المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الأخلاق والأدعية والزيارات
عدد المواضيع في هذا القسم 6506 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

Surfactin
14-5-2020
كيفية غسل موضع البول
7-11-2016
العبادة الحقيقية ترك الذنب
6-2-2019
انواع المتجاوزين
22-6-2021
Historical changes in productivity
19-1-2022
انتقاص الولاية القضائية بالنسبة للقاضي
2023-12-27


العفو والانتقام  
  
62   02:57 صباحاً   التاريخ: 2025-02-15
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : الأخلاق في القرآن
الجزء والصفحة : ج3/ ص367-386
القسم : الأخلاق والأدعية والزيارات / أخلاقيات عامة /

تنويه :

إنّ من أكبر الفضائل الأخلاقية التي لا يصل الإنسان إلى مراتب الكمال بدونها هي صفة العفو والصفح عند القدرة على الردّ العملي على الطرف المقابل وترك الانتقام منه.

إنّ الكثير من الناس يعيشون حالة الحقد الكامن في قلوبهم وأعماقهم وينتظرون الفرصة السانحة للانتقام من عدوّهم والظفر به ، فلا يتحرّكون في خط الرد بالمثل وجواب السيئة بالسيئة فقط ، بل يردون السيئة الواحدة بأضعافها من السيئات والأعمال الانتقامية ، والأسوأ من الجميع أنّ هذه الصفة الرذيلة تتجلّى بمظهر الصفة الحسنة التي تبعث على الفخر والاعتزاز فيقول الإنسان إنني قد ظفرت بعدوّي وأذقته العذاب الشديد وفعلت معه كذا وكذا.

إنّ التاريخ البشري مليء بحالات الانتقام والقسوة من قبل السلاطين والامراء ورؤساء القبائل لأقوامهم أو لأقوام اخرى من أعدائهم.

والعجيب هو أنّ حالات الانتقام هذه تتشابك مع بعضها بصورة سلسلة وحلقات متوالية ، فعلى سبيل المثال أنّ إحدى القبائل تقوم بقتل شخص من القبيلة الاخرى ، فتقوم قبيلة المقتول عند توفّر الفرصة بالثأر لنفسها وتقتل خمسين شخصاً من القبيلة الاخرى وهكذا يستمر النزاع والصراع وسفك الدماء.

إنّ أشكال النهب والسلب وهتك النواميس والأعراض والقتل الفجيع في التاريخ البشري معلول لهذه الصفة الخبيثة والذميمة في أعماق البشر وتمتد إلى ذواتهم الحيوانية وعناصر الشر فيهم.

وبعكس ذلك ما نجده في سيرة الأنبياء والأولياء هو أنّهم عند ما تسنح لهم الفرصة ويتغلّبون على عدوهم فإنّهم يتحرّكون من موقع العفو والصفح عن جرائمه السابقة وبذلك يعملون على تبديل أشدّ الأعداء إلى أقرب الأصدقاء.

إنّ مثل هذه الشخصيات الفذّة في التاريخ البشري لا يعيشون حالة الرغبة في الثأر لأنفسهم والانتقام من عدوّهم وغسل الدم بالدم (إلّا في الموارد الاستثنائية) والردّ بالسيئة بمثلها ، بل على العكس من ذلك كانوا يتحرّكون ما أمكنهم على مستوى جواب السيئة بالحسنة ، لأنّ هدفهم تربية النفوس وتهذيبها والسير بها في خط الصلاح والإيمان والهداية لا في خط الانتقام ، ولذلك كانوا يهدفون إلى إطفاء الفتنة لا إشعال نار جديدة.

ولكن من اليقين أنّ مثل هذا السلوك الإنساني لا يتسنى من أيّ شخص كان ، بل يختص به الأشخاص الذين يعيشون الإيمان والتقوى والتسلّط على النفس في أعلى مستوياته ، إنّه عمل الأشخاص الذين يعيشون الفضيلة والأخلاق السامية ، وإلّا فانّ من يعيش التوحش والقساوة في قلبه لا يعرف سوى الانتقام ولا يفتخر إلّا بالثأر لنفسه.

وأمّا بالنسبة إلى الآيات القرآنية والروايات الإسلامية فنجدها مليئة في بيان فضيلة العفو والصفح وذم روح الانتقام والثأر ، والشاهد على ذلك ما نقرأه في سيرة النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم ‌السلام) في هذا الباب ، ونموذج لذلك ما ورد في قصّة فتح مكّة والعفو العام الذي أصدره النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) عن أعدائه الشرسين والحاقدين.

ومع هذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم لنستوحي من آياته دروساً في العفو والصفح أو ما ورد فيه من ذم غريزة الانتقام والثأر (والجدير بالذكر أنّ مفردة (الانتقام) لم ترد في القرآن الكريم بالمعنى المذكور آنفاً ، بل بمعنى العقاب الإلهي ، ولذلك فكل مورد وردت فيه هذه الكلمة فإنّه يراد بها ما ينسب إلى الله تعالى من العقاب على المجرمين ولا يرتبط ببحثنا الحاضر) :

1 ـ (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)([1]).

2 ـ (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)([2]).

3 ـ (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ)([3]).

4 ـ (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)([4]).

5 ـ (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ)([5]).

6 ـ (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)([6]).

7 ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ)([7]).

8 ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)([8]).

9 ـ (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً)([9]).

10 ـ (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)([10]).

تفسير واستنتاج :

تتعرض «الآية الاولى» من الآيات محل البحث إلى الحديث عن مسألة المقابلة بالمثل وجزاء السيئة بالسيئة وأنّ ذلك من حق المؤمنين (لكي لا يرى المعتدي والمجرم نفسه في أمن من العقاب) ثمّ أشارت الآية إلى مسألة العفو والصفح وترك الانتقام وتقول : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).

