أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-5-2017
3266
التاريخ: 1-6-2017
2935
التاريخ:
2884
التاريخ: 23-5-2017
3354
|
1 . استعداد قريش لحرب أحُد
تلقى زعماء قريش ضربة شديدة في بدر ، فقد خسروا سبعين فارساً وسبعين أسيراً ! وانهزمت بقيتهم إلى مكة في حالة من الذل والغيظ ! وكانت قافلتهم التي نجت من النبي ( صلى الله عليه وآله ) محتبسة في دار الندوة فقالوا لأصحابها : يا معشر قريش إن محمداً قد وتَرَكم وقتل خياركم ، فأعينوا بهذا المال على حربه فلعلنا ندرك منه ثأرنا ! وكانوا يربحون بالدينار ديناراً فبلغ المال خمسين ألف دينار . وقيل نزل يومها قوله تعالي : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ينْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَينْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يغْلَبُونَ . « نزلت في أبي سفيان ، أنفق على المشركين يوم أحد أربعين أوقية ، وكانت الأوقية اثنين وأربعين مثقالاً » . عين العبرة / 53 .
« وكانت وقعة أحد في شوال ، بعد بدر بسنة » . تاريخ اليعقوبي : 2 / 47 .
وبعثت قريش رسلها إلى قبائل كنانة وتهامة يستنصرونهم ، وبرز أبو سفيان زعيماً لقريش بلا منازع ، بعد أن قُتل منافساه عتبة بن ربيعة الأموي وأبو جهل المخزومي ، فقام لإثبات زعامته بغارة على ضواحى المدينة في مئتى راكب ، ليبِرَّ يمينه ! ووصل إلى ضواحى المدينة ليلاً ، والتقى بأحد زعماء اليهود ، وأغار على مزرعة للأنصار فقتل رجلين ، وعندما قصده النبي ( صلى الله عليه وآله ) سارع بالهرب وتخفف أصحابه من مؤونتهم ، فأخذها المسلمون وسميت غزوة ذات السويق !
وخلال سنة حشدت قريش ثلاثة آلاف مقاتل ، فيهم سبع مائة دارع ومئتا فارس وتوجهوا إلى المدينة ومعهم فتيانٌ بالمعازف وغلمان بالخمور ، وخمس عشرة امرأة من نساء شخصياتهم ، فيهن هند زوجة أبي سفيان ، يغنين ويضربن بالدفوف ليحمسنهم للثأر لقتلى بدر ، ومعهم أبو عامر الفاسق الذي ترك المدينة كراهيةً لمحمد ، وسكن مكة مع خمسين رجلاً من الأوس ، وكان يحرض قريشاً ويقول لهم إنهم على الحق ومحمد على الباطل ، ويزعم لهم أن أهل المدينة معه !
وفى مقابل هؤلاء كان المسلمون سبع مئة مقاتل ، فيهم مائتا دارع ، وفارسان . الصحيح من السيرة : 6 / 77 ، النص والاجتهاد / 341 وابن هشام : 3 / 581 .
ولما وصل القرشيون إلى الأبواء وفيها قبر أم النبي ( صلى الله عليه وآله ) اقترحت عليهم هند أن ينبشوه ويأخذوا رمتها رهينة ، ليأخذوا فداءها من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! قالت : « فلعمري ليفدين رمة أمه بمال كثير ، إنه كان بها براً » . الصحيح : 6 / 85 .
فتشاوروا ثم أعرضوا عن ذلك ، خوفاً من أن تنبش قبور موتاهم في مناطق المسلمين وحلفائهم ! ووصلوا إلى ذي الحليفة قبل المدينة بقليل ، فتركوا خيولهم وإبلهم ترعى زروع أهل المدينة ، وأرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) من يخمِّن عددهم وعُدتهم ، ثم واصلوا مسيرهم حتى نزلوا في آخر وادى قُبا عند جبل أحد ، قبالة المدينة .
2 . رؤيا النبي « صلى الله عليه وآله » واستعداده للدفاع
عندما بلغ أهل المدينة تحرك قريش لحربهم قال قسم منهم نتحصن في المدينة ونرد هجوم قريش من مداخلها وسككها وأزقتها ، وقال آخرون بل نخرج إليهم فنقاتلهم خارجها ، لأنه ما غُزِى قومٌ في عقر دارهم إلا ذلوا !
قال ابن إسحاق : 3 / 303 : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للمسلمين : إني قد رأيت بقراً ، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً ، ورأيت أنى أدخلت يدي في درع حصينة وتأولتها المدينة ، فإن رأيتم أن تقيموا وتدعوهم حيث قد نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشر مقام وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها . وكان رأى عبد الله بن أبي سلول مع رسول الله . فقال رجال من المسلمين ممن كان فاتته بدر : يا رسول الله أخرج بنا إلى أعدائنا ، لا يرون أنا جبنا عنهم أو رضخنا » . وابن هشام : 3 / 583 ، تفسير الطبري : 4 / 94 .
وقال علي بن إبراهيم في تفسيره : 1 / 110 : « كان سبب غزوة أحد أن قريشاً لما رجعت من بدر إلى مكة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر ، لأنه قتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون ، فلما رجعوا إلى مكة قال أبو سفيان : يا معشر قريش لاتدعوا النساء تبكى على قتلاكم ، فإن البكاء والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد ! ويشمت بنا محمد وأصحابه ! فلما غزوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم أحد أذنوا لنسائهم بعد ذلك في البكاء والنوح .
فلما أرادوا أن يغزوا رسول الله إلى أحُد ساروا في حلفائهم من كنانة وغيرها فجمعوا الجموع والسلاح . فلما بلغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذلك جمع أصحابه وأخبرهم أن الله قد أخبره أن قريشاً قد تجمعت تريد المدينة ، وحث أصحابه على الجهاد والخروج ، فقال عبد الله بن أبي سلول وقومه : يا رسول الله لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها ، فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السكك وعلى السطوح ، فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا ، وما خرجنا إلى أعدائنا قط إلا كان الظفر لهم . فقام سعد بن معاذ « رحمه الله » وغيره من الأوس فقالوا : يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام ، فكيف يطمعون فينا وأنت فينا ! لا ، حتى نخرج إليهم فنقاتلهم ، فمن قتل منا كان شهيداً ، ومن نجا منا كان قد جاهد في سبيل الله ، فقبل رسول الله قوله وخرج مع نفر من أصحابه يبتغون موضع القتال كما قال الله : وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » .
والظاهر أن رأى سعد بن معاذ كان سبب قبول النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالخروج إليهم ، لأن سعداً أكبر زعيم عند الأنصار .
3 . النبي « صلى الله عليه وآله » يختار مكان معسكره
لم يكن للعدو طريق لمهاجمة المدينة إلا من وادى قباء وهى غربى المدينة وتمتد من الجنوب إلى الشمال . أما الجهات الأخرى فمرتفعات أو بساتين يصعب النفوذ منها ، لذلك هاجمت قريش المدينة في أحُد من وادى قباء . وينتهى الوادي بجبل أحد الذي يعترضه ويمتد بعكسه من الشرق إلى الغرب ، ويوجد قبله جبلٌ صغير اسمه : جبل عَينَين ، وهو جبل الرماة ، ويسمى يوم أحد يوم عَينين أيضاً .
ويظهر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خرج صبح الجمعة أو قبله واختار مكاناً لمعسكره ، كما قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالي : وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ، أي خرجت غدوةً صباحاً ، ثم تابع النبي ( صلى الله عليه وآله ) مشاورة أصحابه في الخروج أو البقاء في المدينة ، واتخذ قراره بالخروج ، وصلى بهم الجمعة وخرج بهم بعد الصلاة وباتوا في أحد ، وكانت المعركة صبيحة السبت .
وعسكر المشركون في الوادي مقابل جبل عينين ، فاختار النبي ( صلى الله عليه وآله ) غربى قبر حمزة ليكون ظهرهم محمياً بجبل أحد ووجههم إلى المشركين ، فكان جبل عينين عن يسارهم . وكان المسلك الوحيد للالتفاف عليهم من خلف جبل عَينين من جهة المدينة ، وهو معبر ضيق تجرى فيه عين المِهْراس التي تنبع من آخر الوادي من جهة أحد . لذلك أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) خمسين من الرماة أن يتخذوا مواقعهم في أصل جبل الرماة من جهة المدينة ، وشدد عليهم أن لا يتركوا مواقعهم !
وقد رأيت عين المهراس سنة 1961 ميلادية ، بين قبرحمزة والمسجد الذي في شرقيه ، وهى نبع على عمق بضعة أمتار ، ينزل اليه في درج واسع ، لكن الوهابيين ردموها وأزالوها . ويسمى يوم أحُد يوم المِهْراس أيضاً ، وسيأتي أن علياً ( عليه السلام ) كان يأتي بالماء من المهراس وفاطمة « عليها السلام » تغسل جراح النبي ( صلى الله عليه وآله ) . أمالي الطوسي / 551 .
4 . انتصار المسلمين الكاسح في الجولة الأولي
في صبيحة يوم السبت منتصف شوال سنة ثلاث للهجرة صفَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) المسلمين في أحُد ، ووضع الرماة الخمسين شرقي جبل عينين .
ابن إسحاق : 3 / 301 .
وفى تفسير القمي : 1 / 112 : « وكانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري فبرز ونادي : يا محمد تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنة ، فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي ! فبرز إليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول :
ياطلحُ إن كنت كما تقولُ * لنا خيولٌ ولكم نَصول
فاثبت لننظر أينا المقتول * وأينا أولى بما تقول
فقد أتاك الأسد الصؤول * بصارم ليس به فلول
ينصره القاهر والرسول
فقال طلحة : من أنت يا غلام ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب . قال : قد علمتُ يا قُضَيم أنه لايجسر على أحد غيرك ! فشد عليه طلحة فضربه فاتقاه أمير المؤمنين بالجحفة ، ثم ضربه على فخذيه فقطعهما جميعاً فسقط على ظهره وسقطت الراية ! فذهب على ( عليه السلام ) ليجهز عليه فحلَّفه بالرحم فانصرف عنه ، فقال المسلمون : ألا أجهزت عليه ؟ قال : قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبداً !
وأخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحه فقتله على ( عليه السلام ) وسقطت الراية على الأرض . فأخذها مسافع بن أبي طلحة فقتله على ( عليه السلام ) ، فسقطت الراية إلى الأرض .
فأخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله على ( عليه السلام ) ، فسقطت الراية إلى الأرض .
فأخذها الحارث بن أبي طلحة فقتله على ( عليه السلام ) ، فسقطت الراية إلى الأرض . وأخذها أبو عذير بن عثمان فقتله على ( عليه السلام ) ، وسقطت الراية إلى الأرض .
فأخذها عبد الله بن أبي جميلة بن زهير فقتله على ( عليه السلام ) وسقطت الراية
إلى الأرض !
فقَتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) التاسع من بنى عبد الدار ! وهو أرطأة بن شرحبيل مبارزةً وسقطت الراية إلى الأرض ! فأخذها مولاهم صواب فضربه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على يمينه فقطعها ، وسقطت الراية إلى الأرض ، فأخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين على شماله فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض ، فاحتضنها بيديه المقطوعتين ، ثم قال : يا بنى عبد الدار هل أعذرت فيما بيني وبينكم ؟ فضربه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على رأسه فقتله ، وسقطت الراية إلى الأرض !
فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية فقبضتها !
وحدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي : يا قُضَيم ؟ قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبى طالب ، وأغروا به الصبيان وكانوا إذا خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يرمونه بالحجارة والتراب فشكى ذلك إلى علي ( عليه السلام ) فقال : بأبى أنت وأمي يا رسول الله ، إذا خرجت فأخرجني معك فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فتعرض الصبيان لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كعادتهم فحمل عليهم أمير المؤمنين وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم فكانوا يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون قضمنا على قضمنا علي ! فسمى لذلك : القَضِيم » !
وقال ابن هشام : 3 / 593 : « وأرسل رسول الله إلى علي بن أبي طالب : أن قدم الراية فتقدم على فقال : أنا أبو القُضَم ، فناداه أبو سعد بن أبي طلحة وهو صاحب لواء المشركين : أن هل لك يا أبا القضم في البراز من حاجة ؟ قال : نعم ، فبرزا بين الصفين فاختلفا ضربتين فضربه على فصرعه ثم انصرف عنه ولم يجهز عليه ، فقال له أصحابه : أفلا أجهزت عليه ؟ فقال : إنه استقبلني بعورته فعطفتنى عنه الرحم ، وعرفت أن الله عز وجل قد قتله » .
