم من ذلك لا بد أن نعترف أن نظامًا جديدًا للكتابة قد اخترع في «كوش» أو لأجلها بعد بضعة قرون فيما بعد.
وإذا رفضنا جدلًا بيان «ديدور» عن هذه القوانين واعتبرناه لا قيمة له، فإنه يمكن أن نقبل الملحوظة التي يقدمها لنا متنه هنا؛ وذلك لأنها تتفق مع الحقائق المعلومة لدينا، فإن تركنا التفاصيل جانبًا فإنه يمكن أن نعترف بأنه حوالي 720 ق.م كان عدم الدقة في طريقة تسجيل المعاملات القانونية عاديًّا، وفي الوجه البحري كانت الاعترافات الرسمية والأيمان أمام الشهود والجمعيات وبخاصة أمام أعضاء المجالس المدنية والقروية والموظفين حتى هذا العهد هي الأداة الرئيسية للعقود القانونية ونقل الملكية، ومن ذلك العهد قد أصبح التسجيل كتابة يمثل مكانة أبرز ولا غنى عنه.
وهكذا نجد أن كثرة الوثائق القانونية نسبيًّا في خلال الأسرة الخامسة والعشرين وما بعدها قد أصبح مفهومًا سببه؛ وذلك لزيادة عدد المعاملات وعظم الحاجة للسجلات المدونة.
والآن نعود لبحث موضوع عمر الكتابة الديموطيقية، ولا يمكننا أن نحدد على وجه التأكيد عمر هذه الكتابة أو اللغة.
والواقع أن هذه الكتابة ليست إلا النمو الطبعي للخط الهيراطيقي المختصر «الذي يعد بدوره اختصارًا للخط الهيروغليفي الذي يكتب بالقلم»، وقد أخذ شيئًا فشيئًا يستقل عن الكتابة الهيروغليفية الأصلية، وأخيرًا تبلور في مجموعة رموز جديدة، فنجد في بعض الوثائق القانونية التي عُثر عليها في «طيبة» ويرجع عهدها إلى الأسرة العشرين، فقرات كتبت بخط مختصر يظهر فيه بعض خصائص الخط الديموطيقي. هذا؛ ونشاهد أن كلًّا من الكتابة واللغة المكتوبة قد استمرت في التغير حتى الأسرة الواحدة والعشرين، وذلك على الرغم من أن الأكثرية من المتون الباقية وهي ذات طابع ديني أو رسمي، كانت تحفظ اللغة القديمة والخط الهيروغليفي أو الخط الهيراطيقي الخشن، وأوراق البردي المكتوبة بحرية من الأسرة الواحدة والعشرين نادرة جدًّا، هذا ولا نجد أوراقًا بردية فيما عثر عليه تمثل العصر الذي يلي الأسرة السابقة الذكر.
وفي بداية العهد الكوشي «أي في نهاية القرن الثامن ق.م» نجد الكتابة العادية على البردي قد أخذت تظهر مع الوثائق القانونية الخاصة بالأسرة الخامسة والعشرين، ومن هذا الوقت أصبح يطلق على مثل هذه الأوراق تسهيلًا للأمور «ديموطيقية» في العرف الحديث، وذلك على الرغم من وجود صيغ ديموطيقية وأخرى هيراطيقية في وثيقة واحدة بعينها لمدة نحو خمسين سنة، والواقع أن أوراق البردي الطيبية حتى عهد الملك «أحمس الثاني» قد سارت على أسلوب خاص، ومع أنه لا يكاد يكون هيراطيقيًّا فإنه مع ذلك يتبع طريقًا مختلفًا في تطوره عن الخط الديموطيقي، ولا يمتزج مع الأخير إلا شيئًا فشيئًا، وهذا الأسلوب في الكتابة قد أطلق عليه اسم «الهيراطيقي الشاذ»، والخط الديموطيقي الحقيقي لا بد أنه كان قد نما واكتمل في مصر الوسطى والوجه البحري.