ونظراً إلى أنّ سورة الشورى من السور التي نزلت بأجمعها في مكّة المكرّمة ، ونعلم أنّ المسلمين في ذلك الزمان كانوا في دائرة العدوان الواسع الموجّه إليهم من قبل الأعداء المشركين ، ومع ذلك فالقرآن الكريم في الآية 39 من هذه السورة يأمر المسلمين أن لا يستسلموا في مقابل الظلم والعدوان ، وعند ما يواجهون حالة الظلم هذه فعليهم أن يستمدّوا العون من إخوانهم ويتكاتفوا فيما بينهم لردع هذا العدوان ، ثم يشير في الآية 40 إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّه لا ينبغي أن يتحرّكوا من موقع الانتقام والثأر بسبب ما يرونه من العدوان على بعض أصدقائهم ورفاقهم وبالتالي يتجاوزون الحدّ بالردّ بالمثل فيكونون في صف الظالمين أيضاً ، وعليهم كذلك أن يتخذوا العفو والصفح سلوكاً إنسانياً لهم فيما لو لم يترتب عليه آثار سيئة.

أمّا المراد من كلمة (وأصلح) في هذه الآية والتي وردت بعد كلمة العفو ، فالمفسّرون ذهبوا إلى تفسيرات متعددة ، فبعض ذهب إلى أنّ المراد من الإصلاح هو الإصلاح بين الإنسان وربّه ، بينما ذهب البعض الآخر إلى أنّ المراد به الإصلاح بين المظلوم والظالم حتّى لا تتكرّر هذه القضيّة بينهما مرّة اخرى ، وذهب ثالث إلى أنّ المراد به هو إصلاح النفس وتطهيرها من أدران الانتقام وشوائب الغضب والتوتر الذي تفرضه حالات الصراع مع الطرف الآخر ، وذهب بعض إلى أنّ معناه ترك القصاص.

ولا يبعد أن يراد بهذه الكلمة جميع هذه المعاني التي ذكرت في تفسيرها ، وعلى أيّة حال فإنّ الآية تبيّن بوضوح هذه الحقيقة ، وهي أنّ العفو والإصلاح الذي يأتي بعده بإمكانه أن يقلع جذور الحقد من قلوب الناس ، وعبارة (فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) بشكل مطلق وبدون تعيّين حدود لهذا الأجر حتّى الجنّة أيضاً يدلّ على أنّ هذا الأجر والثواب إلى درجة من العظمة والسعة أنّه لا يعلم مقداره إلّا الله تعالى.

أمّا «الآية الثانية» فناظرة إلى حادثة الإفك التي وقعت في صدر الإسلام ، يعني ما قام به بعض المنافقين من إتّهام إحدى زوجات النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) بما ينافي العفة ولغرض الخدشة في شخصية النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) وموقعيّة الإسلام ، فتشير الآية الشريفة إلى أنّ مسألة العفو والصفح مطلوبة في كل الأحوال حتّى تجاه المذنبين والملوّثين ، لأنّ هذه الآية نزلت عند ما أقسم بعض الصحابة بعد قضية الإفك أنّهم لن يساعدوا أي شخص من الأشخاص الذين اشتركوا في هذه الواقعة ، فمنعتهم عن استخدام أدوات العقاب وأمرتهم بالعفو والصفح تجاه هؤلاء الخاطئين وقالت : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ).

ثمّ تضيف الآية : إنّ على المؤمنين أن يسلكوا طريق العفو والصفح وتقول : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) ، في حين أنّكم تأملون من الله الرحمة والمغفرة ، فكذلك عليكم أن تسلكوا هذا الطريق تجاه الآخرين : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فيغفر لكم أيضاً ويرحمكم.

والملاحظة الملفتة للنظر هنا أنّ قضية الإفك كانت بمثابة مؤامرة خطيرة استهدفت الإسلام وشخصية النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) ، حيث تبنّى هذه المؤامرة جماعة من المنافقين ، ولكنّ بعض المسلمين الغافلين انخدعوا بهذه الحيلة وتورّطوا في هذا الإثم ، ورغم ذلك فالقرآن الكريم يوصي المؤمنين بالعفو والصفح عن هؤلاء الغافلين الذين تورّطوا بهذه المؤامرة من موقع الجهل لا من موقع الخبث والحقد والنفاق ، وعليه فبالنسبة إلى المسائل الشخصية والامور الخاصة بالأفراد فالعفو يكون بطريق أولى.

أمّا الفرق بين (العفو) و (الصفح) فيقول الراغب في مفرداته ، إنّ العفو بمعنى المغفرة والصفح ترك اللّوم والتوبيخ والذي هو مرحلة أعلى من العفو ، لأنّه يمكن أن يعفو الإنسان عن الطرف المقابل إلّا أنّه لا يترك لومه وتوبيخه أو معاتبته ، ولكن بما أنّ الصفح في اللغة يعني الإعراض بالوجه عن الإنسان المذنب فيمكن أن يكون إشارة إلى لزوم تناسي ذنب المذنب ووضعه في زاوية الإهمال والغفلة ولا يكتفي بترك اللّوم فقط ، أي أنّ لا يترتّب أي أثر سلبي على العلاقة بين الطرفين.

وهنا ملاحظة مهمّة اخرى وهي أنّ هذه الطائفة من المؤمنين أقسموا على أن لا يمدّوا يد العون لجميع المتورّطين في قضيّة الافك ، أي أن قسمكم بالنسبة إلى مثل هذه الامور لا أثر له على مستوى العمل والممارسة لأنّه لا يقع في دائرة التكليف بالنسبة إلى الامور الخيّرة.

«الآية الثالثة» تأمر النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) بأوامر أخلاقية ثلاثة ويتّضح منها تكليف الآخرين أيضاً وتقول : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).

