أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-6-2021
2754
التاريخ: 2024-06-22
537
التاريخ: 20-6-2016
2634
التاريخ: 14-06-2015
2049
|
قد يكون من الأفضل الرجوع إلى القرآن الكريم نفسه لتشخيص الهدف من نزوله ، ومن خلال استعراض الآيات القرآنية التي فسرت نزول القرآن.
وفي مراجعةٍ للقرآن الكريم نجد مجموعةً كبيرة من الآيات والظواهر يمكن أن تلقي الضوء على الهدف من نزول القرآن ، ولكنّ هذه الآيات قد تبدو وكأنّها تتحدّث عن أهدافٍ متعدّدة أو مختلفة ، وسوف نشير إلى نماذج من هذه الآيات والاحتمالات المتعدّدة لها ، ثم نستخلص من خلال المقارنة الهدف الرئيسي المركزي من نزول القرآن :
1ـ ورد في القرآن الكريم بصدد تشخيص الهدف أنّه جاء (للإنذار والتذكرة) مثل قوله تعالى :
{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام : 19].
2ـ وفي آياتٍ أُخرى جاء القرآن لضرب الأمثال والعِبَر والدروس ، مثل قوله تعالى :
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الإسراء : 89].
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الزمر : 27].
3ـ وفي مكانٍ آخر يبدو وكأنّ الهدف من القرآن هو إقامة الحجّة والبرهان والمعجزة ، كما في قوله تعالى :
{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام : 155 ، 156].
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء : 174].
4ـ وفي مواضع أُخرى يبدو القرآن وكأنّه كتاب دستورٍ وشريعة وتفصيل للأحكام :
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل : 89].
5ـ وفي مواضع أُخرى من القرآن الكريم أنّه جاء من أجل الحكم وفصل الخلاف والتفريق بين الحقِّ والباطل :
{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [النحل : 64].
6ـ كما نجد في مواضع أُخرى أنّ الهدف من القرآن هو تصديق الرسالات السابقة وإمضاؤها وتصحيحها والهيمنة عليها ، وبذلك يكون له دورٌ تصحيحي وتكميلي :
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة : 48].
وبالرّغم من أنّ هذه الأهداف التي أشرنا إليها قد تكون متداخلةً يؤثِّر بعضها
بالآخر ويرتبط به في وجهٍ من الوجوه ، إلاّ أنّها تبدو متعددةً عندما تُطرح في الآيات الكريمة ، ونريد أن نفسِّر الظاهرة القرآنيّة ونسعى إلى تشخيص الهدف الأساس لها؛ بحيث يفهم أنّ القرآن الكريم جاء لتحقيق غايات وأهداف عديدة ، تتوزع على آيات القرآن وسوره ومضامينه.
ومن أجل أن نكون أكثر وضوحاً في تحديد محور البحث ، لا بُدّ لنا أن نطرح السؤال كالتالي :
ما هو الهدف الأساس الذي سعت الظاهرة القرآنيّة الكريمة إلى تحقيقه من خلال وجودها ، بحيث يفسِّر لنا هذا الهدف كلَّ آيةٍ في القرآن الكريم مهما كان مضمونها ومحتواها وصيغتها؟
ومن خلال استعراض الأهداف السابقة ، والمقارنة بينها ، يمكن أنْ نخرج بنتيجةٍ واضحة للجواب عن السؤال السابق ، حيث نلاحظ أنّ القرآن الكريم استهدف من نزوله تحقيق هدف واحد رئيس ، له أبعاد ثلاثة ، وساهمت بقيّة الأهداف الأُخرى بشكلٍ أو بآخر في تحقيق هذا الهدف الرئيس.
بل أشار القرآن الكريم أحياناً إلى هذه المساهمة والترابط بين هذا الهدف الرئيس وبقية الأهداف ، كما سنلاحظ ذلك فيما بعد.
وهذا الهدف الرئيس هو إيجاد التغيير الاجتماعي (الجذري) للإنسانيّة ، من خلال رسم (الطريق والمنهج) لهذا التغيير ، و(خلق القاعدة الثوريّة) التي تميّزت بهذا المنهج والتزمت وتغيّرت على أساسه.
