أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-19
1183
التاريخ: 2024-05-07
743
التاريخ: 2024-03-17
959
التاريخ: 2024-12-21
30
|
يُعد تاريخ «أنحورمس» بمثابة واحة من الواحات التي نصادفها في وسط مجاهل التاريخ المصري القاحل في كثير من نواحيه، وسنرى أن حياته تكشف لنا عن صفحة مجيدة من شئون هذا العهد المختلفة.
نحت الكاهن «أنحورمس «الذي عاش في عهد الفرعون «مرنبتاح» قبره في سفح منحدر من الجبل المطل على الشاطئ الغربي للنيل، الواقع خلف قرية «نجع المشايخ»، وتُوجد في هذه الجهة قبور عارية من النقوش. ومن جهة أخرى نجد طائفة من المقابر بعضها من هذا العصر في جنوب الوادي الضيق الذي يقع خلف هذه القرية، فهناك نجد قبر الكاتب الملكي لأراضي الفرعون ويُدعى «ايمي سبا»، ويحتوي على بعض مناظر من الحياة الريفية. ومما يؤسف له أنه لم يُنشر شيء يستحق الذكر عن هذه المقابر المعروفة منذ زمن بعيد، وكل ما نعلمه هو ما نشره «مسبرو» ويشمل بعض أسطر ذكر فيها طائفة من ألقاب «أنحورمس «. وبعد ذلك زار الأثري «سايس» هذا القبر عام (1883-1884) واقتصر على تدوين بعض ملاحظات ضئيلة. وقد قال في أول الأمر إنه ليس عنده من الوقت ما يكفي لنقل نقوش هذا القبر، وبعد ذلك قال إنه نقل ما بقي من نقوشه، ويقول «مسبرو» إنه منذ سنة 1881 قامت حفائر في قرية «نجع المشايخ» للكشف عن معبد أقامه «رعمسيس الثاني» وهو الذي جدده ابنه «مرنبتاح» وقد كُشف فيه عن تماثيل ولوحات كثيرة، ويذكر لنا «سايس» نقوشًا من عهد «أمنحتب الثالث» و«رعمسيس الثاني» في هذا المعبد وتمثالًا للإلهة «سخمت»، وهذه حقيقة هامة لمعرفة كنه المعبد. والواقع أن نتائج الحفر في هذا المعبد لم تسفر إلا عن ثلاث مجموعات للكاهن «أنحورمس» محفوظة «بالمتحف المصري» وحسب.
وكان ضمن ما عُثر عليه خلالها تمثال كاتب ملكي، ومدير ضياع «أوزير» ويُدعى «توري» ومعه زوجه (راجع مصر القديمة ج6) وكذلك حامل علم يُدعى «منمس» من عهد «رعمسيس الثاني «.
وفي يناير سنة 1913 قام الأستاذ «كيس» الأثري و«بسنج» بزيارة مقابر «نجع المشايخ» ونقلا جزءًا كبيرًا من النقوش هناك، وفي عام 1937 زار الأستاذ «كيس» المقبرة مرة أخرى، ونقل باقي النقوش وصوَّر ما أمكن تصويره لصعوبة التصوير في هذا المكان، والواقع أن الشريط الضيق من الأراضي الزراعية الواقع على الشاطئ الشرقي للنيل قبالة «جرجا» حتى جنوبي «جبل طريف» يدخل ضمن مقاطعة «طينة»، وكذلك يدخل في نطاقها كل من «نجع الدير» و«نجع المشايخ». وقد كان هذا المكان في الأزمان القديمة يُدعى «بحدت «.
ويُرى في قوائم البلدان ثلاث مدن بهذا الاسم، فغير «بحدت» هذه «بحدت أدفو» و«بحدت» الشرقية الواقعة في غربي الدلتا، وقد سمى اليونان هذا المكان «ليبدو تنبوليس Lepidotonpolis «وهو اسم سمكة كان الأهلون يعبدونها في هذه الجهة وكانت المعبودة المحلية الخاصة في «بحدت» هذه هي زوج الإله «أنحور» رب «طينة» التي تُدعى «محيت» أو «منت» وتمثل في صورة لبؤة، وكانت تتصف بكل صفات الإلهة «سخمت» إلهة «هليوبوليس «.