والواقع أن كل المتون التي كتبت بالخط الهيراطيقي الشاذ يمكن البرهنة على أنها من أصل طيبي، وذلك من نفس صلب المتون، ومن معرفة المكان الذي أتت منه، وليس لدينا براهين تدل على أنها أتت من أماكن أخرى، والواقع أن طيبة هي المصدر الوحيد للعقود حتى العصر البطلمي، وليس لدينا متن واحد مما نشر من طيبة ويرجع عهده إلى أقدم من عهد «أحمس الثاني» قد كتب بالخط العادي، ومن جهة أخرى نلحظ أن كل المتون التي عثر عليها في «الحيبة» بمصر الوسطى حتى السنة العشرين من عهد «بسمتيك الأول» قد كتبت بالكتابة العادية، وذلك على الرغم من أن الكتابة الهيراطيقية كانت موجودة فعلًا، وعلى ذلك فإنه من الواضح أن الكتابة «الهيراطيقية الشاذة» سواء أكانت طيبية أم لا في أصلها فإنها متناسلة من هيراطيقي الأسرة الثانية والعشرين، وأنها قد استمرت طويلًا في إقليم طيبة المحافظ، في حين أن الأسلوب العادي كان يشق طريقه جنوبًا، ويحتمل أن قد أتى من الوجه البحري، وأنه كان قد حل محله في الإقليم الطيبي الخط الأخير في خلال حكم «أحمس الثاني» الطويل.
وهاك نص بعض الوثائق الديموطيقية التي من عهد «تهرقا»:
(1) عقد بيع عبد: السنة الثالثة في العاشر (؟) من شهر طوبة من عهد الفرعون «تهرقا» بن «إزيس» محبوب آمون له الصحة والسلطان والعافية أبديًّا مثل رع (؟).
هذا اليوم: أعلن «باسمنأمون» بن «ستامنكو» وكذلك «ثبس» أخته أعلنت إلى مغنية آمون المسماة «تنسيجبس» ابنة «إتوروز» بما يأتي:
لقد أعطيناك يا «وزحور» (؟) يا رجل البلاد الشمالية لتدفن بوساطته (؟) «ستامنكو» وكذلك «حتب أسي» زوجه، وهما والدتنا ووالدنا.
وقد دفعنا لك دبنين وأربعة قدات من فضة خزانة «معبد» الإله حرشف مقابل ثمنه؛ لأجل أن يدفن بها (؟) «ستامنكو»، وكذلك «حتب أسي»، وليس لي أي مُدَّعٍ (؟) لفضة أو أي مُدَّعٍ لحنطة أو لأخ أو لأخت أو لابن أو لابنة أو لسيد أو لسيدة أو أي رجل في كل الأرض يخص «ستامنكو» يكون له أي ادعاء على «وزحور» بأية حالة ما.
وقد أعلنوا بحياة آمون، وبحياة الفرعون ما دام في صحة وآمون يمنحه النصر، والمتعبدة الإلهية لآمون سيدتي تعيش وعمرها طويل، فإنه لن يكون في استطاعتي أن أسحب الوثيقة التي عُملت أعلاه.
الكاتب الشاهد: أتو …
في حضرة «بتأمنؤبي» بن «حربس»، للاعتراف بكل كتابة أعلاه، في السنة الثالثة عشرة (؟) «طوبة» ويلي ذلك ستة شهود يعترف كل منهم بصحة هذا العقد مع اقتباس ألفاظه على وجه عام.
ويلحظ في هذه الوثائق المكتوبة بالديموطيقية أن عبيد الشمال يمكن أن يكونوا من أتباع الملك «بوكوريس» وكان قد استولى عليهم الملك «شبكا» واشتراهم في الحال أفرادًا من أهل طيبة الذي كان ضلعهم مع الكوشيين في مناهضة أهل الوجه البحري.
ويلحظ كذلك في هذه الوثيقة أن خزانة الإله «حرشف» كانت عملتها بطبيعة الحال تعد معيارًا لنقاء الفضة، وكان هو المتبع في التعامل.
وقد جاء ذكر ذلك في برديات أخرى مؤرخة بالسنة 16 من حكم نفس هذا الملك وبالسنتين 30 و45 من حكم «بسمتيك الأول».