هذه التعليمات الثلاثة التي وردت في الآية الشريفة بمثابة أوامر صادرة من الله تعالى إلى نبيّه الكريم باعتباره قائداً للُامّة واسوة حسنة لسائر المسلمين وبذلك توضّح في مضمونها أهميّة العفو والصفح في دائرة المسؤولية الملقاة على عاتق القادة الإلهيين ، فالأمر الأوّل من هذه الأوامر الإلهية هو الأمر بالعفو والصفح ، والأمر الثاني إشارة إلى أنّ على القائد أن لا يحمّل الناس ما فوق طاقتهم وقدرتهم وأن لا يطلب منهم سوى المعروف الممكن ، وفي الأمر الثالث نجد التوصية بإهمال الكلمات اللامسؤولة الصادرة عن الجاهلين والمخالفين وعدم ترتيب الأثر على مزاحماتهم وما يرتكبونه تجاه أتباع الحق من ممارسات سلبية وكلمات شانئة.

إنّ القادة الحقيقيين والسالكين طريق الحق يواجهون في مسيرتهم الإلهية الكثير من الأفراد المتعصّبين والجاهلين والمعاندين الذين لا يجدون فرصة في الوقيعة بأصحاب الحق وإيجاد الأذى والضرر بهم إلّا واستغلّوها ، فالآية أعلاه وكذلك الكثير من الآيات القرآنية الاخرى تؤكّد على المؤمنين السالكين في خط الله والتقوى أن يجنّبوا أنفسهم الصراع مع هؤلاء وأنّ الأفضل لهم التعامل مع مثل هذه المسائل من موقع اللآمبالاة والإهمال والإعراض ، والتجربة العملية تشير إلى أنّ أفضل طريق لإيقاظ هؤلاء من غفلتهم وإطفاء نار غضبهم وصدهم وتعصّبهم هو هذه الطريقة في التعامل معهم من موقع قوّة الشخصية وكبر النفس.

وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) أنّه عند ما نزلت هذه الآية الشريفة سأل رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) جبرائيل عن ذلك فقال : لا أدري حتّى أسأل العالم ، ثمّ أتاه فقال : «يا مُحِمَّد إِنّ اللهَ يَأَمُرُكَ أَنْ تَعفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتُعطِي مَنْ حَرَمَكَ وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ» ([11]).

وينطلق الحديث في «الآية الرابعة» ليخاطب جميع المسلمين ويأمرهم بأنّهم إذا أرادوا التعامل بالمثل مع الاعتداء الموجّه من الآخرين ويعاقبوا عليه فعليهم أن لا يتجاوزوا المقدار المشروع وهو مقدار المثل فقط لا أكثر ، ولكنّهم إذا التزموا جانب البر والعفو والصفح فإنّ ذلك أفضل من الحل السابق وتقول الآية : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ).

وقد ورد في الروايات الشريفة أنّ هذه الآية نزلت في معركة احد عند ما نظر النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) إلى جسد عمّه حمزة ، وقد استشهد في ميدان المعركة ومثّل به الأعداء القساة وشقّوا بطنه وأخرجوا كبده وقطعوا اذنه وأنفه ، فلّما رأى النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) ذلك تأثّر كثيراً وبعد أن حمد الله وأثنى عليه شكى له حاله وقال : «أَصبِرُ أَصبِرُ» ([12]).

والملفت للنظر أنّ الآية التي تليها تقول : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) وهي إشارة إلى أنّ على الإنسان الذي يعيش هذه اللّحظات الأليمة وتستولي على وجوده سحابة من الحزن والهم بسبب ما يواجهه من عدوان القساة وجرائمهم فإنّ عليه أن يلتحف بالصبر والصفح رغم أنّها حالة صعبة وعسيرة لا يستطيعها الإنسان إلّا بمدد من الله تعالى ومعونته.

وبالطبع فإنّ السماح بالردّ بالمثل الوارد في أوّل الآية الشريفة يعود إلى أصل قتل العمد ، ولكن بالنسبة إلى المثلة والتي هي عمل غير إنساني وصادر من روحيّة ملّوثة فإنّ المقابلة بالمثل لا تجوز في هذه الحالة ، وهذا المعنى ورد بصراحة في الروايات الإسلامية التي تؤكّد عدم جواز المثلة حتّى بالكلب العقور ، فحتّى لو استفيد من الآية الشريفة جواز المثلة ([13]) فإنّه يكون المراد منها بمعونة الروايات الصريحة هو أصل القتل فقط لا المثلة ، وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ مسألة الانتقام بالأكثر من الحد الشرعي والتهديد بالمثلة لم يكن صادراً من النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) ، بل من المسلمين ، وعمومية الخطاب في الآية الشريفة تؤيّد هذا المعنى وأنّ هذا التصميم صدر من المسلمين لا من رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله).

وتأتي «الآية الخامسة» لتتحدّث إلى النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) وتأمره بما فوق العفو والصفح وتقول : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ).

أمّا «الآية السادسة» فتؤكّد هذا المعنى أيضاً بعبارة اخرى تقول : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).

ونقرأ في الآية 22 من سورة الرعد عند ما تستعرض صفات اولوا الألباب والعقول أنّ إحدى صفاتهم هي : (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) وهذا التعبير يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ هؤلاء يتحرّكون على مستوى جبران أخطائهم وذنوبهم بالحسنات وأعمال الخير ، وكذلك يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ هؤلاء يجيبون الإساءة الموجّه من الغير بالإحسان من جهتهم ولا يردّون بالمثل على الطرف الآخر لكي يوقضوا عناصر الخير في وجدان الطرف الآخر ويجعلونه يعيش الندم على ما صدر منه تجاههم.

ويحتمل أيضاً في تفسير هذه الآية أن يكون كلا المعنيين مراداً لها ([14]).

ويستفاد من هذه الآيات الثلاثة جيداً أنّ النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) وكذلك المؤمنين مأمورون

بتجاوز حالة العفو والصفح والصعود إلى مرتبة أرقى منها ورد السيئة بالحسنة وهو العمل الذي لا يتيسّر من أي شخص كان ، ولهذا فإنّ الآية التي بعدها تقول : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).