وقد اتخذت مكانها المختار هنا كما اتخذت مثيلاتها في الشكل أماكنها في «الكاب» و«دير الجبراوي» و«سبيوس أرتميدوس» و«طهنا» وكذلك في «أخميم» المجاورة. وقد دلت النقوش فضلًا عن تمثال «سخمت» الذي كشف عنه «سايس» في رقعة المعبد، على أن معبد «نجع المشايخ» كان قد أُقيم بنوع خاص للإلهة «محيت». وتشاهد صورة صغيرة لإلهة برأس لبؤة، وقرص الشمس بجوار اسم «رعمسيس الثاني» على تمثال «منمس» الذي عُثر عليه في «نجع المشايخ» سنة 1888،وقد كُتب على كتف تمثال «أنحورمس» الذي قدم نذرًا في عهد الفرعون «مرنبتاح» اسما الإلهين: «انحور – شو» بن «رع» و«محيت» القاطنة في «بحدت»، وكذلك نجد صيغة تقديم القربان الموجهة إلى الفرعون «أمنحتب الأول» الذي كان يحمل محراب تمثاله أمامه، وإلى الإلهة «محيت» القاطنة في بحدت لكي يقدم له كل المأكولات التي مُنعت عنه، وبدهي أن «أنحورمس» على الرغم من أنه كان صاحب سيطرة في عهد «مرنبتاح» بوصفه الكاهن الأول للإله «أنحور»، ورئيس كهنة كل آلهة «طيبة»، كان له علاقة وثيقة بالمعبد الجديد الذي أقامه «رعمسيس الثاني» للإلهة «محيت» صاحبة «بحدت» (نجع المشايخ) وهو يقع بجوار قبره مباشرة، في حين أن أسرة الكهنة الأول قد دُفنت كلها في عهد «رعمسيس الثاني» في «العرابة المدفونة»، ومن المحتمل أن «أنحورمس» نفسه الذي كان يحمل لقب «الذي يملأ قلب رب الأرضين، ومدير أعمال في كل آثاره«هو الذي قام بالإصلاح الذي عُمل في عهد «مرنبتاح» في هذا المعبد، ولذلك وضع تمثاله فيه.
وتنحصر أهمية ترجمة «أنحورمس»، كما رواها هو عن نفسه، في أننا نجد فيها حالة ظاهرة تدل على أن موظفًا حربيًّا قد انتقل إلى وظيفة كاهن متقاعد يعيش منها، وهاك ترجمته لنفسه: الكاتب الملكي وكاتب المجندين لرب الأرضين، والكاهن أعظم الرائين «لرع» في «طينة»، ورئيس الحجرة للإلهين «شو» و«تفنوت»، والكاهن الأكبر للإله «أنحور»، «أنحورمس» المرحوم، والذي يرجو لسيده الملك «مرنبتاح» الأعياد الثلاثينية والصحة، رب التيجان، معطي الحياة مثل «رع» أبديًّا يقول: لقد كنت الطفل النبيه عند الفطام، والمستقيم صبيًّا، والمدرب غلامًا، العارف فقيرًا. وكنت مسكينًا فأجيء في الفصل دون مخالفة، وكنت إنسانًا ألاحظ وأجيد «الحل»، وكنت محبوبًا من سيده «الفرعون» ومفيد الآلهة دون أن يمل قلبي العمل على نفعهما، وكنت يقظًا للسفينة فلم تسمح لي بأي نوم، وكان في استطاعة الحراس أن يناموا بسببي، وكنت شجاعًا في البر دون أن يصيبني إعياء وقطعت فيه مسافات عديدة إنسانًا يمشي على الأرض، وكنت كاتب الفرسان المجندين الذين يخطئهم العد ولا يقدر إنسان أن يحصيهم، وكنت ترجمانًا لكل أرض أجنبية لسيدي، وكاتبًا قويًّا في خدمته، وكان سيدي يخاطبني أمام الأرض قاطبة ممتدحًا، وكنت محظوظًا أمام الملك بسبب الاستشارات اليومية وبسبب إطرائه لي، ولذلك كان الرفاق يقولون: «ما أعظم حظوتك» وكنت إنسانًا نشأه قومه وحماه أتباعه منذ جعل الملك مكانتي قوية باختياري نديمًا له، وكنت كاهنًا وحاجبًا ملكيًّا للإله «شو» ملأت بيت ماله، وكنت مشرفًا على مخازن غلاله التي جعلتها طافحة بالغلال، وكنت نافعًا لبيت الإله، وقويًّا في الحقل … والناس الذين خُلقوا من أجل «شو». وكنت منتبهًا ومستعدًّا في كل يوم لخدمة سيدي، وكنت مفيد الرأي للآلهة و… على رأس (المجلس)، وكنت إنسانًا يسير على طريقة الإله دون اعتداء على «قوانينه»، وكنت امرأ ينحني عندما يدخل قدس الأقدس، وامتدح الإله مرات لا عداد لها، وكنت …