وفى الكافي : 8 / 111 أن خالد بن عبد الله القشيري أمير مكة سأل قتادة : « من الذي يقول : أوفى بميعادى وأحمى عن حسب ؟ ! فقال : أصلح الله الأمير ليس هذا يومئذ ، هذا يوم أحد خرج طلحة بن أبي طلحة وهو ينادى من يبارز ؟ فلم يخرج إليه أحد فقال : إنكم تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ونحن نجهزكم بأسيافنا إلى الجنة ، فليبرزن إلى رجل يجهزنى بسيفه إلى النار وأجهزه بسيفي إلى الجنة ، فخرج إليه علي بن أبي طالب وهو يقول :
أنا ابن ذي الحوضين عبد المطلب * وهاشم المطعم في العام السغب
أوفى بميعادى وأحمى عن حسب *
فقال خالد : كذب لعمري ، والله أبو تراب ما كان كذلك ! فقال الشيخ : أيها الأمير إئذن لي في الانصراف ، قال : فقام الشيخ يفرج الناس بيده وخرج وهو يقول : زنديق ورب الكعبة ، زنديق ورب الكعبة » !
أقول : هذا يدل على حرص السلطة على إخفاء دور على ( عليه السلام ) . وقد ارتاعت قريش بقتل طلحة وأصحاب الألوية ، وتزعزعت صفوفها ، فلم يتقدم لحمل رايتهم بعدهم ، إلا امرأة جمعتها عن الأرض ولم ترفعها ! فأصدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمره بالحملة فتقدم على وحمزة وأبو دجانة وفرسان المسلمين وحملوا عليهم ، فكانت هزيمة المشركين : « فانكشف الكفار حينئذ عن المسلمين هاربين على غير انتظام ، ودخل المسلمون عسكرهم ينهبون ما تركوه من أسلحة وأمتعة وذخائر ومؤن . فلما نظر الرماة إلى المسلمين وقد أكبوا على الغنائم دفعهم الطمع في النهب إلى مفارقة محلهم الذي أمروا أن لا يفارقوه ، فنهاهم أميرهم عبد الله بن جبير فلم ينتهوا وقالوا : ما مقامنا هاهنا وقد انهزم المشركون ! فقال عبد الله : والله لا أجاوز أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! وثبت مكانه مع أقل من عشرة ، فنظر خالد بن الوليد المخزومي إلى قلة من في الجبل من الرماة ، فكرَّ بالخيل عليهم ومعه عكرمة بن أبي جهل فقتلوهم ، ومثلوا بعبد الله بن جبير فأخرجوا حشوة بطنه ! وهجموا على المسلمين وهم غافلون وتنادوا بشعارهم يا للعزى يا لهُبل ، ووضعوا السيوف في المسلمين وهم آمنون فكان البلاء ، وقتل حمزة سيد الشهداء وسبعون من صناديد المهاجرين والأنصار ، وأصيب النبي بأبى هو وأمي بجروح يقرح القلوب ذكرها ويهيج الأحزان بيانها ، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته . وإنما كان هذا البلاء كله لمخالفة أوامره ونواهيه » . الفصول المهمة / 114 .
5 . هزيمة المسلمين بعد انتصارهم !
قال علي بن إبراهيم في تفسيره : 1 / 111 : « أمَّرَ رسول الله على الرماة وهم خمسون رجلاً عبد الله بن جبير أخا بنى عمرو بن عوف ، وهو يومئذ معلم بثياب بياض وقال : اِنضح عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا أثبت مكانك لا نؤتين من قبلك . إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تخرجوا من هذا المكان ، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة ، فلا تبرحوا والزموا مراكزكم . ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كميناً ، وقال لهم إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فأخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم . فحملت الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ، ووقع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في سوادهم . . .
فانهزم أصحاب رسول الله هزيمة قبيحة وأقبلوا يصعدون في الجبال وفى كل وجه ، فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال : إني أنا رسول الله ، إلى أين تفرون عن الله وعن رسوله » !
وفى تفسير فرات / 94 : « عن حذيفة قال : « رفع البيضة عن رأسه وجعل ينادي : أيها الناس أنا لم أمت ولم أقتل ، وجعل الناس يركب بعضهم بعضاً لايلوون على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا يلتفتون إليه : فلم يزالوا كذلك حتى دخلوا المدينة ، فلم يكتفوا بالهزيمة حتى قال أفضلهم رجلاً في أنفسهم : قتل رسول الله ، فلما آيس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من القوم رجع إلى موضعه الذي كان فيه فلم يزل علي بن أبي طالب وأبو دجانة الأنصاري ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا دجانة ذهب الناس فالحق بقومك ! فقال أبو دجانة : يا رسول الله ما على هذا بايعناك وبايعنا الله ، ولا على هذا خرجنا يقول الله : إِنَّ الَّذِينَ يبَايعُونَكَ إِنَّمَا يبَايعُونَ اللَّهَ يدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا دجانة أنت في حل من بيعتك فارجع ، فقال أبو دجانة : يا رسول الله لاتحدث نساء الأنصار في الخدور أنى أسلمتك ورغبت نفسي عن نفسك يا رسول الله ، لا خير في العيش بعدك . قال : فلم يلبث أبو دجانة إلا يسيراً حتى أثخن جراحةً فتحامل حتى انتهى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فجلس إلى جنبه مثخناً لا حراك به . قال : وعلى لا يبارز فارساً ولا راجلاً إلا قتله الله على يديه حتى انقطع سيفه ، فلما انقطع سيفه جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله انقطع سيفي ولا سيف لي ، فخلع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيفه ذا الفقار فقلد ه علياً ، ومشى إلى جمع المشركين ، فكان لايبرز إليه أحد إلا قتله ، فلم يزل على ذلك حتى وهت دراعته ، فنظر رسول الله إلى السماء وقال : اللهم إن محمداً عبدك ورسولك جعلت لكل نبي وزيراً من أهله لتشد به عضده وتشركه في أمره ، وجعلت لي وزيراً من أهلي ، علي بن أبي طالب أخي ، فنعم الأخ ونعم الوزير ، اللهم وعدتني أن تمدنى بأربعة آلاف من الملائكة مردفين ، اللهم وعدك وعدك ، إنك لا تخلف الميعاد ، وعدتني أن تظهر دينك على الدين كله ولو كره المشركون .
قال : فبينما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يدعو ربه ويتضرع إليه ، إذ سمع دوياً من السماء فرفع رأسه فإذا جبرئيل ( عليه السلام ) على كرسي من ذهب ومعه أربعة آلاف من الملائكة مردفين وهو يقول : لا فتى إلا على ولا سيف إلا ذو الفقار ، فهبط جبرئيل على الصخرة وحفت الملائكة برسول الله فسلموا عليه ، فقال جبرئيل : يا رسول الله والذي أكرمك بالهدى لقد عجبت الملائكة المقربون لمواساة هذا الرجل لك بنفسه . فقال : يا جبرئيل ما يمنعه يواسينى بنفسه وهو منى وأنا منه . فقال جبرئيل : وأنا منكما ، حتى قالها ثلاثاً . ثم حمل علي ، وحمل جبرئيل والملائكة ، ثم إن الله تعالى هزم جمع المشركين وتشتت أمرهم » .
وفى إمتاع الأسماع : 1 / 144 : « انكشف المشركون منهزمين لايلوون ، ونساؤهم يدعون بالويل بعد ضرب الدفاف والفرح ، ولكن المسلمين أُتُوا من قبل الرماة . وبينما المسلمون قد شغلوا بالنهب والغنائم ، إذ دخلت الخيول تنادى فرسانها بشعارهم : يا للعزى يا لهبل ! ووضعوا في المسلمين السيوف وهم آمنون وكل منهم في يده أو حضنه شئ قد أخذه ، فقتلوا فيهم قتلاً ذريعاً ، وتفرق المسلمون في كل وجه ! وتركوا ما انتهبوا وخلوا من أسروا .
ونادى إبليس عند جبل عينين وقد تصور في صورة جعال بن سراقة : إن محمداً قد قتل : ثلاث صرخات ، فما كانت دولة أسرع من دولة المشركين ! واختلط المسلمون وصاروا يقتلون ويضرب بعضهم بعضاً ما يشعرون من العجلة والدهش ، وجرح أسيد بن حضير جرحين ضربه أحدهما أبو برده بن نيار وما يدري ! وضرب أبو زعنة أبا بردة ضربتين وما يشعر ! والتقت أسياف المسلمين على اليمان حسيل بن جابر وهم لا يعرفونه حين اختلطواوحذيفة يقول : أبى أبي » !
وفى تفسير الطبري : 4 / 194 ، عن السدى قال : « لما انهزموا يومئذ تفرق عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه فدخل بعضهم المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها . عن ابن إسحاق قال : فرَّ عثمان بن عفان وعقبة بن عثمان وسعد بن عثمان حتى بلغوا الجلعب ، جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص ، فأقاموا به ثلاثاً ثم رجعوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال لهم : لقد ذهبتم فيها عريضة » !
قال ابن إسحاق : 3 / 306 : « قال الزبير : لقد رأيتني أنظر إلى خدم « خلاخيل » هند ابنة عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ، ما دون أخذهن قليل ولا كثير ! إذ مالت الرماة عن العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب ، وخلوا ظهورنا للخيل فأُتينا من أدبارنا ، وصرخ صارخ ألا إن محمداً قد قتل ! فانكفأنا وانكفؤوا علينا بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد من القوم ! فانكشف المسلمون فأصاب منهم العدو فكان يوم بلاء وتمحيص ، أكرم الله فيه من أكرم بالشهادة » .
6 - ثبت مع النبي « صلى الله عليه وآله » أول الأمر بضعة أشخاص
روى المفيد في الإرشاد : 1 / 80 ، عن زيد بن وهب قال : « وجدنا من عبد الله بن مسعود يوماً طِيبَ نفس فقلنا له : لو حدثتنا عن يوم أحُد وكيف كان ؟ فقال : أجل ثم ساق الحديث حتى انتهى إلى ذكر الحرب فقال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « أخرجوا إليهم على اسم الله فخرجنا ، فصفَّنا لهم صفاً طويلاً ، وأقام على الشعب خمسين رجلاً من الأنصار وأمَّر عليهم رجلاً منهم وقال : لا تبرحوا عن مكانكم هذا وإن قتلنا عن آخرنا ، فإنما نؤتى من موضعكم هذا ! إلى أن قال : وثبت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأبو دجانة الأنصاري ، وسهل بن حنيف يدفعون عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكثر عليهم المشركون ، ففتح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عينيه فنظر إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقد كان أغمي عليه مما ناله فقال : يا علي ما فعل الناس ؟ قال : نقضوا العهد وولوا الدبر ، فقال له : فاكفنى هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي ، فحمل عليهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فكشفهم ، ثم عاد إليه وقد حملوا عليه من ناحية أخرى فكر عليهم فكشفهم ، وأبو دجانة وسهل بن حنيف قائمان على رأسه ( صلى الله عليه وآله ) بيد كل واحد منهما سيفه ليذب عنه . قال زيد بن وهب : قلت لابن مسعود : انهزم الناس عن رسول الله حتى لم يبق معه إلا علي بن أبي طالب وأبو دجانة وسهل بن حنيف ؟ ! قال : انهزم الناس إلا علي بن أبي طالب وحده ، وثاب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نفر ، وكان أولهم عاصم بن ثابت ، وأبو دجانة ، وسهل بن حنيف ، ولحقهم طلحة بن عبيد الله .
فقلت له : فأين كان أبو بكر وعمر ؟ قال : كانا ممن تنحي . قال قلت . فأين كان عثمان ؟ قال : جاء بعد ثلاثة من الوقعة ، قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لقد ذهبت فيها عريضة ! قال فقلت له : فأين كنت أنت ؟ قال : كنت فيمن تنحي ! قال فقلت له : فمن حدثك بهذا ؟ قال : عاصم وسهل بن حنيف . قال قلت له : إن ثبوت على في ذلك المقام لعجب ! فقال : إن تعجبت من ذلك لقد تعجبت منه الملائكة ، أما علمت أن جبرئيل قال في ذلك اليوم وهو يعرج إلى السماء : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ! فقلت له : فمن أين علم ذلك من جبرئيل ؟ فقال : سمع الناس صائحاً يصيح في السماء بذلك ، فسألوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنه فقال : ذاك جبرئيل .
وفى حديث عمران بن حصين قال : لما تفرق الناس عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في يوم أحد ، جاء على متقلداً سيفه حتى قام بين يديه ، فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رأسه إليه فقال له : ما لك لم تفر مع الناس ؟ فقال : يا رسول الله أأرجع كافراً بعد إسلامي ! فأشار له إلى قوم انحدروا من الجبل فحمل عليهم فهزمهم ، ثم أشار له إلى قوم آخرين فحمل عليهم فهزمهم ، ثم أشار إلى قوم فحمل عليهم فهزمهم ! فجاء جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا رسول الله ، لقد عجبت الملائكة من حسن مواساة على لك بنفسه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وما يمنعه من هذا ، وهو منى وأنا منه ! فقال جبرئيل ( عليه السلام ) : وأنا منكما » .