وفي الحقيقة فإنّ مقابلة السيئة بالحسنة عمل ثقيل جدّاً لا يستطيع النهوض به إلّا من اوتي القدرة على النهوض بالأعمال الخيّرة المهمّة ، والذين يعيشون الإيمان والتقوى والقيم الإنسانية بالمستوى الأعلى.

والملفت للنظر أنّ سيرة النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم ‌السلام) طافحة بمثل هذه النماذج من السلوكيات الأخلاقية والإنسانية حتّى أنّه أحياناً يؤدّي سلوكهم الإنساني هذا إلى انقلاب الطرف الآخر من موقع الشر والعداوة إلى موقع الخير والمحبّة ، والتجارب العملية الكثيرة تشير إلى التأثير الكبير لهذه الأعمال الأخلاقية في دائرة السلوك الإنساني والعلاقات الاجتماعية.

وتتعرض «الآية السابعة» إلى الحديث عن مسألة القصاص والتي تعدّ أحد الأحكام الاجتماعية المهمّة للإسلام والتي تضمن حقوق الناس وتحفظ لهم أنفسهم ودمائهم من أشكال العدوان بحيث أنّ القرآن الكريم يعبّر عن القصاص بكلمة «الحياة» ولكنّه في نفس الوقت يفضّل عليه العفو والصفح وتقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى).

وبعد أن تذكر الآية موارد القصاص بالمثل تقول : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ).

فلو أنّ القصاص تبدّل إلى الدية فعلى الطرف الآخر أن يتّخذ سبيل المعروف في عملية أداء الدية إلى ولي المقتول ، وهذا المعنى بمثابة التخفيف والرحمة من الله تعالى للناس.

وفي ختام الآية صرح القرآن الكريم أنّ بعد العفو والصفح أو تبديل القصاص إلى الدية لا حقّ في الرجوع في ذلك وممارسة سلوك العدوان والقساوة وقتل القاتل عند القدرة والاستطاعة ، وتحذّر المسلمين من هذا الموقف الخطير وتقول : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ).

لأنّ بعد العفو عن القاتل أو تبديل القصاص بالدية فإنّ ذلك يعني إغلاق الطريق تماماً عن العودة وبذلك يسقط حق القصاص تماماً ، وعليه يكون الانتقام من القاتل بمثابة القتل العمد الذي يترتب عليه العقوبة في الشريعة الإسلامية.

وهذه الآية تضع القاتل بين الخوف والرجاء ، فمن جهة تفتح عليه باب القصاص حتى لا يتجرأ أحد على تلويث يده بدماء الأبرياء خوفاً من القصاص ، ومن جهة اخرى فإنّها قد فتحت باب العفو ثم حذّرت من الانتقام بعده ولتقف حائلاً في طريق الخشونة والعدوان اللّامسؤول من بعض الجماعات المتطرفة والمنفعلة ، وهذا هو منتهى التدبير والحكمة في هذه المسألة الاجتماعية المهمّة.

والتعبير بكلمة (أخيه) في الآية المذكورة يشير إلى أنّه حتى لو وقعت حادثة قتل بين المسلمين فإنّ ذلك لا يعني قطع رابطة الاخوّة بينهم ، وفي صورة عدم وجود ضرورة للقصاص فلا ينبغي اتّخاذه سبيلاً لحلّ الأزمة ، وهذا التعبير يدلّ على أنّ الإسلام يرجّح العفو على القصاص ويتحرّك من موقع تفعيل الشعور بالمحبّة والاخوّة لدى الأولياء بدلاً من روح الثأر والانتقام.

وقد ورد هذا المضمون في رواية عن ابن عباس أيضاً ([15]).

وكذلك عبارة : (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) تدلّ مرّة اخرى على المفهوم القرآني في ترجيح العفو والصفح على القصاص أو تبديله بالدية.

وفي «الآية الثامنة» نقرأ خطاباً لجميع المؤمنين في دائرة الاختلافات والنزاعات العائلية حيث تقول الآية محذّرة للمؤمنين : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ).

وهذه العداوة يمكن أن تتجسد في السلوك العملي للشخص بطرق مختلفة ، فمثلاً تتجلّى العداوة في البعد المعنوي كأن تمنع الزوجة أولادها المسلمين من الهجرة إلى المدينة في عصر البعثة ، أو استعمال أساليب الضغط النفسي لعدم الوصية ببعض التركة والميراث إلى أعمال الخير وما ينفع الإنسان في آخرته أو تعرض الإنسان لبعض الأذى وتحميل الظروف الصعبة من قبل الزوجة المشاكسة أو الأبناء المنحرفين ولكن الآية الشريفة تصرّح في ذيلها بأنّ العفو والصفح أفضل وتقول : (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

ولا شك أنّه لو لا وجود العفو والصفح في أجواء العائلة من قبل الأب والولي على امور الأهل والأطفال أو كان كل فرد من أفراد الاسرة يتحرّك في تعامله مع الآخرين من موقع الانتقام وأخذ الحق والمقابلة بالمثل ، فإنّ هذه الأجواء الاسريّة ستتحوّل إلى جهنّم ومحرقة يعيش فيها الأفراد القلق والاضطراب الدائم وعدم الأمن والراحة وبالتالي يتسبب ذلك في انهدام العائلة وتلاشيها.

والملفت للنظر أنّ الله تعالى يذكر في هذه الآية الشريفة بصراحة أنّ العفو في المرتبة الاولى ثم الصفح بعده ، ويذكر في ذيل الآية بشكل ضمني الأمر مرّة اخرى بالمغفرة لأنّه يقول : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) أو إذا تحركتم أنتم من موقع العفو والصفح والمغفرة فستكونون مشمولين لعفو الله تعالى ومغفرته أيضاً.