طفولة «أنحورمس» ومدة دراسته: إن التقرير الذي قدمه لنا «أنحورمس» عن سني حياته الأولى غريب في تعبيراته؛ فقد ذكر لنا أدوار مدة رضاعه حتى فطامه، ثم تكلم عن حياته وهو طفل صغير فغلام، وكذلك تحدث لنا حتى عن فقره في صباه، أي إنه كان رجلًا لا وظيفة له ولا دخل يستولي عليه. والواقع أن افتخار القوم بالعدم كان من الأمور المألوفة التي جرى عليها العرف في عهد «تل العمارنة»، فكان موضع فخر لأولئك الذين وصلوا إلى مكانة عالية بعد فقر مدقع. فقد كنا نسمع في هذا العهد كثيرًا أنه مما يفخر به الرجال الذين كانوا بجانب الفرعون وقاموا له بأعظم الخدمات أنهم من أصل وضيع، وأنهم نالوا ما نالوه من رفعة ومكانة بجدهم واستقامتهم في خدمة الفرعون بما لهم من شخصية. ولدينا أمثلة ناطقة تحدثنا بذلك، وأهم ما يلفت النظر من أولئك: حامل المروحة على يمين الملك وكتاب الفرعون وكاتب المجندين والقائد «معي» (راجع الجزء الخامس) حيث يقول: كنت رجلًا وضيع الأصل أبًا وأمًّا، ولكن الأمير وطد مكانتي فقد جعلني أعظم … بفيضه عندما كنت رجلًا لا أملك شيئًا … الخ. وفي عهد الرعامسة الأول نجد مثالًا لذلك في كتابة رسام على لوحة محفوظة الآن في «ليدن Lyden VI» حيث لم يستعمل فيها كلمة «نمح» الدالة على الفقر في الأصل كما هي الحال في عهد العمارنة، بل استعمل الكلمة الكلاسيكية «حورو» (فقير الحال)، فيقول:
لقد كنت إنسانًا فقير الحال من جهة أسرته وصغيرًا في قريته، ولكن سيد البلاد قد تعرف عليَّ … ورفعني على الندماء.
ومما يجذب النظر في العلاقة بين هاتين الحالتين: حالة «انحورمس» وحالة الرسام أن الأب في كل من الحالتين كان يشغل وظيفة مماثلة للتي كان يشغلها الابن، فقد كان والد «انحورمس» المسمى «بن نب» يشغل وظيفة كاتب المجندين لرب الأرضين مثل الابن، وأن والد المفتن المذكور كان حفارًا مثل والده.
ولكن مما لا نزاع فيه أننا بدأنا نجد في عهد الدولة الحديثة خروجًا عن العادة المعروفة التي كانت تخول للولد أن يرث والده في وظيفته أو عمله، وذلك عندما ظهر أفراد أخذوا يثيرون شخصيتهم ويخلعون عن أنفسهم قيود هذا التقليد الأعمى ويشقون طريقهم في الحياة كل على حسب استعداده وما أوتي من قوة وعزيمة ونفس طموح وشخصية ممتازة، وقد تحدثنا عن ظهور الفرد وشخصيته في مثل هذه الأحوال، وبخاصة عندما أخذ يناجي ربه ويظهر ورعه بشخصيته لا بالتعاليم التي ورثها عن آبائه وأجداده (راجع مصر القديمة ج6).
حياته الحربية: تدل شواهد الأحوال على أن مدة خدمة «أنحورمس» في الجيش يقع معظمها في عهد «رعمسيس الثاني» وهذا فضلًا عن خدمته في مدة «مرنبتاح» التي لم تتجاوز عشرة الأعوام.
