أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-25
1216
التاريخ: 2024-08-01
518
التاريخ: 2023-10-25
998
التاريخ: 2023-11-27
1193
|
بدت الروسيا في القرن السابع عشر أكثر دول القارة الأوروبية رجعية. فبينما كانت تنعم بقية القارة بثمار النهضة التي ظهرت بوادرها واضحة في ايطاليا ومنها تسربت الى دول غرب أوروبا، كانت الروسيا حتى ذلك الوقت تتحكم فيها مفاهيم القرون الوسطى، يسودها الجهل الاجتماعي المشبع بالخرافات والتفكك القومي الناتج عن الوصول الى العرش والسلطان بقوة السلاح، وانحلال مؤسسات الحكم السياسي لتفشي الرشوة في الادارة وسيطرة الحكام والطبقة العليا على مقدرات البلاد الاقتصادية. وقد ذهب أحد المعاصرين في وصفه لحالة الروسيا في هذا العصر الى القول: «إذا تمعن الفرد في طبيعة حياة المسكوفيين واساليبهم اضطر الى التسليم بانه لن يجد شيئاً آخر يفوق ذلك الشعب الروسي همجية. انهم لا يتعلمون اي فن او علم او يأخذون أنفسهم باي لون من ألوان الدراسة، وعلى النقيض من ذلك بلغ بهم الجهل انهم يظنون ان ما من انسان يستطيع ان يضع تقويماً الا إذا كان ساحراً أو يتنبأ بدورة القمر وحركة الكسوف والخسوف الا إذا كان على اتصال بالشياطين (1)
هذه الظاهرة التي ميزت الروسيا عن غيرها من دول اوروبا ابان عصر النهضة، كانت وليدة الظروف الموضوعية والعوامل التاريخية التي شهدتها الروسيا منذ فجر العصور الوسطى. فالروس اعتنقوا المسيحية على المذهب الارثوذكسي مما حال بطبيعة الامر دون الاتصال الحضاري مع غرب أوروبا الكاثوليكي الذي كان بدوره شديد التعصب لمذهبه. لذلك رفض الروس جميع مظاهر الحياة حتى ان بعضهم كان يرى في دراسة اللاتينية خطراً عظيماً على الارثوذكسية. كما ان الروسيا كانت أكثر الدول التي دفعت ضريبة الاحتلال البربري خلال العصور الوسطى وذلك لقربها من المنبع الاساسي لهذه القبائل التي كانت تقطن جهات منغوليا والصين وأكثر الدول احتكاكاً بالشعوب الاسيوية التي كانت خلال هـذا الـتـاريـخ أكثر الشعوب بـداوة وتأخراً (2). ومما زاد أيضاً في عزلة الروسيا عن منابع الحضارة الكلاسيكية التي عرفتها اوروبا منذ القرن الخامس عشر الموقع الجغرافي والحصار الدولي الذي فرض عليها من قبل الاتراك العثمانيين من الجنوب لسيطرتهم على جميع اراضي البحر الاسود. ثم من دولة بولندا القوية من الغرب التي كانت تحول دون اي امتداد روسي في تلك الجهات. اما دولة السويد فقد كانت تسيطر على شواطئ البلطيق والملاحة فيه. ولم يكن للروسيا سوى منفذ وحيد على اوروبا بواسطة ميناء ارکانجل (Archangel) على المحيط المتجمد الشمالي الذي تتجمد مياهيه أكثر ايام السنة.
لقد شارك في تأخر الروسيا، الى جانب رجال الدين، مجموعة من اسرة روريك (Ruric) السويدية الأصل تعاقبوا على عرش الدولة ومارسوا ألوان العسف في نفس الوقت فلا برلمان ولا مدن حرة ولا نقابات حرف حتى ولا نظام معين للطبقات الاجتماعية اما المرحلة التي اعقبت حكم اسرة روريك فقد امتازت بالفوضى وعدم الاستقرار. فأظهرت الدول المجاورة (بولندا والسويد) طمعها في اراضي الروسيا وهاجمتها من جميع الاطراف. ولكن الشعب الروسي نجح في معارضته للحكم البولندي وهب بأجمعه بدافع الشعور القومي ليطرد البولنديين من موسكو. ولم تستقر الامور في الروسيا الا بعد موافقة المجلس الوطني المكون من الامراء على اعتلاء میخائیل رومانوف عرش الامبراطورية عام 1613(3).
لم يكن اختيار ميخائيل للعرش نابعاً من كونه يتصل عن طريق النسب بالأسرة السابقة فقط بل لكونه صغيراً لم يتجاوز الخامسة عشرة يفتقر الى الخبرة في شؤون الحكم ليظل تحت مراقبة النبلاء وسيطرتهم. حكم ميخائيل حتى سنة 1645. فتولى بعده العرش ابنه الكسي الذي استرد من البولونيين اوكرانيا الشرقية ومدينة كييف. ثم حكم من بعده ابنه فيدور (Fedor) بين السنتين (1676 – 1682) ولكن الروسيا لم تمارس نفوذها كدولة ذات شأن الا عندما تولى حكمها بطرس الأخ الثاني لفيدور الذي استحق بالفعل لقب "الأكبر" (4).
كان بطرس صغير السن عندما ورث سلطان الروسيا. فتولت الوصاية عليه شقيقته صوفيا التي حاولت الاستئثار بالسلطة بمساعدة الحرس الامبراطوري. الا ان بطرس استغل فشل صوفيا في حربها ضد الاتراك وأعلن نفسه قيصراً حاكماً على الروسيا سنة 1689 بعد ان بعث بأخته الى أحد الاديرة. تمثلت اعمال بطرس الأكبر خلال حكمه في تثبيت سلطته المطلقة على حساب النبلاء والكنيسة وفي اخراج الروسيا من عزلتها السياسية والحضارية وكسر الطوق الذي فرض عليها من جهات البلطيق والبحر الاسود.
............................................
1- فيشر: اصول التاريخ الاوروبي الحديث ترجمة زينب راشد دار المعارف بمصر 1965 ص 362.
2- يرى عبد المجيد نعنعي ايضاً بأن خضوع الروس للتتار جعلهم يرثون مؤثرات حضارية اسيوية زادت من بعدهم عن الحضارة الغربية اوروبا في بعض الازمنة الحديثة ص 159.
3- استمر الحكم محصوراً في هذه الاسرة حتى قيام الثورة البولشفية سنة 1917.
4- (4) Roland Mousnier: Histolre général des civilisations T.IV. Presses universitaires de France. Paris 1954 P. 113.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|