أمّا الفرق بين العفو والصفح والغفران ([16]) ، فالظاهر أنّ العفو هو المرتبة الاولى في عملية التعامل بالحسن في مقابل العمل السيء ويعني ترك الانتقام وردّ الفعل المماثل ، وأمّا الصفح فيعني الإعراض عن السيئة وعدم الاعتناء بها وكأنها لم تكن ، وأمّا الغفران فيعني التغطية على آثار الخطيئة والذنب بحيث ينساها الناس ، وهذه آخر مرحلة من مراحل مقابلة السيئة والتعامل معها بالطريقة الإيجابية ، وهي أفضل مقامات الإنسان المؤمن في مقابل خطأ الآخرين وسيرتهم.

وفي «الآية التاسعة» نجد أنّ العفو والصفح ذكرا إلى جانب أعمال الخير الاخرى وأنّ الله تعالى وعد بالعفو أيضاً في مقابل ذلك العمل فتقول : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً).

وعليه فلا ينبغي أن يتصوّر الإنسان أنّ الانتقام عند القدرة سيجلب له الفخر والعزّة ، فالفخر هو أن يتحرّك الإنسان في هذه الموارد من موقع ضبط النفس وتحريك عناصر الخير في أعماقه والمقابلة بالعفو والصفح فيما إذا كان العفو في موقعه ولم يثر في نفس الطرف الآخر عناصر الشر أو سو الظن.

وتتعرض «الآية العاشرة» والأخيرة من الآيات محل البحث إلى موقف النبي من المشركين وتوصيته بأن يتخذ الصبر جلباباً في مقابل أذى المشركين وعدوان المعاندين والمخالفين وتقول : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً).

ومعلوم أنّ أحد الوسائل في عملية التصدّي للرسالة والدعوة الإلهية وما كان يمارسه المشركون والأعداء تجاه النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) هو أنواع الهتك والإهانة والشتم والأذى للنبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) بحيث كان يشتد على قلب النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) ذلك أحياناً ، ولكن مع ذلك فإنّ الله تعالى يوصيه بالتزام الصبر والمداراة وغض الطرف عن ذلك الواقع المؤلم وأن يهجرهم هجراً جميلاً.

والمراد ب (الهجر الجميل) هو الهجران المقترن بالمحبّة وحسن الخلق والتأسف على حال هؤلاء الناس المشاكسين ودعوتهم إلى الحق والخير ، وهذه هي إحدى الطرق التربوية في مقابل الأفراد الذين يعيشون حالة الجهل والعناد في مقابل الحق بحيث إذا تعامل معهم الإنسان بالمثل فإنّ ذلك من شأنه أن يزيدهم طغياناً وعناداً ، ولذا أمرت الآية الشريفة أن يتّخذ الإنسان موقف اللامبالاة أمام أذاهم وكلماتهم اللامسؤولة ، ولكن البعض تصوّر أنّ الأمر في هذه الآية كان قبل نزول آية الجهاد التي نسخت هذه الآية واستبدلت العفو بالجهاد ، وفي حين أنّ الأمر ليس كذلك ، لأنّ الجهاد له محل معيّن ، والهجر الجميل له محل آخر.

وعلى أيّة حال فإنّ هذه الآية توصي باتّخاذ سلوك العفو والصفح وخاصة في مقابل الأشخاص الذين ينطلق لسانهم دائماً بالكلمات الوقحة واللّامسؤولة ولا يمتنعون عن أي كلام وقح وذميم ، لأنّ الهجر الجميل لا يتحقّق بدون عملية العفو والصفح.

وكما يقول المرحوم الطبرسي في مجمع البيان أنّ هذه الآية بمثابة الخطاب لجميع الدعاة والمبلّغين في كل زمان ومكان أن يلتزموا جانب ضبط النفس في مقابل أذى المخالفين والأعداء ولا يستسلموا أمام حالات الانفعال لموقف الجهلاء وكلماتهم اللّامسؤولة ويقابلوهم بحسن الأخلاق والمداراة والإغماض ([17]).

وهكذا توضّح الآيات أعلاه والتي تخاطب أحياناً جميع المسلمين وأحياناً اخرى النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) بعنوان قائد الامّة الإسلامية ، المقام السامي للعفو والصفح من بين الفضائل الأخلاقية والمثل الإنسانية العليا في مقابل الحوادث الصعبة وتحدّيات الواقع الاجتماعي غير الملائم ، وتجعل من هذه الفضيلة الأخلاقية أساساً للتعامل الإسلامي بين أفراد المجتمع وحتى في مقابل الأعداء والمخالفين فيما لو لم يترتب على العفو والصفح أثراً سلبياً.

العفو والانتقام في الروايات الإسلامية :

أمّا في دائرة الروايات الإسلامية فنجد لمسألة العفو وكونه من الفضائل الأخلاقية السامية وكذلك ذم الانتقام انعكاساً كبيراً ، فقد وردت عبارات مثيرة في هذا الباب ومن ذلك :

1 ـ ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) أنّه قال : «إِذا كانَ يَومَ القَيامَةِ نادى مُنادٍ مَنْ كانَ أَجرُهُ عَلَى اللهِ فَليَدخُلِ الجَنَّةَ فَيُقالُ مَنْ ذا الَّذِي أَجرُهِ عَلَى اللهِ فَيُقالُ العافُونَ عَنِ النَّاسِ فَيَدخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ» ([18]).

2 ـ ونقرأ في حديث آخر عن النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) أيضاً أنّه قال في أحد خطبه : «ألا اخبِرُكُم بِخَيرِ خَلائِقِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ العَفوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَالإِحسانُ إِلى مَنْ أَساءَ إِلَيكَ ، وَإِعطَاءُ مَنْ حَرَمَكَ» ([19]).