وقد كانت وظيفته الرئيسية «كاتب المجندين الملكي لرب الأرضين»، ومن ترجمته لنفسه يمكننا أن نعرف الخطوات الأولى التي خطاها نحو العلا؛ فقد كان في بادئ الأمر يعمل في الأسطول في وظيفة ثانوية، إذ كان يعمل بوصفه مشرفًا على المجدفين، ثم ترك هذه الوظيفة واشتغل في الجيش البري، ثم تنقل فيه في أماكن عدة وأخيرًا ارتقى إلى وظيفة «كاتب مجندين» — وعلى ذلك لم يعد بعد جندي ميدان — لجنود عربات الحراس الخاص. وهناك قام بخدمات خاصة؛ إذ كان يعمل في جيش «مرنبتاح» الذي حارب اللوبيين وأقوام البحار، وكذلك عمل ترجمانًا في «فلسطين» وغيرها، وقد كانت خدماته المتصلة، والوظائف التي تقلب فيها نحو المجد سببًا في لفت أنظار الفرعون إليه وجعله ممتدحًا أمام الأرض كلها من شرفة قصره كما كانت العادة. هذا إلى أنه رفعه إلى رتبة «نديم».
وفي ترجمة حياته لنفسه يذكر لنا قبل تقلده وظيفة الكهانة أنه كان «كاتب مجندين»، ونحن نعلم من تراجم حياة أفراد آخرين عدة أن وظيفة «كاتب مجندين» كانت ذات أهمية عظمى، وأن حاملها كان يعد من أقرب المقربين إلى الفرعون، وسنذكر فقط على سبيل المثال «أمنحتب بن حبو» الشهير الذي شغل هذه الوظيفة في عهد «أمنحتب الثالث» (راجع مصر القديمة ج5)، والواقع أن «أنحورمس» كان يحمل أرفع ألقاب الدولة على حسب ترتيبها المعتاد، فكان يلقب «بالأمير الوراثي، والحاكم، وحامل خاتم ملك الوجه البحري، والسمير الوحيد»، هذا فضلًا عن أنه كان يُنعت «عين ملك الوجه القبلي، وأذني ملك الوجه البحري، والكاهن والد الإله المحبوب، ومن يملأ قلب سيد الأرضين.»
ومن المعلوم أن الموظفين الحربيين ورؤساءهم كانوا في وقت السلم يكلفون بالأعمال المدنية العادية، ومن الجائز أن «أنحورمس» كان قد كُلف من قبل «رعمسيس الثاني» ومن بعده ابنه «مرنبتاح» بالقيام بتجديد معبد «نجع المشايخ»؛ ولذلك كان يُلقب «الذي يملأ قلب سيد الأرضين، ومدير الأعمال على كل آثاره «.
والظاهر أنه كان ذا علاقة وثيقة بالفرعون «مرنبتاح»؛ نعلم ذلك من بداية الترجمة لنفسه وهو: «الذي يتمنى لسيده أعيادًا ثلاثينية وصحة «.
ومثل هذه التعبيرات نصادفها كثيرًا في تراجم كهنة «آمون» في عهد الأسرة الثانية والعشرين «بالكرنك». فمثلًا نجد أن الرجل الذي يحمل النعوت: «عيني ملك الوجه القبلي في الكرنك» و«لسان ملك الوجه البحري» يتبع ذلك بذكر: «الذي يتمنى أعيادًا ثلاثينية لسيده بجانب الآلهة التي في هذه الأرض.»
ويظهر ذلك جليًّا فيما يقوله كاهن آخر من كهنة «آمون» في نفس العصر:
لقد قدمت إلى القصر في عيد تتويج الملك طاقة حملتها للفرعون من «طيبة» وتمنيت لرب الأرضين أعيادًا ثلاثينية. ولا بد إذن أن هذا الرجل كان عضوًا في حفلة تتويج الملك في «منف» ضمن الكهنة الذين اجتمعوا من كل أنحاء البلاد حاملين طاقات الأزهار التي تحمل السعادة في طياتها من معبد «آمون» ليقدموها إلى الفرعون.