هذا؛ ونجد في بعض الأوراق بدلًا من معيار خزانة «حرشف» معيار خزانة «ني»؛ أي طيبة، أما في الأوراق التي من عهد الملك «دارا» فنجد معيار فضتها معلمة بفضة خزانة «بتاح»، ومن ثم نعرف أنه في عهد الملك «دارا» كان المعيار للفضة هو المعيار المنفي في خزانة «بتاح».
وقد ذكر أن «أرياندس» شطربة مصر وهو الذي نصبه قمبيز في وظيفته هذه كان قد قتله «دارا»؛ لأنه حاول أن يناهض معياره الجديد الذي عمله من الذهب الخالص بدرجة عظيمة بآخر من الفضة على درجة عظيمة من النقاء في مصر، حتى إنه في عهد «هردوت» لم تكن توجد فضة تعادل فضة «إرياندس» في نقائها راجع (Herod, II. 166) ومن المحتمل أن الفضة في أيامه كانت تضرب مثل الذهب.
(2) عقد مخالصة: السنة الخامسة في 19 أبيب: يقرر «بدي خنوم» ابن «أنحور» إلى «بدي باستي» (؟) بن «بدي أمنؤبي» زميله بالنزول عن ثلاث إماء وعبد كانوا ملك «ستامنكو» «وحتبئيسي»، وذلك في مقابل توريد حاجيات الدفن لهذين الشخصين، هذا مع رضائه عن كل ما عملوه، وقد أسهم هو نفسه بمبلغ دبن و(؟) عبد لأجل الدفن، وليس له أي حق على «بدي باستي» فيما يخص المصاريف، وأنه يجد أنه «بدي باستي» قد أسهم بمبلغ سبع قدات من جيبه الخاص، ثم يلي ذلك اليمين واسم الكاتب وشهادة الشهود.
(3) عقد مخالصة: السنة السادسة الخامس من بؤنة. «المضمون»: كان «بدي خنوم» في نزاع مع زوجته الأولى على دبنين من الفضة، وهما جزء من ستة دبنات ادعاها «بدي خنوم» وأخته «حتبئيسي» بسبب عبد صانع من الشمال بيع له في السنة السابعة من حكم «شبكا»، وقد طلب إلى المحكمة العليا في «ني»؛ أي طيبة، هو والمشرف على السجلات لأجل أن يعطي «بدي مين» خلاصة مكتوبة، وقد أعطى «بدي خنوم» الخلاصة بمبلغ ستة دبنات، وجعل تسعة أشخاص مسهمين في الموضوع بما فيهم هو وزوجه الأولى وزوجه الأخيرة دون دخول أخته، يحلفون أمام «آمون» بأن الدبنين قد دفعا عندما كانت زوجه الأولى في «طيبة»، ويلي ذلك اسم الكاتب وستة شهود، ومن المحتمل أن ما جاء في هذه الوثيقة عن المحكمة العليا التي كانت ذات شهرة عظيمة في عهد الدولة الحديثة هو أحدث إشارة لاجتماعها، وقد كان زوجتا «بدي خنوم» على قيد الحياة غير أنه من المحتمل أن واحدة منهما كانت مطلقة.
(4) عقد بيع خيوط نسيج: السنة السادسة عشرة من شهر بشنس «بدون ذكر اسم ملك». ومضمون العقد أن امرأة تطالب سقاء بمبلغ قدات من الفضة من خزانة «حرشف» ثمنًا لخيط بيع له لأجل نسجه، وتعلن أنها ليس لها حق عليه ثم تذيل الوثيقة باليمين المعتاد، بل نجد اسم الكاتب، أما الشهود فقد فقدت أسماؤهم.
ويلحظ هنا أن السقاءين كانوا تابعين للقبور والجبانات، وكانوا في الوقت نفسه عادة مكلفين بحمل محاريب الآلهة في المعابد المجاورة، ويمكن أن نتصور على وجه التأكيد ما كانوا يقومون به من واجبات في خدمة الآلهة، غير أن ما نعرفه عنهم ضئيل، وكان أولئك الذين يتبعون المقابر يتقاضون أجورهم من الأراضي التي كانت محبوسة على هذه المقابر، وذلك بالإضافة إلى المكافآت والقربات التي كانوا يعطونها:
متحف القاهرة: ويوجد في متحف القاهرة رأس تمثال للملك «تهرقا» اشتُري من الأقصر، وكذلك عثر على رأس آخر من الجرانيت الأحمر لهذا الملك، محفوظ كذلك بالمتحف المصري.