فنرى في هذا الحديث الشريف المرتبة السامية للعفو والصفح ، وهو جواب السيئة بالحسنة وأنّ هذا المقام هو مقام الأنبياء والأولياء والصلحاء من الناس.

3 ـ وقال أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) : «العَفوُ تاجُ المَكارِمِ» ([20]).

ونعلم أنّ التاج هو علامة العظمة والقدرة والعزّة وكذلك يستخدم كزينة ويوضع على أشرف موضع من بدن الإنسان وهو الرأس ، وهذا التعبير الوارد في الحديث الشريف يشير إلى أنّ العفو والصفح له مقام ممتاز من بين الفضائل الأخلاقية الاخرى.

4 ـ وورد في حديث آخر عن هذا الإمام (عليه‌ السلام) أنّه قال : «شَيئانِ لا يُوزَنُ ثَوابُهُما العَفوُ وَالعَدلُ» ([21]).

إنّ جعل العفو إلى جانب العدل في الحديث الشريف يوضّح من جهة أهميّة العفو في عملية التفاعل الاجتماعي والمرتبة المعنويّة العالية له ، ومن جهة اخرى يدلّ على أنّه قرين العدل ، لأنّ العدل مضافاً إلى أنّه سلوك الفرد في خط الحق فإنّه يتسبب في تقوية مفاصل النظام في المجتمع ، ولكن العفو بما هو فضيلة أخلاقية يتسبب في رفع الحقد والكراهية واستبدالهما بالعواطف الإنسانية والمحبّة في العلاقات الاجتماعية ، واقتران هذين العنصرين في الدائرة الاجتماعية يرفع كل أشكال الظلم والتعدّي على حقوق الآخرين.

5 ـ ونقرأ في حديث آخر عن هذا الإمام (عليه‌ السلام) في وصفه لأشقى الناس : «شَرُّ النَّاسِ مَنْ لا يَعفُ عَنِ الزَّلَّةِ وَلا يَستُرُ العَورَةَ» ([22]).

6 ـ ونقرأ في حديث آخر أنّه جاء شخص من الأشقياء إلى المأمون وكان المأمون قد عزم على قتله ، وكان الإمام علي بن موسى الرضا (عليه‌ السلام) حاضراً في ذلك المجلس فقال المأمون : «ما تَقُولُ يا أَبا الحَسَنِ ، فَقَالَ : أَقُولُ : إِنَّ اللهَ لا يَزيدُكَ بِحُسنُ العَفوِ إلّا عِزَّاً فَعفى عَنهُ» ([23]).

وهكذا نجد أنّ المأمون قد عفى عن هذا الشخص الذي تجرّأ على ارتكاب ما هو ممنوع (وباحتمال قوى أنّه ارتكب جرماً سياسياً).

7 ـ وجاء في حديث آخر عن أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) قوله : «قِلَّةُ العَفوِ أَقبَحُ العُيُوبِ وَالتَّسَرُعُ إِلى الإنتِقامِ أَعظَمُ الذُّنُوبِ» ([24])

8 ـ وجاء في نهج البلاغة في الكلمات القصار عن أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) قوله: «إذا قَدَرتَ عَلَى عَدُوكَ فَاجعَلِ العَفوَ عَنهُ شُكراً لِلقُدرَةِ عَلَيهِ» ([25]).

ونفس هذا المعنى ورد بصورة اخرى ومن ذلك قوله : «العَفوُ زَكاةُ الظّفَرِ» ([26]).

9 ـ وورد في حديث الإمام أبو الحسن الرضا (عليه‌ السلام) (أو الإمام الهادي (عليه‌ السلام)) أنّه قال : «ما التَقَتَ فِئَتانِ قَطُّ إلّا نَصَرَ اللهُ أَعظَمُهُما عَفواً» ([27])

10 ـ ونختم هذا البحث بحديث آخر عن الإمام أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) أنّه قال : «دَعِ الإِنتِقامَ فَإِنَّهُ مِنْ أَسوءِ أَفعالِ المُقتَدِرِ» ([28]).

ويستفاد من مجموع هذه الأحاديث الشريفة الأهميّة الكبرى التي يوليها الإسلام للعفو والصفح وكذلك يتّضح قبح الحقد والانتقام والثأر ، والأحاديث الشريفة في هذا الباب كثيرة لا يمكننا استعراضها في هذا المختصر.

أقسام العفو :

إنّ فضيلة العفو والصفح وترك الانتقام والثأر تعتبر أصلاً من الاصول الشرعية والعقلية الواردة في الكتاب والسنة ، ولكنّه لا يعني عدم وجود الاستثناء في بعض الموارد ، بل هناك موارد يكون العفو والصفح فيها سبباً لجرّأة المجرمين والمنحرفين ، ولا شك أنّه لا أحد يرى في العفو في مثل هذه الموارد فضيلة أخلاقية ، بل إنّ حفظ نظام المجتمع والنهي عن المنكر والتصدّي لمنع وقوع الجريمة تقتضي عدم التساهل مع المجرم ، وترك العفو في مثل هذه الموارد ، والعمل بمقتضى العدل وما يفرضه من العقاب على المجرم.

ولذلك ورد في القرآن الكريم بالنسبة إلى المقابلة بالمثل في الآية 194 من سورة البقرة إشارة إلى هذا المعنى حيث تقول : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ).

وطبعاً هناك احتمال آخر في تفسير هذه الآية ، وهو أنّ هذه الآية في مقام جواز القصاص العادل فقط ولا تدلّ على الوجوب أو الاستحباب (وفي الاصطلاح أنّ الأمر هنا هو في مقام توهّم الخطر والمنع).