وكذلك كانت الحال مع «أنحورمس» فلا بد أنه فكَّر في أن يقدم للفرعون طاقة أزهار لمناسبة عيد تتويجه أو لمناسبة أخرى، كما شاهدنا عظماء القوم يقدمون طاقات الأزهار إلى «سيتي الأول» حينما عاد منتصرًا من «سوريا» (راجع مصر القديمة ج6)، وقد يجوز أن الفرعون كان يقوم في هذه الحالة بزيارة إلى «طينة» تلك المدينة المقدسة من قديم الزمان.
مجال حياته في الكهانة: ليس لدينا في ترجمة حياة «أنحورمس» ما يدل على أنه بعد أن ختم حياته في سلك الوظائف الحربية قد أصبح كاهنًا إلا فقرة مهشمة، ومع ذلك فإن فيها ما يكفي. ولدينا هنا برهان لا يتطرق إليه الشك في وجود وظيفة كهانة في معابد البلاد كانت تعطي معاشًا للموظفين الذين تقدمت بهم السن، وكان أول ظهور هذه الوظيفة في عهد الرعامسة، ولكي نحكم على «أنحورمس» في تقلده هذه الوظيفة يجب أن نعرف إذا كان لوالده أو لأمه أي حق في تقلد وظيفة دينية في «طينة» ومثل هذا الادعاء في أحقية وراثة هذه الوظيفة قد لعب دورًا حاسمًا في مصير أسرة «بنيتز» في «الهيبا» في العهد الساوي.
وقد تحدثنا قبل (انظر مصر القديمة ج6) عن أسرة في عهد الأسرة التاسعة عشرة شغل أفرادها منصب «الكاهن الأول» للإله «أنحور» مع وظائف أخرى ثانوية مدة أجيال عدة، ولا نعلم أية علاقة للكاهنين «حورا» و«منمس» وعلاقتهما بالكاهن «أنحورمس». ولا يمكن أن نقطع في الواقع إذا كان من باب الصدفة توافق اسمه «أنحورمس» مع اسم إله «طينة» الأكبر المسمى «أنحور» أم لا، وبخاصة أن «مرنبتاح» قد دعاه للقيام بإنجاز أعمال لهذا الإله، هذا على الرغم من أن والده «بن نب» لا يحمل على تمثاله المحفوظ «بمتحف القاهرة» أي لقب كهانة (رقم 1136).
وقد كان الكاهن الأكبر لهذا الإله في عهد «رعمسيس الثاني» هو «منمس». وتدل شواهد الأحوال على أن «أنحورمس» كان رجلًا حديث العهد «بطينة» جيء به في عهد «مرنبتاح» ليشغل هذه الوظيفة، ولا نزاع في أنه عاش قبل ذلك العهد مع أسرته في «طيبة» وقد تزوج من اثنتين. ولدينا له في معبد «نجع المشايخ» تماثيل مثل عليها معها (القاهرة رقم 1093)، وقد كانت إحداهما تُدعى «تاورت حتب» وتُلقب «ربة البيت» زوجته الأولى. وكانت كل من زوجتيه سواء أكانت المتوفاة أم التي مُثلت معه في مقبرته «بنجع المشايخ» وهي التي تُدعى «ربة البيت» «سخمت نفرت» — تحمل لقب «مغنية آمون» ملك الآلهة أو «آمون رع» سيد «الكرنك».
وقد نالت «سخمت نفرت» زوجه لقب «رئيسة» حريم الإله «أنحور»، وهذا اللقب كان يحمله نساء وكهنة «أنحور» العظام، غير أن «أنحورمس» نفسه كان يحمل لقب الكهانة: صاحب اليدين الطاهرتين أمام «آمون رع»، ملك الآلهة في العاصمة الجنوبية. ويدلنا على العلاقة الوثيقة التي كانت بين «طيبة» و«أنحورمس» — وبخاصة المدينة الغربية — ما نشاهده في تمثاله الراكع (رقم 582)، إذ يحمل محرابًا فيه صورة الملك «أمنحتب الأول» المعروف بأنه الإله الحامي «لطيبة الغربية». والواقع أن «أنحورمس» كان قد ترعرع في «طيبة» وتزوج هناك، ومن المحتمل أنه قام بأول خدمة كهانة فيها في عيد الوادي، وتدل الآثار على أن وظائف الكهانة في معبد «آمون» «بطيبة» كان يشغلها بعض رجال البلاط في عهد ملوك «اللوبيين» في الأسرة الواحدة والعشرين.