وزعموا أن أبا بكر ثبت في أحد ولم يهرب فقال ابن سعد : 2 / 42 : « وثبت معه عصابة من أصحابه أربعة عشر رجلاً ، سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكرالصديق وسبعة من الأنصار » لكنهم كذَّبوا أنفسهم فقالوا كان في أوائل من رجع من الهزيمة ! قال ابن سعد : 3 / 155 : « عن عائشة قالت : حدثني أبو بكر قال : كنت في أول من فاء إلى رسول الله يوم أحد » .
7 - بقي النبي « صلى الله عليه وآله » وعلي « عليه السلام » وحدهما
فبعد جرح أبى دجانة ونسيبة ، لم يبق مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا على ( عليه السلام ) ! قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) كما في الكافي : 8 / 110 : « انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فغضب غضباً شديداً قال : وكان إذا غضب انحدر عن جبينيه مثل اللؤلؤ من العرق ، قال : فنظر فإذا على ( عليه السلام ) إلى جنبه فقال له : إلحق ببنى أبيك مع من انهزم عن رسول الله ! فقال : يا رسول الله لي بك أسوة ! قال : فاكفنى هؤلاء ، فحمل فضرب أول من لقى منهم . فنظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى جبرئيل على كرسي من ذهب بين السماء والأرض وهو يقول : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي » .
وفى الإرشاد : 1 / 89 : « فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أبشر يا علي ، فإن الله منجز وعده ، ولن ينالوا منا مثلها أبداً » . وفى تفسير القمي : 1 / 115 : « ولم يبق مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلا أبو دجانة الأنصاري سماك بن خرشة وأميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، فكلما حملت طائفة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) استقبلهم فيدفعهم عن رسول الله ويقتلهم ، حتى انقطع سيفه . وبقيت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نسيبة بنت كعب وكانت تخرج مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في غزواته تداوى الجرحي ، وكان ابنها معها فأراد أن ينهزم ويتراجع ، فحملت عليه فقالت : يا بنى إلى أين تفر عن الله وعن رسوله ؟ ! فردته فحمل عليه رجل فقتله ، فأخذت سيف ابنها فحملت على الرجل فضربته على فخذه فقتلته ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بارك الله عليك يا نسيبة ، وكانت تقى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بصدرها وثدييها ويديها ، حتى أصابتها جراحات كثيرة !
وحمل ابن قميئة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أروني محمداً لانجوتُ إن نجا ! فضربه على حبل عاتقه ، ونادى قتلت محمداً واللات والعزي !
ونظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى رجل من المهاجرين قد ألقى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة فناداه : يا صاحب الترس ألق ترسك ، ومُرَّ إلى النار ! فرمى بترسه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا نسيبة خذي الترس فأخذت الترس ، وكانت تقاتل المشركين فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لَمَقَامُ نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان !
ولم يكن يحمل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحد إلا يستقبله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فإذا رأوه رجعوا ! فانحاز رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى ناحية أحُد فوقف . فلم يزل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقاتلهم حتى أصابه في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة فتحاموه ! وسمعوا منادياً ينادى من السماء : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي . وتراجعت الناس فصارت قريش على الجبل ، فقال أبو سفيان وهو على الجبل : أعلُ هبل ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأمير المؤمنين قل له : الله أعلى وأجل . فقال : يا علي إنه قد أنعم علينا ! فقال على ( عليه السلام ) : بل الله أنعم علينا .
ثم قال أبو سفيان : يا علي أسألك باللات والعزى هل قتل محمد ؟ فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : لعنك الله ولعن الله اللات والعزى معك ! والله ما قتل محمد ( صلى الله عليه وآله ) وهو يسمع كلامك ! فقال : أنت أصدق ، لعن الله ابن قميئه زعم أنه قتل محمداً » .
أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتي !
في كشف اليقين / 59 : « خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوماً فرحاً مسروراً وقال : أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتي ! أما أنه الفتى فلأنه سيد العرب . وأما ابن الفتى فلأنه ابن إبراهيم خليل الرحمن ( عليه السلام ) الذي نزل في حقه : قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يذْكُرُهُمْ يقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . وأما أنه أخو الفتي ، فلأنه أخو على ( عليه السلام ) الذي قال جبريل عنه أنه : إنه لا فتى إلا علي » .
8 - نزل جبرئيل « عليه السلام » وبقى مع النبي « صلى الله عليه وآله » حتى انسحب المشركون
يفهم من حديث دعائم الإسلام : 1 / 374 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) أن جبرئيل ( عليه السلام ) بقي مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى انسحب المشركون ، قال : « لما كان يوم أحد وافترق الناس عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وثبت معه على ( عليه السلام ) وكان من أمر الناس ما كان ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلى ( عليه السلام ) : إذهب يا علي ، فقال : كيف أذهب يا رسول الله وأدعك ! بل نفسي دون نفسك ودمى دون دمك ، فأثنى عليه خيراً . ثم نظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى كتيبة قد أقبلت فقال : إحمل عليها يا علي ، فحمل عليها ففرقها وقتل هشام بن أمية المخزومي ، ثم جاءت كتيبة أخرى فقال : إحمل عليها يا علي ، فحمل عليها ففرقها وقتل عمر بن عبد الله الجمحي ، ثم أقبلت كتيبة أخرى قال : إحمل عليها يا علي . فحمل عليها ففرقها وقتل شيبة بن مالك أخا بنى عامر بن لؤي ، وجبرئيل مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال جبرئيل : يا محمد إن هذه للمواساة ! فقال : يا جبرئيل ، إنه منى وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا منكما يا محمد » .
9 - ركز المشركون على قتل النبي « صلى الله عليه وآله » في أحُد فأصابته جراحات
« لما اشتد البلاء وعظم الخطب بفرار المسلمين ، أرهف المشركون لقتل رسول الله غِرار عزمهم ، وأرصدوا لذلك جميع أهبهم ، فتعاقد خمسة من شياطينهم على ذلك ، كانوا كالفدائية في هذا السبيل وهم : عبد الله بن شهاب الزهر » والد الزهري المعروف وهو يهودي حداد حليف بنى زهرة « وعتبة بن أبي وقاص ، وابن قميئة الليثي أبي بن خلف ، وعبد الله بن حميد الأسدي القرشي ، لعنهم الله وأخزاهم ، فأما ابن شهاب فأصاب جبهته الميمونة ، وأما عتبة فرماه - تبَّت يداه - بأربعة أحجار فكسر رباعيته وشق شفته ، وأما ابن قميئة قاتله الله فكمَّ وجنته ودخل من خلف المغفر فيها وعلاه بالسيف - شُلَّت يداه - فلم يطق أن يقطع فسقط ( صلى الله عليه وآله ) إلى الأرض . وأما أبي بن خلف فشد عليه بحربته فأخذها رسول الله منه وقتله بها ، وأما عبد الله بن حميد فقتله أبو دجانة الأنصاري شكر الله سعيه وأعلى في الجنان مقامه ، فإنه ممن أبلى يومئذ بلاء حسناً . ثم حمل ابن قميئة على مصعب بن عمير وهو يظنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقتله ، ورجع إلى قريش يبشرهم بقتل محمد ، فجعل الناس يقولون : قتل محمد قتل محمد ! فانخلعت قلوب المسلمين جزعاً وكادت نفوسهم أن تزهق هلعاً ، وأوغلوا في الهرب مدلهين مدهوشين ، لا يرتابون في قتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد أسقط في أيديهم » . الفصول المهمة للسيد شرف الدين / 118 .
وفى المناقب : 1 / 166 : « فرماه ابن قمئة بقذافة فأصاب كفه ، ورماه عبد الله بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه ، وضربه عتبة بن أبي وقاص أخو سعد على وجهه ، فشج رأسه فنزل عن فرسه ، ونهبه ابن قمئة ، وقد ضربه على جنبه » !
وروى ابن هشام : 3 / 597 ، نحوه وذكر أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلي ، وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في جبهته ، وأن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ، ووقع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون ، فأخذ علي بن أبي طالب بيده !
وفى تفسير فرات / 93 : « إنتهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى صخرة فاستتر بها ، ليتقى بها من السهام سهام المشركين » .
« فلما انتهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى فم الشعب خرج على ( عليه السلام ) حتى ملأ درقته من المهراس فجاء به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليشرب منه فوجد له ريحاً فعافه فلم يشرب منه وغسل عن وجهه الدم ، وصب على رأسه » . والمناقب : 1 / 96 ، 102 والخرائج / 62 .
وقد كسر خوذته عبد الله بن شهاب جد الزهري فجُرح في رأسه ، وأَدمى وجهه فوق حاجبه عبد الله أو عمرو بن قمئة وجرحه في وجنته ، وكسر رباعيته عتبة بن أبي وقاص ، وجرح شفته السفلى من داخل فمه الشريف . « مقدمة فتح الباري / 287 » . وفى فتح الباري : 7 / 286 : ( شُجَّ وجهه وكسرت رباعيته ، وجرحت وجنته وشفته السفلى من باطنها ، ووهى منكبه من ضربة ابن قمئة وجحشت ركبته ) .
وفى صحيح البخاري : 7 / 19 : ( عن سهل بن سعد الساعدي قال : لما كسرت على رأس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) البيضة وأدمى وجهه وكسرت رباعيته وكان على يختلف بالماء في المجن ، وجاءت فاطمة تغسل عن وجهه الدم ، فلما رأت فاطمة « عليها السلام » الدم يزيد على الماء كثرة عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على جرح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرقأ الدم ) .
وفى مصنف ابن أبي شيبة : 4 / 586 : ( شُجَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكسرت رباعيته ، وذلق من العطش حتى جعل يقع على ركبتيه وتركه أصحابه ، فجاء أبي بن خلف يطلب بدم أخيه أمية بن خلف فقال : أين هذا الذي يزعم أنه نبي فليبرز لي فإن كان نبياً قتلني ! فأخذ ( صلى الله عليه وآله ) الحربة ثم مشى إليه فطعنه فصرعه عن دابته ، وحمله أصحابه فاستفردوه فقالوا : ما نرى بك بأساً ! فقال : إنه قد استسقى الله دمي ، إني لأجد لها ما لو كان على مضر وربيعة لوسعتهم ) .
وفى الدرر لابن عبد البر / 148 : ( فقاتل دونه مصعب بن عمير حتى قتل . وجُرح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في وجهه ، وكُسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر ، وهشمت البيضة على رأسه . . وكان الذي تولى ذلك من النبي عمرو بن قمئة الليثي وعتبة بن أبي وقاص ، وقد قيل إن عبد الله بن شهاب جد الفقيه محمد بن مسلم بن شهاب هو الذي شج رسول الله في جبهته ، وأكبت الحجارة على رسول الله حتى سقط في حفرة كان أبو عامر الراهب قد حفرها مكيدة للمسلمين فخر على جنبه فأخذ على بيده ) .
وفى شرح الأخبار : 1 / 94 : ( عن عمر بن علاء ، قال : لما كان يوم أحد وتفرق الناس عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ضُرب رسول الله ستين ضربة بالسيف ، وعليه يومئذ درعان قد تظاهر بينهما ، وكسرت رباعيته وشج في وجهه وتفرق الناس عنه ، وبقى معه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال له رسول الله : إرجع يا علي ، فقال : إلى أين أرجع عنك يا رسول الله ؟ أرجع كافراً بعد أن أسلمت ! وأقبل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كردوس من المشركين . فقال لعلي : فاحمل إذن على هؤلاء ، فحمل عليهم ففرجهم وأصاب منهم . فقال جبرائيل لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا محمد إن هذه للمواساة . فقال : يا جبرائيل : إنه منى وأنا منه . فقال جبرائيل : وأنا منكما ) .
وفى النص والاجتهاد / 343 : ( وقاتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يومئذ قتالاً شديداً ، فرمى بالنبل حتى فنى نبله ، وانكسرت سية قوسه وانقطع وتره ، وأصيب بجرح في وجنته ، وآخر في جبهته ، وكسرت رباعيته السفلي ، وشقت بأبى هو وأمي شفته وعلاه ابن قمئة بالسيف . وقاتل دونه على ومعه خمسة من الأنصار استشهدوا في الدفاع عنه رضي الله عنهم وأرضاهم ، وترس أبو دجانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه ، فكان يقع النبل بظهره وهو منحن عليه ، وقاتل مصعب بن عمير فاستشهد ، قتله ابن قمئة الليثي وهو يظنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرجع إلى قريش يقول لهم : قتلت محمداً ، فجعل الناس يقولون : قتل محمد ، قتل محمد ! فأوغل المسلمون في الهرب على غير رشد ، وكان أول من عرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كعب بن مالك ، فنادى بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله حي لم يقتل ، فأشار إليه ( صلى الله عليه وآله ) أن أنصت ) . لئلا يعرفوا مكانه .