أبعاد الهدف الرئيس من نزول القرآن :
أ ـ التغيير الجذري
(فالبُعد الأوّل) هو (التغيير الجذري) وهو ما يُعبّر عنه بلغة العصر : بالثورة وعبّر عنه القرآن بعمليّة الإخراج من الظلمات إلى النور :
{... يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ...} [البقرة : 257]
على أساس قاعدة :
{...إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...} [الرعد : 11].
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...} [الأنفال : 53].
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا البعد في آياتٍ عديدة تضمّنت الهدف الأصلي من القرآن ، كما تضمّنت أيضاً الهدف الأصلي من مهمّة النبي (صلّى الله عليه وآله) :
{ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة : 15 ، 16].
{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم : 1].
{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد : 9].
ففي هذه الآيات يشير القرآن الكريم إلى أنّ عمليّة التغير الجذري التي يعبّر عنها بعمليّة الخروج من أحد القطبين المتناقضين إلى القطب الآخر (النور والظلمات) ، ليست فقط من الأهداف التي يحققها ويتّصف بها ، كما في الآية الأولى ، بل هي الهدف من أصل نزول القرآن ، كما في الآية الثانية والثالثة.
ويؤكّد هذا ما جاء في القرآن الكريم من وصف الله سبحانه بأنّه : {نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الذي يعني أنّ هذا النور هو (الله) سبحانه ، فيكون الهدف من القرآن ، تغيير هذا الإنسان تغييراً يجعله مرتبطاً بالله تعالى :
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور : 35].
وممّا يُلقي الضوء على أنّ عمليّة التغيير الجذري (الإخراج من الظلمات إلى النور) هي الهدف الرئيس ، ما أُشير إليه في القرآن الكريم من ربط هذه العمليّة بشكلٍ متضاد ومتعاكس بتوجّهات علاقات الإنسان المؤمن والكافر بالقطبين (الله) و(الطاغوت) في مختلف مجالات حياته وممارساته ونتائج مسيرته :
{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء : 76].
{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر : 17 ، 18].
كما جاء في القرآن الكريم أنّ الهدف الرئيس الذي وضع على عاتق الرسل هو تحقيق هذا الهدف :
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل : 36]
وإنّما كان الأمر كذلك لأنّ ولاء الله يعني الخروج من الظلمات إلى النور ، وولاء الطاغوت هو الخروج من النور إلى الظلمات ، و(الصيرورة) إلى الجنة والنار ، إنّما تكون على أساس هذا الولاء :
وإنّما كان الأمر كذلك لأنّ ولاء الله يعني الخروج من الظلمات إلى النور ، وولاء الطاغوت هو الخروج من النور إلى الظلمات ، و(الصيرورة) إلى الجنة والنار ، إنّما تكون على أساس هذا الولاء :
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة : 257].
ولعلّ التعبير بالمفرد عن النور ، وبالجمع عن الظلمات للإشارة إلى أنّ طريق الله واحد ، والطريق إلى الطاغوت يأخذ اشكالاً متعدّدة ، لأنّ الله واحدٌ والطاغوت متعدّد.
شموليّة عمليّة التغيير الاجتماعي
وقد أشار القرآن الكريم إلى الأبعاد الشموليّة لعمليّة التغيير هذه ، بحيث يكوّن لنا صورةً عن أعماق الجذور التي تتناولها هذه العملية التغييريّة :
{يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ}
وذلك عندما تحدّث عن مهمّة النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) تجاه أهل الكتاب :
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف : 157].
وكذلك عندما تحدّث عن مهمّة النبي تجاه (الأُميّين) من الناس :
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة : 2].
أولو العزم ومهمّة التغيير الاجتماعي
ولعلّ هذا البُعد هو الذي يميِّز مهمّة الأنبياء أُولي العزم من الرسل عن غيرهم من أنبياء الرسالات ، حيث قد يكون المقصود من تلاوة الآيات : {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} هذا البُعد من العمليّة التغييريّة.
وقد تكون الآية التي وردت في سورة إبراهيم بشأن موسى (عليه السلام) تشير إلى هذه الحقيقة :
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [إبراهيم : 5].
خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّها وردت في سياق قوله تعالى :
{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [إبراهيم : 1].
حيث قد يكون المقصود هو المقارنة بين المهمّة الأصليّة للنبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) من خلال القرآن ومهمّة موسى (عليه السلام) التغييرية.
