ولادة اقتصاد المعرفة  

إن ثورة المعلومات بدأت تغير المصادر الأساسية للثورة، فالثورة العلمية القائمة الآن تعتمد على مصدر جديد كلياً وهو المعلومات أي المعرفة المطبقـة الخـلـق قيمـة. المعرفة قوة كما تلخصها لنا مقولة فرنسيس بيكون الشهيرة، والتي ربما سبقه إليها بآلاف السنين إمبراطور الصين صان تسو فهو القائل: المعرفة هي القوة التي تُمكّن العاقل من أن يسود، والقائد من أن يهاجم بلا مخاطر، وأن ينتظر بلا إراقة دماء، وأن ينجز ما يعجز عنه الآخرون، وجاءت تكنولوجيا المعلومات لتضيف كل يوم شاهداً جديداً على صحة هذه المقولة بعد أن أصبحت المعلومات والمعرفة أهم ركائز القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية ، ويزداد ثقلها يوماً بعد يوم في موازين القوة العالمية⁽¹⁾. إن تقنية المعلومات قد أوجدت نموذجاً جديداً من الاقتصاد وهو الذي يعتمد  على المعلومات، لقد غيرت القدرة الصناعية مصدر الثروة، فحولت أكوام الصخر والمواد الخام التي لم تكن ذات قيمة إلى ثروات جديدة ومواد جديدة من الفولاذ والبخار والمعادن الأخرى. وأعطت قيمة لموارد طبيعية كانت في السابق مهملة. وفي السنين القليلة الماضية أخذت ثورة المعلومات تغير مرة أخرى مصدر الثروة. ومصدر الثروة الحديث ليس مادة. بل معلومات معرفة مطبقة على عمل لإيجاد قيمة وكمصدر للثروة تأتي المعلومات بأشكال ومظاهر متنوعة من تدفقات إلكترونية قيمة ناتجة عن سنوات البحث العلمي المتراكم والمخزن في ذاكرة حاسوب تقوم بتشغيل مصانع مؤتمتة، إلى رأس المال الفكري للثروة في العالم غير مادي، فلا بد أن تتغير القواعد والمهارات والمواهب اللازمة لكشف المعلومات واستخدامها وحفظها. وتصبح من أهم عادات الجنس البشري ومواهبه ⁽²⁾ .

لقد دخلت المعلومات بشكل كبير إلى جميع الصناعات بما فيها الصناعات الثقيلة وأصبحت هذه الصناعات تعتمد بصورة هامة على المعلومات وقد عبر عن هذه الحقيقة "دونالد بارنت" وهو خبير بارز في صناعة الفولاذ بقوله: يغير الحاسوب ما نصنعه، ويغير طريقة صنعه، ويغير طريقة صنعنا للمعدات التي تصنعه⁽³⁾.

لقد كانت المعلومات دائماً قوة، أما الآن فقد تحولت إلى ثروة. إن العامل الأساسي الآن في تشكل الثروة هي المعرفة القابلة للتحول إلى ثروة - فالثروة جاءت من المعلومات لا من التصنيع.

لقد أوجد تدفق المعلومات الهائل معياراً نقدياً عالمياً جديداً. معياراً أساسه المعلومات لا الذهب. إن التطور التقني والبنية التحتية الإلكترونية أصبحت تربط العالم بعضه ببعض وبالتالي أخذت تترك أثرها الكبير في صياغة اقتصاد عالمي جديد ⁽⁴⁾ . 

يقول إغنار يوفيسكو كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) والذي قام بدراسة وتحليل هذا الوافد الجديد: إن فكرة الاقتصاد الجديد  ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمؤثرات التقدم التقني على النمو الاقتصادي، ويشكل الدور الذي تلعبه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المناقشات حول الأداء الاقتصادي عاملاً رئيسياً، ويرى أنه يمكن أن ترفع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات معدلات النمو عبر ثلاث قنوات هي:

ــ القناة الأولى: تساهم قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) التي تعتبر قطاعات منتجة بحد ذاتها، تساهم مباشرة في النمو إجمالاً بفضل مردودها الخاص.

ــ القناة الثانية: هي الاستثمار المرتفع في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي ترفع قوة الإنتاج الكبير في الاقتصاد عموماً وتعكس - وبالتالي - زيادات حادة في جودة المعدات وهبوطاً في أسعارها.

ــ القناة الثالثة : هي ما يطلق عليه المؤثرات الجانبية كانتشار الإنترنت ونشوء التجارة الالكترونية التي تؤدي إلى خفوضات هامة في التكاليف وفي تحسين تنظيم  المؤسسات ⁽⁵⁾ .

إذا فإن للاقتصاد الجديد قواعد جديدة هي: الابتكار الذي يحدث تقنيات جديدة في المعلومات، والتكنولوجيا التي ترفع الإنتاجية، والإنتاجية المرتفعة تزيد من الحد الأقصى لسرعة النمو وبكل المقاييس تقريباً.

إن مصدر الطاقة في اقتصاد المعرفة هو العقل الذي يعد أداة ابتكار وإبداع، أما من ناحية طبيعة الإنتاج في عالم المعلومات والمعرفة فهي فردية، أي خاصة بمستهلك بعينه أي تعتمد بشكل كبير على قدرة المستهلك على التعامل مع هذا المنتج، وبشكل أكبر يعتمد على المنتج وقدرته على إنتاج مثل هذه السلع (معلومة / معرفة) وقدرته على ابتكار وابتداع أسلوب وطريقة تسويقها على الشبكة.

أما الهدف من هذا الاقتصاد المعرفي فهو النمو الشخصي، الذي يقود صاحبه إلى التميز والتفرد عمن حوله بما يحققه من مكاسب قد تكون هائلة جداً. إن هذا الاقتصاد الجديد فرض طائفة جديدة من ألوان النشاطات المرتبطة بالاقتصاد والمعلومات ومن أهم ملامحه التجارة الإلكترونية  ⁽⁶⁾.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نبيل علي ، عنف المعلوماتية: كتاب العربي، ص 150.
(2)  ماجد محمد شدود، العولمة، ص55-56. 

(3) ولتر برستون - أقوال السيادة - ترجمة سمير عزيز نصار وجورج خوري، ص 38.

(4) كافي ، مصطفى يوسف ، التعليم الالكتروني والاقتصاد المعرفي ، ص138 . 

(5) إميل هلال ، الاقتصاد الجديد ، واقع أو خيال ، مجلة الكمبيوتر، المجلد 18، العدد 3 (أيار/ 2001) - ص 45 .

(6) مصطفى كافي، مصدر سابق، ص139.