المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



فريضة الهجرة وحقوق المهاجرين في الإسلام  
  
172   01:00 صباحاً   التاريخ: 2024-09-19
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج1، ص552-560
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد الهجرة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-5-2017 2928
التاريخ: 2-7-2017 3214
التاريخ: 11-12-2014 4119
التاريخ: 11-12-2014 3584

1 - أمر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) جميع المسلمين بالهجرة

اتفقت المصادر على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل مصعب بن عمير إلى المدينة بعد بيعة العقبة الأولى ، وكان عدد المسلمين فيها أربعين مسلماً ، ثم تكاثروا وجاء منهم في الموسم نحو سبعين وبايعوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فأمر المسلمين بالهجرة إليهم فهاجروا ، وانتظر هو حتى أمره ربه بالهجرة فهاجر . وبهذا نجحت خطة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في إيجاد قاعدة تحميه من قريش ، وتوفر له الجو المناسب ليبلغ رسالة ربه عز وجل ، رغم أنف قريش وفعالياتها المستميتة لقتله ( صلى الله عليه وآله ) !

قال المسعودي في التنبيه والإشراف / 200 : « كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر أصحابه قبل هجرته بالهجرة إلى المدينة ، فخرجوا أرسالاً فكان أولهم قدوماً أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وعامر بن ربيعة ، وعبد الله بن جحش الأسدي ، وعمر بن الخطاب ، وعياش بن أبي ربيعة » .

وقال الواحدي في أسباب النزول / 164 : « لما أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه وأخيه وامرأته : إنا قد أمرنا بالهجرة ، فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجبه ، ومنهم من يتعلق به زوجته وعياله وولده ، فيقولون : نشدناك الله أن تدعنا إلى غير شئ فنضيع ، فيرق فيجلس معهم ويدع الهجرة ، فنزل بعتابهم : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمان . . ونزل في الذين تخلفوا بمكة ولم يهاجروا قوله تعالى : قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ . . » .

وقال المقريزي في إمتاع الأسماع : 1 / 55 : « اشتد الأذى على من بمكة من المسلمين فأذن لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الهجرة إلى المدينة ، فبادروا إلى ذلك وتجهزوا إلى المدينة في خفاء وستر وتسللوا ، فيقال : إنه كان بين أولهم وآخرهم أكثر من سنة ، وجعلوا يترافدون بالمال والظهر ويترافقون ، وكان من هاجر من قريش وحلفائهم يستودع دوره وماله رجلاً من قومه ، فمنهم من حفظ من أودعه ، ومنهم من باع . . أول من هاجر بعد العقبة الأخيرة وخرج أول الناس أبو سلمة . . ثم هاجر عمر ، ثم تلاحق المسلمون بالمدينة يخرجون من مكة أرسالاً » .

2 - جعل الله الهجرة ميزاناً للإيمان والحقوق

1 . جعل الله الهجرة ميزاناً في تقييم المسلمين ، وعلاقاتهم ، وثبوت حقوقهم المدنية . وقد بدأت بالهجرة إلى الحبشة لما أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) المسلمين المضطهدين ، ثم أمر الباقين بالهجرة إلى المدينة قبل هجرته بأكثر من سنة . ثم أوجب الهجرة إلى المدينة على من يسلم ، واستمرت الهجرة إلى فتح مكة فلا هجرة بعد الفتح ، إلا الهجرة إلى الإمام ( عليه السلام ) ، والى طلب العلم ، والهجرة من البلاد التي ينقص فيها دينه !

2 . وقد تضمنت آيات الهجرة مديحاً كبيراً للمهاجرين ، بشرط أن يكونوا مخلصين ، فقال تعالى : ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ . وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلاجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ . الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . النحل / 41 - 42 .

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللهَ لَهُوَخَيْرُ الرَّازِقِينَ . لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ . الحج / 58 - 59 .

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . « البقرة / 218 » . وَالسَّابِقُونَ الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصار وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . 100 .

ونزلت أوائل آيات الهجرة في مدح علي والزهراء ( صلى الله عليه وآله ) ومن هاجر معهما كما تقدم فقال تعالى : « إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأرض وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ . . الآيات من آل عمران .

3 . وتضمنت حث الأنصار والمسلمين الميسورين على مساعدة المهاجرين ، وشرعت لهم حقوقاً ، فقال تعالى : وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَليَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاتُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . النور / 22 .

مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَللهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ . لْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . وَالَّذِينَ تَبَوَءُو الدَّارَ وَالإيمان مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلآخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رُءُوفٌ رَحِيمٌ . الحشر / 7 - 10 .

4 . وجعلها الإسلام شرطاً لوجوب الولاية والتناصر ، فمن لم يهاجر لا تشرع ولايته : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا اُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَئٍْ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرض وَفَسَادٌ كَبِيرٌ . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ . وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَاُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَئْ عَلِيمٌ . الأنفال / 72 - 75 .

فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً . وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا . إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَسَلَّطَّهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً . النساء / 88 - 90 .

5 . وأوجب الله الهجرة على كل المسلمين يومذاك وأسقطها عن العاجزين فقال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فيِمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا . إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً . فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَعَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا . وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأرض مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا . النساء / 97 - 100 .

6 . والمهاجرون درجات ككل الناس ، ومنهم من يذنب ثم يتوب ، فيتوب الله عليه : لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنصار الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَالتَّوَابُ الرَّحِيمُ .

7 . ومع فضل المهاجرين ، فضَّل الله المجاهدين منهم ومن غيرهم على القاعدين : لايَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا . دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا . النساء / 95 - 96 .

8 . بل فضَّل الله الجهاد مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) على كل مناصب الشرف التي تفخر بها قريش : أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ . يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ . خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمان وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ . التوبة / 16 - 24 .

9 . ومع ولاية المهاجرين وأخُوَّتهم لبعضهم ، أبقى الله التوارث حسب النسب ، فقال تعالى : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا .

3 - القيمة الشرعية لإجماع المهاجرىن والأنصار

تتكون أمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، وقد أخرج منها طلقاء قريش وعتقاء ثقيف وذرياتهم إلى يوم القيامة ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) :

« المهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض ، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة » .

وقد روته المصادر بأسانيد صحيحة بشرط الشيخين ، كأحمد : 4 / 363 بروايتين ، وأفتى عمر بأن رئاسة الدولة الإسلامية محرمة على الطلقاء ، فقال « الطبقات 3 / 342 » « هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد ، وفي كذا وكذ ، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ » .

وَقد بَيَّنَ أهل البيت « عليهم السلام » السبب في جعل الإسلام ما أجمع عليه المهاجرون والأنصار حجة شرعية وهو أن العترة النبوية الطاهرة « عليهم السلام » في هذه المجموعة فإجماعها يتضمن رأي الإمام المعصوم ( عليه السلام ) الذي هو حجة شرعية كالقرآن ، بحكم : « إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » .

ولذا احتج علي ( عليه السلام ) على معاوية بأنك إن لم تعترف بالنص النبوي على الخلافة ، فإن المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا على بيعتي ، فوجب عليك القبول !

قال ( عليه السلام ) لأبي هريرة وأبي الدرداء عندما جاءاه برسالة معاوية : « قد أبلغتماني عنه فأبلغاه عني وقولا له : إن عثمان بن عفان لا يعدو أن يكون أحد رجلين ، إما إمام هدى حرام الدم واجب النصرة لا تحل معصيته ولا يسع الأمة خذلانه ، أو إمام ضلالة حلال الدم لا تحل ولايته ولانصرته ، فلا يخلو من إحدى الخصلتين . والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعدما يموت إمامهم أو يقتل ضالاً كان أو مهتدياً مظلوماً كان أو ظالماً حلال الدم أو حرام الدم ، أن لايعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً ولا يقدموا يداً ولا يبدأوا بشئ ، قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنة ، يجمع أمرهم ويحكم بينهم ، ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه ويحفظ أطرافهم ويجبي فيأهم ويقيم حجتهم وجمعتهم ويجبي صدقاتهم ، ثم يحتكمون اليه في إمامهم المقتول ظلماً ويحاكمون قتلته اليه ليحكم بينهم بالحق ، فإن كان إمامهم قتل مظلوماً حكم لأوليائه بدمه ، وإن كان قتل ظالماً نظر كيف الحكم في ذلك .

هذا أول ما ينبغي أن يفعلوه أن يختاروا إماماً يجمع أمرهم إن كانت الخيرة لهم ويتابعوه ويطيعوه . وإن كانت الخيرة إلى الله عز وجل والى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، فإن الله قد كفاهم النظر في ذلك والاختيار ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد رضي لهم إماماً ، وأمرهم بطاعته واتباعه » . كتاب سليم / 291 .