وروينا عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) « إعلام الوري : 1 / 179 » : ( فلما دنت فاطمة « عليها السلام » من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورأته قد شُج في وجهه وأدمى فوه إدماءً ، صاحت وجعلت تمسح الدم وتقول : اشتد غضب الله على من أدمى وجه رسول الله ! وكان رسول الله يتناول في يده ما يسيل من الدم فيرميه في الهواء ، فلا يتراجع منه شئ ! قال الصادق ( عليه السلام ) : والله لو سقط منه شئ على الأرض لنزل العذاب .
قال أبان بن عثمان : حدثني بذلك عنه الصباح بن سيابة قال قلت : كسرت رباعيته كما يقوله هؤلاء ؟ قال : لا والله ما قبضه الله إلا سليماً ، ولكنه شُجَّ في وجهه . قلتُ : فالغار في أحُد الذي يزعمون أن رسول الله « عليهما السلام » صار إليه ؟ قال : والله ما برح مكانه ، وقيل له : ألا تدعو عليهم ؟ قال : اللهم اهد قومي ) !
10 - أشد الأيام على النبي « صلى الله عليه وآله »
« روى عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) : أنه نظر يوماً إلى عبيد الله بن العباس بن علي فاستعبر ثم قال : ما من يوم أشد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من يوم أحُد ، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب . ولا يوم كيوم الحسين ( عليه السلام ) : ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة ، كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه ! وهو يذكرهم بالله فلا يتعظون ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً » ! مقتل الحسين « عليه السلام » مخنف / 176 .
11 - أصعب اللحظات في حياة علي « عليه السلام »
وصف على أصعب اللحظات في أحُد ، كما في الإرشاد : 1 / 86 والمناقب : 2 / 315 ، قال : « لما انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي ، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه فرجعت أطلبه فلم أره ، فقلت : ما كان رسول الله ليفر وما رأيته في القتلي ، وأظنه رفع من بيننا إلى السماء ، فكسرت جفن سيفي وقلت في نفسي : لأقاتلن به عنه حتى أقتل ، وحملت
على القوم فأفرجوا فإذا أنا برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد وقع على الأرض مغشياً عليه ، فقمت على رأسه فنظر إلى وقال : ما صنع الناس يا علي ؟ فقلت : كفروا يا رسول الله وولوا الدبر وأسلموك ! فنظر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال لي : رد عنى يا علي هذه الكتيبة فحملت عليها بسيفي أضربها يميناً وشمالاً حتى ولوا الأدبار .
فقال لي النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أما تسمع يا علي مديحك في السماء ، إن ملكاً يقال له رضوان ينادي : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي . فبكيت سروراً وحمدت الله سبحانه على نعمته » .
وتقدم من الإرشاد : 1 / 80 ، قوله : « وقد كان أغمي عليه ( صلى الله عليه وآله ) مما ناله » ! لما جرح ووقع في الحفرة وتكاثر عليه المشركون ، وجاء على وجبرئيل فأخذاه إلى الصخرة .
وفى المناقب لابن سُلَيمان : 1 / 466 ، عن ابن أبي ليلى قال : « لم يمر على الناس يوم مثل يوم أحد أشد منه ! جرح النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقتل حمزة ، وانكشف الناس عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فتركوه وهو يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب . . الخ . » .
12 - قميص النبي « صلى الله عليه وآله » الذي أصيب به في أحد
في الكافي : 1 / 236 ، « عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) من حديث ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما حضرته الوفاة عرض على عمه العباس أن يأخذ تراثه ويقضى دينه ومواعيده ، فاعتذر بأنه لا يطيق ، فعرض ذلك على على ( عليه السلام ) فقبله فأعطاه تراثه ، وفيه : والقميص الذي أسرى به فيه ، والقميص الذي جرح فيه يوم أحد » .
وروى ابن عقدة في فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) / 88 ، أن المهدى ( عليه السلام ) عندما يظهر : « يكون عليه قميص رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي كان عليه يوم أحد » .
13 - لماذا انسحبت قريش ولم تهاجم المدينة ؟ !
كان القرشيون يقولون : نقتل محمداً ونردف الكواعب من المدينة ، أي نأتى بالسبايا من الأنصار ! « ندموا على انصرافهم عن المسلمين ، وتلاوموا فقالوا : لا محمداً قتلتم ، ولا الكواعب أردفتم » ! مجمع البيان : 2 / 446 .
وفى مناقب آل أبي طالب : 1 / 109 : « لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة قالوا : ما صنعنا ! قتلناهم حتى لم يبق منهم إلا الشريد وتركناهم إذ هم ! وقالوا : إرجعوا فاستأصلوهم ، فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا » .
لكن الذي حدث أن قائدهم أبا سفيان أصابه الذعر من على ( عليه السلام ) وكان يرى جبرئيل ( عليه السلام ) معه راكباً فرساً أشقر ، فقرر العودة إلى مكة !
فاعجب من أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل علياً ( عليه السلام ) وحده خلفهم وهم ثلاثة آلاف ، فذهب غير هياب ، ولما فاجأهم من أمامهم قالوا هذا الذي فعل فينا الأفاعيل ! وصاح أبو سفيان بأنا منسحبون فلماذا تتبعنا !
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) « الكافي : 8 / 318 » : « لما رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) اختلاج ساقيه من كثرة القتال ، رفع رأسه إلى السماء وهو يبكى وقال : يا رب وعدتني أن تظهر دينك وإن شئت لم يعْيك . فأقبل على ( عليه السلام ) إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله أسمع دوياً شديداً وأسمع أقدم حيزوم ، وما أهمُّ أضرب أحداً إلا سقط ميتاً قبل أن أضربه ! فقال هذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في الملائكة . . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي إمض بسيفك حتى تعارضهم ، فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص « الإبل » وجنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة ، وإن رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص فإنهم يريدون المدينة ، فأتاهم على ( عليه السلام ) فكانوا على القلاص فقال أبو سفيان لعلي : يا علي ما تريد ! هو ذا نحن ذاهبون إلى مكة فانصرف إلى صاحبك ! فأتبعهم جبرئيل فكلما سمعوا وقع حافر فرسه جدوا في السير ! وكان يتلوهم ، فإذا ارتحلوا قالوا : هو ذا عسكر محمد قد أقبل ! فدخل أبو سفيان مكة فأخبرهم الخبر ، وجاء الرعاة والحطابون فدخلوا مكة فقالوا : رأينا عسكر محمد كلما رحل أبو سفيان نزلوا يقدمهم فارس على فرس أشقر يطلب آثارهم » !
14 - علي « عليه السلام » بطل أحُد وصاحب انتصاراتها
قال ابن هشام : 3 / 655 : « أنشدني أبو عبيدة للحجاج بن علاط السلمي ، يمدح علي بن أبي طالب ، ويذكر قتله طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ، صاحب لواء المشركين يوم أحد :
لله أي مذبَّبٍ عن حرمة * أعنى ابن فاطمةَ المُعِمَّ المُخْولا
سبقت يداك له بعاجل طعنة * تركتْ طليحة للجبين مجدَّلا
وشددت شدةَ باسلٍ فكشفتهم * بالسفح إذ يهْوُون أخولَ أخولا
وعللت سيفك بالدماء ولم يكن * لتردَّه ظمآنَ حتى ينهلا »
والإرشاد : 1 / 90 ، رسائل المرتضي : 4 / 125 والنهاية : 7 / 372 .
وقال المفيد في الإرشاد : 1 / 90 : « ذكر أهل السير قتلى أحُد من المشركين ، فكان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فروى عبد الملك بن هشام قال . . كان صاحب لواء قريش يوم أحُد طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ، قتله علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وقتل ابنه أبا سعيد بن طلحة ، وقتل أخاه كلدة بن أبي طلحة ، وقتل عبد الله بن حميد بن زهرة بن الحارث بن أسد بن عبد العزي ، وقتل أبا الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي ، وقتل الوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة ، وقتل أخاه أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة ، وقتل أرطاة بن شرحبيل ، وقتل هشام بن أمية ، وعمرو بن عبد الله الجمحي ، وبشر بن مالك ، وقتل صواباً مولى بنى عبد الدار ، فكان الفتح له ورجوع الناس من هزيمتهم إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمقامه يذب عنه دونهم ! وتوجه العتاب من الله تعالى إلى كافتهم لهزيمتهم يومئذ سواه ومن ثبت معه من رجال الأنصار ، وكانوا ثمانية نفر وقيل : أربعة أو خمسة » .
وقال العلامة في كشف اليقين / 131 : « وكان جمهور قتلى أحُد مقتولين بسيف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكان الفتح ورجوع الناس إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بثبات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) » .
وفى الثاقب في المناقب / 63 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « قَتَل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يوم أحد أربعة عشر رجلاً ، وقتل سائر الناس سبعة ، وأصابه يومئذ ثمانون جراحة ، فمسحها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلم ينفح منها شئ » .
وفى المناقب : 1 / 385 و 2 / 78 : « عن أبان بن عثمان ، أنه أصاب علياً يوم أحد ستون جراحة ، وأصاب علياً يوم أحد ستة عشر ضربة ، وهو بين يدي رسول الله يذب عنه في كل ضربة يسقط إلى الأرض ، فإذا سقط رفعه جبرئيل . .
أصابني يوم أحد ست عشرة ضربة سقطت إلى الأرض في أربع منهن فأتاني رجل حسن الوجه حسن اللمة طيب الريح فأخذ بضبعى فأقامني ، ثم قال : أقبل عليهم فإنك في طاعة الله وطاعة رسول الله وهما عنك راضيان ، قال على ( عليه السلام ) : فأتيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخبرته فقال : يا علي أقر الله عينك ، ذاك جبرئيل » .
وفى المناقب : 3 / 85 ، عن زيد بن علي قال : « كسرت زند على يوم أحد وفى يده لواء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسقط اللواء من يده ، فتحاماه المسلمون أن يأخذوه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فضعوه في يده الشمال فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة . وفى رواية غيره : فرفعه المقداد وأعطاه علياً » . ورواه السرخسي في المبسوط : 1 / 73 .
وفى تحفة الفقهاء للسمرقندي : 1 / 90 ، أنه كسر زنداه يومئذ ! ولم يذكر متي ، ولعله في الجولة الأولى بعد قتله أصحاب الألوية ، وقد واصل جهاده وكأنه لم يصبه شئ فقد مسح النبي ( صلى الله عليه وآله ) جراحه !
وفى المناقب : 1 / 341 : « المعروفون بالجهاد : علي ، وحمزة ، وجعفر ، وعبيدة بن الحارث ، والزبير ، وطلحة ، وأبو دجانة ، وسعد بن أبي وقاص ، والبراء بن عازب وسعد بن معاذ ، ومحمد بن مسلمة . وقد أجمعت الأمة على أن هؤلاء لا يقاسون بعلى ( عليه السلام ) في شوكته وكثرة جهاده . فأما أبو بكر وعمر فقد تصفحنا كتب المغازي فما وجدنا لهما فيه أثراً البتة . وقد أجمعت الأمة على أن علياً ( عليه السلام ) كان المجاهد في سبيل الله والكاشف الكروب عن وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، المقدم في ساير الغزوات إذا لم يحضر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وإذا حضر فهو تاليه وصاحب الراية واللواء معاً ، وما كان قط تحت لواء أحد ، ولا فر من زحف ! وإنهما فرَّا في غير موضع ، وكانا تحت لواء جماعة » .
فأعطى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذا الفقار يومها إلى علي ( عليه السلام ) وكان نزل في بدر فأعطاه علياً ( عليه السلام ) في بدر وقاتل به ، أما يوم أحد فأعطاه إياه عندما تقطع سيفه فصار له ، ونادى جبرئيل في أحُد بندائه يوم بدر .
أقول : مع كل هذا ترى رواة السلطة ينتقصون علياً ( عليه السلام ) ويذمونه ، فقد قالوا إنه أعطى سيفه لفاطمة « عليها السلام » لتغسله وافتخر فقال : « خذيه فلقد أحسنت به القتال » ! فوبخه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال له : « إن كنت قد أحسنت القتال اليوم ، فلقد أحسن سهل بن حنيف وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وأبو دجانة » . « الحاكم 3 / 409 والحلبية 2 / 547 » . وهذا من الحقد القرشي على على ( عليه السلام ) !
