أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-06-25
602
التاريخ: 2024-08-11
439
التاريخ: 2024-06-27
597
التاريخ: 2024-08-21
225
|
ذكرنا في سياق الحديث عن المؤامرة التي حِيكت لاغتيال الفرعون «رعمسيس الثالث» أن السحر كان له شأن كبير في الوصول إلى تنفيذ هذه المكيدة التي باءت بالفشل؛ ولذلك آثرنا أن نذكر هنا شيئًا عن السحر في عقائد القوم في هذه الفترة وما قبلها من تاريخ مصر بعد أن تكلمنا عن الحياة الدينية.
والواقع أن الدين والسحر قد اختلطا اختلاطًا كبيرًا في عقائدهم حتى أصبح من الصعب الفصل بينهما في حياة المصري العادية كما سنوضح ذلك فيما يلي.
فنجد أن الإنسان قد اعترف بأنه في كل مكان وزمان كان محوطًا بقوًى خفية خارجة عن نطاق فهمه، ولم يكن في استطاعته أن يقاومها بما في متناوله من وسائل. وقد حاول أن يستميل هذه القوى بالتضرع تارة، وبالفن تارة أخرى. والواقع أن الدين والسحر هما وليدا هذا المجهود الإنساني المزدوج، ولما كانا وليدي ضرورة واحدة بعينها أصبح من الطبيعي إذن أن يتقابلا في نقط عدة، فهما يُستعملان في غرض واحد؛ لأن الإنسان في حال بؤسه يلجأ غالبًا إما إلى السحر أو إلى الدين تضرعًا أو خيفة، رغبة أو رهبة.
وعلى ذلك فإنه من العبث أن نبحث فيما إذا كان السحر وليد الدين، أو الدين وليد السحر. فالاعتقادان قد ظهرا في وقت واحد أملاهما مظهر العالم والطبيعة. وعلى الرغم من أن الآلهة يُعدون أصحاب قوة عظيمة فإنهم كانوا يلجئون أحيانًا إلى الحيلة. وقد عرفنا من قبل أن الأساطير الإلهية كانت مفعمة بمشاهد سحرية، ومن ثم نلحظ كثيرًا ذلك التضامن الوثيق بين الدين والسحر وبخاصة في المعتقدات الجنازية؛ فقد كان مصير المتوفى الهلاك العاجل في عالم الآخرة المخيف الذي كان لزامًا عليه أن يخترقه إذا لم يكن تحت تصرفه الصيغ السحرية الثمينة التي كان يؤلفها له السحرة الماهرون. وإذا كان السحر أمرًا ضروريًّا لعالم الآخرة فإنه لم يكن أقل ضرورة في هذا العالم حيث الأخطار والآلام دائمًا متوفرة.
وهذا الدور الذي يلعبه السحر في الحياة اليومية هو ما سنحاول درسه هنا. فالسحر ينطوي على الاعتقاد في قوة خارقة للطبيعة تكون عادة منتشرة ولكنها قابلة في أحوال خاصة لأن تتركز في أشخاص معينين، أو أشياء خاصة. وقد كان المبدأ — على الأقل — أن دور الساحر هو أن يسيطر على هذه القوة، وبعد ذلك يستعملها لفائدته، أو لفائدة الآخرين. والساحر يصدر الأوامر لقوى الطبيعة، وهو لا يخشى الآلهة كما أنهم لا يخيفونه، فإنه لم يكن يصدر إليهم الأوامر فقط، بل كان في مقدوره تهديدهم. فمن أين أتت هذه الجرأة؟ والمعتقد أنه يشعر في أعماق نفسه أن في حوزته قوة كان لزامًا على الآلهة أنفسهم أن يخضعوا لها. وعلى أية حال فإنها كانت قوة يحافظ عليها جيدًا، وبها كان يكشف للناس عن الطبيعة وأسرارها. وقد كان يكمن في هذه القوة كل السر الخفي الذي كان يحيط به نفسه، ولكن الحقيقة كانت شيئًا آخر بالمرة. فالسر الخفي لم يكن إلا شيئًا ظاهرًا، والسحر — في الواقع — علم تجريبي قد انتظم في عدد معين من الرُّقَى كانت الصدفة فيها هي العامل الأكبر، فقد كان أول ما يجب عمله هو ملاحظة ما يدور في العالم، وتدوين الأحوال الخارجية التي توجه الحادث إلى جانب السعادة، أو إلى جانب النحس. وقد كان يكفي أن يوجد الإنسان بين هذا أو ذاك علاقة السبب الفعال للحصول على عناصر رقية سحرية. والحادث الذي كان يريد الإنسان إثارته؛ يحدث لا محالة إذا أمكن أن يهيئ حوله الجو الذي كان يحيط به في المرة الأولى لحدوثه. والسحر — كما سبق — علم تجريبي ينمو بمضي الزمن عليه، والرقى الموغلة في القدم هي التي كانت تُعد أكثر تأثيرًا، فقد جُربت أكثر من غيرها على وجه عام. وقد كان السحرة كثيرًا ما يتفاخرون بقدم وصفاتهم السحرية التي كانوا يعرضونها على من يقصدهم، وهذه هي ناحية إذاعة السحر.