4 - من أعمال السلطة لتحريف الهجرة ومصادرتها

أ - الهجرة في الإسلام نوعان : الأول : هجرة أمر بها النبي في عصره وانتهت بفتح مكة ، ففي الكافي : 5 / 443 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا رضاع بعد فطام ، ولا وصال في صيام ، ولا يُتم بعد احتلام ، ولا صمت يوم إلى الليل ، ولا تَعَرُّبَ بعد الهجرة ، ولا هجرة بعد الفتح ، ولا طلاق قبل النكاح ، ولا عتق قبل ملك ، ولا يمين للولد مع والده ، ولا للمملوك مع مولاه ولا للمرأة مع زوجها . ولا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة » .

ونحوه في مبسوط السرخسي : 5 / 135 عن جابر : « لا رضاعَ بعد الفصال ، ولا يتم بعد الحلم ، ولا صمت يوم إلى الليل ، ولا وصال في صيام ، ولا طلاق قبل النكاح ، ولا عتق قبل الملك ، ولا وفاء في نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة رحم ، ولا تغرب بعد الهجرة ، ولا هجرة بعد الفتح » .

والنوع الثاني : هجرة بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى الإمام ( عليه السلام ) ، والى طلب العلم ، وهجرة من البلاد التي ينقص فيها دينه ولا يستطيع أداء واجباته ! راجع : جواهر الكلام : 13 / 363 ، 17 / 337 و 21 / 34 والمغني : 10 / 513 .

ب . من أعمال بطون قريش : أنهم جعلوا الهجرة امتيازاً مطلقاً لقريش وحقاً مكتسباً لكل مهاجر ، فرفعوها شعاراً في مقابل الأنصار وأهل البيت « عليهم السلام » ، لأنها برأيهم ميزت المهاجرين على الأنصار ، وساوتهم بأهل البيت « عليهم السلام » !

وقد حذف عمر الواو من قوله تعالى : وَالسَّابِقُونَ الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ، ليجعل الأنصار تبعاً للمهاجرين ، فوقف في وجهه الأنصار وقالوا إنهم مستعدون للحرب من أجل الواو ! الحاكم : 3 / 305 .

ج . ومن أعمالهم : أنهم غَلَّبُوا الهجرة على الجهاد ، فالمهاجر ممتازٌ على الناس حتى لو كان فرَّاراً هرَّاباً في الحرب ، ناكثاً لبيعته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) على أن لا يفر !

د . ومن أعمالهم : « أنهم أهملوا شرط الهجرة ، بأن تكون لله تعالى لا لمكسب دنيوي ، مع أنهم رووا تشديد النبي ( صلى الله عليه وآله ) للمسلمين على نية الهجرة عندما قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعمر : إنما لامرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنياً يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه » . صحيح بخاري : 1 / 2 ، وكرر روايته . وكذا الغازي المقاتل مسائل علي بن جعفر / 346 .

وقد أخفوا الذين كانت نياتهم من هجرتهم دنيوية ، ومنهم من كان يصرح بها كمهاجر أم قيس ، الذي قال إنه هاجر ليتزوج أم قيس ، وقد ضيعوا اسمه !

قال في فتح الباري : 1 / 16 : « مهاجر أم قيس ، ولم نقف على تسميته » !

ويظهر أن تحريف الهجرة بدأ في عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولذا قال : « ألا أنبئكم لمَ سمي المؤمن مؤمناً ؟ لإيمانه الناس على أنفسهم وأموالهم . ألا أنبئكم من المسلم ؟ من سلم الناس يده ولسانه . ألا أنبئكم بالمهاجر ؟ من هجر السيئات وما حرم الله عليه » . علل الشرائع : 2 / 532 ، نحوه الكافي : 2 / 235 ، المحاسن : 1 / 285 وفتح الباري : 1 / 51 .

ه - . ومن أعمالهم : أنهم غطوا على قرشيين ارتدوا وعصوا ولم يهاجروا ، وزعموا أنهم كانوا محبوسين من قبائلهم ! ومن أمثلتهم ثلاثة من أقارب عتاة قريش ، فقد زعم البخاري في سبع مواضع من صحيحه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعا لهم شهوراً في قنوته أن ينجيهم الله من أيدي المشركين ، ويقول : « اللهم أنجِ الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين » ! صحيح البخاري : 1 / 194 ، 2 / 15 ، 3 / 233 ، 4 / 122 ، 5 / 171 ، 7 / 118 و 165 .