برمنجهام: يوجد تمثال صغير من البرنز في مجموعة «ماك جريجور» في «نام ورث» في «برمنجهام»، وهذا التمثال ارتفاعه 14 سنتيمترًا، وهو يمثل الملك «تهرقا» راكعًا يقدم قربانًا، والظاهر أنه كان في يده آنية قربان أو صورة إله، والشيء الذي يلفت النظر في هذا التمثال هو القلادة التي حول رقبته؛ إذ تتألف من حلقة حول الرقبة يحليها رأس كبش يحمل قرص الشمس وَصِلَّان، ونجد لذلك نظائر في صورة الملوك التي عثر عليها في معبد «برقل»، ووجه التمثال قد تآكل بعض الشيء غير أن ما تبقى منه يثبت أنه كان مستدير الوجه ومن ثم يختلف عن الوجه المصري العادي، والواقع أنه يذكرنا بوجه رأس التمثال الذي ذكرناه آنفًا، وهو محفوظ بالمتحف المصري، ويمثل وجه الملك «تهرقا» يضاف إلى ذلك أن اسم «تهرقا» قد وجد منقوشًا على الجزء الأوسط من حزامه.
باريس: وأخيرًا يوجد «لتهرقا» تمثال في هيئة بولهول محفوظ بمتحف باريس.
جعارين تهرقا: وجد «لتهرقا» جعارين قليلة جدًّا.
بالميرا: وجد للملك «تهرقا» طابع خاتم بيضي الشكل في «بالميرا»، والظاهر من الكتابة التي على هذا الطابع لآمون «تهرقا» أنه أعطاك الحياة أبديًّا، ولما كان هذا الأثر قد وجد مع أشياء أخرى فإنه من الصعب التكهن بكيفية وصوله إلى هذا المكان، والطابع محفوظ الآن بالمتحف البريطاني.
هرم «تهرقا»: تحدثنا فيما سبق عن مدافن ملوك «كوش» الواقعة في بلدة «الكورو» غير أنه لم يعثر بين مقابر جبانة «الكورو» على قبر الملك «تهرقا»، وقد كشف عنه الدكتور «ريزنر» في بلدة «نوري»، والواقع أن المدافن الملكية الكوشية في عهد الأسرة الخامسة والعشرين كانت كلها تتجمع حول عاصمة الملك وقتئذٍ؛ وأعني بذلك مدينة «نباتا».
ولا نزاع في أن مدينة «نباتا» كانت تقع على ضفتي النيل، غير أن حدود المساحة التي كانت آهلة بالسكان قد انكمشت من عصر لعصر، ولذلك لا يمكن حصرها على وجه التأكيد، ومن المحتمل أن المركز الديني والسياسي كان بالقرب من جبل «برقل» أو الجبل المقدس، وتدل المعابد التي هناك على أنه كان آهلًا بالسكان منذ عهد الدولة الحديثة حتى العصر المروي.
ويلحظ أن الجبانات الملكية التي في «نوري» «وتنجاس» «وزوما» «والكورو» كانت بعيدة عن هذا الموقع، بل يحتمل أنها كانت مراكز تحمل أسماء مستقلة، ومع ذلك فإن «نباتا» لا بد كانت عاصمة الملك لكل هؤلاء الملوك الذين دفنوا في هذه الأماكن الأربعة، وكذلك الذين ثووا في «نباتا» نفسها.
وتقع مجموعة أهرام «نوري» أو «بلال» (كما كانت تسمى أحيانًا) في أقصى الشمال من خمس مجاميع الأهرام التابعة لنباتا، وتقع «نوري» نفسها على مسافة حوالي خمسة أميال في أعلى النهر من بلدة «برقل»، ولكن على الشاطئ المقابل، أو بعبارة أخرى على الشاطئ الأيسر للنيل، وفي هذه البلدة تقع مجموعة الأهرام التي دفن فيها بعض ملوك «كوش» ومن بينهم «تهرقا».