وقد كان من نتائج الحكومة اللاهوتية التي كان فيها الإله هو المسيطر الوحيد على أقدار البلاد أن وجدنا علاقات أخرى له بالكهنة، ومن المهم هنا أن نعرف شيئًا عن كيفية تغذية الموظفين الحربيين في عهد الرعامسة.
وورقة «هاريس» الكبرى تقدم لنا في هذا الصدد أمثلة كثيرة من عهد «رعمسيس الثالث» لم يلتفت إليها أحد حتى الآن أو كان قد أُسيء فهمها من قبل؛ فنقرأ في قوائم الهبات لمعابد الأقاليم التصريح التالي: «بيت رعمسيس» في ضيعة الإله «مين» صاحب «إبو» (أخميم) يقول «إنشفنو» مدير البيت — كان فيما مضى قائدًا— وفي ضياع معبد «وبوات» إله «أسيوط» نجد كذلك اثنين من القواد يعيشان من ضياع هذا المعبد وهما: «تحوت محب» و«إنشفنو» السالف الذكر، وقد فهم «شادل» المعنى المقصود من ذلك بأنهما كانا يعيشان من هبات الملك الحاكم «رعمسيس الثالث». ومن ثم نفهم أن مثل هذا القائد المسمى «إنشفنو» كان من الممكن أن يجمع بين وظائف أخرى هامة غير وظيفة «مدير البيت» التي كان يتقلدها، وإذا قرنا ذلك بحالة «أنحورمس» فإن وظيفة الإشراف التي كان من المحتمل أنه يشغلها في عهد كل من «رعمسيس الثاني» و«مرنبتاح» في إقامة المباني الجديدة في «نجع المشايخ» تكون مماثلة لذلك. ولا نزاع في أن تعيينه في وظيفة الكاهن الأكبر للإله «أنحور» صاحب «طينة» وكذلك تقليده منصب «المشرف على كل الكهنة في طيبة» يؤكد ذلك أو يتفق مع ما نقول إلى حد بعيد.
وتدل شواهد الأمور على أن الطريقة في ملء وظيفة الكهانة في المعابد الرئيسية في عهد الرعامسة كانت تجري على حسب القاعدة القديمة الأصلية المبنية على توارث «وظيفة الكهانة» على وجه عام على شريطة أن يكون أمر الاختيار موكولًا إلى الإله نفسه، وهذا نفس ما حدث في اختيار «نب وننف» في عهد «رعمسيس الثاني» عندما انتخب رئيسًا لكهنة «آمون» في «الكرنك». وقد كان من الطبيعي أن يسلم المرء بوجهة النظر بأن كل عظماء بيته من أصغر موظف إلى القائد الأعلى في الجيش بما لهم من مكانة ومستقبل كانوا أهلًا لملء وظائف الكهانة، وأن يتقلدوا كل وظائف الكهانة الثانوية دائمًا، ومن جهة أخرى كان المنتظر إذن من الفرعون الذي يعين الكهنة للإله كما جاء في لوحة الإصلاح أن ينتخب الكاهن المطهر والكاهن خادم الإله حتمًا من أولاد أشراف، وأن يكون كل منهما ابن رجل معروف المكانة، وقد ذكرنا من قبل أن عهد «اخناتون» كان على نقيض هذه الفكرة، وأنه ترك المجال لكل شخص على حسب ما تؤهله له مواهبه الشخصية، وبذلك فتح طريق الرقي أمام كل فرد ذي مقدرة وفطنة، وقد كان «أنحورمس» يعمل على محو هذه الفكرة التي كانت لا تزال باقية في عهد «مرنبتاح»، فقد نال مركزه الديني فقط بما أظهره من إخلاص وتفانٍ للإله؛ ولما كان في الأصل من بيت فقير فإنه لم يكن له الحق في أن يُحتسب له معاش مثل أولئك الذين ورثوا الوظائف التي تخول لهم حق التمتع بمرتب دائم. وقد كان هذا الإجراء صحيحًا في دائرة ضيقة، والواقع أن القبول في المدارس التي كانت تعد الأفراد للوظائف الكبيرة كان لها شروط معلومة، وبخاصة من حيث مركز الوالدين، وبقيت هذه الحال كذلك إلى أن اتسعت دائرة حق التعليم لرجال الجيش وجنوده في عهد الدولة الحديثة عندما كان لرجال الجندية شأن يُذكر، ولكن على مر الأزمان وتغير الأفكار وتفاوت الطبقات