15 - حب علي « عليه السلام » فريضة لا رخصة فيها
في الجواهر السنية / 301 ، عن سلمان الفارسي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « هبط جبرائيل ( عليه السلام ) يوم أحد وقد انهزم المسلمون ولم يبق غير على ( عليه السلام ) ، وقد قتل الله على يده يومئذ من المشركين من قتل فقال جبرئيل : يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك : أخبر علياً أنى عنه راض ، وأنى آليت على نفسي أن لا يحبه عبد إلا أحببته ، ومن أحببته لم أعذبه بناري ، ولا يبغضه عبد إلا أبغضته ، ومن أبغضته ما له في الجنة من نصيب ! قال : وهبط على جبرئيل ( عليه السلام ) يوم الأحزاب لما قتل علي بن أبي طالب عمرواً فارسهم فقال : يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك : إني افترضت الصلاة على عبادي فوضعتها عن العليل الذي لايستطيعها ، وافترضت الزكاة فوضعتها عن المقل ، وافترضت الصيام فوضعته عن المسافر ، وافترضت الحج فوضعته عن المعدم ومن لا يجد السبيل إليه ، وافترضت حب علي بن أبي طالب ومودته على أهل السماوات وأهل الأرض ، فلم أعذر فيه أحداً ! فمر أمتك بحبه فمن أحبه فبحبي وحبك أحبه ، ومن أبغضه فببغضي وبغضك أبغضه » !
16 - جاءت فاطمة الزهراء « عليها السلام » منقضة كالصقر إلى قلب المعركة !
في إعلام الوري : 1 / 177 : « ذهبت صيحة إبليس حتى دخلت بيوت المدينة فصاحت فاطمة « عليها السلام » ، ولم تبق هاشمية ولا قرشية إلا وضعت يدها على رأسها ، وخرجت فاطمة « عليها السلام » تصرخ ! قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : فلما دنت فاطمة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورأته قد شج في وجهه وأدمى فوهُ إدماءً ، صاحت وجعلت تمسح الدم وتقول : اشتد غضب الله على من أدمى وجه رسول الله ! وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتناول في يده ما يسيل من الدم فيرميه في الهواء فلا يتراجع منه شئ !
قال الصادق ( عليه السلام ) : والله لو سقط منه شئ على الأرض لنزل العذاب !
قال أبان بن عثمان : حدثني بذلك عنه الصباح بن سيابة قال قلت : كسرت رباعيته كما يقوله هؤلاء ؟ قال ( عليه السلام ) : لا والله ما قبضه الله إلا سَليماً ولكنه شُجَّ في وجهه . قلت : فالغار في أحد الذي يزعمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صار إليه ؟ قال : والله ما برح مكانه ، وقيل له ( صلى الله عليه وآله ) : ألا تدعو عليهم ؟ قال : اللهم اهد قومي » .
وفى المناقب : 1 / 166 : « وصاح إبليس من جبل أحد : ألا إن محمداً قد قتل ! فصاحت فاطمة « عليها السلام » ووضعت يدها على رأسها ، وخرجت تصرخ » !
وفى تفسير القمي : 1 / 124 : « خرجت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تعدو على قدميها حتى وافت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقعدت بين يديه ، فكان إذا بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بكت لبكائه ، وإذا انتحب انتحبت » ! وكان بكاؤه ( صلى الله عليه وآله ) حباً وشكراً لفاطمة « عليها السلام » ، وبكاؤها تأثراً لوحدته وجراحه ! ومعنى ذلك أنها حضرت عندما جاء على وجبرئيل « عليهما السلام » بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى ظل الصخرة ، بعد أن جرح ووقع في حفرة ، فجاء بها الله تعالى لتغسل جراحه وتكون إلى جنبه ! فجاءت ركضاً تمشى في سفوح وادى قُبا الشرقية ، لأن الوادي كانت بيد جيش قريش ، ولو رأوها لأخذوها أسيرة ، وكان ذلك نصراً عظيماً لهم !
ويظهر أنها جاءت وحدها ، فلم تذكر المصادر أحداً معها !
كما أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما أرسل علياً ( عليه السلام ) خلف جيش قريش ، بقيت فاطمة معه وحدهما ، وهذا خطر آخر تعرض له النبي ( صلى الله عليه وآله ) والزهراء « عليها السلام » !
وقد طمس رواة السلطة دورها « عليها السلام » في أحُد ، ولم يشيدوا بمجيئها إلى المعركة والناس فارُّون ! وغاية ما رووه أنها وعلياً « عليهما السلام » غسلا جرح النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
قال بخارى في صحيحه : 3 / 227 : « لما كسرت بيضة النبي ( صلى الله عليه وآله ) على رأسه وأدمى وجهه وكسرت رباعيته ، كان على يختلف بالماء في المجن وكانت فاطمة « عليها السلام » تغسله ، فلما رأت الدم يزيد على الماء كثرة عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على جرحه يعنى رمادها ، فرقأ الدم » .
17 - الصحابة الهاربون على جبل أحد
في سيرة ابن إسحاق : 3 / 309 ، وغيره ، أن أنس بن النضر : « انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم « انهاروا » فقال : ما يجلسكم ؟ ! قالوا : قتل رسول الله ! قال : فما تظنون بالحياة بعده ؟ ! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ! ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل « رحمه الله » » .
وفى الطبري : 2 / 201 : « فقال بعض أصحاب الصخرة : ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أَمَنَةً من أبي سفيان ! يا قوم إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم ! قال أنس بن النضر : يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد ! اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ! ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل » .
وهذا يدل على أن همهم كان تدبير سلامتهم ، وأخذ الأمان من أبي سفيان ، ويدل قولهم فارجعوا إلى قومكم أو إلى دين قومكم ، على أنهم قرشيون !
18 - نادى النبي « صلى الله عليه وآله » الفارين بأسمائهم
في شرح النهج : 15 / 24 ، عن محمد بن مسلمة قال : « سمعت أذناي وأبصرت عيناي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول يوم أحد وقد انكشف الناس إلى الجبل وهو يدعوهم وهم لايلوون عليه ، سمعته يقول : إلى يا فلان ، إلى يا فلان ، أنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فما عرج عليه واحد منهما ومضيا ، فأشار ابن معد إلى أي إسمع ، فقلت : وما في هذا ؟ قال : هذه كناية عنهما . فقلت : ويجوز أن لا يكون عنهما لعله عن غيرهما .
قال : ليس في الصحابة من يحتشم من ذكره بالفرار وما شابهه من العيب فيضطر القائل إلى الكناية إلا هما . قلت له : هذا ممنوع . فقال : « دعنا من جدلك ومنعك ، ثم حلف أنه ما عنى الواقدي غيرهما ، وأنه لو كان غيرهما لذكرهما صريحاً » .
وروى الطبري في تفسيره : 4 / 193 : « خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران قال : لما كان يوم أحد ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروي ، والناس يقولون : قتل محمد » ! والأروي : العنزة الجبلية التي تجيد تسلق الصخور !
ونص الرواة على أن طلحة كان مع الفارين في الجبل عند الصخرة . وذكر ابن مسعود أنه كان من أول الراجعين ، لكن بعد انتهاء المعركة !
وقد كثرت مكذوبات رواة السلطة في ادعاء حضور فلان وفلان بعد فرارهم ، وكذا الحوار الذي اخترعوه بين أبي سفيان وعمر وأبى بكر ! مع أنهم كانوا على الصخرة فوق جبل أحُد يريدون إرسال أحد إلى أبي سفيان ليأخذوا منه الأمان ، فلو كان يسمع صوتهم لما احتاجوا إلى إرسال أحد اليه ! راجع الصحيح من السيرة : 6 / 203 .
19 - ولحقهم علي « عليه السلام » في أول فرارهم ووبخهم !
في تفسير القمي : 1 / 114 : « وروى عن أبي واثلة شقيق بن سلمة قال : كنت أماشى فلاناً « عمر » إذ سمعت منه همهمة فقلت له مه ، ماذا يا فلان ؟ قال ويحك أما ترى الهزير القضم ابن القضم . فالتفتُّ فإذا هو علي بن أبي طالب ، فقلت له : يا هذا هو علي بن أبي طالب ! فقال : أدن منى أحدثك عن شجاعته وبطولته ، بايعنا النبي يوم أحد على أن لا نفر ومن فر منا فهو ضال ، ومن قتل منا فهو شهيد والنبي زعيمه ، إذ حمل علينا مائة صنديد تحت كل صنديد مائة رجل أو يزيدون فأزعجونا عن طحونتنا ، فرأيت علياً كالليث يتقى الدر ، وإذ قد حمل كفاً من حصى فرمى به في وجوهنا ثم قال : شاهت الوجوه وقطَّت وبطَّت ولطَّت ، إلى أين تفرون ، إلى النار ؟ ! فلم نرجع ، ثم كر علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت فقال : بايعتم ثم نكثتم ؟ فوالله لأنتم أولى بالقتل ممن أقتل ! فنظرت إلى عينيه كأنهما سليطان يتوقدان ناراً ، أو كالقدحين المملوين دماً ، فما ظننت إلا ويأتي علينا كلنا ، فبادرت أنا إليه من بين أصحابي فقلت : يا أبا الحسن الله الله ، فإن العرب تكر وتفر وإن الكرة تنفى الفرة ، فكأنه استحيا فولى بوجهه عني ، فما زلت أسكن روعة فؤادي ! فوالله ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتى الساعة » !
20 - بعض الصحابة الهاربين كفروا وشبعوا كفراً !
قال أحد الهاربين يوم أحد : « والذي نفسي بيده لئن كان قتل النبي لنعطينهم بأيدينا ! إنهم لعشائرنا وإخواننا ! وقالوا : لو أن محمداً كان نبياً لم يهزم ولكنه قد قتل ! فترخصوا في الفرار حينئذ » ! الدر المنثور : 2 / 80 .
وقال مرضى القلوب منهم : « قال أهل المرض والارتياب والنفاق حين فرَّ الناس عن النبي : قد قتل محمد ، فالحقوا بدينكم الأول » ! تفسير الطبري : 4 / 151 .
قال السيوطي في الدر المنثور : 2 / 80 : « وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : نادى مناد يوم أحد حين هزم أصحاب محمد : ألا إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى دينكم الأول . . وأخرج ابن جرير من طريق العوفي ، عن ابن عباس أن رسول الله اعتزل هو وعصابة معه يومئذ على أكمة والناس يفرون ورجل قائم على الطريق يسألهم : ما فعل رسول الله ؟ وجعل كلما مروا عليه يسألهم فيقولون : والله ما ندري ما فعل ! فقال : والذي نفسي بيده لئن كان قتل النبي لنعطينهم بأيدينا إنهم لعشائرنا وإخواننا وقالوا : لو أن محمداً كان نبياً لم يهزم ولكنه قد قتل ! فترخصوا في الفرار » .
21 - قالوا كل التقصير من النبي « صلى الله عليه وآله » !
قال عمر : « فلما كان عام أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون ، وفرَّ أصحاب رسول الله عن النبي ، فكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه وأنزل الله : وَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَمِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ بأخذكم الفداء » ! « مجمع الزوائد : 6 / 115 » . وصححه ابن حجر في العجاب : 2 / 780 .
وهو معنى قوله تعالي : يقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمر مِنْ شَئٍْ قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للهِ يخْفُونَ فِى أَنْفُسِهِمْ مَا لايبْدُونَ لَكَ يقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَئٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا . .
22 - شهادة حمزة عم النبي « صلى الله عليه وآله »
في تفسير القمي : 1 / 117 : « وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر ، فكلما انهزم رجل من قريش رفعت إليه ميلاً ومكحلة وقالت : إنما أنت امرأة فاكتحل بهذا ، وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم ، فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له واحد . وكانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشياً عهداً لئن قتلت محمداً أو علياً أو حمزة لأعطيتك رضاك . وكان وحشى عبداً لجبير بن مطعم ، حبشياً ، فقال وحشي : أما محمد فلا أقدر عليه وأما على فرأيته رجلاً حذراً كثير الالتفات فلم أطمع فيه .
قال : فكمنت لحمزة فرأيته يهدُّ الناس هدّاً فمر بي فوطأ على جرف نهر فسقط ، فأخذت حربتى فهززتها ورميته فوقعت في خاصرته وخرجت من مثانته مغمسة بالدم ، فسقط ، فأتيته فشققت بطنه وأخذت كبده وأتيت بها إلى هند فقلت لها : هذه كبد حمزة ! فأخذتها في فيها فلاكتها فجعلها الله في فيها مثل الداغصة فلفظتها ورمت بها ! فبعث الله ملكاً فحملها وردها إلى موضعها !
فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : يأبى الله أن يدخل شيئاً من بدن حمزة النار ، فجاءت إليه هند فقطعت مذاكيره ، وقطعت أذنيه ، وجعلتهما خرصين وشدتهما في عنقها ، وقطعت يديه ورجليه » ! ونحوه الإرشاد : 1 / 83 .
