الفصل الثالث : العصر الإغريقـي

• بداية الفكر الاقتصادي :

تشكل مساهمات الاغريق حجر الأساس في التطور الحضاري لكونها اساس الفكر الغربي الذي ينضوي الفكر الاقتصادي تحته لذا نوليها الاهتمام الكافي باعتبارها منطلق الإلهام للبلاد الغربية والتحضر ، وقد كانت محط اطماع البلاد المجاورة لكون أراضيها خصبة وموقعها جيد  وهذا ادى الى تكوين التجمعات التي عملت المدينة والتي أضحت بديلة عن الريف وكان النظام المتبع هو نظام ارستقراطي ، وكانت الارستقراطية تمارس السلطة كاملةً بمفردها والدولة تزود السلطة بكل ما ترغب به من التزامات مدنية وعسكرية ، وكان أعضاء هذه الطبقة من الجند والفلاسفة مستعدين للقيام في أي وقت بأي مشروع ⁽¹⁾ .

واستناداً لما رورد فإن العطاء الفكري الاقتصادي منذ أربعة وعشرين قرناً من مسيرة العطاء الفكري بدأت مع ظهور الفكر الإغريقي في أثينا الى الوجود وان التطور النسبي الذي حصل في بلاد الإغريق أثينا هو ظهور الحرف والأعمال المهنية والذي يعد مظهر من مظاهر التطور  وبهذا تحولت اثينا من الانتاج الزراعي الى مركز حرفي لمزاولة الصناعات التقليدية البسيطة وبذات الوقت سوق ومركز تجاري ، لذلك كانت نسبة العبيد في أثينا كبيرة لأنهم يمثلون الطبقة المنتجة وتشير الأدبيات بأن العبيد يمثلون ثلثي المجتمع الإغريقي واعتبروا العبيد مورد طبيعي كالمواد الخام المتواجدة بالطبيعة وبهذا تكون اثينا عاصمة الاغريق الدولة والمدينة المتحضرة الذي يعكس تحضرها الى اعتمادها على الفلسفة وانتساب جميع العلوم الى الفلسفة وحل جميع المشاكل العالقة في أثينا بالفلسفة .

الأقوام الأصليين الإغريق (الهيلسنت)

ان العصر الاغريقي تمثل في الفترة من عام 429ــ348 ق . م ⁽²⁾ حيث عم البلاد نوع من الفوضى بسبب الحروب مع دول الجوار الذين يطمعون في احتلال المدينة للاستفادة من خيراتها ضمن زمن معين مما حدا بأهل اليونان القدماء (الإغريق) الذين يطلقون عليهم اصطلاحاً بالهيلسنت ^* ان يواجهوا التحدي من خلال القيام ببعض الإجراءات التي من خلالها تمكنوا ن السيطرة على أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية والحل الذي كانوا يرونه مناسب هو الطرق الفلسفية لأنهم يرونه هو الحل الأمثل لمشكلاتهم القائمة ، لذلك أصبحت مختلف العلوم التي كانت تدرس في ذلك الوقت تحت اسم الفلسفة كالاجتماع والاقتصاد ومختلف العلوم ومن خلال ذلك استقرت اسس البلاد نسبياً وأصبح هناك تقدم بسيط احرزه المجتمع اليوناني في القرن الرابع قبل الميلاد كالملكية الخاصة ولكن ليست مطلقة ⁽³⁾ ، كما وكانت هناك عوامل لتقسيم العمل بين افراد المجتمع واستخدم الإغريق وللمرة الأولى مصطلح الاقتصاد ولكن ليس بالمعنى المعروف حالياً وانما يعني التدبير البيتي ، لقد كانت دراسة العلوم الاقتصادية آنذاك دراسات أولية بسيطة اذا تم قياسها وفق التصنيف الحالي كما وتعد دراسة غير مستقلة وبذات الوقت محدودة ويعني ذلك انها تدرس مع بقية العلوم ، واما محدوديتها لكونها مناطة بالعبيد فكانت قليلة بالقياس الى مجال التطور بالعلوم الأُخرى ⁽⁴⁾ ، كانت الحقبة الزمنية والظرف المعاش يملي على المجتمع النظر الى الفلاسفة والقادة من الجند نظرة خاصة ويولون بعض المهن والحرف اعتبارا خاصاً كالزراعة دون غيرها وحينما نسأل لماذا الاهتمام بهذا النشاط حصراً فسيعطى المبرر المقنع لذلك ، ان ما كتبوه الإغريق في مجال الاقتصاد قليل جداً ولا يتعدى بعض الأفكار البسيطة والجزئية وقد يكون السبب هو بساطة العيش والاكتفاء الذاتي وعدم وجود القدرة الشرائية لذلك حين استخدم اليونان الاقتصاد وهو يعني (( فن ادارة المنزل )) لم يكن استخدامهم لها يتواكب مع مفهوم علم الاقتصاد الحالي وانما يعالجون القضايا الاقتصادية من خلال كتاباتهم في ادارة الدولة وشؤون المجتمع وكانت مساهماتهم بالافكار الاقتصادية قليلة بالقياس الى العلوم الأخرى كالطب والرياضيات والفلسفة والسياسة .