ب ـ المنهج الصحيح للتغيير
وهذا التغيير الجذري بطبيعة الحال يحتاج إلى (منهج صحيح) وطريق مستقيم يمثّل (البُعد الثاني) للهدف ، ويتمثّل هذا المنهج بالكتاب والحكمة : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) :
(الكتاب) الذي يمثِّل الشريعة والدين و(الحكمة) التي تمثِّل معرفة الحقائق الكونيّة والروحيّة والقوانين والسُنن العامّة التي تتحكّم في الوجود ، وفي تأريخ الإنسان وحركته وتطوّر ، وتؤثِّر على سعادته وشقائه.
ومن هنا جاء القرآن الكريم ليرسم هذا الطريق ، فهو المنهج الشامل الذي يحدِّد العلاقات العامّة في هذا الكون ـ ويمثِّل الإنسان المحور الرئيس فيه ـ ويتعرّض لكلِّ مناحي حياة الإنسان ويتناول تفاصيلها ، كما أنّه يحدِّد المواقف تجاه كلِّ القضايا ، ولا يختصُّ بجماعةٍ من الناس دون أُخرى ، بل يتكفّل مسيرة الإنسانيّة ، حاضرها ومستقبلها.
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا } [الإسراء : 9].
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء : 82].
{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل : 89].
وهذا المنهج الصحيح هو الذي يعبِّر عنه القرآن الكريم في مواضع عديدة : بالصراط المستقيم ، والذي يمثِّل الطريق إلى الكمال الإنساني ، وتمام النعمة للبشريّة ، ومنتهى طموحاتها وآمالها :
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [الفاتحة : 6 ، 7].
{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام : 161].
{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل : 120 ، 121].
ج ـ خلق القاعدة الثوريّة :
إنّ عمليّة التغيير الاجتماعي الجذري تحتاج أيضاً ـ بطبيعة الحال ـ إلى خلق (القاعدة الثوريّة) التي تمثِّل (البُعد الثاث) للهدف ، ولعلّ هذا هو المراد بما أُشير إليه في عدة آيات من القرآن الكريم بالتزكية (ويزكيهم).
ولذلك سعى القرآن الكريم إلى خلق هذه القاعدة الثوريّة ، وأعطى ذلك أهميّةً خاصّةً ، واهتمّ بمعالجة القضايا الآنيّة والمستجدّة التي يعيشها الرسول بشكلٍ خاص ، وتابع الأحداث التي كانت تواجه الرسالة ، واتخذ المواقف تجاهها ليحقق هذا الهدف العظيم.
ومن الواضح أنّ خلق هذه القاعدة وتكوينها في الوقت الذي يمثِّل مهمّةً صعبة وبالغة التعقيد ، كذلك يمثِّل دوراً ذا أهميّة في مستقبل الرسالة وقدرتها على البقاء والاستمرار ، إضافةً إلى قدرتها على الشمول والانتشار.
فإضافة إلى البُعد الكيفي في عمليّة التغيير التي استهدفها القرآن ، كان هناك بعد كمّي في الهدف يتوخّى بشكلٍ خاص أن يقوم النبيُّ ببناء القاعدة للرسالة بحيث يمكن لهذه الرسالة بعد ذلك ـ أي بعد وفاة الرسول وانقطاع الوحي ـ أن تستمر وتنتشر من خلال هذه القاعدة ، التي أولاها القرآن الكريم أهميّةً خاصّة ، وأعطاها قسطاً كبيراً وحظّاً وافراً ، كما نلاحظ ذلك في مجمل الآيات التي تناولت الأحداث في عصر الرسالة وتفصيلاتها ، وكذلك بعض التقاليد والعادات والقوانين ، إضافةً إلى عنصر اللُّغة وأساليبها في القرآن.
فهناك توجّهٌ خاصٌّ في القرآن الكريم إلى سُكّان الجزيرة العربيّة :
{... أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ...} [الأنعام : 92] من أجل أن يخلق منهم القاعدة الثوريّة للانطلاق بالرسالة.
وهذا التوجّه الخاص ليس على أساس وجود الامتياز لأبناء الجزيرة على غيرهم من البشر ، وإنّما هو على أساس تحقيق الهدف الكمّي (المرحلي) للرسالة الإسلامية؛ باعتبارهم مجال عمل النبي والجماعة التي بدأت الرسالة فيها(1) :
{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام : 92].
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } [الشورى : 7].
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة : 2].