بخاصة في العصور المتأخرة نشأت هذه الفروق الاجتماعية، وفاضلت بين طبقات الشعب، وقد ظهرت جليًّا عند التعيين في وظائف الكهنة، فكانت القيود القديمة من حيث الحسب والنسب لا بد منها، ولا أدل على ذلك من المثل الذي ذُكر في تقرير الطبيب العالم المسمى «وزاحور رسنت» عندما أراد أن ينشئ مؤسسة جديدة للطب في «سايس» في حكم «دارا الأول» ملك الفرس الذي فتح مصر إذ يقول: «إني أضع أساسها وكل تلاميذها من أولاد رجالٍ معروفين، فلا يكون فيها ابن فقير.» ومن ذلك نعلم أن التقديرات الرسمية لم تكن وحدها في مختلف الأوقات المتغلبة على ما يجب أن يكون، بل كان من البداهة أن نجد مستلزمات الحكم يكون لها القول الفصل بصفة بارزة، فنجد أنه كان بطبيعة الحال في أوقات الحرب؛ من المحتم أن ينظر نظرة خاصة لمعاش الجنود الذين قضوا زهرة شبابهم في خدمة البلاد للدفاع عنها.
وفضلًا عن ذلك نرى أن الكاتب. على الرغم من أنه كان يمجد صناعته ويرفع من قدرها في عهد الدولة الحديثة؛ كانت الوظائف الحربية ووظائف الكهانة في رأيه ليست بعيدة عن وظيفته في قدرها وخطرها، حتى إنه عندما كان يدخل في خدمة المعبد يشعر بضيق داخلي في نفسه، وكانت هذه هي الحالة حقًّا كما نعلم من مجال حياة الكاهن الأكبر «باكنخنسو» في عهد «رعمسيس الثاني»، فقد كانت العادة الجارية آنئذ أن أبناء الكهنة بعد تمضية المرحلة الأولى من تعليم المدرسة؛ يقومون بتأدية خدمة حربية إلى حين. ويُلاحظ ذلك بوجه خاص مدة الحرب كما حدث في حالة خاصة معروفة اضطرت الشبان من الكهنة أن ينخرطوا في خدمة الجيش، كما يدل على ذلك عهد «مرنبتاح»، وقد كان لذلك تأثير لا بأس به، والواقع أنه من مثل هذه الأدوار المحددة يمكننا القول بأن معظم الكهنة ذوي الزعامة في أواخر عهد الرعامسة كانوا في الأصل موظفين.
وقد أشرنا قبل إلى مستقبل «حرحور» وسلفه «أمنحتب بن حبو».
وقد أبرز لنا «أنحورمس» في ترجمته لنفسه بوجه خاص إدارته لأموال معبد الإله «أنحور»؛ فقد ملأ خزانته، وجعل مخازن غلاله ملأى بالحبوب بوصفه «المشرف على المخازن». ولا نزاع في أن بيت المال ومخازن الغلال كانتا الإدارتين الاقتصاديتين اللتين يعتمد عليهما أمر المعبد وحسن سير الأمور فيه، وكذلك نجد الحال عند تنصيب «نب وننف» الذي كان عمله حتى لحظة تعيينه قاصرًا على الإشراف على كهنة الآلهة كلهم في الجنوب حتى «حراي حر-آمون» (طيبة الغربية) وشمالًا حتى «طينة»، فإن الملك قد نزل عن هاتين الإدارتين لكاهن «آمون» الأكبر الجديد، وقد ذكر صراحة؛ إذ يقول الملك له: «إنك الكاهن الأكبر «لآمون» وخزانة ماليته، وقد أصبحت تحت خاتمك مخازن غلاله.» (راجع مصر القديمة ج6).
ويشير أحد ألقاب «أنحورمس» الأخرى إلى إدارة أموال المعبد، وهو المشرف على مخازن غلال «أنحور»، وكذلك اللقب النادر: «المشرف على قرى الباب الكبير» (القصر) التابعة للإله «شو» بن «رع» في الوجهين القبلي والبحري. ومن ثم نعلم أن الكاهن الأول للإله «أنحور» كان القيم على ضياع «شو أنحور» في قرى القطرين جميعًا، وكانت هذه الضياع بدورها تحت إدارة «مدير بيت» محلي. وقد كان «أنحورمس» بوصفه أكبر كاهن في دائرة هذا الإله يحمل لقب المشرف على كهنة آلهة «طينه» كلهم أي مقاطعة «تاور» وما تحتويه من قرًى وبلدان وبخاصة «نجع المشايخ».