لقد ساعد التبادل وتقدم الانتاج الحرفي وظهور التجارة على امكانية الثراء ، وعندما ازداد عدد العبيد أصبح الانتاج واسع وأصبحت سلطة السيد الإغريفي كبيرة ويمارسون الاغريق الهيلسنت مهنة الزراعة لأنها المهنة النبيلة التي تسد حاجة المجتمع وكانوا يتعاطون الربا على المال ويسبب موضوع الربا مشكلة تؤدي الى ان الانسان السيد وبسبب عدم امكانية سداد الدين الذي يترتب عليه في الوقت المناسب والمتفق عليه يصبح عبداً بسبب القرض الربوي ، اذ بسبب عدم القدرة على اسداد تحصل مشكلة العبودية للسيد وغيرها ⁽⁵⁾ ، وقد حصل تقدم بالمفاهيم الاقتصادية بشكله البسيط في القرن الرباع قبل الميلاد في اليونان تمثل في إيلاء بعض الأهمية للملكية الخاصة وظهرت بوادر تقسيم العمل بين افراد المجتمع وأقيمت التجارة في أثينا الدولة المدنية ( حيث ان بلاد اليونان صغيرة ومن غير الممكن تأمين كل مستلزمات المعيشة ) فلا بد من قيام التجارة ولكن هذا لا يعني انها تولي الاهتمام للنشاط الاقتصادي التجاري لدى الهيليسنت وانما الذي يقوم بالنشاط التجاري هم التجار الاجانب كاليهود والعرب وهذا دليل على عدم الاهتمام بالنشاط التجاري من قبل الدولة وبالاقتصاد بشكل عام حيث ان الحرف يولوها الى العبيد ( ولا يعمل اليوناني الاصلي الهيليسنتي في هذه الحرف ) لذلك لم يظهر في المرحلة الاغريقية اقتصادي متخصص في الاقتصاد كما هو عليه الحال في الفلسفة الذي اشتهر بها الاغريق حيث ان اهتمامهم بالاقتصاد هو جزء من اهتمامهم بالسياسة والقانون والعلوم الاجتماعية ، ولم يفصلوا بين هذه العلوم والأفكار الاقتصادية المطروحة على الساحة وهي آراء بسيطة لا تتعدى الإشارة لعلم الاقتصاد وليس بناء مذهب اقتصادي متكامل .

ولرب سائل يسأل لماذا ندرس الفكر الاقتصادي الاغريقي والاستشهاد بآراء افلاطون وارسطو طالما انهم لم يولوا الاقتصاد اهمية تذكر ؟ والجواب هو ان الفكر الاوربي اعتمد على فلسسفة الاغريق وآراء فلاسفتهم وكون العديد من من الآراء والمناقشات في العصر الروماني والعصور الوسطى بنيت على الفكر الإغريقي ، لذلك يولون التاريخ اليوناني اهمية كبيرة وهناك نقطة مهمة وجديرة بالملاحظة وهو ان الفكر الاقتصادي الذي ندرسه في جامعاتنا هو فكر اوربي ، ولما كانت أوربا قد اعتمدت على الفكر الاغريقي في بناء الفكر الاقتصادي لهذا السبب وجب دراسة الفكر الإغريقي وقد أدلوا بآرائهم الاقتصادية البسيطة في مجالات معينة نذكرها لاحقاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1ـ جلال شيحة ، الفكر الاقتصادي ، دار القلم للطباعة ، 1965، ص27 .

2ـ مصطفى رشدي شيحة ، علم الاقتصاد ، لا يوجد دار للنشر ، 1987 ، ص18 .

* ـ الهيلسينت مصطلح يطلق على اليونانيين الاصليين اي اصحاب الارض للتمييز بين الاقوام الاصلية صاحبة الارض وبين اللآخرين القادمون لأغراض العمل . 

3ـ عدنان عباس علي ، تاريخ الفكر الاقتصادي ، منشورات الجامعة المستنصرية ، بغداد ، 1990 ، ص15 .

4ـ عبد الرحمن يسري احمد ، تطور الفكر الاقتصادي ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، الاسكندرية ، 1997، ص19-24 . 

5ـ طارق العزاوي ، الفكر والتاريخ الاقتصادي ، مطبعة الأزهر ، بغداد ، 1975 ، ص22 .