وفي مجالٍ آخر يؤكِّد القرآن استمرار مسيرة التغيير نحو الأصلح ، ووراثة عباد الله الصالحين للأرض :
{ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [المجادلة : 21].
{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر : 51].
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } [الأنبياء : 105].
ولكنّ هذه المسيرة التأريخيّة للإنسان لا تتقيّد أو ترتبط بجماعةٍ معينّةٍ من الناس أو أحدٍ من البشر :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ...} [المائدة : 54].
{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد : 38].
ومن المحتمل جداً أنّ أحد خلفيّات تأكيد مجموعة من القضايا والمفردات في القرآن الكريم هو قضيّة هذا التوجّه الخاص لأبناء الجزيرة والاهتمام بهم ، ويمكن أن نلاحظ ذلك في قضيّة تأكيد إبراهيم (عليه السلام) ، وكذلك تأكيد (الوحي) ومعالجته بشكلٍ خاص ، وتأكيد رفض الأصنام ، وكذلك قضيّة اللُّغة العربيّة والأُسلوب في القرآن أهميّة خاصّة كما نشاهده في السور القصار ، إلى غير ذلك من المفردات والقضايا.
وفي ضوء هذا التفسير للهدف القرآني الرئيس ، يمكن أن نفهم دور الأهداف الأُخرى التي استعرضناها في تحقيق هذا الهدف ، إضافةً إلى موقعها الأصلي من الهدف الرئيس ، فضلاً عن أن يكون كلّ واحدٍ منها هو الهدف الرئيس.
1ـ فالإنذار والتذكير اللّذان ورد في القرآن ذكرهما كهدفٍ لنزوله ، كما في بعض الآيات التي استعرضناها ، كذلك ورد ذكرهما كمهمّةٍ يتولاّها الأنبياء في عملهم ، هذا الإنذار يمثِّل جزءاً من مهمّة الأنبياء ، وجانباً من الهدف القرآني والأُسلوب الرئيس لتحقيق عملية التغيير الاجتماعي.
ويتّضح ذلك عندما نلاحظ (الإنذار) مذكوراً إلى جانب قضايا أُخرى يتكفّلها القرآن والنبي :
{قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } [يونس : 57].
فالموعظة إلى جانب الشفاء والهدى والرحمة.
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف : 157].
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى جانب تحليل الطيبات وتحريم الخبائث ورفع الإصر والأغلال.
كما أنّ الإنذار يقترن في كثيرٍ من الآيات بالبشارة :
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ} [البقرة : 213].
ولعلّ هذه الآية الكريمة تلقي الضوء بشكلٍ واضح على دور الإنذار في القرآن وعمل النبيّين ، وأنّ الإنذار مهمّة يقوم بها النبيّ إلى جانب الكتاب الذي يحكم بالحق ، ويحل الاختلافات ، ويهدي إلى المنهج والصراط المستقيم.
وإذا عرفنا أنّ المعادلة الأصليّة للدين تتوقّف على قضيّة (الإنذار) بالعقاب و(البشارة) بالثواب في الدار الآخرة ، عرفنا السبب في تأكيد القرآن الإنذار هدفاً لنزوله ومهمّةً للأنبياء ، ذلك أنّ صورة الحياة ومقاييسها التي يعتمدها الدين في القسط والميزان ترتبط بشكلٍ رئيس بقضيّة الحياة الآخرة والبشارة بالثواب والإنذار بالعذاب فيها.
وإقامة الحجّة على الناس تجاه القضايا التي يطرحها الدين والنبي تدخل كعنصرٍ أساسي في هذه المعادلة ، ولذا أكّد القرآن هذا المفهوم.
كما أنّ تأكيد مهمّة النبي هي (الإنذار) أو (البلوغ) أو (إقامة الحجّة) ، وحده يمكن أن يكون لمعالجةٍ نفسيّة للنبيّ الذي قد يتصوّر أنّ تحقيق التغيير ـ الخارجي ـ من مسؤوليّته ، بحيث عندما لا يتحقّق هذا التغيير في الخارج يكون النبيُّ أمام موقفٍ حَرِجٍ عند الله ، بالرّغم من بذله لكلِّ ما في طاقته من الجهد لتحقيقه؛ ولذا جاء تأكيد القرآن :
أنّ مهمّة النبيّ والرسول تنتهي عند تحقيق الإنذار والبلاغ الأفضل :
{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء : 3 ، 4].