وفى المناقب : 1 / 166 : « قال الصادق ( عليه السلام ) : فزرقه وحشى فوق الثدي فسقط ، وشدوا عليه فقتلوه ، فأخذ وحشى الكبد فشد بها إلى هند ، فأخذتها فطرحتها في فيها فصارت مثل الداغصة فلفظتها ! ورأى الحليس بن علقمة أبا سفيان وهو يشد الرمح في شدق حمزة فقال : أنظروا إلى من يزعم أنه سيد قريش ما يصنع بعمه الذي صار لحماً ؟ ! وأبو سفيان يقول : ذق يا عقق . وأتت هند وجدعت أنفه وأذنه ، وجعلت في مخنقتها بالذريرة مدة » .
وفى رسائل المرتضي : 4 / 125 ، أن هنداً نذرت يوم بدر أن تأكل كبد حمزة ( عليه السلام ) .
وفى شرح الأخبار : 1 / 268 : « قال وحشي : رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق يهد الناس بسفيه هداً ما يقوم له أحد ، فاستترت بشجرة أو قال بحجر منه ليدنو إلى فأرميه بالحربة من حيث لا يراني ، إذ لم أكن أقدر على مواجهته ، فإني على ذلك إذ بسباع بن عبد العزى قد سبقني إليه يريد نزاله . . ثم حمل عليه حمزة حملة أسد فضربه بالسيف ، فكأنما أخطى رأسه ووقف عليه وقد خر ميتاً وهو لا يراني ، وأرسلت الحربة إليه ، فأصبته في مقتل فسقط ميتاً ! يخبر وحشى بذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد جاء مسلماً وسأله عن ذلك ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا وحشى غيب عنى وجهك ، فلا أراك » !
وفى تفسير القمي : 1 / 123 : « فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى وقف عليه فلما رأى ما فعل به بكى ثم قال : والله ما وقفت موقفاً قط أغْيظَ على من هذا المكان ! لئن أمكنني الله من قريش لأمثلن بسبعين رجلاً منهم ! فنزل عليه جبرئيل فقال : وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بل أصبر . . فألقى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على حمزة بُردة كانت عليه فكانت إذا مدها على رأسه بدت رجلاه وإذا مدها على رجليه بدا رأسه ، فمدها على رأسه وألقى على رجليه الحشيش وقال : لولا أنى أحذر نساء بنى عبد المطلب لتركته للعادية والسباع حتى يحشر يوم القيامة من بطون السباع والطير ! وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالقتلى فجمعوا فصلى عليهم ودفنهم في مضاجعهم ، وكبر على حمزة سبعين تكبيرة » .
وفى تاريخ اليعقوبي : 2 / 49 : « فجزع عليه رسول الله جزعاً شديداً وقال : لن أصاب بمثلك وكبَّر عليه خمساً وسبعين تكبيرة » .
وقال ابن هشام : 3 / 607 : « أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بحمزة فسجّى ببردة ، ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ، ثم أتى بالقتلى فيوضعون إلى حمزة فصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة . قال ابن إسحاق : وقد أقبلت فيما بلغني صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه وكان أخاها لأبيها وأمها فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لابنها الزبير بن العوام : إلقها فأرجعها لا ترى ما بأخيها فقال لها : يا أمه ، إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يأمرك أن ترجعي ، قالت : ولم ؟ وقد بلغني أن قد مُثِّل بأخي وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك ! لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله .
فلما جاء الزبير إلى رسول الله فأخبره بذلك ، قال : خل سبيلها ، فأتته فنظرت إليه فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له ، ثم أمر به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فدفن » .
« عن أبي بن كعب قال : لما كان يوم أحد قتل من الأنصار أربعة وستون رجلاً ومن المهاجرين ستة » . « مسند أحمد : 5 / 135 » . وروى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « أشهد أنكم أحياء عند الله ، فزوروهم وسلموا عليهم فوالذي نفس محمد بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة » . مجمع الزوائد : 3 / 60 .
وفى كشف الغمة : 1 / 189 ، أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سئل على منبر الكوفة عن قوله تعالي : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ ينْتَظِرُ . . فقال : اللهم غفراً ، هذه الآية نزلت في وفى عمى حمزة وفى ابن عمى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، فأما عبيدة فقضى نحبه شهيداً يوم بدر ، وأما عمى حمزة فإنه قضى نحبه شهيداً يوم أحد ، وأما أنا فأنتظر أشقاها يخضب هذه من هذه ، وأومى بيده إلى لحيته ورأسه ، عهدٌ عهده إلى حبيبي أبو القاسم ( صلى الله عليه وآله ) » !
وفى شرح الأخبار : 1 / 282 : « ثم انصرف ( صلى الله عليه وآله ) راجعاً إلى المدينة وانصرف الناس معه ، فلما دخل المدينة مر على دور الأنصار وهم يبكون قتلاهم ، فذرفت عيناه ( صلى الله عليه وآله ) فبكى ثم قال : لكن حمزة لا بواكى له ! فأمر الأنصار نساءهم أن يبكين عليه ففعلن ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهن يبكين حمزة على باب المسجد فقال : إرجعن رحمكن الله ، فقد آسيتن بأنفسكن ، ونهاهن عن النوح وقال : كل نادبة كاذبة إلا نادبة حمزة » . وقد روته مصادرهم ، كمسند أحمد : 1 / 463 وفتح الباري : 7 / 272 .
وفى الطرائف / 503 : « قيل لعبد الله بن يحيي : هل تصلى مع معاوية ؟ قال : لا والله لا أجد فرقاً بين الصلاة خلفه وبين الصلاة خلف امرأة يهودية حائض ، ولذا لو صليت خلفه تقية أعدتها ! وسئل شريك عن فضائل معاوية فقال : إن أباه قاتلَ النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو قاتلَ وصى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمه أكلت كبد حمزة عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وابنه قتل سبط النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وهو ابن زنا ! فهل تريد له منقبة بعد ذلك » !
23 - شهادة الحاخام مخيريق أفضل بني إسرائيل
في المناقب : 1 / 146 : « أسلم وقاتل مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأوصى بماله لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو سبع حوائط وهي : المينب ، والصايفه ، والحسني ، ويرقد ، والعواف ، والكلاء ، ومشربة أم إبراهيم » . وقد ذكرناه في اليهود بعد بدر .
وفى سيرة ابن هشام : 2 / 362 : « وكان من حديث مخيريق وكان حبراً عالماً ، وكان رجلاً غنياً كثير الأموال من النخل ، وكان يعرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بصفته وما يجد في علمه ، وغلب عليه إلف دينه فلم يزل على ذلك ، حتى إذا كان يوم أحُد وكان يوم أحُد يوم السبت قال : يا معشر يهود ، والله إنكم لتعلمون إن نصر محمد عليكم لحق ، قالوا : إن اليوم يوم السبت ، قال : لا سبت لكم ، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأحد ، وعهد إلى من وراءه من قومه : إن قتلت هذا اليوم فأموالى لمحمد يصنع فيها ما أراه الله ، فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل ، فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيما بلغني يقول : مخيريق خير يهود . وقبض رسول الله أمواله فعامة صدقات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالمدينة منها » .
24 - جهاد أبى دجانة الأنصاري « رحمه الله »
في شرح الأخبار : 1 / 273 : « أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيفاً بيده فهزه وقال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقال الزبير بن العوام : أنا يا رسول الله ، فأعرض عنه رسول الله وقال : من يأخذ بحقه ؟ فقام إليه أبو دجانة الأنصاري وكان من أبطال الأنصار فقال : وما حقه يا رسول الله ؟ قال : ألا يقف به في الكبول يعنى أواخر الصفوف وأن يضرب به في العدو حتى ينحني . فقال : أنا آخذه يا رسول الله فدفعه إليه ، فأخذه أبو دجانة وهو مالك بن حرشة أخو بنى سعدة من الأنصار ، ثم أخرج عصابة معه حمراء فتعصب بها فقالت الأنصار : تعصب أبو دجانة عصابته قد نزل الموت ، وكان ذلك من فعله . ثم خرج يتبختر بين الصفين ويقول :
إني امرؤٌ عاهدنى خليلي * ونحن بالسفح لذي النخيل
ألا أقوم الدهر في الكبول * أضرب بسيف الله والرسول
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنها مشية يبغضها الله عز وجل إلا في مثل هذا المقام . قال الزبير : فقلت : منعني رسول الله السيف وأعطاه أبا دجانة ، والله لأتبعنه حتى لأنظر ما يصنع ، فاتبعته حتى هجم في المشركين فجعل لا يلقى منهم أحداً إلا قتله ، فقلت : الله ورسوله أعلم ! قال : وكان في المشركين رجل قد أبلى ولم يدع منا جريحاً إلا دق عليه أي قتله فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه ، فدعوت الله أن يجمع بينهما ، فالتقيا واختلفا بضربتين فضرب المشرك أبا دجانة ضربة بسيفه فاتقاها أبو دجانة بدرقته فعضب السيف ، وضربه أبو دجانة فرمى برأسه !
ثم رأيته حمل السيف على مفرق رأس هند ابنة عتبة ثم عدله عنها ! فقيل : لأبى دجانة في ذلك ! فقال : رأيت إنساناً يخمِّش الناس خمشاً شديداً يعنى يحركهم القتال فصدرت إليه يعنى قصدته فلما حملت السيف على رأسه لأضربه وَلْوَلَ ، فإذا به امرأة فأكرمت سيف رسول الله من أن أضرب به امرأة » ! ومسلم : 7 / 151 .
وفى علل الشرائع : 1 / 7 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما كان يوم أحد انهزم أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى لم يبق معه إلا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وأبو دجانة سماك بن خرشة ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا دجانة أما ترى قومك ؟ قال : بلي . قال : إلحق بقومك قال : ما على هذا بايعت الله ورسوله ! قال : أنت في حل . قال : والله لا تتحدث قريش بأنى خذلتك وفررت حتى أذوق ما تذوق ! فجزَّاه النبي خيراً ، وكان على كلما حملت طائفة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) استقبلهم وردهم حتى أكثر فيهم القتل والجراحات حتى انكسر سيفه ، فجاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله إن الرجل يقاتل بسلاحه وقد انكسر سيفي ، فأعطاه ( عليه السلام ) سيفه ذا الفقار ، فما زال يدفع به عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى أثَّر وانكسر ، فنزل عليه جبرئيل وقال : يا محمد ، إن هذه لهى المواساة من على لك ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنه منى وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا منكما » .
قال : مصنف هذا الكتاب « رحمه الله » : قول جبرئيل ( عليه السلام ) : وأنا منكما تمنٍّ منه لأن يكون منهما ، فلو كان أفضل منهما لم يقل ذلك ولم يتمن أن ينحط عن درجته إلى أن يكون ممن دونه ، وإنما قال : وأنا منكما ، ليصير ممن هو أفضل منه فيزداد محلاً إلى محله وفضلاً إلى فضله » .
ورواه فرات في تفسيره / 93 ، عن حذيفة وفيه : « فلما سمع رسول الله كلامه ورغبته في الجهاد إنتهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى صخرة فاستتر بها ليتقى بها من السهام سهام المشركين ، فلم يلبث أبو دجانة إلا يسيراً حتى أثخن جراحة فتحامل حتى انتهى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فجلس إلى جنبه مثخناً لا حراك به » .
وفى الإرشاد : 2 / 386 ، عن المفضل عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « يخرج القائم ( عليه السلام ) من ظهر الكوفة سبعة وعشرين رجلاً ، خمسة عشر من قوم موسى ( عليه السلام ) الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون ، وسبعة من أهل الكهف ، ويوشع بن نون ، وسلمان ، وأبا دجانة الأنصاري ، والمقداد ، ومالكاً الأشتر ، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً » . ومعجم أحاديث الإمام المهدي « عليه السلام » : 5 / 122 .
25 - جهاد نسيبة أم عمارة بنت كعب المازنية
في تفسير القمي : 1 / 115 : « وبقيت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نسيبة بنت كعب المازنية ، وكانت تخرج مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في غزواته تداوى الجرحي ، وكان ابنها معها فأراد أن ينهزم ويتراجع فحملت عليه فقالت : يا بنى إلى أين تفر عن الله وعن رسوله ؟ ! فردته فحمل عليه رجل فقتله ، فأخذت سيف ابنها فحملت على الرجل فضربته على فخذه فقتلته ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بارك الله عليك يا نسيبة . وكانت تقى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بصدرها ويديها حتى أصابتها جراحات كثيرة !
وحمل ابن قميئة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أروني محمداً لا نجوت إن نجا ، فضربه على حبل عاتقه ، ونادى قتلت محمداً واللات والعزي .
ونظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى رجل من المهاجرين قد ألقى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة فناداه : يا صاحب الترس ألق ترسك ومُرَّ إلى النار ! فرمى بترسه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا نسيبة خذي الترس فأخذت الترس وكانت تقاتل المشركين ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان » .
وقال ابن هشام : 3 / 599 : « وقاتلت أم عمارة ، نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد . فذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري : أن أم سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول : دخلت على أم عمارة ، فقلت لها : يا خالة أخبريني خبرك ، فقالت : خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء ، فانتهيت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين ، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمى عن القوس حتى خلصت الجراح إلي ، قالت : فرأيت على عاتقها جرحاً أجوف له غور ، فقلت : من أصابك بهذا ؟ قالت : ابن قمئة أقمأه الله ! لما ولى الناس عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أقبل يقول : دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا ، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله فضربني هذه الضربة فلقد ضربته على ذلك ضربات ، ولكن عدو الله كان عليه درعان » .
وفى قاموس الرجال : 12 / 347 : « شهدت نسيبة العقبة مع زوجها ، وشهدت أحداً وشهدت اليمامة . قاتلت حين كر المشركون فضربها ابن قميئة ضربة بالسيف على عاتقها ، وقاتلت نسيبة يوم اليمامة فقطعت يدها وهى تريد مسيلمة لتقتله » .
26 - دخل الجنة ولم يصلِّ ركعة
كان عمرو بن قيس قد تأخر إسلامه ، فلما بلغه أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الحرب أخذ سيفه وترسه وأقبل كالليث العادي يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ثم خالط القوم فاستشهد ، فمر به رجل من الأنصار فرآه صريعاً بين القتلى فقال : « يا عمرو أنت على دينك الأول ؟ فقال معاذ الله ، والله إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ثم مات ! فقال رجل من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا رسول الله إن عمرو بن قيس قد أسلم فهو شهيد ؟ فقال : إي والله إنه شهيد ، ما رجل لم يصل لله ركعة دخل الجنة غيره » .
27 - شهادة حنظلة غسيل الملائكة « رحمه الله »
في شرح الأخبار : 1 / 269 : « وبارز يومئذ أبو سفيان حنظلة بن أبي عامر الغسيل من الأنصار ، فصرع حنظلة أبا سفيان وعلاه ليقتله ، فرآه شداد بن الأسود فجاءه من خلفه فضربه فقتله ، وقام أبو سفيان من تحته ، وقال : حنظلة بحنظلة ! يعنى ابنه حنظلة المقتول ببدر ، الذي ذكر أن علياً ( عليه السلام ) قتله يومئذ .
ولما انهزم المشركون عن أحد وقف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على قتلى المسلمين ، وأمر بدفنهم في مصارعهم ، ورد من حمل منهم فدفن هناك ، وأمر بدفنهم في ثيابهم وبدمائهم من غير أن يغسلوا كما يفعل بالشهداء ، فرأى الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر الأنصاري . فلما قدم المدينة قال : سلوا عنه امرأته . فقالت : فلما سمع بخروج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج مبادراً وهو جنب من قبل أن يغتسل . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فلذلك ما رأيت من غسل الملائكة إياه » . ونحوه ابن هشام : 3 / 592 .
وفى تفسير القمي : 1 / 112 : « وكان حنظلة بن أبي عامر رجل من الخزرج ، قد تزوج في تلك الليلة التي كان في صبيحتها حرب أحد ، بنت عبد الله بن أبي سلول ودخل بها في تلك الليلة . . فأصبح وخرج وهو جنب ، فحضر القتال فبعثت امرأته إلى أربعة نفر من الأنصار لما أراد حنظلة أن يخرج من عندها وأشهدت عليه أنه قد واقعها ، فقيل لها : لم فعلت ذلك ؟ قالت رأيت في هذه الليلة في نومى كأن السماء قد انفرجت فوقع فيها حنظلة ثم انضمت ، فعلمت أنها الشهادة ، فكرهت أن لا أشهد عليه فحملت منه . فلما حضر القتال نظر حنظلة إلى أبي سفيان على فرس يجول بين العسكرين فحمل عليه فضرب عرقوب فرسه فاكتسعت الفرص وسقط أبو سفيان إلى الأرض وصاح : يا معشر قريش أنا أبو سفيان ، وهذا حنظلة يريد قتلي ، وعدا أبو سفيان ومر حنظلة في طلبه ، فعرض له رجل من المشركين فطعنه ، فمشى المشرك في طعنته فضربه فقتله ، وسقط حنظلة إلى الأرض بين حمزة وعمرو بن الجموح وعبد الله بن حزام وجماعة من الأنصار ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : رأيت الملائكة يغسلون حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن في صحائف من ذهب ، فكان يسمى غسيل الملائكة » .
28 - جهاد رُشَيد الهَجَرى في أحُد
واسمه عبد الرحمن بن عقبة ، قال : « شهدت مع نبي الله يوم أحد فضربت رجلاً من المشركين فقلت : خذها منى وأنا الغلام الفارسي ، فبلغت النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : هلا قلت : خذها منى وأنا الغلام الأنصاري » . أحمد : 5 / 295 ، راجع : جواهر التاريخ : 2 / 406 .
29 - أبو عزة الذي أراد اغتيال النبي « صلى الله عليه وآله »
في الخرائج : 1 / 149 : « كان أبو عزة الشاعر ، حضر مع قريش يوم بدر يحرض قريشاً بشعره على القتال ، فأسر في السبعين الذين أسروا . فلما وقع الفداء على القوم قال أبو عزة : يا أبا القاسم تعلم أنى رجل فقير فامنن على بناتي ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إن أطلقتك بغير فداء أتكثر علينا بعدها ؟ قال : لا والله . فعاهده أن لا يعود ، فلما كانت حرب أحد دعته قريش إلى الخروج معها ليحرض الناس بشعره على القتال ، فقال : إني عاهدت محمداً ألا أكثر عليه بعدما من علي . قالوا : ليس هذا من ذاك ، إن محمداً لا يسلم منا في هذه الدفعة ، فقلبوه عن رأيه فلم يؤسر يوم أحد من قريش غيره ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ألم تعاهدني ؟ قال : إنما غلبوني على رأيي فامنن على بناتي . قال : لا ، تمشى بمكة وتحرك كتفيك فتقول : سخرت من محمد مرتين ! المؤمن لايلسع من جحر مرتين ! يا علي اضرب عنقه » . والخلاف : 4 / 193
وابن إسحاق : 3 / 302 .
30 - النبي « صلى الله عليه وآله » يشفى عين قتادة من أجل عروسه
في كشف الغمة : 1 / 187 : « أصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته ، قال : فجئت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقلت : يا رسول الله إن تحتى امرأة شابة جميلة أحبها وتحبني ، وأنا أخشى أن تقذر مكان عيني ! فأخذها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فردها فأبصرت وعادت كما كانت لم تؤلمه ساعة من ليل أو نهار ، فكان يقول : بعد أن أسن هي أقوى عيني ، وكانت أحسنهما » . ونحوه الإحتجاج : 1 / 332 والثاقب في المناقب / 64 .
31 - عندما اضطرب المسلمون قتلوا والد حذيفة خطأ !
« اختلفت سيوف المسلمين على اليمان أبى حذيفة يوم أحد ولا يعرفونه ، فقتلوه ، فأراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يدِيه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين » . أحمد : 5 / 429 .
32 - لعن النبي « صلى الله عليه وآله » أبا سفيان يوم أحُد
روى في الخصال / 397 ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، قال : « إن رسول لله ( صلى الله عليه وآله ) لعن أبا سفيان في سبعة مواطن في كلهن لا يستطيع إلا أن يلعنه ، أولهن : يوم لعنه الله ورسوله وهو خارج من مكة إلى المدينة مهاجراً وأبو سفيان جائى من الشام ، فوقع فيه أبو سفيان يسبه ويوعده وهمَّ أن يبطش به فصرفه الله عن رسوله .
والثانية : يوم العير إذا طردها ليحرزها عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلعنه الله ورسوله .
والثالثة : يوم أحد قال أبو سفيان : أُعل هبل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الله أعلى وأجل فقال أبو سفيان : لنا عزى ولا عزى لكم ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الله مولانا ولا مولى لكم .
والرابعة : يوم الخندق يوم جاء أبو سفيان في جميع قريش فرد هم الله بغيظهم لم ينالوا خيراً ، وأنزل الله عز وجل في القرآن آيتين في سورة الأحزاب فسمى أبا سفيان وأصحابه كفاراً ، ومعاوية مشرك عدو لله ولرسوله .
والخامسة : يوم الحديبية والهدى معكوفاً أن يبلغ محله ، وصد مشركوا قريش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن المسجد الحرام وصدوا بُدْنَهُ أن تبلغ المنحر ، فرجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يطف بالكعبة ولم يقض نسكه ، فلعنه الله ورسوله .
والسادسة : يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش وعامر بن الطفيل بجمع هوازن وعيينة بن حصن بغطفان ، وواعد لهم قريظة والنضير أن يأتوهم فلعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) القادة والأتباع وقال : أما الأتباع فلا تصيب اللعنة مؤمناً ، وأما القادة فليس فيهم مؤمن ولا نجيب ولا ناج .
والسابعة : « يوم حملوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في العقبة وهم اثنا عشر رجلاً من بنى أمية وخمسة من سائر الناس فلعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من على العقبة غير النبي ( صلى الله عليه وآله ) وناقته وسائقه وقائده . قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : جاء هذا الخبر هكذا . والصحيح أن أصحاب العقبة كانوا أربعة عشر » . والاحتجاج : 1 / 408 وشرح الأخبار : 2 / 165 .
33 - لماذا قرر المشركون أن يبقوا عمر بن الخطاب ولا يقتلوه ؟
قال ابن هشام : 2 / 282 : « وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد ، فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول : أنج يا ابن الخطاب . لا أقتلك ! فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه » ! وقد عقد في الصحيح من السيرة : 6 / 235 فصلاً ، لمعرفة سبب قول ضرار بن الخطاب لعمر بن الخطاب : « والله ما كنت لأقتلك » ! وكان ضرار بن الخطاب مقرباً من أبي سفيان ، وهو من فرسان قريش وشعرائها ، وشعره في هجاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) مشهور !
وكذا جرى لعمر في غزوة الخندق وتعمد المشركين تركه وعدم المساس به !
34 - فداءً لك يا رسول الله !
« عن أنس قال : « لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة فقالوا : قتل محمد ! حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة ، فخرجت امرأة من الأنصار متحزنة فاستقبلت بأبيها وابنها وزوجها وأخيها ، لا أدرى أيهم استقبلت أولاً ، فلما مرت على آخرهم قالت : من هذا ؟ قالوا : أخوك وأبوك وزوجك وابنك ! قالت : ما فعل النبي ؟ قالوا : أمامك ، فمشت حتى جاءت إليه فأخذت بناحية ثوبه وجعلت تقول : بأبى أنت وأمي يا رسول الله لاأبالى إذا سلمت من عطب » مسكن الفؤاد / 72 .
35 - بركة النبي « صلى الله عليه وآله » على تمر جابر الأنصاري
في الخرائج : 1 / 154 ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : « استشهد والدي بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم أحد وهو ابن مائتي سنة ، وكان عليه دين ، فلقيني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوماً فقال : ما فعل دين أبيك ؟ قلت : على حاله . فقال : لمن هو ؟ قلت : لفلان اليهودي . قال : متى حينه ؟ قلت : وقت جفاف التمر . قال : إذا جففت التمر فلا تحدث فيه حتى تعلمني واجعل كل صنف من التمر على حدة . ففعلت ذلك وأخبرته ( صلى الله عليه وآله ) ، فصار معي إلى التمر وأخذ من كل صنف قبضة بيده وردها فيه ، ثم قال : هات اليهودي . فدعوته فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إختر من هذا التمر أي صنف شئت فخذ دينك منه . فقال اليهودي : وأي مقدار لهذا التمر كله حتى آخذ صنفاً منه ؟ ولعل كله لا يفي بديني ! فقال : إختر أي صنف شئت فابتدئ به ، فأومى إلى صنف الصيحاني فقال : أبتدئ به ؟ فقال : إفعل باسم الله ، فلم يزل يكيل منه حتى استوفى منه دينه كله ، والصنف على حاله ما نقص منه شئ ! ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : يا جابر هل بقي لأحد عليك شئ من دينه ؟ قلت : لا . قال : فاحمل تمرك بارك الله لك فيه ، فحملته إلى منزلي وكفانا السنة كلها ، فكنا نبيع لنفقتنا ومؤونتنا ونأكل منه ، ونهب منه ونهدي ، إلى وقت التمر الحديث ، والتمر على حاله إلى أن جاءنا الجديد » .
36 - قزمان مثلٌ لسيئ التوفيق
في سيرة بن هشام : 2 / 368 و 605 : « قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال : كان فينا رجل أتى لا يدرى ممن هو يقال له قزمان ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول إذا ذكر له : إنه لمن أهل النار ! قال : فلما كان يوم أحد قاتل قتالاً شديداً فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس ، فأثبتته الجراحة فاحتمل إلى دار بنى ظفر . قال : فجعل رجال من المسلمين يقولون له : والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر . قال : بماذا أبشر ؟ فوالله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي ولولا ذلك ما قاتلت . قال : فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهماً من كنانته فقتل به نفسه » !