وعلى أية حال فإنّ العفو والعقوبة لكل واحدة منهما محلّاً خاصاً لا ينبغي استخدام أحدهما مكان الآخر ، فالعفو إنّما يكون فضيلة فيما لو كان الإنسان قادراً على الإنتقام والمقابلة بالمثل وأنّه لو سلك طريق العفو لم يكن ذلك من موقع الضعف والتخاذل ولا يرى الطرف الآخر أنّ هذا الموقف الإنساني نقطة ضعف في هذا الشخص ، فمثل هذه الحالة للعفو تكون مفيدة وبنّاءة للطرفين ، فإنّها بالنسبة إلى الطرف المظلوم والذي مكنته الظروف من الظالم يسبب في صفاء قلبه وضبط جماح نفسه وسيطرته على نوازعه وأهوائه النفسانية ، وكذلك يعتبر مفيداً للظالم المغلوب حيث يدفعه إلى إصلاح نفسه وتهذيبها وعدم تكرار ذلك العمل العدواني.

وقد نجد في الأحاديث الإسلامية أيضاً إشارة إلى هذا الاستثناء ، ومن ذلك ما ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) أنّه قال : «العَفوُ يُفسِدُ مِنَ اللَّئِيمِ بِقَدَرِ إِصلاحِهِ مِنَ الكَرِيمِ» ([29]).

ونقرأ في حديث آخر عن هذا الإمام قوله : «العَفوُ عَنِ المُقِرِّ لا عَنِ المُصِرِّ عَفو» ([30]).

وأيضاً ورد في الحديث الشريف عن هذا الإمام (عليه‌ السلام) أيضاً قوله : «جاز بِالحَسَنَةِ وَتَجاوَزَ عَنِ السَّيئَةِ ما لَم يَكُن ثَلماً فِي الدِّينِ أَو وَهناً فِي سُلطانِ الإسلامِ» ([31]).

ففي مثل هذه الموارد يجب التحرّك على مستوى إلحاق الجزاء العادل بالمسيء.

وجاء في حديث آخر عن الإمام زين العابدين (عليه‌ السلام) في تأييد هذا المعنى حيث قال : «حَقٌ مَنْ أَساءَكَ أَنْ تَعفُوَ عَنهُ ، وَإِنْ عَلِمتَ أَنَّ العَفوَ عَنهُ يضِرُّ اِنتَصَرتَ قالَ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالَى وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعدَ ظُلِمهِ فَأولَئِكَ ما عَلَيهِم مِنْ سَبِيلٍ» ([32]).

ولكن لا ينبغي أن يكون وجود هذا الاستثناء سبباً لسوء التصرّف في بعض الموارد وأن يجعلها بعض الناس ذريعة للإنتقام في مورد العفو بحجّة أنّ العفو هنا يتسبب في زيادة الجرأة لدى المذنب والمجرم ، بل ينبغي النظر بإخلاص وبعيداً عن حالات التعصّب إلى أصل العفو والصفح وموارد الاستثناء بدّقة كبيرة والعمل طبق هذه الموارد والاستثناءات.

والجدير بالذكر أنّ العفو في دائرة إجراء الحدود والتعزيرات الشرعية غير جائز إلّا في بعض الموارد المنصوصة في الروايات الإسلامية ، لأنّ إجراء الحد والتعزير يعدّ من الواجبات الشرعية في مواردها.

الآثار الإيجابية والثمار الطيبة للعفو والصفح :

رأينا أنّ العفو والصفح باعتبارهما من الفضائل الأخلاقية التي وردت كثيراً في الآيات والروايات الشريفة تجتمع فيها آثار إيجابية ومعطيات حميدة كثيرة في حركة الحياة الفردية والاجتماعية حيث يمكن بيان خلاصتها :

1 ـ إنّ سلوك طريق العفو والصفح يمكنه أن يبدّل العدو الشرس أحياناً الى صديق حميم وخاصة فيما لو كان متزامناً بالإحسان إلى الطرف المقابل ، أي بالإجابة بالحسنة مقابل السيئة كما وردت الإشارة إلى ذلك في الآية 34 من سورة فصلت.

2 ـ إنّ العفو والصفح يتسببان في دوام الحكومات واستمرار القدرة السياسية بين ذلك الحاكم الذي يمارس العفو مقابل أعدائه حيث يقلل من حالة العداء والخصومة لدى مخالفيه ويزيد من جماعة الأصدقاء والمحبّين ، ونقرأ ذلك في الحديث الشريف عن النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) : «عَفوُ المُلُوكِ بَقاءُ المُلكِ» ([33]).

3 ـ إنّ العمل بمقتضى العفو والصفح يتسبب في زيادة عزّة الشخص وتقوية مكانته وشخصيته في المجتمع ، لأنّ ذلك علامة على قوة الشخصية والشرف وسعة الصدر ، في حين أنّ ممارسة الانتقام والثأر يدلّ على ضيق الافق وعدم التسلّط على النفس وانفلات قوى الشر وتسلطها على الإنسان ، وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) أنّه قال : «عَلَيكُم بِالعَفوِ فَإِنَّ العَفوَ لا يَزيدُ إِلّا عزاً» ([34]).

4 ـ إنّ العفو يقطع تسلسل الحوادث اللّاأخلاقية في واقع الناس من الحقد والبغضاء وكذلك السلوكيات الذميمة والقساوة والجريمة ، وفي الواقع فإنّ العفو بمثابة المحطّة الأخيرة التي تقف عندها كل عناصر الشرّ هذه فلا يتجاوزها ، لأنّ الانتقام والثأر يتسبب من جهة إلى تسعير نار الحقد في القلوب ويدعوها إلى التعامل بقساوة أشد ويفعّل فيها الكراهية وعناصر الخشونة ، وهكذا يستمر الحال في عملية تصاعدية ، وأحياناً يؤدّي الحال إلى نشوب معارك طاحنة بين طائفتين أو قبيلتين كبيرتين أو تسفك في ذلك الكثير من الدماء وتدمر الكثير من الطاقات والأموال والثروات.

وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) أنّه قال : «تَعافُوا تَسقُطُ الضِّغائِنُ بَينَكُم» ([35]).