وكانت الوصفات التي حُصل عليها بهذه الكيفية في خلال القرون المتعاقبة تُجمع في كتاب، وكانت معرفة مثل هذه المجموعة ذات فائدة لا تُحصى، غير أنه ليس لدينا هنا إلا جزء من علم السحر. ولدينا فرع متصل بالدين مباشرة، فنحن نعلم أن الآلهة قد جربوا على الأرض معيشة تشبه كثيرًا معيشة الناس، وأنهم كانوا عرضة لنفس الأخطار التي تصيب بني البشر، غير أنهم تغلبوا على هذه الأخطار. ومن أجل ذلك يلجئون إليهم ليتغلبوا على الصعاب التي كانوا قد قهروها. وفي هذه الحالة كان الساحر يوحد قاصده بالإله الذي تغلب على نفس المشكلة من قبل، ويعمل على إبعاد الشيطان الرجيم عنه، وذلك بالإيحاء إليه بأن ليس أمامه إنسان عادي، بل الإله الجبار الذي أنزل به فيما مضى هزيمة ساحقة. وأخيرًا كان يمكن أن يوحد في مفعول الصيغ السحرية باستعمال أشياء خاصة مثل العصا السحرية والتماثيل الصغيرة المصنوعة من الشمع وبخاصة التعاويذ التي تقدمت تقدمًا عظيمًا في الوصول إلى الغاية المنشودة.
وقد كان المصريون — قبل أن يصبح علم السحر مركبًا ومعقدًا بازدياد الوصفات التي أتت عن طريق التجربة — يلجئون إلى السحرة، ولكن هل كان هؤلاء يُعدون أكثر استعدادًا من غيرهم ليستوعبوا وينقلوا الجاذبية السحرية؟ هذا جائز، غير أنهم كانوا يُعدون علماء على أية حال. فقد كان يمارس صناعة السحر الكاهن المرتل، وكذا الطبيب، أي علماء مدربون على كتب قديمة. والواقع أنهم كانوا ينهلون علمهم من هذه المصادر التي كانت كافية فيما يبدو. ولم يكن من الضروري أن تتوفر لهم تلك القوة الخارقة للعادة التي كان المصريون يعتقدون بوجودها لديهم؛ لأنهم كانوا يعتمدون فيها على العلم إلى حد بعيد. وقد يبدو غريبًا أن يُرجع الإنسان القوة السحرية إلى علم لم يكن بد من أن يولد بدونه. غير أن مثل هذا الموقف الذي يبدو أنه غير منطقي لأول وهلة يمكن تفسيره بسهولة؛ إذ لا يغيب عن الذهن أن أعظم الآلهة قد أوجدوا في آخر الأمر بني البشر في هذا العالم، وأن المصريين ينظرون إليهم على أنهم مجتمع منظم وفق طبقات مختلفة يشتركون إلى جانب الأصل الإلهي وقوة الخلق؛ في تسلطهم على القوى الخارقة للطبيعة التي تحيطهم. وعلى ذلك يجد كل إنسان في نفسه قوة مستوعبة تسهل العمل السحري، وبعبارة أوضح كان الساحر مميزًا عن غيره من الناس، لا بطبيعته فقط بل بعلمه أيضًا، وقد كان الساحر قبل كل شيء عالمًا يعرف التعاويذ، وكان قادرًا بعلمه أن يوجد تيارًا بين قوى الطبيعة الخفية الخارقة في الصيغة السحرية وقوة الاستيعاب الطبيعية التي في الإنسان. وكان الإنسان يستعين بالسحر في مختلف أحوال الحياة؛ فحين يقف أمام صعوبة لا يمكنه التغلب عليها بالطرق الطبيعية كان يلجأ إلى تذليلها بطريقة سحرية. وسنضع أمام القارئ — بدون خوض في التفاصيل — التطبيقات الأكثر شيوعًا في هذا العلم.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|