وقد قام الدكتور «ريزنر» بعمل حفائر في منطقة أهرام «نوري» وكشف عن محتويات عدد عظيم منها وحقق معظم أسماء أصحابها، غير أنه مما يؤسف له جد الأسف أن معظم الأهرام كانت قد نهبت في الأزمان القديمة والحديثة أيضًا، كما أن بعضها كان قد نظف تمامًا على يد اللصوص فلم يتركوا فيها شيئًا قط، هذا إلى أن المعابد الجنازية التابعة لهذه الأهرام قد انتزعت أحجارها من أماكنها ووجدت إما ملقاة على الأرض أو مستعملة في إقامة مبانٍ حديثة، وقد أمكن الأستاذ «ريزنر» تحقيق أصحاب هذه الأهرام من الآثار التي وجدت داخل حجرة الدفن أو من الآثار الثقيلة الوزن التي لم يمكن حملها بسهولة إلى أماكن بعيدة عن مكانها الأصلي.
ففي الهرم رقم واحد وهو الذي دفن فيه «تهرقا» عثر في داخل الهرم وحوله على أكثر من ست مائة تمثال مجيب كتب عليها «أوزير» الملك «تهرقا»، ويلحظ أن هذه التماثيل كانت ترتدي لباس الرأس الملكي ونحتت في الحجر، وهي في أشكالها كالتماثيل المجيبة المصرية، وكذلك وجدت في قبره آنيتان من أواني الاحشاء باسم هذا الفرعون، وكذلك نقش عليها الصيغة المعتادة التي كانت من طراز الأسرتين الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين وهي: «حماية أوزير الملك «تهرقا» المرحوم: إن حابي يحمي «أوزير» «تهرقا» المرحوم بأنه «حابي» الذي يقول … «لنفتيس»».
وقد أظهرت عمليات الحفر في منطقة «نوري» أن الأهرام الملكية هناك كانت من طراز واحد وتمتاز بخواص ثلاث وهي؛ أولًا: الهرم نفسه الذي يتبعه مقصورة خارجية بنيت في جهة منه. ثانيًا: كان لكل هرم سور يحيط به وبالمقصورة. ثالثًا: كان لحجرة الدفن سلم مفتوح ينحدر من الغرب، ويؤدي إلى سلسلة حجرات مؤلفة إما من حجرتين أو ثلاث حجرات للدفن.
وكان جدار الهرم عاليًا وينحدر حوالي 69 درجة وارتفاعه حوالي سبعة وأربعين مترًا وكسوته من الحجر الرمادي المحلي، أما أحجاره الأصلية فمن الحجر الأسمر المائل للصفرة، وتبلغ مساحة هذا الهرم حوالي 5169 مترًا مربعًا.
وكان المعبد الجنازي أو المقصورة تتوسط الجدار الغربي للهرم وتلاصقه، وتحتوي على حجرة واحدة بابها في الجهة الغربية وفيها كوة في الجهة الشرقية مقابلة للباب، وكانت في العادة تحتوي على لوحة من الجرانيت، أما الأشياء التي كانت توضع في هذه المقصورة فتتألف من مائدة قربان مرتكزة على عمود قصير موضوع في وسط الحجرة وعلى قاعدتين للقربان مجوفتين تكنفان مائدة القربان واللوحة.
أما الحجر التي تحت الأرض، وهي كما قلنا المخصصة للدفن، فكانت مرتبة الواحدة خلف الأخرى في محور الهرم، وقد كان عدد الحجرات في الأهرام التي بنيت في العهد المبكر اثنتين ثم زيدت فيما بعد إلى ثلاث، وكانت المومية توضع في الحجرة الثالثة، أما الحجرتان الأولى والثانية فكانتا مخصصتين للأثاث الجنازي.
وتدل شواهد الأحوال على أن أول ملك معروف لنا أقام هرمه في هذه الجهة هو «تهرقا»، وقد جاء بعده ملكًا على البلاد «تانوت آمون».
|
|
علماء يطورون أداة ذكاء اصطناعي.. تتنبأ بتكرار سرطان خطير
|
|
|
|
|
ناسا تكشف نتائج "غير متوقعة" بشأن مستوى سطح البحر في العالم
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يقيم دورتين لتعليم أحكام التلاوة لطلبة العلوم الدينية في النجف
|
|
|