وقد كان امتداد «الأبراشية» أو المقاطعة، يختلف في حدوده على حسب شخصية الكاهن الذي يديرها، وكان ذلك بطبيعة الحال وقفًا على إدارة الفرعون.
ففي أوائل حكم «رعمسيس الثاني» مثلًا كان تحت إدارة «نب وننف» الذائع الصيت بوصفه رئيس كهنة هذه الجهة كل الإقليم الذي على الشاطئ الأيمن من «طينة» حتى «طيبة». وتشعرنا ألقاب أسرة كهنة «أوزير» في «العرابة» في عهد «رعمسيس الثاني» أن دائرة نفوذ مقاطعة «طينة» التابعة للعرابة لم تكن تحت إدارة الكاهن الأكبر للإله «أنحور» — إله «طينة»؛ وقد وصل إلينا من مقاطعة «طينة» في عهد «تحتمس الثالث» — وتلك حالة خاصة نوَّه عنها صراحة — أن الفرعون قد كلف كاهنها الأكبر للإله، «أوزير» صاحب «العرابة» بالقيام بأعباء هذه الوظيفة ست سنوات، على أن يكون في الوقت نفسه قائمًا بعمل رئيس كهنة الإله «حور» في معبد «مين» إله «أخميم» (المقاطعة التاسعة من مقاطاعات الوجه القبلي).
والألقاب الثانوية التي كان يحملها «أنحورمس» بوصفه كاهنًا أكبر نجدها برمتها تقريبًا في ألقاب أسرة رؤساء كهنة هذا الإله في «طينة» وبخاصة الكاهنين «حورا» و«منمس» اللذين عاشا في عهد «رعمسيس الثاني» (راجع مصر القديمة الجزء السادس).
وقد كان من نتائج التفسير القائل بأن الإله «شو» (أنحور) في عهد الدولة الحديثة — هو إله شمسي — أن نقل رؤساء كهنة «طينة» اللقب الهيل وبوليتي القديم: «أعظم الرائين» إليه، كما حدث ذلك في «أرمنت» و«الكرنك». ومنعًا للبس بإله «هليوبوليس» سموه «أعظم الرائين لرع في طينة». وقد كان الكاهن الأكبر «منمس» يُسمى كذلك الكاهن «سم» أعظم الرائين في «طينة».
ومن ألقاب كهنة «طينة» في الدولة الحديثة لقب ثانوي يدل على الرابطة التي بين الإله «أنحور» والإلهة «محيت» من جهة، وبين الإلهين القديمين «شو» و«تفنوت» من جهة أخرى، وهذا اللقب هو: سيد حجرة «شو» و«تفنوت». وهذا اللقب كانت تحمله أسرة «منمس» في عهد «رعمسيس الثاني» بصورة منتظمة، وبعد ذلك نجده منتشرًا جدًّا في الأزمان المتأخرة.
ونعرف من جهة أخرى أن «أنحورمس» كان يُلقب «حاجب الإله «شو» عندما يظهر». وهذا اللقب كان يحمله موظف بوصفه المتكلم عن الفرعون، غير أننا لم نجد أحدًا من الآلهة يحمله.
ومما يؤسف له أننا لا نعلم إذا كان «لأنحورمس» أسرة في «طينة» أم لا؛ والواقع أنه لم يُشاهَد له أي طفل ممثل أو مذكور على جدران قبره، بيد أنه في الدعاء الذي نُقش بجوار زوجته «سخمت نفرت» على جدار المدخل، نجد أن لها أمنية تخاطبه بها قائلة «أن تكافأ على ما فعلته، وأن يتسلم ابنك وظيفتك «الكاهن الأول للإله «أنحور».» ولكن هذا مجرد دعاء اعتاد القوم ذكره.
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
قسم العلاقات العامّة ينظّم برنامجاً ثقافياً لوفد من أكاديمية العميد لرعاية المواهب
|
|
|