أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-23
1095
التاريخ: 2024-10-23
134
التاريخ: 2024-10-23
107
التاريخ: 2023-09-21
965
|
يرتكز الفكر السياسي عند مونتسكيو على فكرتين أساسيتين: تمجيد الحرية باعتبارها حقاً طبيعياً، واحتقار الاستبداد الذي يقوم على الخوف والرهبة. ولهذا كان هدفه في جميع كتاباته اكتشاف الرسائل التي يضمن فيها الفرد حريته السياسية في ظل القوانين التي لا يخاف في ظلها المواطن مواطناً آخر، وفي ان يفعل المرء ما يريده ضمن الحدود التي تسمح بها هذه القوانين: وتقوم حرية المواطن السياسية على راحة النفس التي تنشأ عند رأي كل واحد حول سلامته، ويجب لنيل هذه الحرية ان تكون الحكومة من الوضع ما لا يمكن المواطن معه ان يخشى مواطناً آخر (1).
يعتبر روح الشرائع L'esprit de List من أهم كتب مونتسكيو التي عالج فيها نظريته عن الحرية السياسية وعلاقة القوانين بالحرية والأمن والدفاع ووسائل الادارة كالضرائب ومقدار الدخل العام كما عالج علاقة القوانين بالسلوك والطبائع وأوضاع الأمة والتجارة والنقد وعدد السكان والدين. كما تعرض أيضا لتاريخ القوانين وصلتها بالنظام الملكي عند الفرنج.
حاول مونتسكيو من خلال هذه الموضوعات التي بحثها في روح الشرائع ان يجد أفضل الحكومات والوسائل للابتعاد عن الاستبداد. فالحكم الفردي بنظره لا يمكن ان يحقق السلم الاجتماعي عند البشر لكونه حكماً مستبداً. كما انه لم يكن يثق بالديموقراطية الصرفة لخوفه ان تغالي في المساواة او ان تؤدي الى فرد مستبد أو الى الفناء كما حدث للديموقراطيات القديمة. اذن للديموقراطية حدان مفرطان يجب اجتنابها وهما: روح التفاوت التي تسوقها الارستقراطية او الى حكومة الفرد، وروح المساواة المتناهية التي تسوقها الى استبداد الفرد، كما ان استبداد الفرد ينتهي بغزو البلاد ومع انه كان ومع يرى في الارستقراطية الاعتدال والاستقرار الا انه تخوف ان تتركز في النهاية بيد فرد واحد فتؤدي الى الاستبداد لكونها وراثية محصورة بفئة معينة من الناس: » ويقع اقصى الفساد عندما يصبح الاشراف وراثيين، لم لا يكون لديهم اعتدال بذلك؟ واذا كان عددهم قليلاً عظم سلطانهم ونقص امنهم، واذا كان عددهم كثيراً قل سلطانهم وعظم أمنهم، ويزيد السلطان ويتناقص الامن حتى يكون المستبد الذي يتجلى فيه فرط السلطان والخطر» الملكية المطلقة فهي بنظر مونتسكيو تجنح نحو الاستبداد لأنها تتشكل من جماعات يتولد من تنافسها الامتيازات التي ينفرد بها فئة دون فئة من المواطنين : « كما ان الديموقراطيات تزول عندما ينزع الشعب من السنات والحكام والقضاة وظائفهم تَفْسُد الملكيات عندما تنزع امتيازات الهيئات أو المدن مقداراً فمقداراً، ويصار في الحال الأول الى استبداد الجميع ويصار في الحال الثانية الى استبداد الفرد . وهكذا لم يجد مونتسكيو ضالته الا في حكومة مختلطة تضم الى جانب الملك الذي تتحقق فيه القوة طبقتي النبلاء ورجال الدين ومدن وهيئات مختلفة المصالح والامتيازات. كما يجب ان يقوم الملك وهذه المؤسسات هيئات نيابية أمينة على القوانين تتمتع بالاستقلال لتضمن عدم الجنوح نحو الاستبداد. وفي هذه الحال لا تصبح الحكومة استبدادية الا إذا حاول الملك ازالة سلطة الوسطاء. فتنقلب عندها الى حكم فردي مستبد: تزول الملكية حينما يرد الأمير كل شيء اليه فقط، فيدعو الدولة الى عاصمته والعاصمة الى بلاطه والبلاط الى شخصه ثم تزول حده و - الملكية حينما يجهل الامير سلطانه وحاله وحبه لشعوبه، وحينما لا يشعر جيداً بان على الملك ان يحسب نفسه في مأمن كما يحسب المستبد نفسه في خطر.