وهم : ابن الوليد بن المغيرة ، وأخ أبي جهل ، وابن عمه ! « فتح الباري 8 / 170 » . ومعنى دعاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهم أنهم أخيار ! ورووا أن هؤلاء اتفقوا على الهجرة مع عمر فمنعهم قومهم فنزلت فيهم آية التوبة فأرسلها لهم عمر . تفسير الطبري : 24 / 21 .

لكنهم اعترفوا بأن عياشاً أخ أبي جهل : « قتل رجلاً مؤمناً ، كان يعذبه مع أبي جهل » ! وقالوا إنه أسلم وهاجر مع المهاجرين ، فجاء أبو جهل إلى المدينة وربطه وأرجعه إلى مكة ، فقال المشركون : « إن أبا جهل ليقدر من محمد على ما يشاء . فيأخذ أصحابه فيربطهم » ! تفسير الطبري : 5 / 276 .

ورووا : « كان الوليد بن الوليد على دين قومه وشهد بدراً مع المشركين فأسر وافتدى ، ثم أسلم ورجع إلى مكة فوثب عليه قومه فحبسوه مع عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام ، فألحقه رسول الله بهما في الدعاء » . الطبقات : 4 / 131 .

قال المقريزي في إمتاع الأسماع : 9 / 114 : « وكان قوم من الأشراف قد أسلموا ثم فتنوا « ارتدوا » ! منهم سلمة بن هشام بن المغيرة ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاص السهمي » !

فحقيقة هؤلاء « المهاجرين » أنهم ارتدوا ، وبعضهم حارب النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بدر !

و . ومن أعمالهم : أنهم ادعوا أن آية غزوة الحديبية : وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . « الفتح / 25 » . نزلت فيمن أحبوا من مشركي قريش وطلقائها ! لذا لا يمكن الوثوق برواياتهم فيهم . وقد روينا عن أهل البيت « عليهم السلام » أن الآية تقصد المؤمنين في أصلاب المشركين ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « كان لله ودايع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين فلم يكن علي ( عليه السلام ) ليقتل الآباء حتى تخرج الودايع ، فلما خرج ظهر على من ظهر وقتله ، وكذلك قائمنا أهل البيت لم يظهر أبداً حتى تخرج ودايع الله ، فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله » . تفسير القمي : 2 / 316 .

والمؤكد أن أبا جندل بن سهيل بن عمرو كان مسلماً ممنوعاً من الهجرة ، ولعل منهم طالب بن أبي طالب « رحمه الله » ، أما عقيل والعباس بن عبد المطلب فكان هواهما مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لكنهما جاءا مع قريش إلى بدر فوقعا في الأسر ، ونزل فيهما قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا اُخِذَ مِنْكُمْ . قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « نزلت في العباس وعقيل ونوفل ، وقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نهى يوم بدر أن يقتل أحد من بني هاشم وأبو البختري فأسروا ، فأرسل علياً ( عليه السلام ) فقال : أنظر من هاهنا من بني هاشم ، قال : فمر علي على عقيل بن أبي طالب فحاد عنه فقال له عقيل : يا ابن أم علي ، أما والله لقد رأيت مكاني ! قال : فرجع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : هذا أبو الفضل في يد فلان ، وهذا عقيل في يد فلان ، وهذا نوفل بن الحارث في يد فلان . فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى انتهى إلى عقيل فقال له : يا أبا يزيد قتل أبو جهل ! قال : إذا لا تنازعون في تهامة . فقال : إن كنتم أثخنتم القوم وإلا فاركبوا أكتافهم ! فقال : فجيئ بالعباس فقيل له : إفْدِ نفسك وافد ابن أخيك ، فقال : يا محمد تتركني أسأل قريشاً في كفي ! فقال : أعط مما خلفت عند أم الفضل وقلت لها : إن أصابني في وجهي هذا شئ فأنفقيه على ولدك ونفسك ، فقال له : يا ابن أخي من أخبرك بهذا ؟ فقال : أتاني به جبرئيل ( عليه السلام ) من عند الله عز وجل ! فقال ومحلوفه : ما علم بهذا أحد إلا أنا وهي ! أشهد أنك رسول الله ، قال : فرجع الأسرى كلهم مشركين إلا العباس وعقيل ونوفل ، وفيهم نزلت هذه الآية » . الكافي : 8 / 202 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.