5 ـ إنّ العفو يتسبب في سلامة الروح وهدوء النفس وسكينة القلب وبالتالي يتسبب في طول العمر كما ورد في الحديث الشريف عن النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) أنّه قال : «مَنْ كَثُرَ عَفوُهُ مُدَّ فِي عُمرُهُ» ([36]).

وبالطبع فما ذكرنا أعلاه هو من قبيل الآثار الإيجابية الدنيوية والبركات الاجتماعية للعفو والصفح ، وأمّا النتائج المعنوية والأجر والثواب الاخروي فأكثر من ذلك بكثير ، ونكتفي في هذا المعنى بحديث عن أمير المؤمنين (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) يقول فيه : «العَفوُ مَعَ القُدرَةِ جُنَّةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ سُبحانَهُ» ([37]).

وأمّا أسباب ودوافع الانتقام والثأر فكثيرة أيضاً ومنها ضيق الافق والصدر وعدم النظر إلى المستقبل ، والحسد والحقد ، وضعف النفس ، واتباع الهوى ، والكثير من الصفات الذميمة الاخرى التي تدفع كل واحدة منها أو بضمّها إلى الاخرى الإنسان إلى السقوط في نار الانتقام وحالة الردّ بالمثل للتشفي والأخذ بالثأر ، وبالتالي زيادة النزاعات والصراعات بين الأفراد ممّا يفضي أخيراً إلى هدم نظام المجتمع وتلف الأموال والأنفس وهدر الطاقات والإمكانات للمجتمعات البشرية.

طرق علاج الانتقام وكسب فضيلة العفو :

إنّ أفضل الطرق لعلاج صفة الانتقام الرذيلة والصعود إلى أوج العزّة والكرامة باكتساب فضيلة العفو والصفح يكمن في الدرجة الاولى بالتفكر السليم حول معطيات وآثار كل واحد من هاتين الصفتين الأخلاقيتين ، فعند ما يرى الإنسان ما في العفو والصفح من البركات والمواهب والمعطيات الدنيوية والاخروية وكيف أنّه يتسبب في زيادة مكانته وعلو قدره وعزّته في نظر الخلق والخالق ويريح الإنسان من الكثير من المشكلات والمصاعب فيفتح له أبواب الحياة الكريمة ويثير المحبّة له في قلوب الناس ، في حين أنّ الانتقام والردّ بالمثل أحياناً يؤدّي إلى انهدام عناصر الخير في حياة الإنسان ويعرّض نفسه وماله وسمعته إلى الخطر الأكيد ، فحينئذٍ إذا قارن الإنسان بين هذه المعطيات الإيجابية والسلبية للطرفين فإنّه سيأخذ جانب العفو قطعاً ويرجحّه على جانب الانتقام ويستمر في سلوك هذا الطريق حتّى تحصل لديه ملكة أخلاقية لفضيلة العفو والصفح.

ومن جهة اخرى فعند ما يتأمل الإنسان في جذور الحالة السلبية للإنتقام والدوافع النفسية التي تثير هذه الحالة في نفسه فإنّه سيتحرّك حتماً نحو علاجها والحد من شرّها وبذلك يتسنى له القضاء على المعلول في القضاء على علّته ، فيتبدّل الحقد والكراهية وحبّ الانتقام إلى الاخوة والمحبّة والعفو والصفح.

وبهذا نأتي على ختام بحثنا في فضيلة العفو والصفح وكذلك رذيلة حبّ الانتقام والثأر والردّ بالمثل رغم وجود مسائل كثيرة لم يسع المقام لذكرها.


[1] سورة الشورى ، الآية 40.

[2] سورة النور ، الآية 22.

[3] سورة الاعراف ، الآية 199.

[4] سورة النحل ، الآية 126.

[5] سورة المؤمنون ، الآية 96.

[6] سورة فصلت ، الآية 34 و 35.

[7] سورة البقرة ، الآية 178.

[8] سورة التغابن ، الآية 14.

[9] سورة النساء ، الآية 149.

[10] سورة المزّمل ، الآية 10.

[11] مجمع البيان ، 2 ، ص 512.

[12] تفسير العياشي ؛ والدر المنثور ، في ذيل الآية المبحوثة.

[13] نهج البلاغة ، الرسالة 47.

[14] راجع تفسير الميزان ج 16 في تفسير ذيل الآية.

[15] تفسير روح البيان ، ج 1 ، ص 285.

[16] الملفت للنظر أنّ كلمة (غفران) كما أنّها تطلق على الله تعالى ، كذلك تطلق على الإنسان في آيات عديدة مثل : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) (الجاثية ، الآية 14) ، و (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) الشورى ، الآية 37.

[17] مجمع البيان ، ج 10 ، ص 379.

[18] المصدر السابق ، في تفسير ذيل الآية الشريفة 40 من سورة الشورى.

[19] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 107.

[20] غرر الحكم.

[21] المصدر السابق.

[22] غرر الحكم.

[23] بحار الانوار ، ج 49 ، ص 172 ، ج 10.

[24] غرر الحكم.

[25] نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الكلمة 11.

[26] المصدر السابق.

[27] بحار الانوار ، ج 68 ، ص 424 ، ح 65.

[28] غرر الحكم.

[29] كنز العمال ، ج 2 ، ص 182 ؛ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، ج 20 ، ص 270 ، ح 124.

[30] المصدر السابق ، ح 783 ، والمصدر نفسه ، ص 330 ، ح 783.

[31] غرر الحكم.

[32] ميزان الحمة ، ج 3 ، ص 2015 ، ح 13225.

[33] بحار الانوار ، ج 74 ، ص 168.

[34] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 108.

[35] كنز العمال ، ج 3 ، ص 373 ، ح 7004.

[36] ميزان الحكمة ، ج 3 ، ح 13184.

[37] غرر الحكم.




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.