وما يشار اليه باهتمام بالغ هو تأكيد مونتسكيو على مبدأ فصل السلطات الذي توخى منه دعم حكومته المختلطة التي اقترحها، ضمانة للعدالة، وصوناً لحرية المواطن السياسية وحمايتها من الاستبداد فليس ثمة حرية بنظره إذا اجتمعت السلطتان التشريعية والتنفيذية بيد شخص واحد. (ولا تكون الحرية مطلقاً إذا ما اجتمعت السلطة الاشتراعية والسلطة التنفيذية في شخص واحد أو في هيئة حاكمة واحدة، وذلك لأنه يخشى ان يضع الملك نفسه أو السنّات نفسه قوانين جائرة لينفذها تنفيذاً جائراً). كما يتمثل سر بقاء الدولة عنده بوجود التوازن بين السلطات او ما يسمى بتعادل القـوى (Contre- forces) وذلك حتى لا يصبح بإمكان شخص واحد أو هيئة معينة وضع قوانين يعتمد على القوة في تنفيذها.
ومن المؤكد ان مونتسكيو قد تأثر في معالجته لفصل السلطات بالواقع الانكليزي من جهة، ونظرية لوك السياسية من جهة ثانية، مع انه اضاف الى سلطتي لوك التشريعية والتنفيذية سلطة ثالثة مستقلة عنهما هي القضائية : « وكذلك لا تكون الحرية اذا لم تفصل سلطة القضاء عن السلطة الاشتراعية والسلطة التنفيذية، واذا كانت متحدة بالسلطة الاشتراعية كان السلطان على الحياة وحرية الاهلين امراً ،مرادياً، وذلك لأن القاضي يصير مشترعاً ، واذا كانت متحدة بالسلطة التنفيذية امكن القاضي ان يصبح لقدرة الباغي بالإضافة الى ان مونتسكيو كان متأثراً إلى حد بعيد ايضاً بالوضع السياسي الذي كان يسود فرنسا في تلك الحقبة. حيث قوضت الملكية المطلقة اركان الدستور ورسخت معها الاستبداد الذي يمقته بشدة.
وأخيراً فقد تمتع مونتسكيو ولا شك بأسلوب ساخر مرير وسعة اطلاع عظيمة حتى اعتبر بحق بأنه مفكر سياسي اصيل مع كونه لم يكن يمتاز بالواقعية التي امتاز بها كل من مكيافللي وبودان. وما يؤخذ عليه برأي غروتويزن ان قوانینه ليس لها اساس ولا هدف حقوقيان، وهذا ما ظل يؤخذ على مونتسكيو اثناء الثورة الفرنسية، فلم يكن مقبولاً منه ان ينطلق من الواقع الى القانون والا يعني بما هو كائن والا يعبأ بما يجب ان يكون. كما انه كان أكثر اهتماماً بالبحث عن أسباب ما هو كائن وليس عما يجب ان يكون » On dit ce qui est et non pas ce qui dolt être» . وعلى الرغم من ذلك فقد كان مونتسكيو متحمساً للحرية صادقاً في دعواه لها مما كان لكتاباته ابلغ الأثر على صياغة دستور الولايات المتحدة الأميركية وفي نفوس رجال الثورة الفرنسية.
.........................................
1- مونتسكيو : روح الشرائع. ترجمة عادل زعيتر اللجنة الدولية لترجمة الروائع الانسانية الأونيسكو القاهرة 1953. الجزء الأول ص 228.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|