37 - عثمان يؤوى عمه المشرك القاتل !
كان معاوية بن المغيرة بن العاص الأموي ابن عم عثمان بن عفان ، شديد العداء للنبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى هدر دمه ، وهو جدُّ عبد الملك بن مروان لأمه .
وكان مع أبي سفيان في جيش أحد ، ولما انهزم القرشيون أمام المسلمين في الجولة الأولى هرب ابن المغيرة فدخل المدينة وآوى إلى بيت ابن عمه عثمان ، فتشفع فيه عثمان وألح على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأمهله ثلاثاً على أن لا يراه في المدينة ولا حولها ، ولعن من أعانه وجهزه فجهزه عثمان ، وتأخر في المدينة ليأخذ أخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) لقريش ! فنزل جبرئيل وأخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمكانه أيام حمراء الأسد ، فأرسل علياً وعماراً فقتلاه ! وحكى الإمام الصادق ( عليه السلام ) قصته كما في الكافي : 3 / 251 قال : « إن الفاسق آوى عمه المغيرة بن أبي العاص وكان ممن هدر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دمه ، فقال لابنة رسول الله : لا تخبري أباك بمكانه كأنه لا يوقن أن الوحي يأتي محمداً ! فقالت : ما كنت لأكتم رسول الله عدوه ! فجعله بين مشجب له ولحفه بقطيفة ، فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الوحي فأخبره بمكانه فبعث إليه علياً ( عليه السلام ) وقال : اشتمل على سيفك وائت بيت ابنة ابن عمك ، فإن ظفرت بمعاوية بن المغيرة فاقتله !
فأتى البيت فجال فيه فلم يظفر به فرجع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره فقال : يا رسول الله لم أره ، فقال : إن الوحي قد أتاني فأخبرني أنه في المشجب ! ودخل عثمان بعد خروج على فأخذ بيد عمه فأتى به النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلما رآه أكب عليه ولم يلتفت إليه ! وكان نبي الله ( صلى الله عليه وآله ) حيياً كريماً فقال : يا رسول الله هذا عمي ، هذا المغيرة بن أبي العاص وقد والذي بعثك بالحق آمنته . قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : وكذب ، والذي بعثه بالحق ما آمنه ! فأعادها ثلاثاً أنى آمنته ، وأعادها أبو عبد الله ( عليه السلام ) ثلاثاً ، إلا أنه يأتيه عن يمينه ثم يأتيه عن يساره ، فلما كان في الرابعة رفع رأسه إليه فقال له : قد جعلته لك ثلاثاً فإن قدرتُ عليه بعد ثالثة قتلته ، فلما أدبر قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم العن المغيرة بن أبي العاص ، والعن من يؤويه ، والعن من يحمله ، والعن من يطعمه ، والعن من يسقيه ، والعن من يجهزه ، والعن من يعطيه سقاء أو حذاء أو رشاء أو وعاء ، وهو يعدهن بيمينه !
وانطلق به عثمان فآواه وأطعمه وسقاه وحمله وجهزه ، حتى فعل جميع ما لعن عليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) من يفعله به ! ثم أخرجه في اليوم الرابع يسوقه فلم يخرج من أبيات المدينة حتى أعطب الله راحلته ونقب حذاه وورمت قدماه ، فاستعان بيديه وركبتيه وأثقله جهازه حتى وجس به ، فأتى شجرة فاستظل بها ، لو أتاها بعضكم ما أبهره ذلك ! فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الوحي فأخبره بذلك فدعا علياً ( عليه السلام ) فقال : خذ سيفك وانطلق أنت وعمار وثالث لهم فأت المغيرة بن أبي العاص تحت شجرة كذا وكذا ، فأتاه على فقتله .
فضرب عثمان بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : أنت أخبرت أباك بمكانه ! فبعثت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تشكو ما لقيت ، فأرسل إليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إقنى حياءك ، ما أقبح بالمرأة ذات حسب ودين في كل يوم تشكو زوجها ! فأرسلت إليه مرات كل ذلك يقول لها ذلك ، فلما كان في الرابعة دعا علياً ( عليه السلام ) وقال : خذ سيفك واشتمل عليه ثم ائت بيت ابنة ابن عمك فخذ بيدها ، فإن حال بينك وبينها أحد فاحطمه بالسيف ، وأقبل بها إلى رسول الله ! فلما نظرت إليه رفعت صوتها بالبكاء واستعبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبكي ، ثم أدخلها منزله وكشفت عن ظهرها ، فلما أن رأى ما بظهرها قال : ثلاث مرات : ماله قتلك قتله الله ! وكان ذلك يوم الأحد ، وبات عثمان ملتحفاً بجاريتها فمكث الاثنين والثلاثاء وماتت في اليوم الرابع ، فلما حضر أن يخرج بها أمر رسول الله ( عليه السلام ) فاطمة « عليها السلام » فخرجت ونساء المؤمنين معها ، وخرج عثمان يشيع جنازتها ، فلما نظر إليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : من أطاف البارحة بأهله أو بفتاته فلا يتبعن جنازتها ! قال ذلك ثلاثاً ، فلم ينصرف فلما كان في الرابعة قال : لينصرفن أولأسمين باسمه ، فأقبل عثمان متوكئاً على مولى له ممسك ببطنه فقال : يا رسول الله إني أشتكى بطني ،
فإن رأيت أن تأذن لي أنصرف ، قال : انصرف . وخرجت فاطمة « عليها السلام » ونساء المؤمنين والمهاجرين فصلين على الجنازة » . راجع الصحيح من السيرة : 6 / 206 ، الخرائج : 1 / 94 ، الدرر / 158 وابن هشام : 3 / 617 .
38 - أسماء شهداء أحُد وقتلى المشركين فيها
في سيرة ابن هشام : 3 / 635 : » قال ابن إسحاق : واستشهد من المسلمين يوم أحد مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من المهاجرين من قريش ، ثم من بني هاشم بن عبد مناف : حمزة بن عبد المطلب بن هشام رضي الله عنه ، قتله وحشي ، غلام جبير بن مطعم . ومن بنى أمية بن عبد شمس : عبد الله بن جحش ، حليف لهم ، من بنى أسد بن خزيمة . ومن بنى عبد الدار بن قصي : مصعب بن عمير قتله ابن قمئة الليثي . ومن بنى مخزوم بن يقظة : شماس بن عثمان . أربعة نفر . ومن الأنصار ، ثم من بنى عبد الأشهل : عمرو بن معاذ بن النعمان ، والحارث بن أنس بن رافع ، وعمارة بن زياد بن السكن . قال ابن هشام : السكن : ابن رافع بن امرئ القيس ، ويقال : السكن . قال ابن إسحاق : وسلمة بن ثابت بن وقش ، وعمرو بن ثابت بن وقش . رجلان .
قال ابن إسحاق : وقد زعم لي عاصم بن عمر بن قتادة : أن أباهما ثابتاً قتل يومئذ . ورفاعة بن وقش ، وحسيل بن جابر ، أبو حذيفة وهو اليمان ، أصابه المسلمون في المعركة ولا يدرون ، فتصدق حذيفة بديته على من أصابه .
وصيفي بن قيظي ، وحباب بن قيظي ، وعباد بن سهل ، والحارث بن أوس بن معاذ . اثنا عشر رجلاً . ومن أهل راتج : إياس بن أوس بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن زعوراء بن جشم بن عبد الأشهل ، وعبيد بن التيهان .
قال ابن هشام : ويقال : عتيك بن التيهان وحبيب بن يزيد بن تيم . ثلاثة نفر . ومن بنى ظفر : يزيد بن حاطب بن أمية بن رافع . رجل ومن بنى عمرو بن عوف ، ثم من بنى ضبيعة بن زيد : أبو سفيان بن الحارث ابن قيس بن زيد ، وحنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن نعمان بن مالك بن أمة ، وهو غسيل الملائكة ، قتله شداد بن الأسود بن شعوب الليثي . رجلان .
قال ابن هشام : قيس : ابن زيد بن ضبيعة ، ومالك : ابن أمة بن ضبيعة .
قال ابن إسحاق : ومن بنى عبيد بن زيد : أنيس بن قتادة . رجل . ومن بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف : أبو حية ، وهو أخو سعد بن خثيمة لأمه . قال ابن هشام : أبو حية : ابن عمرو بن ثابت . قال ابن إسحاق : وعبد الله بن جبير النعمان وهو أمير الرماة . رجلان . ومن بنى السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس : خيثمة أبو سعد بن خيثمة . رجل . ومن حلفائهم من بنى العجلان : عبد الله بن سلمة رجل . ومن بنى معاوية بن مالك : سبيع بن حاطب بن الحارث بن قيس بن هيشة . رجل .
قال ابن هشام : ويقال . سويبق بن الحارث بن حاطب بن هيشة .
قال ابن إسحاق : ومن بنى النجار ، ثم من بنى سواد بن مالك بن غنم : عمرو بن قيس ، وابنه قيس بن عمرو . قال ابن هشام : عمرو بن قيس : ابن زيد بن سواد .
قال ابن إسحاق : وثابت بن عمرو بن زيد ، وعامر بن مخلد . أربعة نفر . ومن
بنى مبذول : أبو هبيرة بن الحارث بن علقمة بن عمرو بن ثقف بن مالك بن مبذول ، وعمرو بن مطرف بن علقمة بن عمرو . رجلان . ومن بنى عمرو بن مالك : أوس بن
ثابت بن المنذر . رجل .
قال ابن هشام : أوس بن ثابت ، أخو حسان بن ثابت . قال ابن إسحاق : ومن بنى عدى بن النجار : أنس بن النضر بن ضمضم ابن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار . رجل ، قال ابن هشام : أنس بن النضر ، عم أنس بن مالك : خادم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . ومن بنى مازن بن النجار : قيس بن مخلد ، وكيسان ، عبد لهم . رجلان . ومن بنى دينار بن النجار : سليم بن الحارث ، ونعمان بن عبد عمرو . رجلان . ومن بنى الحارث بن الخزرج : خارجة بن زيد بن أبي زهير ، وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير ، دفنا في قبر واحد ، وأوس بن الأرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب . ثلاثة نفر . ومن بنى الأبجر ، وهم بنو خدرة : مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر ، وهو أبو أبي سعيد الخدري . قال ابن هشام : اسم أبي سعيد الخدري : سنان ، ويقال : سعد . قال ابن إسحاق : وسعيد بن سويد بن قيس بن عامر بن عباد بن الأبجر ، وعتبة بن ربيع بن رافع بن معاوية بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر . ثلاثة نفر . ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج : ثعلبة بن سعد بن مالك بن خالد ابن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة ، وثقف بن فروة بن البدي . رجلان . ومن بنى طريف ، رهط سعد بن عبادة : عبد الله بن عمرو بن وهب ابن ثعلبة بن وقش بن ثعلبة بن طريف ، وضمرة ، حليف لهم من بنى جهينة . رجلان . ومن بنى عوف بن الخزرج ، ثم من بنى سالم ، ثم من بنى مالك بن العجلان ابن زيد بن غنم بن سالم : نوفل بن عبد الله ، وعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك ابن العجلان ، ونعمان بن مالك بن ثعلبة بن فهر بن غنم بن سالم ، والمجذر بن زياد ، حليف لهم من بلي ، وعبادة بن الحسحاس . دفن النعمان بن مالك ، والمجذر ، وعبادة ، في قبر واحد . خمسة نفر . ومن بنى الحبلي : رفاعة بن عمرو . رجل ، ومن بنى سلمة ، ثم من بنى حرام : عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام ، وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام ، دفنا في قبر واحد ، وخلاد بن عمرو بن الجموح ، وأبو أيمن ، مولى عمرو بن الجموح . أربعة نفر . ومن بنى سواد بن غنم : سليم بن عمرو بن حديدة ، ومولاه عنترة ، وسهل ابن قيس بن أبي كعب بن القين . ثلاثة نفر . ومن بنى زريق بن عامر : ذكوان بن عبد قيس وعبيد بن المعلى بن لوذان . رجلان . قال ابن إسحاق : فجميع من استشهد من المسلمين مع رسول الله من المهاجرين والأنصار خمسة وستون رجلاً .
قال ابن هشام : وممن لم يذكر ابن إسحاق من السبعين الشهداء الذين ذكرنا ، من الأوس ، ثم من بنى معاوية بن مالك : بن تميلة ، حليف لهم من مزينة . ومن بنى خطمة - واسم خطمة : عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس - الحارث بن عدي بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة . ومن بنى الخزرج ، ثم من بنى سواد بن مالك : مالك بن إياس . ومن بنى عمرو بن مالك بن النجار : إياس بن عدي . ومن بنى سالم بن عوف : عمرو بن إياس .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|