وحينئذٍ يحدّد القرآن المسؤولية بـ (الإنذار)؛ وهناك فرقٌ بين المسؤولية وبين المهمّة والهدف الذي يتولاّه النبي ، فالنبيُّ عليه أن يبذل كلَّ طاقته ، وهو مسؤولٌ عن الإنذار وإقامة الحجّة.
وأمّا التغيير فهو وإن كان هدفاً له ومن المهمّات التي يسعى إليها ، ولكنّه ليس مسؤولاً عن النتائج الخارجيّة له وعن تحقيق الهداية ، وإنّما عليه أن ينجز (المقدّمات الأساسيّة لها) وهما الإنذار والبلاغ :
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ...} [القصص : 56].
كما أنّ تأكيد قضيّة الإنذار أحياناً ، لتوضيح أنّ النبيَّ ليس له طمعٌ في السلطان والجاه والأجر المادي ، وإنّما يريد القيام بواجبه وبمسؤوليّته وهي الإنذار :
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس : 71 ، 72].
2ـ وضرب الأمثال في القرآن إنّما جاء من أجل الإنذار والتذكير ، كما أشارت إلى ذلك بعض الآيات :
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [الزمر : 27].
3ـ وعندما يكون القرآن حجّةً وبرهاناً ومعجزة ، فهو يساهم في عمليّة الإنذار والهداية ، ولذلك نجد أنّ البرهان يقترن بالهداية والنور والصراط المستقيم في القرآن نفسه :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء : 170].
4ـ وتفصيل الأحكام يمثِّل المنهج الذي تعتمد عليه عمليّة التغيير بصورةٍ أساسيّة ـ كما أشرنا إلى ذلك ـ ولذا يقترن تبيان كلِّ شيءٍ بالهداية والرحمة في القرآن ، الهداية التي تمثِّل المنهج والصراط المستقيم :
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل : 89].
5 ـ وهكذا هدف الفصل وحسم الخلاف والتفريق بين الحقِّ والباطل ، حيث إنّ هذا جزء من المنهج العام والهدى والنور(2).
6ـ (وتصديق) الرسالات وتكميلها الذي أُشير إليه في بعض الآيات هدفاً للقرآن ، لا يعني أنّ التغيير ليس (جذريّاً) في المجتمع؛ لأنّ الانحراف الاجتماعي قد يصل إلى مستوىً بحيث يكون المجتمع بعيداً عن منظور الرسالات السابقة وتأثيرها فضلاً عن الرسالة الجديدة ، وهذا ما يؤكِّده القرآن الكريم في مناسباتٍ عديدة ، خصوصاً عند مناقشته لأهل الكتاب وتعصّبهم وانحرافهم وشرائهم بآيات الله ثمناً قليلاً.
فالقرآن في الوقت الذي يكمّل الرسالات السابقة ويصدّقها ويهيمن عليها في عملية الإصلاح والكمال ، يقوم أيضاً بعملٍ (جذري) تجاه المجتمع الذي ابتعد (عمليّاً) عن منظور تلك الرسالات ومفاهيمها ، ويبيّن تلك الرسالات التي تعرّضت للتحريف على مستوى (النظرية) والأفكار والمفاهيم ، إضافةً إلى بُعد المجتمع عنها على مستوى الواقع العملي ، أي على مستوى (النظريّة) و(التطبيق) معاً.
وتُصبح عمليّة التصديق للرسالات والهيمنة عليها جزءاً من الهدى والصراط المستقيم ، الذي يمثِّل عمل كلِّ الأنبياء والرسُل.
كما أشرنا إلى ذلك في الهدف الأساس للقرآن الكريم :
{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام : 161].
وبهذا نجد أنّ كلَّ الأهداف الأُخرى على أهمّيّتها ، إنّما هي أهداف فرعيّة بالنسبة إلى الهدف الأساس ، وهي تساهم في تحقيقه إلى حدٍّ بعيد ، وهذا ما حصل بالفعل في تأريخ القرآن.
_______________________
(1) لتفسير نزول القرآن في هذه المنطقة دون غيرها بحثٌ آخر تناولناه في محاضراتنا القرآنيّة حول البعثة ، كما أشرنا إلى ذلك في نزول القرآن باللُّغة العربيّة.
(2) كما ورد في سورة البقرة : 213.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|